Go Back   منتديات قرية فطيس > المنتديات الأدبية > القصص والحكايات
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

Reply
 
Thread Tools Display Modes
Old 10-10-2011, 09:20 AM   #1
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default من هنا وهناك - لعنة التفاح - قصه قصيره للفاضل احيمر

لعنة التفاح (1) مجموعة قصصية الفاضل إحيمر أوتاوا



لعنة التفاح (حينما كنا في السنة الأولى من المرحلة "الأولية" أو "الإبتدائية" أو "الكتاب" كما كانت تُعرف في زماننا وصاروا يسمونها الآن جوراً وبهتاناً "مرحلة الأساس" والتي هي لا أساس ولا يحزنون وربما تكون أساساً لأي شيئ غير التربية والتعليم، كانت حصة اللغة العربية أو "العربي" كما كنا نسميها أحب الحصص إلينا وكان أستاذ اللغة العربية "الضي"، الذي لم يتطوع أحد ولا هو نفسه بتعريفنا بإسم أبيه أو جده، أقرب الأساتذة إلى قلوبنا اليافعة التي لم يكن الزمن قد حجَرها أو عصرها بعد.

لم يكن أستاذ "الضي" يرتدي سوى الجلابية "السودانية البيضاء" وعمة وطاقية سودانية وبيضاء أيضاً ومركوباً عادياً لا أصله ولا نمر أحسبه من جلد البقر. كان يحمل دوماً عصاة رفيعة مما يسمى "بسطونة" غير أنه لم يستخدمها ولو مرة واحدة في ضرب أي منا وكان يجيبنا عند سؤاله لماذا العصا بقوله "أنها لمن عصى و للكلاب الضالة". لم نكن نفهم كل ما كان يعنيه ذلك لكنا كنا مرتاحين له طالما كان يعني أن العصا لن تستخدم لضربنا. لم يكن ذلك وحده ما حبب استاذ "الضي" إلى نفوسنا فقد كان طيباً لا يُرى إلا ضاحكاً و قد كان يحبه الأساتذة وتلاميذ الفصول أو الصفوف أو السنين الأخرى كما كنا نسميها والعاملون بالمدرسة. بخلاف الأساتذة الآخرين، كنا حين نراه خارج المدرسة نسعى إليه و نحييه في حين أننا كنا نتفادى الأساتذة الآخرين ونهرب منهم خاصة في الحفلات حتى ولو كانت حفلات أهلنا لأن ذلك كان جريمة لا تغتفر وتوجِب العقاب في الطابور غالباً وفي صبيحة يوم الرؤية المشؤومة من قبل الأستاذ. قبل وأثناء تنفيذ العقوبة كنا نسمع أكلشيه "بدل ما تقعدو في البيت و تذاكرو وتحلو الواجب مبارين لي الحفلات". حينما كبرنا عرفنا سر حساسية بعض الأساتذه تجاه وجودنا في الحفلات وترهيبهم لنا حتى لا نقرب ناحيتها و لم يكن للمذاكرة والواجب صلة بالأمر.

أمر واحدٌ ظلّ يحيرنا تجاه حصة العربي واستاذها "الضي" هو أننا لفترة طويلة لم ندرس سوى "أ: أسد، ب: بقر وت: تمر" حتى ظننا أن تلك الحروف الثلاثه هي كل حروف اللغة العربية أو أنها كل ما هو مقرر من مادة العربي في السنة الأولي. رددنا "أ: أسد، ب: بقر وت: تمر" وكأننا في حولية ذكر قادرية قوية أو في مظاهرة يقودها طلاب الثانوية ويجوبون شوارع كسلا وهم يهتفون "لن تحكمنا حكومة الجوع وعاش كفاح الشعب السوداني" قبل التوجه إلى مبنى المديرية والبوليس يطاردهم ويرميهم بـ"البمبان". رددناها فرادى وفي مجموعاتٍ تفنن أستاذ الضي في تشكيلها وكتبناها على السبورة وفي الهواء وعلى الأرض. كان يوماً رائعاً يوم اصطحبنا أستاذ "الضي" إلى خور القاش حيث كان يستريح بعض الرعاة مع ابقارهم وهتفنا بالقرب منهم بأعلى اصواتنا ب: بقر وتوجهنا بعد ذلك إلى حافة القاش حيث لعبنا مع أمواجه لعبة أن نكتب الثلاثية فتمحوها الأمواج فلا نضج ولا نثور ونعود لكتابتها ثانية و ثالثة وعاشرة. كان يوماً أروع من هذا يوم أن أحضر استاذ "الضي" معه ذات يوم "قفة" مملوءة بتمر من الصنف الجيد وحتى فرغت "القفة" تماماً ظللنا نمضغ ونضحك ملء أشداقنا ونحن نحاول بين المضغ والضحك أن ننطق "ت: تمر". كتبناها بعد ذلك في حوش المدرسة بحروف كبيرة مستخدمين نوي التمر. بعد البقر والتمر بدأنا نتساءل ماذا سيفعل أستاذ "الضي" في مسالة "أ: أسد" ولا أدري لماذا كانت لدينا قناعة بأن أستاذ "الضي" الذي نعرقه قد يفاجئنا يوماً ما بأسدٍ في الفصل ولو في قفص.

دارت الأيام سعيدة هنيئة ونحن مع الثلاثية الهجائية تتغير نغمات وتشكيلات ترديدنا لها دون أن تغيير أو تزيد "أ:أسد، ب: بقر، ت: تمر" إلى كان يوماً لن أنساه. دخل استاذ "الضي" الفصل وهو على غير العادة بادي الغضب أو الحزن مهموماً ومغموماً، وبعد فترة صمت خلناها دهراً طلب أن نردد الثلاثية واحداً تلو الآخر ففعلنا بدون الحماس والأنفعال الذي عهدناه إلى أن جاء دور أعز اصدقائي في الفصل "سهيل" أو "سوهو" كما كنا نسميه ولقد ألتقطنا تلك التسمية على ما أظن من أهله. كان "سوهو" مختلفاً عنا في أنه كان "مرتاح" أي من أسرة ميسورة الحال حتى أنه كان يحضر أحياناً إلى المدرسة بسيارة والده وكان يحضر معه اشياء لا نعرف بعضها ولا نرى البعض الآخر في بقالات حينا. عدا ذلك وربما بسبب ذلك كان "سوهو" دائماً رائق المزاج مرحاً مهظاراً لدرجة أنه كان يوصف ببهلوان الفصل. حاول "سوهو" أن يغير جو الغم الذي هيمن على الفصل من خلال واحدة من دعاباته فقال لما جاء دوره وبصوت عالٍ "أ:ـأسد ب: بقر، ت: تفاح" وقال الأخيرة بصوت أعلي بكثيرٍ من الأخريات. سررنا لذلك وضحكنا له غير أن الضحكة سرعان ما تلاشت من وجوهنا وماتت في دواخلنا حين أنتفض أستاذ "الضي" واقفاً و اندفع نحو "سوهو" و بلهجة غاضبة سأله:
ت: شنو؟
ت: تفاح؟؟
أنا علمتك كده؟؟؟

  Reply With Quote
Old 10-10-2011, 09:21 AM   #2
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default

بكره قول لي ت: تمباك، مش كده؟؟؟؟
و قبل أن يجيب إنهال عليه ضرباً بـ"البسطونة" لم تسلم منه يداه اللتان حاول أن يحتمي بهما ولا كتفاه اللذان نالا بعضاً من ضربات الأستاذ التي كان يستهدف بها ظهره. لم يشفع لـ"سوهو" جعيره ولا دموعه الغزيرة أو حتى صراخه من بين الدموع و العبرات:
ت: تمر يا استاذ ....
أ: أسد و ب: بقر و ت: تمر .....
و الله تاني ما أقولا يا استاذ.....
ت تمر تمر يا استاذ...
توقف الأستاذ عن الضرب بعد أن اشبع "سوهو" منه وعاد بعدها إلى مقدمة الفصل حيث جلس ساهماً عابساً على حافة طاولةٍ كانت هناك كما كان يفعل في الكثير من الأحيان إذ أن كرسي الأستاذ المخصص لفصلنا كان قد اختفي بعد أن فقد رجلاً ثم الثانية. ران على الفصل صمت رهيب لم يكن يقطعه سوى نشيج "سوهو" و انتحابه و أخيراً رنين الجرس الذي أنهى أطول و أبأس حصة في حياتنا. بكى الكثيرون منا في صمتٍ وخوفٍ ولم نكن ندري هل كان بكاؤنا تعاطفاً مع "سوهو" أم شعوراً بالفجيعة والنكبة في أستاذٍ تعودنا منه غير ما رأينا في ذلك اليوم.

في صبيحة اليوم التالي ونحن وقوف في الطابور جاء "سوهو" وحينما وقعت أعيننا عليه كان لا يزال يبكي أو أنه عاود البكاء حينما وصل المدرسة. كان معه أبوه وشخص آخر علمنا فيما بعد أنه "مفتش" من مكتب التعليم. كان والد "سوهو" يشتم و يسب وكان المفتش الذي يمشي في عصبية بالغة بل يركض في كل الإتجاهات ولا يتوقف أثناء ذلك عن رفع بنطاله الذي ينزلق عن وسطه ونظارته التي ننزلق عن أرنبة أنفه، كان يصرخ وينطق بعبارات لم نميزها. صُرف الطابور على عجل وطُلب منا التوجه إلى الفصول التي كنا نسمع من داخلها ومن خلال تدافعنا نحو النوافذ الأقرب إلى المكاتب تداخل الصراخ الشديد وتبادل السب والشتم مع محاولات التهدئه وكنا نميِّز من بين الأصوات صوت الناظر و أستاذ "الضي".

كان ذلك آخر يوم أرى فيه أســـــــــــتاذاً كان عزيزاً علينا و صــــــــــــــــديقاً هو الأقرب إلي بين كل زملائي في
الفصل والمدرسة بأسرها. لم أكن أعرف ما هو التفاح وفي طريق العودة إلى المنزل في ذلك اليوم فكرت أنه لا بد أن يكون شيئاً لعيناً، شيئاً لعيناً جداً، لعيناً لدرجة أن مجرد ذكره مرة واحدة فقط أفقدني أستاذاً وصديقاً ولا كل الأساتذة والأصدقاء.





نقلا عن سودانيز اون لاين

  Reply With Quote
Old 10-17-2011, 09:10 AM   #3
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default

الفاضل إحيمر/ أوتاوا 15
/اكتوبر/ 2011

إنتقلنا للصف الثالث أو "مشينا سنه تالته" كما كان يُعبر عن ذلك في ذاك الزمن السعيد الذي ولى وقد لا يعود. في حقيقة الأمر لم "نمش سنه تالته" كلنا فقد مات صديقنا "أوشيك"، عوَّضه الله عن شبابه أو طفولته الجنة، قبل نهاية السنة الثانية بقليل. كان "أوشيك" من ظرفاء المدرسة بأسرها وليس فصلنا فحسب وزادته ظرفاً لكنته المحببة في نطق اللغة العربية واستخدامه كلمات وتعابير غير مألوفةٍ لدينا. كان جريئاً ذكياً ولا أزال أذكر جيداً حكايته مع "المفتش" الذي زار فصلنا يوماً ما وأخذ يسألنا واحداً تلو الأخر،
- "عايز تكون شنو لمن تكبر؟" ونحن نجيب،
- "دكتور، ضابط، مهندس، كبتن طياره، سواق قطر ... الخ"
إلى أن جاء دور "أوشيك" فصمت برهة ثم أجاب،
- "في الأول دايرين نكبر بآدين (بعدين) نشوف".
جلجل المفتش ضاحكاً ثم "الناظر" الذي كان موجوداً في الفصل رفقة "المفتش" ثم أستاذ "على" ثم نحن ثم "أوشيك" "ذات نفسه" كما كان يقول، وإن كان ضحكه نوعاً ما وبعد بعض التردد، ثم كل من سمع لاحقاً رد "أوشيك" العفوي، الواقعي والبليغ. كنا نعلم أن "أوشيك" كان مصاباً بمرض اسمه "التيبي" تسبب في موت إثنين من إخوته قبله وقد لاحظنا، قبل أن يبدأ غيابه عن الفصل لأيامٍ كانت تطول ثم غيابه لفترة أطول لم يعد بعدها، لاحظنا أن جسمه كان قد نحف بصورةٍ مخيفةٍ وكان كثير السعال والبصق ولم نشهده يوماً يتحدث عن أو يتعاطى دواءا. في ذات يوم ٍنحِس نقل لنا أستاذ "علي" أن "أوشيك" قد توفي وبكى بعد ذلك في صمتٍ وبكينا نحن بلا هوادة وبدون صمـت. حينما نجح أستاذ "على" في تهدئتنا أفادنا بأن أفضل ما يمكن أن نفعله من أجل "أوشيك" هو أن نقرأ الفاتحه على روحه ففعلنا وهو معنا وذكر لنا أنه سوف يذهب إلى الجنة بلا حساب. أراحنا ذلك بعض الشيئ غير أنه ظلَّ يقلقني ويؤرقني لأيامٍ عديدة خاطر أنه ربما لم يكن أحدٌ قد ذكَّره وحذَّره قبل موته بأن يبتعد عند ذهابه إلى الجنة عن تلك الشجرة التي لم أرد حتى تذكر أسمها.
لم "يمش معنا سنه تالته" أيضاً "الياس" فقد تقرر أن يعيد السنه. كان "الياس" "عضيراً"، كما كان يُقال لنا، وعلى الرغم من أن أهلنا واساتذتنا كانوا يشددون علينا بأن لا نسخر منه ويهددوننا بأن الله سيعافيه و يبتلى من يفعل ذلك، فقد كان يحزنني كثيراً أن بعض أشقياء المدرسة كانوا لا يكفون عن جعل حياته أكثر صعوبة. كم كنت أود حمايته من ذلك لكني كنتُ من الذين يحتاجون أنفسهم لحماية وكنتُ أهدد من يضايقه بأني ساشكوه للناظر أو باستدرار عطفه وشفقته. غير أن ذلك لم يكن وحده ما كان يحزُّ في نفسي فقد كان المعلمون يتجاهلون "الياس" تماماً وكأنه غير موجود في الفصل بل أنهم كانوا يمعنون في تجاهله حينما يسعى للمشاركة أو الإجابه على سؤالٍ أو الإستفسار عن شيئ أو الشكوى من شخصٍ أو أمرٍ ضايقه مما جعله في نهاية الأمر ينطوي على نفسه ويعيش في عالم خاصٍ به وجعل حالته الخاصة تزداد خصوصيةً وسوءاً. كنتُ أعلم أن "الياس" كان يتألم جداً لذلك فقد كنت جاره في الفصل وكنت أرى الألم في وجهه الطيب واسمعه في أنينه العميق وكنت أـتألم لألمه لكن لم تكن باليد حيله. لم تمض سوى أسابيع قليلة قبل أن يترك "الياس" المدرسة نهائياً وأن يفقد بذلك آخر قشة تمسَّك بها ليصير شيئاً أو بعض شيئ في هذه الحياة فجرفه تيارها الذي لا يرحم بعيداً وانتهى حيث لم يعد يُعرف عنه أو يُشار إليه بسوى "الياس العوقه".
مع انتقالنا للصف الثالث كنا، بفضل أساتذة أجلاء ونظامٍ تعليمي جيد وـتأثير مجتمعٍ كانت فيه للعلم قيمة، كنا قد تجاوزنا بمراحل عديدة (أ: أسد، ب:بقر و ت: تمر) برواية "الضي" أو (أ: أسماء، ب: بدور وت: تماضر) برواية "منير". لم نعد قادرين على كتابة أسمائنا وأسماء آبائنا وأجدادنا حتى "العباس" جد كل الناس - لم أدر وقتها ولا أدري حتى الآن لماذا هو تحديداً – فحسب، بل كنا قادرين على قراءة وكتابة "الجوابات" كما كنا نعلم ما هو الفعل وما هو الإسم وما هو الفاعل والمفعول به وحروف الجر ولم نكن نخطئ إلا لماماً في استخدامها بعكس ما يفعل بعض "الأحبار" وحملة "الأسفار" "حائزو" أرفع الشهادات في زمان التيه اللاحق والماحق. لم يكن الأمر قاصراً على اللغة العربية فحسب فقد كنا نحسب حتى الألف طرداً وعكساً وكان يخجل من نفسه من لا يحفظ كامل جدول الضرب. في مادة الدين لم نكن نحفظ فقط "ويل للمطففين" و"دخلت إمرأة النار في هرةٍ " بل وعيناهما تماماً وغيَّر الحديث النبوي الشريف تعاملنا مع القطط وغيرها من الحيوانات. لم نكن "نكتال" في ذلك العمر ولو كنا نفعل لما طففنا.
كانت السنه الثالثة مختلفة تماماً من حيث المواد والمناهج عن السنتين السابقتين لها فقد كان هناك ما يُعرف بحصة "الموضوعات" التي كانت أول ما فتَّح أذهاننا على التعليم المهني وعرَّفنا بقيمة الحِرف والعمل اليدوي فقد كنا خلالها ننشرُ وننجرُ ونحيكُ الملابس ونخططُ المدن ونشقُّ الترع والطرقات ونصنعُ الطوب متخذين من علب الكبريت الفارغة قوالباً ونشيدُ نماذج منازل ومدارس ومستشفيات وكباري صغيرة ونحلمُ أحلاماً كبيرة. كانت هناك أيضاً حصة "الفلاحة" وقد أكلنا، عملاً لا قولاً، من الذي زرعنا بل بعنا بعضه وبعض إنتاج الدواجن التي "سعينا". كانت هناك أيضاً حصة "المدوّنة" التي كانت تهدف لربط المدرسة والمدرس والدارس بالبيئة والتي علمتنا الملاحظة والرصد والمتابعة. بالإضافة إلى ذلك كانت هناك الحصة الأحب إلىَّ وهي حصة المكتبة التي ارتبطت في ذاكرتي بأنها حصتان "مقرونتان" أو "مفتوحتان" على بعضهما البعض في جدول الحصص ومكتوب عليهما بأحرف ممدودة أو ممطوطة "مكــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ ــــتبه".
لم يكن لحصة المكتبة أستاذ محدد وقد تناوب في الإشراف علينا خلالها جميع الأساتذة بمن فيهم الناظر. يبدو أنهم كانوا جميعاً يحبونها ولقد كانوا يتبارون في إلقاء القصص علينا بصوتٍ مؤثر وتجسيدٍ رائعٍ لشخصياتها فقد كان ذاك قليلٌ من كثير تعلموه في معاهد التربية التي خرَّجت افذاذاً من المعلمين والمعلمات. كان إثنان من "عتاولة" الفصل يحضران رزم الكتب من المكتب وكنا ـنـأحذ منها ما نشاء لقراءته منفردين فيما كان يعرف بالمطالعة الحرة والتي كانت في الغالب محصورة في الكتب السهلة ذات الأحرف الكبيرة والصور الكثيرة. غير أنه في بعص الأحيان كان الأستاذ يختار كتاباً و يمتِّعنا بقراءته. في مرتين أو ثلاث ذهبنا رفقة الأستاذ إلى مكتبة "البلدية" واستلف بعضنا منها بعض الكتب. نعم، كانت هناك مكتبة عامة ملحقة بالبلدية وكانت للبلدية مهامٌ أخرى غير جباية الضرائب.
كانت الأمور تسير دون منغصٍ إلى أن جاءت حصتان كان الأستاذ يقرأ في كل منهما قصة مشوِّقة. كان عنوان الأولى "الأميرة المسحورة والأقزام السبعه". باختصار كانت هناك ملكة شريرة أرادت أن تُلحِق سوءاً بأميرة طيبة جميلة صغيرة فسلطت عليها ساحرة ماكرة وضعت لها سماً أو سحراً في تفاحة، بالطبع، فنامت الأميرة دهوراً ". القصة الثانية كانت لفارسٍ يدعى "وليام تيل" كان الملك يغار منه ويخشاه لأنه محبوب لدى الناس و"أشطر" من الملك في ضروب الفروسية خاصة الرماية. تحداه الملك أن يصيب هدفاً بسهمٍ من على بعد خمسين متراً فقط فوافق دون أن يعرف ما هو الهدف. فاجأه الملك بأن الهدف كان تفاحة على رأس ابنه. توقع الملك أن "تبوظ أعصاب" الفارس وأن "يجلي" عن قصد ويفقد شهرته ومكانته أو أن يحاول أن يصيب التفاحة فيقتل ولده. لكن الفارس ثبت وأصاب التفاحة اللعينة في "النص بالظبط" و"فرتقها حته حته".
بعد سماع هاتين الحكايتين حكى لنا "التلب" حكاية مشابهة من فيلم شاهده. الأفلام عند التلب ثلاثة أنواع: هندي وهو المفضل عنده يليه الأمريكاني وهو أي فيلم غربي مهما كان مصدره أو كانت قصته ثم الأفلام العربية التي كان نادراً مايشاهدها.
كان الفيلم الذي حكى عنه هذه المرة "أمريكاني" بالنسبة لـ"التلب" على الرغم من أنه كان حول مصارعين من روما القديمة. خلاصته، حسب رواية "التلب" "أنه كان هناك مصارع خطير يهزم كل المصارعين فحسدوه وفكروا يتخلصوا منه. جابو ليهو واحده ما كويسه وعملت فيها بتحبو وقعدت تعمل ليهو حركات. يوم قالت ليهو تعال نتقاسم تفاحه وقطعتها قدامو النص النص بي سكين لكين وش السكين الكان علي جيهتو كان فيهو سم. المصارع قرب يموت لكين صاحبو أنقذو ووداه لي مزارع صاحبهم عمل ليهو دوا خلاهو أقوى من أول وكتل ليك الجماعة كلهم. أما البت الما كويسه حاولت تعمل نفس العملية مع زول تاني لكين عرف ليك اللعبة ومقلبها ليك وغفَّلها وغير التفاحة واكلت ليك النص الفيهو السم ووقعت وفرفرت لغاية ما ماتت .... بت الكلب" والأخيره هذه كانت إضافة من عند "التلب".

أيقظت الحكايات الثلاث كل كرهي للتفاح و تساءلت لماذا يرضى لنفسه دون كلِّ الفواكه الأخرى أن يكون "سبب مصايب للعالمين". قلت لنفسي يستاهل اسمه: أوله "تُف" و آخره "آح" و ترسَّخت قناعتي بأن هذا الشيئ المسمى تفاحاً شيئٌ لعينٌ، شيئٌ لعينٌ جداً.

  Reply With Quote
Reply


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 11:39 PM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com