Go Back   منتديات قرية فطيس > المنتديات الأدبية > القصص والحكايات
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

Reply
 
Thread Tools Display Modes
Old 06-12-2010, 07:33 AM   #1
 
عارف عبد الرحمن

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 42
المشاركات : 1,617
بمعدل : 0.31



عارف عبد الرحمن is offline
Default تاجوج وحكايات أخرى... هكسويرث وشجرة أمِّه __ صلاح احمد أبراهيم

أقصوصة تفكه بها السودانيون طويلاً في مجالسهم منذ عهد بعيد، وما في السودان من سر. مجابهة حدثت في الثلث الأول من قرننا هذا والحكم البريطاني في عنفوانه، بين الناظر موسى مادبو شيخ قبيلة الرزيقات وهكسويرث مفتش مركز جنوب دارفور.
الرزيقات كبرى قبائل البقارة- رعاة البقر- ضمن إخوتهم المعالية والهبانية والتعايشة وبني هلبة وبني خزام. نزحوا من شبه الجزيرة العربية في زمن غابر سحيق، وإمتزجت دماؤهم بدماء أهل الوطن الأصليين وجعلوا من غربنا البكر موضع ظعنهم حتى بحر العرب جنوباً. إضطرتهم التربة الطينية والحشرات الفتاكة لا سيما «أم بوجني»? إلى إسبتدال إبلهم بالأبقار منذ قديم. وهم من أبرز قبائل السودان صفات عسكرية بما جعل منهم أشرس مقاتلي ثورتنا المهدية وأخلص حماة حكمها حتى القسوة والفظاظة، وصاروا هم في الواقع حكّام السودان خلال حكم واحد منهم، هو خليفة المهدي عبد الله التعايشي والرزيقات يقومون بتربية الخيول العربية الأصيلة، وهم صيادون مهرة للفيل. وكان الإنجليز يخشون بأسهم ويهابون إعتدادهم وأنفتهم وبسالتهم، ومن ثم كانوا يتعاملون مع شيخهم دائماً بتوقير وحذر. كل ما كانت تريده منهم الإدارة البريطانية، المسالمة وضريبة سنوية بمقدار ما تملك القبيلة من أنعام، ويقوم المفتش، المسؤول عن المركز الإداري المترامي الذي تعيش فيه القبيلة، بزيارة رسمية مرة أو مرتين عادة في العام يلم فيها بأحوال القبيلة وحاجاتها ويحاول التوصل إلى حلول بالتراضي بينها وبين جاراتها، لما يجد بينهم من نزاعات على منهل أو مرعى تاركاً لشيخ القبيلة أو «الناظر» كما يسمونه حكم قبيلته بالطريقة التقليدية المطلقة مما برهن على أنه ترتيب عملي ومريح للجانبين، وبذلك يؤكد المفتش حضور الحكم المركزي دون أن يدوس بنعله على أصابع الإدارة القبلية المتوارثة?. وليت «هكسويرث» وقتها تذكر هذه القاعدة الذهبية ولم تغره حداثة سنة وفورة شبابه وسطوة السلطان فيعرض نفسه للهزؤ والسخرية والتحدي. لا مرة واحدة بل مرتين.
ان المفتش الزائر «هكسويرث» يتصدر موكبه التقليدي كالعادة، يتبعه عدد من الشرطة المدججين بالسلاح، ومن خدمة الخصوصيين وبطانته الرسمية ودواب الحملة الحكومية. كان مفتش المركز في طوافه الرسمي هذا، ممثل السلطة التي في الخرطوم بكل سطوتها في هذا الصقع النائي، وبالتالي تجسيد عظمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس أبداً، بريطانيا العظمى ومستعمراتها وتابعياتها وما وراء البحار، بجانب جلالة ملك مصر الذي كان صفراً على الشمال. يسير المفتش فيرفرف عن يمينه «اليونيون جاك»? بكل صلبانه الحمراء والزرقاء والبيضاء المترادفة، وعن يساره العلم المصري الأخضر بهلاله ونجومه الثلاثة البيضاء، وها هو الموكب يتحرك وئيداً إلى حيث الموعد المضروب مع ناظر قبيلة الرزيقات، وقد إستبقه سلفاً رسول سريع ينبئ باقتراب ساعة الوصول.
حينما دانى موكب المفتش مضرب القبيلة بمساكنه المنصوبة من الحصر، المحدودبة والمسماة «ظهر الثور» إستلفت نظر جنابه إحدى خادمات الناظر راكضة نحوه في إستغاثة يائسة وتوسل عشمان. حاول بعض حراسه ابعادها غير ان المفتش أمرهم بأن يفسحوا لها الطريق سائلاً عما تريد. كانت تعرف تماماً أن هذا «النصراني» أقوى من سيدها القوي، وأنه يمثل عدلاً أشد فتكاً من طغيان سيدها، لذا وقفت أمام فرس جنابه المطهم وأطلقت عقيرتها تجأر بالشكوى: «مظلومة يا جناب المفتش، علم الله ويشهد مظلومة، الله ينصرك يا جناب المفتش، «مظلوو..وو..مة» تصرخ وتدق على صدرها بقبضة يدها ثم وضعت يدها على رأسها وطأطأت رأسها تنتظر الإنصاف والحماية.
ران الصمت على الجميع حتى دواب القافلة الحكومية أرهفت أذنيها تتسمع ما يجري، وثبتت عيونها على المرأة الزرية الهيئة. سألها جنابه من أعلى سرج حصانه: «ومن ظلمك؟» أجابت: القادر على الظلم يا جناب المفتش، سيدي الناظر يا جناب المفتش، ما عندي غيرك وغير الله يا جناب المفتش مظلو..و..مة مظلومة». طمأنها جنابه وأمر لها بكسوة جديدة وضمها إلى الموكب وهي تدعو له بأعلى صوتها وقد سرى فيها إحساس لذيذ بالطمأنينة والثقة والشماتة. ألم تعرف بمن تذل غطرسة الناظر وجبروته؟ كانت تعلم بفطنتها ان سيدها هو الآخر بسيده. هذا هو سيده. ترفع يديها إلى السماء تدعو بأعلى صوتها وليسمع من يسمع: «النصاري! الله لا يحرمنا منهم ومن عدلهم. النصارى! الله يعزهم ويثبت سلطانهم». وترتفع من جسدها إلى فتحتي أنفها رائحة الدمورية العذراء التي كسيت بها لتوها وكأنه يوم عيد، فتغمرها فرحة طاغية لولا وقار الموكب الحكومي وهيبته لأطلقت زغرودة يسمعها كل من في الفريق الذي هربت منه.
تحت شجرة عالية مترامية الفروع كأنها مظلة عملاقة، مدت الزرابي والبسط على شكل حدوة ونثرت عليها حشايا من الجلد عليها نقوش بسيور جلدية، ويثبت وسائد طرزت عليها بنات المدارس زهوراً وطيوراً ساذجة. وفي وسط المجلس تماماً، مديراً ظهره إلى جذع شجرة قائم ولا الجدار، كان شيخ القبيلة يجلس على جلد فهد كبير وضع فوق البساط الممدود. ما أن رأي الناظر المفتش قادماً حتى سار نحوه يحيط به كبارات القوم وأهل شوراه وهو يردد بسرور حقيقي: «شرفتنا يا جناب المفتش! أهلاً وسهلاً، ساعة خير التي جاءت بك إلينا، تفضل تفضل!» وهو يقوده إلى صدر المجلس عند جذع الشجرة الباسقة الظليلة كأنها الإيوان، بينما أتباعه، ينحرون الذبائح ويعدون شتى أنواع الضيافات.
ما إن جلس جناب المفتش، حتى تذكر العدالة البريطانية التي يمثلها في هذه المجاهل السحيقة وسط هؤلاء الأجلاف السود. قال لنفسه بحزم: «أول الأشياء، أولى بالتقدمة. الحزم أن تضرب والحديد ساخن». كان هكسويرث قادماً لتوه تقريباً من الحرم الجامعي في أكسفورد بطزاجة حماس الشباب ومثاليته.
ولذا، وقبل أن ينتظر ضيافة مضيفه ويرد مجاملاته بمجاملات تضاهيها، طلب من مساعده الوطني أن يأتي له بالخادمة المستغيثة به. وإذا كان الشيخ قد دهش لمرآها في معية المفتش، أو أستغرب كسوتها الجديدة، فإنه، لم يبد دهشته ولم يظهر إستغرابه. أما هي، فقد أخذت تتفرس بوقاحة وتحد وتشفي، وكأن جنابه نفسه قد «عقد» عليها سلفاً. رفع المفتش صوته مخاطباً شيخ القبيلة يسمعه تأنيبه أمام وجوه قومه: «يا شيخ مادبو! أنت لازم تأآمل بنت دي كويس. هي زألانه منك كتير وأنا كمان زآلان. موش لازم هي تزأل، وموش لازم أسمأ شكوى تاني. هي قالت مزلومه منك، زولوم موش كويس يا نازر مادبو».
بقى الشيخ على هدوئه لا تتحرك عضلة في وجهه ولا تطرف عين، يتأمل خادمته المتمردة في كسوتها الحكومية الجديدة، وهي ترد على نظرته بنظرات ملؤها التواقح. فقد كسرت بالخواجة جبروته ورهبته، وأذلته على مرأى من رجالاته، موقنة أن سيدها بسيده، وسيده هو هذا الخواجة النصراني الذي يشبه بشعره الأشقر قندول عيش الريف?. بعد فترة سأل الشيخ المفتش: «هي إشتكت لك بنفسها يا جناب المفتش؟» رد المفتش «أيوه.. هي إشتكت للهكومة والهكومة زألانه». خاطبها الشيخ بصوت حازم فيه إنتهارة: «أدخلي يا فرخة?? جيبي القهوة لجناب المفتش».
أسقط في يدها، ولكن طالما القهوة لجناب المفتش فسوف تذهب وتجئ بها.
يتبع

  Reply With Quote
Old 06-12-2010, 07:36 AM   #2
 
عارف عبد الرحمن

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 42
المشاركات : 1,617
بمعدل : 0.31



عارف عبد الرحمن is offline
Default

إلتفت الشيخ إلى ضيفه الكبير يسأله بإبتسامته الوقور المستخفة «أأنت الذي كسوتها هذه الكسوة الجديدة يا جناب المفتش؟» أجابه هكسويرث وقد أخذته العزة بالنفس «هدرة نازر.. أنا أشوف هدوم كانت موش كويسه، لازم بنت تلبس تاني كويس. فاهم يا هدرة نازر؟ رد عليه الناظر هازاً رأسه كمن يوافق على أمره «فهمك لا يخيب يا جناب المفتش. تعيش وتكسي العرايا». وأشار إلى تابع كان يقف وراءه بأدب. فقرّب هذا أذنه من فم الشيخ ثم هزّ رأسه بالطاعة وإختفى.
مرة أخرى إلتفت الشيخ الذي تحت إشارة من يده قرابة سبعين ألف فارس بحرابهم ومزاريقهم وبنادقهم غير المرخصة، يقول في بشاشة للولد الإنكليزي المنفوخ كديك رومي، مردداً: «شرفتنا يا جناب المفتش. يوماً سعيد ألْ جابك لنا يا جناب المفتش. ياليت تزورنا كل يوم وتفهمنا يا جناب المفتش».
دنت الخادمة من صدر المجلس قاصدة الشيخ الظالم وضيفه النصراني العادل تحمل صينية القهوة. لم يتعرف عليها جنابه بطبيعة الحال إلا حين إنحنت تضع صينية القهوة أمامه واستدل عليها من علامة مميزة في وجهها. نظرتها أفرغت تماماً من كل وقاحة وتحد وتشفي، وبقيت تخمش وجهها بالمخالب ذلة وإنكسار وتعاسة مطلقة. كانوا خلال الفترة التي غابت فيها قد حلقوا لها شعرها تماماً بالموس ودعكوا لها فروة رأسها بودك حتى يتلامع من بعيد. صادروا منها كسوتها الجديدة وألبسوها مكانها أسمالاً أقذر وأحقر مما كان عليها قبلا ورمى بها جنابه في الطريق. كانت تسارق الخواجة النظرة كمن تقول له: «أنظر بعينيك، هاتين الخضراوين يا جنابه، ماذا فعلوا بي في حضرتك» وهي تنتظر منه ان يقيم القيامة في التو واللحظة.
إحتقن وجه الخواجة بدمائه حتى لكأنه رئة بهيمة تتدلى من خطاف في دكان قصاب. عيناه الخضروان تتطايران سهاماً نارية وشهباً في كل اتجاه ويداه وشفتاه تتراجفان. لقد كانت إهانة مقصودة محسوبة، ولطمة مباشرة على الوجه بمرآي من الجميع، وطعنة لا لكبريائه وهيبته بل للسلطة التي يمثلها. تلك التي في ميدان الجنرال كتشنر في الخرطوم، وتلك التي ما وراء البحار حتى عرش صاحبة الجلالة الإمبراطورية، وتلك التي في قصر عابدين أو قل قصر الدبارة. أخذ يشتم الشيخ بكل ما في معجمه من شتائم بالعربية الفصحى وباللهجات المحلية في دارفور وبالإنكليزية البذيئة. والشيخ يستمع إلى كل ذلك كأنه ليس المقصود بذلك أو أنه يعترف للخواجة ببعض حق في تلك الشتائم، والإبتسامة الخفيفة المستخفة لا تفارق الوجه الحليم. أما كبارات قومه فقد كانوا يراقبون ما يجري كأنهم لا يرون بل يحدقون في عالم آخر. المفتش وحده لا يكف عن السباب والشتم والتهديد ورجفة الغضب.
أخيراً إلتفت الشيخ إلى المفتش يخاطبه بنفس هدوئه وصبره: «كفاية يا جناب المفتش، كفاية، خلاص أخذت حقك وأكثر». هذا ما جعل المفتش يستشيط غيظاً وغضباً بأكثر مما كان عليه، فهيبته تتزعزع ولن تكون له كلمة إذا تسامعت بإهانته القبائل.
فإذا به يمعن في الشتم والسباب والتهديد بأكثر مما فعل. هنا ثبت الشيخ عينيه في عيني الخواجة وقال له بحزم لا يخطئه سامعه كدمدمة السيل المنحدر: «قلت كفى يا جناب المفتش يعني يكفي. طولت لسانك أكثر من اللازم». سكت هنيهة وهو ينظر إلى أعمق أعماق عيني الرجل ثم قال ببطء، كل كلمة على حدة، واضحة جهيرة كالشمس: «إذا زدت بعد دا كلمة واحدة، قلت لك كلمة واحدة، شايف هاديك الشجرة» أشار بيده إلى شجيرة أمامه وأكمل: «سأدخلها لك في... أمك». ولأول مرة يرى الخواجة برقاً حقيقياً في عيني بشرى، ويحس في أعمق أعماقه أن الأرض توشك ان تخسف به.
هؤلاء الناس الذين حوله هم الذين من أجل إسترضائهم أعلن مديراً لدارفور في مستهل الثورة المهدية هو رودلف فون سلاطين باشا إعتناقه للإسلام وأسمى نفسه عبد القادر صلاح الدين. وهؤلاء هم الذين اقتحموا على غردون باشا في الخرطوم تحصيناته، وقتلوه في قصره شر قتلة. وهؤلاء هم الذين وصف ونستون تشرشل بسالتهم في حرب النهر تحصدهم النيران وهم يتقدمون ويتقدمون. كيف لا يكون أحمق بل مجنوناً إذا تحدى هذا الرجل الذي أمامه لا يرى في عينيه إلا صدق الوعيد. لم يزد بعدها كلمة واحدة. أطبق بقوة على شفتيه وهبّ واقفاً مشيراً إلى جنوده وأعوانه بأن يتبعوه، لا شرب قهوة ولا ماء بعد، وقد إنتوى ان يعود إليه بعد حين للتأديب الفوري بما يجعله يحترم هيبة الحكومة ويحترم كلمتها ويندم على وقاحته حتى آخر عمره، هذا إذا ترك في منصبه الذي هو فيه.
أما الشيخ فلم يتحرك قط من مكانه لوداع المفتش. تبعه بنظرته فقط ثم إلتفت إلى الخادمة التي كانت باركة مطأطئة رأسها الحليق نحو الأرض في منتهى الخذلان، ترتجف كورقة في مهب الريح خيفة الإنتقام، وقال لها بإنتهاره: «أدخلي سخني القهوة يا خايسة».
لم يحدث الإنتقام الذي أمل فيه مفتش جنوب دارفور، ولا الحملة التأديبية التي كان ينتظرها لإستعادة هيبة الحكومة. كان رؤساؤه في الخرطوم أعقل وأعرف فلاموه على طيشه. إذا كانت مفاضلة بين العدالة البريطانية مع الفتنة والتمرد أو الإستبداد القبلي مع الولاء والإستقرار. فالخيار واضح. كان قرارهم فليذهب هكسويرث بعدالته ومثاليته وكرامته إلى الجحيم حتى يدخل العقل إلى دماغه. أما إذا لم يعجبه الأمر، فيمكنه الرجوع من هذا السودان إلى قاعات النقاش العقيم في أكسفورد. هكذا قبل هكسويرث أن يبقى في خدمة الحكم الثنائي، وهكذا تم نقله إلى مركز آخر بعيداً من ناظر الرزيقات.
درْ يا زمن، ولفْ يا زمن، ويرجع هكسويرث مرة أخرى إلى دارفور مديراً للمديرية. وبحسبانه كذلك، كان لا بد من قيامه بالطواف التقليدي على زعماء قبائلها وشتى أقسامها الإدارية و«إظهار العلم» ويعنون بذلك إستعراض هيبة الدولة وإدخال خشيتها في القلوب. وهكذا تحرك موكب مدير المديرية من «الفاشر» قاصداً دار الرزيقات مرة أخرى ليدخل خشية الدولة في قلوب الرزيقات.
إستقبله ناظر القبيلة بحفاوة أكبر تليق بسعادة مدير المديرية الجديد، وبموكبه الذي كان، بطبيعة المنصب وامتيازاته، أكبر بكثير من موكب ذلك الزمن القديم حين لم يكن المستر هكسويرث أكثر من مفتش مركز جنوب دارفور. جلس المدير في صدر- نفس المكان الذي جلس فيه قبل سنوات كثيرة وغادره غضبان يتميز غيظاً ويضمر الإنتقام الرهيب- جلس تغمره عبارات الترحيب ومظاهر الإهتمام والحفاوة والتكريم والفرحة الظاهرة برؤية سعادته وسلامة الوصول.
أراد هكسويرث ان يتبسط مع مضيفه شيخ قبيلة الرزيقات وفي نفس الوقت يسدد له «ضربة تحت الحزام» كما يقول التعبير الإنكليزي. عربيته تفصحت، وخبرته بالبلد وأهليها وأسلوب حكمها إرتقت، وما بقى إلا ان يستخدم لباقته ويلدغ بها كالعقرب على الطريقة السكسونية. أخذ يقول للشيخ بمنتهى العذوبة:
- نازر مادبو. مرة ماديه? أنا جيت هنا مفتش سغير.. سغير.. «وأشار بيده إشارة تدل على الصغر» ودا الوقت أنا جيت كبير.. كبير.. كبير «وأشار بيده إشارة تدل على الكبر».
كعادته أخذ الشيخ يتأمل كلام الرجل بأناته المعهودة وقد زادته السنون هيبة ووقاراً، ثم أجاب:
- بالحيل يا سعادة المدير. صحيح المرة الماضية جيتنا صغير. الله لا صغرك أبداً. ودحين أنت جيتنا كبير كبير يا سعادة المدير، الله يكبر قدرك دائماً.. «سكت هنيهة، وقبل ان يشكره هكسويرث على مجاملته أردف قائلاً: «لكن شجرتك ذاتها كبرت..» قالها مشيراً بإصبعه إلى نفس الشجيرة التي هدّد الناظر في المرة الماضية بإدخالها في مكان حساس ذكره في حينه يخص أم المستر هكسويرث.
فوجئ هكسويرث بهذا التعليق الذي قيل بصوت هادئ ومفعم بالود. الرجل الذي أمامه ليس بالرجل السهل، والملاواة لن تجديه مع هذا الرجل القوي بحق، ولا مع رؤسائه المتعلقين في الخرطوم. لاذ ببروده ونفاقه السكسوني وهو يطلق ضحكة ممرورة متظاهراً بالتفكه والمزاح: والله يا نازر مادبو أنت تتذكر هاجات كديمة.. كديمة ها ها ها ها. أنت تكول شجرة بتائي هو كمان كبر ها ها ها ها إنتم رزيقات سأبين كلاس، يا نازر ها ها ها ها.

  Reply With Quote
Old 06-14-2010, 08:04 AM   #3
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default

ابو عبدالرحمن اوعي تكون الشجره دي الشجره البخزنوا فيها المويه ديك

  Reply With Quote
Old 06-14-2010, 08:29 AM   #4
 
عارف عبد الرحمن

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 42
المشاركات : 1,617
بمعدل : 0.31



عارف عبد الرحمن is offline
Default

تبقي نيلة مطينة علي أمو .. بالله شوف قوة الرجال كانوا كيف .. والله أنا لمن شعرت جلدي كلبت ..

  Reply With Quote
Old 06-14-2010, 08:38 AM   #5
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default

والله كانوا صناديد وكانوا واثقين من انفسهم ومن الذين حولهم هذه الحكايه تجسد وعي الناظر بالموقف تماما وعيه بانه صاحب الارض الذي لايمكن ان يجابه بريطانيا العظمي وبالتالي يعرض قبيلته لاباده منظمه

لكنه كذلك يعي قدرته علي علي الفتك بهذا المفعوص المتكبر والذين خلفه كانوا يعون انهم لو فتحوا هذا الصراع قد يكسبون المعركه لكنهم سيخسرون الكثير مقابل ذلك انه وعي فطري لزعيم قبلي

يعرف كيف يدير اموره بحكمه

  Reply With Quote
Old 06-15-2010, 08:55 AM   #6
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.41



صادق محمد عوض is offline
Default

..... وين وين وين؟؟؟؟ لينا بمثل هؤلاء القوم.... الحكمة .... الرجالة ..... القيادة..... الثقة بالنفس.....

  Reply With Quote
Reply


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 03:45 AM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com