Go Back   منتديات قرية فطيس > المنتديات الأدبية > القصص والحكايات
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

Reply
 
Thread Tools Display Modes
Old 10-08-2010, 04:05 PM   #1
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.41



صادق محمد عوض is offline
Default رسبشن " Reception "

من الوهلة الأولى اعترتني رهبة من دخول البوابة التي تجلس خلفها تلك الحسناء الممشوقة القوام والتي لم أر مثلها إلا على صفحات مجلة الأزياء التي كانت تهتم بها قريبتي إبان دراستها في كلية التربية..
لماذا كانت قريبتي مولعة بمجلة الأزياء؟ سألتها ذات يوم لكثر ما كانت تصر علي أن أجلبها لها عند زيارتي في داخلية البنات كل اسبوعين وخروجها معي إلى البيت، قالت انها تود أن تكون مطلعة على كل جديد في عالم الموضة والجمال، لأنها تود عندما تتخرج أن تصبح على غاية من القبول لدى طالباتها. لم تكن إجابتها لتزيل عني تبعات السؤال، ولكن لم أعر الموضوع أكثر لأنني في كل الأحوال لابد من المرور على المكتبة وشراء المجلة قبل الذهاب إلى الكلية.
كنت أعرف أن لي صورة تتداولها الفتيات داخل العنبر، إنها الصورة المثبتة على بطاقة الخروج. البطاقة التي لم يكن الحارس ليتركني أدخل إلى داخلية البنات بدونها.. ولكني كنت أدخل والحجة أنني كنت صغيراً ولم ولن اطلع عليهن. ولكن كنت مثيراً لاهتمامهن.
هذا الاهتمام لم يجعلني أكسر حاجز الرهبة من الفتيات.. فقد كنت أهابهن وكان القرب منهن خطاً أحمراً..
اليوم تراني أقف متسمراً متردداً أمام الباب الزجاجي وأحمل بيدي شهاداتي وسيرتي الذاتية. سأقدمها طلباً في الحصول على وظيفة في هذه المؤسسة التي تُعنى باختيار موظفيها، والدليل.. ذلك الوجه الذي يستقبلك بأول الغرف.
دخلت الاستقبال بعد أن تأكدت من مظهري جيداً ومسحت حذائي من غبار العدم.. تقدمت خطوات ولم أرفع رأسي إلا أمام صاحبة الحسن والجمال، وقبل أن ترتجف شفتاي..
قلت: السلام عليكم.
قالت: وعليكم السلام ورحمة الله.
ثم رفعت رأسي فوقعت عيناي على ملاك رابض خلف مكتب وسَرَت عباراتها على جسدي وكأنها تلعب بكل عرق يمر من أعلى رأسي إلى أخمص قدمي.. وتسمَّرْت لا أقوى على الحراك غير أنها أردفت بأن دعتني للجلوس على كرسي أمامها. فجلست وأنا أحاول الإمساك بأوراقي التي تهتز بين يدي ولم أحس بوجودها مذ رأيتها. وكأنها أحست برهبتي فلم تسألني ماذا أريد، بل مدَّت يدها فناولتها أوراقي فأخذَت تقلبها وقالت: لا بد انك ستقدم على وظيفة المحاسب التي أعلنت عنها المؤسسة.
قلت: نعم.
قالت: ولكن شهاداتك وأوراقك لا تدل على انك ستكون مناسباً لهذه الوظيفة.
لم أتفاجأ بكلامها لأنني على يقين بأنني لم أدرس من علم الحساب والعد إلا ما كنت مجبراً عليه في المدرسة.. ولكني جئت لأحظى بوظيفة عندها لا بالمؤسسة.. قلت لها هذا الكلام.
حاوَلت الضحك ولكنها امتنعت لأن مظهري كان يوحي بالجد.. تلفَتَت يميناً ويساراً لتتأكد أن ما من أحد يسمعنا، وقالت: هل أنت جاد في كلامك.
أحسست بأن الأمر بيدي الآن وسألقي بكل أوراقي، فلن يفيدني ما معها من شهادات وسيرة.. فعدَّلت من جلستي وقلت: نعم أنا جاد، لأني أثق في قدراتي لشغل وظيفة ما عندك.
قالت وتعلو وجهها الدهشة: إذن قل لي: أي وظيفة تحب في مؤسستي؟
قلت: هي وظيفة واحدة ولشخص واحد..
أدرَكَت ما أعني، ولكنها أحبَّت أن تماطل قليلاً حتى أخرج لها كل ما عندي..
قلت: لعلك لن تقبلي بي إلا بعد المعاينة والتي أحسب لها حسابها.
قالت: ولكنك فاجأتني، ووضعتني في موقف يمر بي لأول مرة.
قررت مغادرة المكان حتى لا أسمع منها رداً في حالتها تلك من الارتباك. وقفت ثم قلت: فكرِّي في الأمر عزيزتي، وسأترك لك رقم هاتفي فأنا انتظر منك مهاتفتي.
خرجت هذه المرة ورأسي لأعلى، وأوصدْت الباب خلفي بسرعة حتى لا تدركني بنظراتها وأنا انصرف.
بدأ والوقت يمر ببطء شديد، وعدى اليوم كأنه سنة.. وتلته أيام وأنا دائم النظر على شاشة الهاتف، وملقياً سمعي لكل رناته.. حتى جاء الموعد.. أخيراً رن الجرس.. كانت هي.. عرفتها من صوتها..
قالت: رجاءاً قم بزيارتنا في الغد.
وكان الغد على ظهر سلحفاة.. وباكراً سقت خطواتي إليها، ولم أتردد هذه المرة، فتحت الباب ودخلت وكانت تقلب في ملفات ملقاة أمامها.. جلسْت ولم استأذن.. ترَكت ما عندها وشبكت يداً بيد..
وقالت: صباح الخير.. هل انت مستعد.
قلت: على أي شيء؟
قالت: قبلنا توظيفك عندنا.
تهلل وجهي بشراً ونظرت إليها ملياً..
وقلت: كنت واثقاً من ذلك..
قطعت لحظة تعبيري بالفرح.. وقالت: ولكنك لم تجبني.
قلت: على ماذا؟
قالت: هل أنت مستعد للوظيفة؟
قلت: إن شاء الله.
قالت: إذن أبدأ الآن.
تبدلت أيامي ولحظاتي، حققت واحدة من آمالي.. توظفت عند أرقى المؤسسات وأجملها.. براتب يغنيني عن السؤال، وحوافز تكفي لتحقيق تطلعاتي.. وأصبحت أداوم كل يوم عندها.. حتى صرت مألوفاً لكل الزائرين. وكانت تختبرني كل يوم.. حتى أيقنت بأنها لم تخطئ حين اختارتني لأشغل قلبها.. وأصبحنا لا نتقابل في مكان العمل، حتى لا تتحول إلينا الأنظار.. فصرنا نتواعد في أماكن عديدة.
مرَّ على حبنا عام كامل.. وطلبت مني الذهاب لأهلها لخطبتها.. وفعَلت.. ومرَّ عام آخر.. وتزوجنا..
فعشنا كأجمل ما يكون اثنين، وكانت لا تزال على عملها.. فقررت يوماً أن أزورها وأعيد بعضاً من ذكريات لقائي الأول معها.. كانت كما قابلتها أول مرة.. تجلس خلف مكتبها.. نظرت إليها وهي منكفئة على رزنامة من الورق.. جلست في نفس موضعي الأول.. فأحست بي.. رفعت بصرها ونظرت إليّ وعلت وجهها ابتسامة..
وقالت: لا توجد عندنا وظائف جديدة..
ضحكت من قلبي وأخذت أجول ببصري في المكان الذي أحسها تملأ كل نواصيه.. إنه المكان الذي وُلِدَتْ فيه أجمل أحاسيسي.


***

  Reply With Quote
Reply


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 07:16 AM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com