|
06-22-2010, 07:42 AM | #1 | ||||||||||
|
رحلة عذاب دابا أنتهت . قصة مؤثرة جداً ,مني سلمان
هذه القصة مهداة للناجحين في امتحان الشهادة السودانية من أبناء الغبش، الذين كسروا الطوق وخرجوا من أسر مثلث الشقاء (جوع وجفاف موارد وجهجهة تعليم)، ليقفزوا بـ (زانة) الجد والاجتهاد فوق أسوار الجامعات .. مالت (نور الشام) على جنبها الايمن وفتحت عينيها ثم اغلقتهما عدة مرات في ظلمة الليل، ثم لعنت (الفتر) و(القصّاصة) و(النتّاحة) التي تنبح منها جميع أطراف جسدها الواهن .. جمعت ساقيها وهبت جالسة مرة واحدة .. عوّدتها ساعتها البيولوجية على الاستيقاظ في الثلث الأخير من الليل يوميا، لتقوم بشدّ قدرة فولها الصغيرة، وترفع الصاج على النار لترمي الطعمية ثم تقوم بتحمير الأسود في (باقي) الزيت لتصنع منه سلطتها اللذيذة التي اشتهرت بها في مدرسة البنات الثانوية حيث تقوم ببيع الفطور للطالبات .. تلفتت حولها تتفقد عناقريب أبنائها وتطمئن على نومهم، فإفتقدت (عفاف) من لحافها الخالي .. تمطت في جلستها ومالت لتنظر للغرفة الوحيدة في نهاية الحوش، وكما توقعت رأت ضوء الفانوس يلقي بخيوطه المتراقصة على وجه (عفاف) المنكبّة على كتبها .. نادتها من بعيد: هي يا عفاف انتي لسه سهرانة ؟ الواطة قربت تصبح .. قومي أطرحي ضهرك ده حبّة في العنقريب قبال الواطة تفتّح ونبقى على المشي للمدرسة. أجابتها (عفاف) بعد أن رفعت رأسها من الكتاب: خلاس يمة قربتّا انتهي من الباب ده .. بجي هسي أولع ليك نار الفول على بال ما تنْشليهوا في القدرة. تمتمت (نور الشام) بدعوة لابنتها البارّة (ربي يخليك ويطرح البركة فيك) ثم قامت تجرجر قدميها المجهدتين بعد أن حملت الابريق وتوجهت نحو المرحاض بالقرب من باب الشارع .. ظل دأب (نور الشام) وروتين حياتها اليومي ثابت طوال عشر سنوات منذ أن غادرها أبو العيال ورفيق دربها (البلال حسب الرسول) .. حين هفّت له بأن يخت جبال كرري، و(نور الشام) وأبناءه الستة وراء ظهره، ويسافر (غربا) على أمل الرجوع بالمال وراحة البال (عن قريب) ! طوال سنوات غياب زوجها في ليبيا (لا حس لا خبر)، كانت (نور الشام) تستيقظ في الثلث الأخير من الليل لتوقد نارها وتصنع فطور بنات المدرسة .. تلك المهنة التي وفّرها لها بعض أولاد الحلال التي لولاها لكان مصيرها وابنائها أسود من ليلها الطويل بعد غياب ابيهم وتركه لهم دون معين. خرجت (نور الشام) من المرحاض ومسواكها على فمها .. حركته بشدة وهي تتجه نحو الماسورة، وعندما وصلتها أخرجت المسواك من فمها وغرزته في أحد شقوق الحائط وانحنت تغسل وجهها وتمضمض فمها بقوة .. عادت للراكوبة فوجدت (عفاف) تحشي فتحة المنقد ببعض الأوراق القديمة وتشعل فيها النار. عندما أذّن المؤذن لصلاة الفجر في الجامع البعيد، كانت (نور الشام) قد انتهت من رمي الطعمية وتظبيط سلطة الأسود ووضعتهم في حلتي ألمونيوم نظيفتين وجلست في انتظار إكتمال استواء الفول لتسكبه على الحلة الثالثة .. انتهت من اداء الصلاة مع صوت جرس درّاجة (العاقب) بتاع العيش، فاسرعت تفتح الباب لاستلام حصتها من الرغيف، فقد تعوّد على أن يمر ببيتها قبل بقية دكاكين الحي لتسليمها حصتها اليومية من العيش الذي تصنع منه السندوتشات، وبعد أن تنتهي من تجهيزاتها تكون (عفاف) قد ساعدت أخواتها الصغار وألبستهم ملابس المدرسة واعطتهم من سندوتشات أمها اللذيذة، ثم دفعتهم للانطلاق لمدارسهم القريبة وجلست بجوار أمها في انتظار (عبد الدائم) بتاع الكارو الذي تعوّد - هو أيضا - على أن يمر في الصباح ليحمل (نور الشام) وفطورها على ظهر الكارو للمدرسة ومعهم ... (عفاف) ! هل نسيت أن أذكر بأن (عفاف) كانت تدرس في ثالثة ثانوي بنفس المدرسة التي تبيع فيها أمها الفطور؟ مرّ العام بمُرّه وحلوه كبقية الأعوام التسعة السابقة، ومرت ليالي قضتها (عفاف) جالسة إلى كتبها على ضوء الفانوس القديم، حيث لا (عشم) لهم في الكهرباء في تلك المنطقة تحت جبال أم درمان، وقضتها (نور الشام) صابرة محتسبة تقوم الليل لتصنع الفطور وعندما تعود من المدرسة بعد الفسحة تسرع لتكون في استقبال عيالها والتجهيز ليوم جديد .. كانت (نور الشام) منهمكة في عواسة الكسرة سبوبة عيشها التي تستبدل بها (سواة) الفطور في الاجازة الصيفية، وكانت ترفع رأسها بين الحين والآخر لتراقب الباب في قلق فاليوم هو يوم النتيجة حيث ذهبت (عفاف) منذ الصباح للمدرسة ولم تعد حتى بعد الظهيرة .. وفجأة رمت (القرقريبة) من يدها وارهفت السمع، فقد تهيأ لها أنها سمعت صرير عجلات كارو (عبد الدائم) وما هي إلا لحظات وفتح الباب بعنف واندفعت منه (عفاف) وهي تصيح: أبشري بالخير يمة .. أنا جبتا تلاتة وتسعين في المية !! بالله ما حصل صادفتكم الأصيلة (عفاف) في واحدة من مستشفياتنا ؟ .. فهي الآن طبيبة تداوي بلمسة إيد، كما داوت جراح أمها (نور الشام) وانهت رحلة عذابها الطويل.
|
||||||||||
06-22-2010, 08:36 AM | #2 | ||||||
زائر
|
ابو عبدالرحمن كيف حالك .. وربنا يدك العافيه حقيقة تستدعي هذه الهديه من الكل وهي تبدوء من الوهلة الأولى في ترك بصماتها, مما يجذب القارئ للحضور في هذا البوست ، وغيث المعاناة يأتي مع شمس الحقيقة, فتتحول الي انتصار دائم, يستقبل روح الندى مع مولد الفجر من ثوب ليل رهيف, يبشر بتسابيح النهارات القادمة. |
||||||
06-22-2010, 08:46 AM | #3 | ||||||||||
|
الحبيب الباقر لك التحايا والتقدير ومؤكد أن القصة متكررة في أماكن عديدة من بلدنا الطيب المكافح .. ومرورك كان جميلا مثلك فلك الأمتنان والشكر .. ودمت
|
||||||||||
06-29-2010, 08:28 PM | #4 | ||||||
زائر
|
سلمت يداك ابوعبد الرحمن ولا انضب الله لك يراعا تتحفنا دائما بدرر تتغلغل في سويداء الفؤاد فلا نملك الا ان نقول لي قدام لي قدام تفرهد زهرة لا هدام |
||||||
06-30-2010, 05:04 AM | #5 | ||||||||
مشرف قسم العلوم والتكنلوجيا
|
يا ابو عبد الرحمن انت دئماً تأتى لنا بجميل فهذه قصه موثره جداً وهى تحكى عن واقع موجود هنا |
||||||||
|
|
|