من «خلوها مستورة».. إلى «ملفات بطرفنا» .. كشف حال السياسـيـيـن

[ابودباره]

«لدى الكثير والخطير الذي يمنعني الحياء عن ذكره»
بالمقولة بين القوسين اعلاه شرع محمد الطاهر ابو كلابيش والي شمال كردفان السابق بهِز ما في جُعبته من أسرار قد تكون ناسفة في وجه حاج ماجد سوار أمين التعبئة السياسية بالوطني دفاعاً عن نفسه ابان اشتعال الملاسنات بينهما قبل اسبوعين بسبب خلاف حول قضية «أحمد وادي» عضو المؤتمر الوطني السابق والعائد من صفوف حركة العدل والمساواة قطاع شمال كردفان. وكان سوار قد أعلن انه بصدد تحريك اجراءات قضائية ضد ابو كلابيش، ولم يكتف سوار بذلك بل قاد حملة داخل المؤتمر الوطني مطالباً بفصله من الحزب وبالتالي ازاحته من قائمة التمثيل النسبي التي يجلس على رأسها في الولاية فلا يطال في الانتخابات المقبلة عنب الشام ولا بلح اليمن، وذلك على خلفية مقال نشره أبو كلابيش على صفحات صحيفة «آخر لحظة» كتب فيه ان اتفاقية «سوار- وادي» ليست سوى «مسرحية» ورأى سوار في ذلك طعناً في شخصه والشخصية الاعتبارية للحزب فشرع فيما شرع فيه، ورداً على ذلك قال أبو كلابيش انه لو لا حال الحياء الذي تقمصه لكشف عن «الخطير» الذي يعرفه.. وقبل ان يتغلب شيطان الغضب على حياء أبو كلابيش ويمضي سوار قدماً في دعواه، بادرت قيادات من ابناء كردفان إلى لملمة الأمر عن طريق «الجودية» التي كشفت من مشاويرها. واتصالاتها بين الطرفين لطي النزاع بما يكفي الحزب واعضائه شر نبش الأسرار.
وعلى ذات المنوال وفي يوم سابق لذلك دب تلاسن ساخن بين فتحي شيلا أمين الاعلام بالمؤتمر الوطني وانصار مبارك الفاضل رئيس حزب الاصلاح والتجديد بعد ان دمغ شيلا مبارك بالخيانة الوطنية، وقال ان الانتخابات قائمة لقطع لسان الفاضل، فرد عليه انصار مبارك بعنف مماثل وهددوا بأنهم يعرفون السبب الحقيقي الذي دفع شيلا للانضمام للوطني.. ورغم انه لم ترشح اخبار عن جوديات ومساعي لأهل الخير، إلاَّ ان الطرفين كفا عن الكلام ومسك كل منهما ملفاته دون ان يبللا اشواق الرأي العام التي كانت تتسقط الاخبار عن نشر تلك الملفات تماماً مثلما انشغل الرأي العام طويلاً بعبارة علي الحاج التي اطلقها في وجه الخرطوم بعد مفاصلة الرابع من رمضان بمقولته الشهيرة عن أموال طريق الانقاذ الغربي «خلوها مستورة». وبذلت الصحافة وقتاً طويلاً لكشف المستور الذي هدد به علي الحاج إلاًّ انها لم تصل إلى شئ، وعقب توقيع اتفاقية السلام الشامل وانحياز المؤتمر الشعبي حزب علي الحاج إلى المعارضة والسماح بنشر الحوارات واللقاءات الصحفية مع علي الحاج بصحف الخرطوم، قال ان المستور الذي هدد به يعرفه العديد من اعضاء الحركة الاسلامية وانه لا توجد قضايا فساد ولا يحزنون في طريق الانقاذ الغربي وكل ما في الأمر ان الرئيس البشير كان يطالب بجزء من اموال الطريق لدعم مشاريع أخرى، ورفض علي الحاج تسليمه لها وذلك باقرار البشير نفسه الذي قاله أمام البرلمان.
والرأي العام أخذ «بمبة» لان الاتهامات بالطريقة التي طرحت بها لم تكن في سياق انها مجرد تشويه لصور الخصوم، ولكنها كانت تشير إلى تورطهم في قضايا مخالفة للقانون قد تطيح بهم في ظلمات السجون ولعنات الرأي العام.
ويرى المراقبون ان تبادل هكذا اتهامات والتهديد بالفضح بالوثائق ما كان ليمر إذا كان مسرحه دول متقدمة كالولايات المتحدة مثلاً لان الاجهزة الامريكية المختصة كانت ستفتح ملفاً في التحقيق دون أخذ الاذن من أحد،وعبر التحقيقات تلك والتي لن يستطيع احد ايقافها فأما ان يجد ما يدين به من هدد بالفضيحة فينال جزاؤه، واما ان يكتشف بأن مطلق التهديد يسوق تهماً غير حقيقية فيعاقب بجريرة كذبه.
وفي اصقاع العالم الممتدة تقلق الناشطين السياسيين بمختلف اتجاهاتهم مثل هذه التهديدات ويتم ترويعهم بالفضيحة وهي ثقافة متفشية منذ قديم التاريخ وقد استخدمها أودلف هتلر بفاعلية في ارعاب خصومه، وقال البروفسير صلاح الدومة لـ «الرأي العام»: ان التاريخ يحفظ لـ «هتلر» تهديده لخصومه بكشف اوراقهم وفضحهم ودائماً يلوح بأنه سيفتح المخزن الخامس.. وبعد ما انتحر في اعقاب هزيمته في الحرب العالمية الثانية تسارع المهتمون والمهمومون نحو المخزن الخامس للحصول على المستندات والملفات فوجوده خاوياً على عروشه ليس فيه غير زي جندي بالٍ وطاقية حربية.
كما درج على هذا الاسلوب حكام الكرملين ايام ما يعرف في الاتحاد السوفيتي بالستار الحديدي وفي كثير من الدول إلا ان لا شئ مهم وخطير وجد بعد زوال تلك الحكومات والتنقيب في دفاترها وكان الأمر مجرد «وهم».
ويشير المحللان السياسيان بروفسير صلاح الدومة ود. عبده مختار إلى أن ظاهرة التهديد بكشف الملفات من الظواهر السيئة في السياسة والتي سيكون لها مردود سلبي على الرأي العام وتهز صور السياسيين وان لم يكشف عن تلك الملفات، وقال مختار لـ «الرأي العام»: ان الغمز واللمز الملوح به يدلل على استشراء الفساد وهو كرت ضغط يكشف عن انحرافات سلوكية لمن يمسك به قبل الطرف المهدد.
ورغم ان جمع وتخزين المعلومات عن الآخرين أمر موجود في الساحة السياسية إلا أن الدومة قال: انه اسلوب ونهج عرف به أنصار الجبهة الاسلامية القومية منذ انشقاقهم من حزب الاخوان المسلمين «جبهة الميثاق»، وهو أمر مرتبط باللعب غير النظيف في السياسة. ورد الدومة عدم خروج هذه الملفات للعلن بأن الطرف المهدد أيضاً لديه كثير من الأسرار وإن قلت أهميتها.
وذهب الدومة إلى ان من حق الرأي العام الذي تم التلويح له بكشف هذه الأوراق ان يطالب بالتحقيق ومعرفة الحقائق ولكن الرأي العام حسب رأي الدومة مغيب ومسلوب الإرادة- الأمر الاصلاحي الآخر لمعالجة هكذا مواقف اشار إليه د. مختار: بأن على الاحزاب ان لا تسمح لمنسوبيها بسلك مثل هذا السلوك ولا تترك المسألة نهباً للشائعات والقيل والقال لانها ترسخ وتؤكد على ان هنالك فساداً كبيراً ومسكوتاً عنه، وهو أمر يطعن في اخلاق ونزاهة «الساكت» قبل «المتهم»، لذا يطالب مختار بان يكون هناك ميثاق شرف سياسي ولوائح تحكم عمل الحزب الداخلي وعضويته.

صحيفة الراي العام