Go Back   منتديات قرية فطيس > المنتديات الأدبية > المنتدي الأدبي
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

Reply
 
Thread Tools Display Modes
Old 09-22-2010, 06:30 AM   #1
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default د. بشري الفاضل بخيت

النفس الأخير

د.بشرى الفاضل

كان الجنود يستعجلونه وهو مصفّد يمشي أمامهم خبباً يستحثونه ويهشونه بالسونكي كفعل راع مع أغنامه. وكان الرجل الصامت قد ربي نفسه على وزن أدائه.
كان يشعر بأن الاستجابة للجري كما يبتغون مذلة في مثل هذه اللحظات البائسة؛ ولذلك فإنه أذعن لضربات الجنود المتلاحقة مفضلاً إياها رغم وحشيتها على الجري المهين.
وفي الدّورة شدوا وثاقه أكثر وحجبوا العالم عن عينيه بضمادة. ورجا الرجل الصامت معصوب العينين رئيس الفصيل تنفيذ طلب له أخير. وكان الضابط بعيدا جداً عن قناعات الرجل الصامت. وكان ذلك يحرك نواياه في هذه الساعة ولذلك فإنه أجاب بنفاد صبر.
- طلباتك شنو؟ ماتموت موتك زي الرجال ما بموتوا.
- عايز لو سمحت أولع سيجارة أخيرة.
- طيب. الله يطولك يا روح لكن أنا ما عندي سيجارة )مخاطباً بالجنود(:
- في حد عندو سيجارة؟

وقاطعه الرجل الصامت معصوب العينين:

- لا أنا عندي سجائر.. بس عايز وكت أشرب فيه واحدة.
- طيب.
وأخرج الرجل الصامت معصوب العينين بمساعدة الضابط لفافة من جيبه ووضعها على فمه وهتف بصوت جهير حتى سمعه الضابط والجنود معاً:
- ولعة لو سمحتم.
وصاح الضابط في جنوده:
- في حد معاهو كبريت؟
وأجاب الفصيل:
- لا أبداً سعادتك.
وقال الضابط بصوت محايد:
- مافي ولاعة. أفتكر بعد دا ننفذ.
وكانت إجابة الضابط تحصيل حاصل إذ أن الرجل الصامت قد سمعها من الجنود. وهز رأسه بأسف ثم أمسك اللفافة بين أسنانه وشفتيته واتخذ وقفة التصميم التي تدرب عليها منذ ليلة التوقيف. كان رأس الشهيد في حاجة إلى )كيف( أخيرا من هذا العالم الذي يحب. وسط هذا الكم الهائل من الفظاعة كان بحاجة إلى نار للفافته. لكن النار التي هطلت على صدره وسائر جسمه لم تشعل التبغ بل أشعلت هتافاً داوياً صلدا ثم تدلت اللفافة مع دوي الطلقات
كأنها مكسورة وهي السليمة، ولف الحزن اللفافة لكونها لم تندغم في نسيج تلك الرئة الشجاعة. ذلك خير لها من أحذية غليظة تجيء من بعد الصمت لتسحلها صدفة حين تسحب مع السحل عمداً، جثة الرجل المسلة إلى داخل حفرة إخفاء الفتك الجماعي.

  Reply With Quote
Old 09-23-2010, 06:43 PM   #2
 
عبدالمنعم
مشرف المنتديات الأدبية

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 26
السكن: الكلاكلة
المشاركات : 1,175
بمعدل : 0.23



عبدالمنعم is offline
Default

مَنْ يُغطّي النَّارَ بالعَويش؟! ... بقلم: كمال الجزولي

الذهاب من (القصَّة القصيرة) إلى (القصيدة)، وبالعكس، مع استبطان الرَّغبة العارمة، بين هذه وتلك، في (الرواية)، ظلَّ هو هاجس القمم الشوامخ من أدبائنا، كصلاح أحمد إبراهيم، وعلي المك، ومصطفى سند، ومحمد المكي إبراهيم، ومحمود محمد مدني، وفضيلي جمَّاع، وهم غيض من فيض.

(القصيدة) نظرة مختلسة من خصاص باب موصد بإحكام؛ أما (القصَّة القصيرة) فإطلالة عجلى من خلف باب موارب شيئاً؛ وأما (الرواية) فرؤية متمكثة للمشهد بأكمله، ليس، فقط، بعد فتح الباب على مصراعيه، بل وبعد هدم الحائط ذاته! لكن لا فضل لجنس أدبي على آخر إلا بمقدار ما تعود به العين المبدعة من تجويد للفن في المرتبة الأولى، وإحسان للفكر في المرتبة الثانية، وإنْ تكن (الرواية)، في ظنّي على الأقل، هي أقصى توق (الشاعر) و(القاص)، ومنتهى عشقهما المكنون، أفصحا عنه أم لم يفصحا!

ولصديقي بشرى الفاضل إبداع مشهود على صعيد (القصَّة القصيرة)، كحكاء بارع، مجوّد لفنّه، محسن لفكره، تشهد بذلك مجموعات سرديَّاته البهيَّات الثلاث (حكاية البنت التي طارت عصافيرها ـ أزرق اليمامة ـ فزيولوجيا الطفابيع)، واللاتي حزمهنَّ، أخيراً، في مجلد واحد صدرت طبعته الأولى في مايو 2009م، عن (دار الحضارة بالقاهرة)، تحت عنوان (قصص بشرى الفاضل). ولقد تصرَّمت دهور مذ قرَّ في أذهان الكثيرين، ربَّما لطول عُشرتهم مع قصصه، أنه تشبَّع بتجويد هذا الجنس الأدبي، وأشبع منه، فاكتفى، وكفى، وضرب خيمته، نهائيَّاً، في واحته، حتى كتب، عند النقاد والباحثين، وفق تصنيف مدرسي كاسد، (قاصَّاً) .. فحسب!

غير أن بشرى المشوق الشائق، القلق المقلق، كان، في كلّ تلك الأثناء، أبعد ما يكون عن الإحساس بالتشبُّع أو الإشباع؛ ولذا ظلَّ يمارس الانفلات العلني من خيمة (القصَّة القصيرة)، ليلوذ بقلعة التجريب في (الرواية) حيناً، أو بظلّ نخلة (القصيدة) أكثر الأحيان. ولئن لم ينشر (روايته) بعد، فقد جمع مخطوطة (قصائده)، وبعث إليَّ، مشكوراً، بنسخة منها، بعد أن أعدَّها للنشر، تحت عنوان (هضلبيم!)، وهي كلمة من مأثور منحوتاته الخاصَّة، جرياً على عادته في اللعب بالألفاظ، ويقول عنها هو نفسه أنها بلا معنى محدَّد، راجياً من قارئه العطوف إشباعها بمعنى إيجابي، أو بما يروق له من المعاني، حسب مشاعره أثناء القراءة!

وإذن فإن بشرى يطلب لقصائده، من الوهلة الأولى، مثلما لسرديَّاته، قارئاً يضارعه يقظة، وذكاءً، ولماحيّة، وانتباهاً للفجوات، والماورائيَّات، والماتحتيَّات، والمخبوء بين السطور؛ لا قارئاً يأوي، في المساءات، إلى فراشه، منهكاً، يستمطر الهجوع، ويستقطر النعاس، وينتظر من كاتب ما أن يدندن له بهدهدات ما قبل النوم!

فإذا كنت قارئ بشرى المفضَّل، وأعملت عقلك ووجدانك، سواءً في نصوصه السّرديَّة أو في قصائده، فإنك ستلفى نفسك، لا محالة، محتشداً، في لحظة ما، بألم إنساني يهصر قلبك هصراً، حتى لتكاد تشرق بالغصص، وتختنق بالعبرات؛ لكن مفارقة عبثيَّة مشحونة بالسُّخرية اللاذعة سرعان ما تباغتك، وسط كلّ هذا الحزن الثقيل، لتفجّر لديك، لا الضحك وحده، وإنما، أيضاً، الوعي بحقيقة هذا الألم، وبأصله المركوز في صميم العلاقات الاجتماعيَّة المختلة، فما تلبث أن ترتقي بتفكيرك، رويداً رويداً، من مرتبة (السَّاخط العدمي) إلى مرتبة (الثوري الإنساني)! ولعلَّ هذا العنصر الجمالي والفكري المائز، سياسيَّاً وإنسانيَّاً، بالذات، هو الذي يضع بشرى، كقاص، ودونما أدنى مبالغة، في مستوى متقارب مع الرُّوسي أنطون تشيخوف والتركي عزيز نيسين، من جهة، كما ويُكسب قصائده، كشاعر، من جهة أخرى، نبل رسالتها السياسيَّة الإنسانيَّة التنويريَّة.

إستلال المفارقة السَّاخرة، إذن، من جوف أكثر اللحظات اكتظاظاً بالألم، هو عنصر أساسي لجماليَّات السَّرد في مجموعات بشرى القصصيَّة، كما ولجماليات القصيد في مجموعة (هضلبيم) الشعريَّة؛ لكنه، بالقطع، ليس العنصر الوحيد، فثمّة حزمة، كذلك، من عناصر الشّعريَّة، في سرديَّاته وقصائده، حيث يبدو، للوهلة الأولى، كطفل (يلهو) بحصى ملوَّن، على شاطئ رملي، تحت شمس مشرقة، ثمّ ما يلبث هذا (اللهو) أن يتكشَّف عن أعقد المضامين، وأكثرها جديَّة؛ على أن هذا مبحث يطول، ولست، هنا، في مقام الدراسة النقديَّة، بقدر ما أنا في مقام التوقيع المُرحّب بمجموعة صديقي الشعريَّة الأولى، وهاأنذا أفعل، بل أبصم بالعَشَرة!


التوقيع
التوقيع عند النجار

  Reply With Quote
Old 10-06-2010, 10:13 AM   #3
 
عبدالمنعم
مشرف المنتديات الأدبية

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 26
السكن: الكلاكلة
المشاركات : 1,175
بمعدل : 0.23



عبدالمنعم is offline
Default

الأخ عوض لك التحية
كنت قد فكرت في تغيير أسم البوست ليصبح د. بشرى الفاضل ليكون مساحة للتوثيق لهذا المبدع (وذلك أضعف الإيمان) ولكن فضلت الإنتظارأما الآن فما رأيك؟؟؟

طلباتك أوامر... القصة مهداة لك وللجميع

حكاية البنت التى طارت عصافيرها

بشرى الفاضل

كنت مدية وسط حشد غريب من البشر ، لا تجمعهم سلطة خضروات شحاذين وجزارين وحرامية ، قافزين ومادحين وجنود غلاظ رائحين وغادين ، مترهلين وعجاف ،باعة متجولين ومتشردين وسبابه ، منتظرى مواصلات وجلابه ، متانقين ومتاففين .ومن بين كل هؤلاء ممثلون منتخبون يطاردون النساء بالعيون والايدى والاجساد، ومن لم تسعفه الحركة يطارد بالاستجابة المباشرة الحسية او حلم اليقظة
كنت مدية حادة السنان تشق طريقها وسط الزحام فتجدث الماً مفاجئا في كتف هذا مشفوعا(بمعليش) وجرحا في قدم هذه متبوعا(بسوري) ولكمة في وجه تلك موصولة (بمتاسف) وكنت من فرط سرحاني لا انتظر ردا علي اعتذاري…. كان النهار اخضر لا كعادة الصيف ،كنت ملتويا بالبهجة كعمامة اعرابي يزور المدينة للمرة الثانية،لا العاملات سعيدات مثلي ولا ربات البيوت –انا ابن المحطة الوسطي العنكبوتي الجيب المشرئب عنقا لحادث حركة او مظاهرة نشال، المستيقظ منزولا، التضور جوعا ، الباحث في خشم البقرة عن عمل .. شغبي مكتوم ومظلوم ابن مظلوم ومع ذلك سعيد هل ينتزع الاوغاد سعادتي ؟؟..هيهات ..وهكذا كنت لا انوي التجول فتجولت والناس مكدسة بطيخ بشري . كل ينتظر وسيلة مواصلات دنوت من احد الاكوام واخرجت ادوات انتظاري ..اخرحت كوعي اولا ثم راحة يدي فعاونا رجلي في حمل الجسد المستهلك يوميا والمتعب علي مدار العام.ومن بعد اخرجت عيني ثم طفقت انظر..انظر في الاتجاهات جميعها واختزن.... رأيت اولا رجلا اعمي ، كأنه وهو ينظر امامه يقرأ من لوح محفوظ..ومضي الرحل لحاله لكن نقودي تناقصت .رأيت ثانيا امراة بدينة لدرجة انها حين تنادي وليدها (يا هشام ) تحس بحرف الهاء يطن في اذنيك مليئا بالشحم ، رأيت رجلا عبوسا وطفلا تغازل رجلاه علبة صلصة فارغة .رأيت اصواتا وسمعت روائح لا حصر لها وفجأة وسط هذا كله رأيتها قفز الدرويش مكان قلبي .ورأيتها فارعة الطول من غير ان تتأرجح ..قمحية لا
كالقمح الذي نعرفه .ولكن كالقمح حين يكون قمحيا مثلها،اخذت من الضباط
اجمل ما فيهم مشيتهم.ومن الناس اخذت البابهم .تراها فلا تشبع قلت لنفسي: هذه بنت طا...رت عصافيرها كان وجهها مستديرا ويبدو هكذا:
وكان انفها كالخضر الطازج ولها عين:ياالله ! وعنق فرعوني ذو وترين مشدودين انيقين لا يبدوان الا اذا التفتت. واذا التفتت هربت جميع البائعات بفولهن المدمس وتساليهن الملوح .وهربت الشوارع من حفرها والروائح النتنة من اماكن بيع اللحوم،وهربت ذاكرتي الي مستقبل اتمناه ،اذا صببت ماء في هامت البنت التي طارت عصافيرها ،انحدر ناحية الجبهة .وكان جسمها اذ تمشي يتماوج، كأنه بريمة تنداح دوائرها في قطعة حشب تنوي ثقبه اقبلت نحوي فنظرت لحالي واصلحتها، واقتربت اكثر فرايتها تمسك بطفلة صغيرة تشبهها الا من بدانة في الطفلة كانت يداهما تتشابكان كأنهما مصممتان خصيصا لذلك، وكأن كلا منهما تمسك بشرودها. وكانتا تعقدان الحواجب بلا دهش بين كل دقيقة واخري بحيث يبدو ما يحدث لعينيهما مثل برق يغسل عن وجهيهما نطرات الآخرين الجائعة.قلت هذه فتاة طارت عصافيرها ،ثم التفت لاختها فقلت: هذه تميمة ولا بد جاءت بها لتقيها من شر الآخرين .هذه تميمة طارت راحتها. ورأيتهما كثيرا جدا حتي تخيلت نفسي بالمقابل بشعا، فأجفلت ولكنهما مااجفلتا ونظرت للتميمة .ان فمها دقيق كأنه لا يأكل اللايوق الذي اتلوث به.والتفت الي الناس ثم اليهما مرة اخري ونظرت ثم نظرت،نظرت.. نظرت! حتي انقذ الموقف عربة اجرة دلفت علي حين مباغتة فأفسح الناس للتميمة والبنت التي طارت عصافيرها.علي غير عادتهم مع النساء الاخريات ،فركبتا ومن خلال غبار المنافسة وجدت نفسي ايضا داخل العربة.تحركنا وكانت العربة معطوبة ناشفة في سيرها .كان جاري يدخن وجاره محشو بالبصل ولولا ان النهار كان اخضر،ولولا البنت وتميمتها وما شذ من جمالها وعلي كل تصرمت خمس دقائق حين جأر الذي هو بصيل بالبصل-عندك هنا يامعلم.ثم نزل وضرب الباب كأنه يسقط عليه شجارا بائتا جبن من خوضه في حينه،فأختزنه. تحسس السائق خده الايمن كأن صفعة الباب كانت به.ثم تمتم لنفسه_ناس ما فيها رحمة.ترنح الرجل البصلي وعاد ادراجه ورمق السائق بعين حمراء ثم فجر قنبلته. -ايه قلت شنو؟ صحت فيه امشي يالله يا ابن العم الحكاية يسيطة.تدحرجت العربة واختلط هدير موتورها بسباب الرجل البصلي ولعناته .وكأن السائق كان يعنينا بمواصلة الحديث الذي يشبه المنولوج حين قال :ناس ذي الحيوانات. ثم سحب الحال علي البشر كلهم وما لبث يذم ويتنرفز حتي وقعت العربه في حفرة الشارع الرئيسية ثم وثبت كما تثب ضفدعة .ونقت فداس عليها سائقنا فرضخت وسارت قدما مزمجرة.كأن ظهري من فرط قسوة العربة قد بدأ يؤلمني نظرت امامي حيث البنت التي طارت عصافيرها وتميمتها فاحرزت انهما اتخذتا شكل المقعد.لا تشعران بالوجع ولا ينزلق غضروفهما.واخيرا وصلنا. نزلت البنت وتميمتها ونزلت انا ثانية فلم اسمع صوت ارجلهما بيد ان وقع حوافري كان مسموعا للجميع. واوشكت ان اتحسس اذني هل طالتا؟! سارتا فسرت خلفهما،لا كعادة السودانين ،وكنت من انصار السير بالتوازي قبل رؤيتهما ولكن مشيتهم اكانت ايقاع خواطري .قلت لابد ان ينبثق الايقاع اولا.سارتا امامي موسيقي بالغة العذوبة وسرت لشدة اضطرابي اشترا. وفجاة التفتتا جميلاً جدا ناحيتى وكان ثمة غضب ملون منقوش على نبيل
وجهيهما قالت الكبري
- مالك مبارينا ؟؟ -
قلت مقللاً من وتائر فزعهما
- لا يا ابنة العم ، عندى مثلك . ولا اطارد الجمال بالبنادق فى الشوارع
:قالت
- قديمة !! -
: قلت
- لا صدقينى . وكدت أن اقول ( عندى مثلك احبها وتحبنى ويحب ناقتها بعيرى الف مرة اجيئها غاضباً واخرج من عندها هاشا باشا كان لديها مصنع للفرح ، خرجت فى ذات يوم من عندها مليئاً بها حتى غازلنى الناس فى الشوارع ).
أنسابت من حنجرة البنت التى طارت عصافيرها أنغام صافية مكان الضحك . ثم سكتت وسكتُ
دار خاطرى فى ذكرى حبيبتى يا لها من عفريت .تلك فتاة شديدة الاعتداد بنفسها . شديدة الوثوق بها . قالت : والصيف على اشده ونحن نرجع من حفلة موسيقية
- جدتى كان يغنى عليها سرور -
قلت
-اولئك مطربون اوقعهم شعراء المرحلة فى التهلكة فصاروا يتأوهون
ويتأرجحون بانتظام طرباً بمفعول لحن وكلمات هابطة قالت : كيف ؟؟ قلت شعرائهم كانهم قصابون ، يبيعون المرأة جزءا جزءا اذ يدنو الرجل من متجر فيه حنجرة تغنى وتصيح : نهد ،، نهد ،، وجنة .. وجنة فيقلب الرجل فى اجزاء المرأة ما طاب وتنبهه الحنجرة لجمال بعض الاجزاء الغائبة عليه ويخرج الرجل بعد ان يكون قد اشترى نهداً بالبصل أو خصراً بالجرجير ومن كان عنده ضيوف يشترى كفلاً قالت حبيبتى : يخصى ذلك كلام منك قبيح احشر لسانك خلف اسنانك ، هل نسيت ان بينهم خليل فرح ؟ فالقمتنى حجراً ولابد ان حالة سرحانى عاودتنى اذ ما ان التفت حتى لم اجد البنت التى طارت عصافيرها ولا لشقيقتها اثرً صنعت من حواسي مختبراً للتجسس على البنت وتميمتها الاذنان مايكروفونان والعينان كاميرتان والانف معمل كيميائى واللسان نشرة اخبار وكان المختبر يعمل بكامل طاقته لا كمصانع هذه الايام ، ثم ترصدت مثل فأر يترصد حركات عدوه التقليدى ، فيتفاداها ثم ان رادار البنت التقطنى قالت :- وهى تركض خلفى وانا اوسع من خطواتى خوف ان تشتمنى
- عذبتنى ،، انت داير منى شنوياخ !؟؟
قلت :
-لاشئ سوى ان اراك .. اغنيك .. احلم بك ، لا دخل للأذى فى علاقتنا ،إنه انجذاب وحيد الجانب فانا يعجبنى من هو مثلك ولكننى اشعر امامه بالدونية .ضحكت مرة اخرى فسقط قلبي فى ثلج الرضا والفرح
سألت :
-شاعر ؟؟
قلت :
- يقولون .. ومن اخبرك بامرى؟؟
قالت : سمعنا
قلت : ومن معك حتى تخاطبين نفسك بضمير التعظيم؟؟ الا ان وجهك نور ، وصوتك نور، وانت مرايا معلقة فى دموعى تضئ وابكى قالت جميل كنت أسيئ فهمك الان حصحص الحق انت تعرف شباب هذة الايام تافهون
ووقحون قلت : بل اعرفهم ،، أنبشى تجدين نفيس المعادن ، المعادن لا توجد على السطح اصحابي اكثر من النمل ، غالبيتهم يَتفهمون ويَفهمون ويُفهمون ركضت البنت بفرح امامى ،، وكان قوامها يتماوج حتى اختفت ، ورن فى أذنى صليل جرسه العذب . وما انفكت صورة عينيها تضئ وتظلم فى دماغى ، وما برح وجهها يغذى ذاكرتى بالفرح طارت عصافيرها
طارت
طارت
طارت



التوقيع
التوقيع عند النجار

  Reply With Quote
Old 10-06-2010, 10:14 AM   #4
 
عبدالمنعم
مشرف المنتديات الأدبية

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 26
السكن: الكلاكلة
المشاركات : 1,175
بمعدل : 0.23



عبدالمنعم is offline
Default

وهكذا اصبحنا صديقين لشهر كامل استمرت مقابلتي ليها في الشارع العام نركض، نضحك ونتحاور فلم اصل غورها وخفت ان تكون قد لامست سطحي.وذات أربعاء سألتها- من تلك التي في يمينك ؟
- اختي اتوكأ عليها وتساعدني علي السير في الاسواق وتحفظني من شرور العربات .قلت :تميمة؟ قالت: ماذا؟ قلت: رقية. تحفظك من شر العيون ، ثم قلت لنفسي: (واذا المنية انشبت اظافرها الفيت كل تميمة لا تنفع). وحدقت في وجه الجميلتين مليا،الصغري ذَبُلت وخارت قواها كما تخور قوي ثورالساقية لابد ان المشاوير قد اشاختها قبل الطفولة ركبت معهما كانت العيون قد بدأت تتطاير من اركان الحافلة كلها وهطلت في افخاذ ووجهي وعيون وجسدي البنتين وغمرتهما العيون التي تشبه المناشير الزجاجية التفت ورائي وامامي الجميع محاجرهم كالملاحات الفارغة .طارت العيون عن الوجوه واصبحت في كل وجه حفرتان . ومنعت نظارتي الطبية عيني من الاقلاع والطيران وبما انني منحت حب استطلاع غامر ومتعة احصاء فذ، فقد وجدت ان بجسديها تسعة وتسعين عينا مستديرة وعجبت اول الامر للرقم الفردي والتفت ورائي فوجدت ان احدهم كان اعورٍَِا. عدت للبيت غاضبا ونبشت اوراقي فوجدت ضالتي وصممت علي الرجوع في الحين. كان النهار قد انتصف. الشمس قائظة وانا مغتاظ ووجدت باب حافلة مفتوحا ككرش مرتش فدخلت وكانت تلك الحافلة كمركب نوح. بها كل الوجوه. اشتات مجتمعات. فيها يسهل السهو والسرحان. وما ان جلست حتي اطلقت خيولي قوية السنابك من اصطبلاتها فرتعت في حقول خيالي وخيدعي. كأن صوتي ضاع مني. كأنه سقط. تكالبت علي الهموم فلا عيني ولا عيون غيري ايقظتني.ِ اه مني القدح ابن الكرم، يملآونني بالشجن مكان الدخن واللبن واملآهم بالفرح مكان الحزن والبؤس فبئس مصيري، وبخ بخ لمصيرهم كأنني مصنوع لاستمرارهم وكأنهم مستمرون لشقائي. واه مني انا ابن النوم.ابن الانتظارات والمواعيد الكذوبات. لي حبيبة في الذاكرة والمني فقط. مثلي يتمني مثلها. ومثلها لا يرضي بمثل من هو مثلي. فمثل من انا؟ يا بقرة قلت لنفسي يا وحشا. يا رجلا محشوا بالامراض، بالجراثيم، بالصعود، الهبوط. وبالتحولات والاهتزازات، تحيط به الباحثات عن سعادة فيسومهن سوط عذاب والباحثات عن صديق فيعاديهن، وتحيط به الائي طارت عصافيرهن ولا يحيط بشيء ومع ذلك فهو كما يدعي من قبيل يفهم، يعي، يشاكس،يتمرد.
رجعت لحال بؤسي وانا مازلت في تلك الحافلة اللعينة فوجدت الناس من حولي تناطح. لا يترك رجل لامرأة من مقعد ولا تترك امرأة لرجل من لعنة قي قاموس فكان لابد من ان انزل قبل ان اصل للمحطة بغيتي فنزلت ورأيت قدامي قطارا من البشر،دفع به الفضول نحو المستشفي ولم يكن فضولي اقل كماً ولا نوعاً اطلاقا ولكنني كنت مكابرا. ركبت موجة الزحام بعد ان افرغت كل عبارات وتأوهات العجب…في شنو يا جماعة ؟ وتاهت عباراتي السؤالية في لجة عبارات مشابهة وجائتني تفسيرات شتي كل تفسير مستقل عن غيره ملم ببعض التفاصيل متجاهل لبعضها فما ذادتني اجابات المارة الا اندفاعا شديدا نحو الي الامام نحو مبعث حب الاستطلاع ثم كان ان انجرفت بفعل تلاطم الناس نحو الشيمة اكثر فاكثر حتي صرخت: - دم! كأن موس حادة قطعت الاشعة عن عيني كأنني مت. مضرجة. مضرجة. خضابها الدماء الصدمة وخضاب تميمتها الدماء
والفزع. وخضاب مثيلاتها الحناء. دم في ايديهما كقاتلتين وفي ارجلهما
كمقتولتين. وفي مختلف انحائهما بحيث لا تعرف من اين ينبثق، قلت
- لنفسي حادث حركة ولابد.
صرخ رجل ذو وجه مستدير منفعل:- لا قلت صامتا ماذا اذن ثم استدرت مع جملة المبحلقين قبالة وحه شاب هادئ الصوت حين قال:- ماتتا في الشاطئ. منكفئتان هكذا... وفاقدتان للوعي وجدهما رجل بدين ذهب الآن لقسم الشرطة
قلت صامتا: حادث حركة لابد. صرخ جاري الذي تصادف ان كان ضمن دائرة المشاهدين:- يا راجل انت مجنون؟ حادث حركة في الشاطئ يعني صدمتهن مركب؟ واللا نطت سمكة من البحر ضربنتهن؟ قلت لنفسي حادث حركة ولابد. ثم استدرت نحو الشارع العريض مؤذنا صارخا ضاحكا وخطيبا_لا لا لا لا طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت طارت.
تلفت بعض السابلة وهزوا رؤوسهم ثم تلفتوا من باب التأمين علي كون اني
مجنون ومضوا في حال سبيلهم…
طارت …طارت …طارت ..
اوقف رجل عربته. كان ممتلئ الاوداج بالضحك وسألني: طارت ماذا؟
فقلت: عصافيرها…
ضحك حتي ارتج الاسفلت وحتي انبعجت العربة واطلقت ريحا ثم ادار المحرك واختفي…
طارت …طارت …طارت ..
_ هل؟..... لابد ان قوة ما ذهبت بهما الي ذلك المكان.. لابد ان حيلة ما..... ارأيت
الفزع والخوف علي وجهيهما؟ فزع التميمة وصدمة البنت التي طارت عصافيرها. لا- لا_ حطت.. حطت.. حطت..
رأيت قدامي جمهرة وخلفت ورائي جمهرة كلهم ينظرون الي كأنني مرتكب الحادث كدت اصرخ فيهم طارت! ولكنني وجدت الاسفلت ممتدا امامي فمشيت ومشيت ومشيت ومشيت، ذلك الظهر الكئيب. لا منبع حلمي وصلت ولا دارنا، النهر اقرب وعيون الحبيبات اكثر امنا،فلا اذهب لهذا عسي ان اغتسل ولتلك عسي ان اتوسد سوادها وانام في متن بياضها ملء جفوني وليسهر الخلق وليختصم ما شاء له طالما ان عصافير برية بريئة حصبوها بالحجارة والرغبات المتمركزة حول ذاتها فحطت بمكان قبيح، قسراً في بقعة مليئة بالقسر والاكراه.


التوقيع
التوقيع عند النجار

  Reply With Quote
Old 10-06-2010, 10:23 AM   #5
 
عبدالمنعم
مشرف المنتديات الأدبية

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 26
السكن: الكلاكلة
المشاركات : 1,175
بمعدل : 0.23



عبدالمنعم is offline
Default

عوض خضر
ألم ترى الطيب صالح بين سطور هذه القصة؟ أعتقد أن هناك شيئاً ما بين بشرى والطيب. أتذكر عقل مصطفى سعيد في موسم الهجرة إلى الشمال ؟ بماذا شبهه الطيب صالح؟. هذه واحدة وكانت البداية أما بقية القصة فنفس الطيب صالح واضح ٌ فيها وضوح الشمس في عز النهار وهذا لايقدح في أسلوب بشرى الفاضل فهو قد تميز بالكثير من أعماله المختلفة ولكني أردت أن أشير لتأثر هذا العملاق بذاك الهرم


التوقيع
التوقيع عند النجار

  Reply With Quote
Old 10-06-2010, 09:03 PM   #6
 
عاطف البدوي
زائر

رقم العضوية :
المشاركات : n/a
بمعدل : 0



Default

كل هذا الابداع عباره عن رؤية من خلف باب موارب قليلا ؟ وماذا ان كان الباب مفتوحا علي مصراعيه والجدار محطما كما في الرواية ؟
عندما اخرج ادوات انتظاهره تحولت ابتسامتي الي ضحكه عندما اخرج عينيه معددا بها كل ماحوله ببراعة يحسد عليها وكثيرا ما تدهشني زاوية الرؤية وماتحيطه من اطار عصيب المنال الا لكاتب صاحب عيون وتامل حصيف
وبعد ان تمتعت عينيه بجرد كل ما حوله ارتدت اليه لتري نفسه اذا اخرج اولا كوعه ثم راحة يديه ورجليه التي اتخذت وضعا يمكنها من حمل الجسد الواهن صورة لانسان منتظر .
الفتاة التي طارت عصافرها نحو اين ؟؟؟؟؟؟ تعجبني الكبكبه اما م سطوة الجمال الادمي اذا اصلح حاله دون سبب عندما اتجهتا نحوه والشعور بالدونيه والضاله امام هذا السحر الالهي اعاد في ذهني زكري صديق عزيز عندما طار باتجاهه عصفورا عينين وابتسامه من فتاة كان جمالها اكبر من احتماله قال لي لم افكر في اي شي سوي ان ما دعاها للابتسام بنطلوني المفتوق او القميص رغم ان الاثنين بخير ولا غبار عليهن الله علي هذه الكببه التي تحرص حتي من نفسها علي عدم زعزعت الجمال كما اسرع الخطي خوفا من ان يغضبها

عبد المنعم اجدع من ذي دا كتر الله يديك العافيه

  Reply With Quote
Old 10-06-2010, 09:13 PM   #7
 
عاطف البدوي
زائر

رقم العضوية :
المشاركات : n/a
بمعدل : 0



Default

عفوا للتكرار

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:05 AM   #8
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

لم يذهب د. بشرى الفاضل بعيداً في رحيله إلى جنة الجراد، فاستخدام العوالم الموازية لكائنات أخرى غير البشر هو شكل قديم من أشكال التعبير الفني والإفراغ الإبداعي الذى يهدف إلى إنشاء علاقات جديدة مع الواقع. وفي الذهن مؤانسات الجاحظ وإبن حزم وأبي حيّان وإبن المقفع وغيرهم، مما قد لا يتّسع المجال لذكرهم، مروراً بمؤسسة الشعر التى لم تخل من التوسّل بعوالم الحيوان

وفي الذهن أيضاً أشعار عنترة التى إستطاعت أن تقدّم مثالاً للإنسانية العميقة التى ترتفع بالحيوان من درك المطايا إلى درجة الصحبة والمؤاخاة النبيلة. فينظم عنترة أبيات في فرسه الأدهم تخلّده وتسبغ عليه آيات الشموخ الروحي.

ولا ننسى بليك «Blake» الذي إستقطر رحيق سعته الإنسانية وسخائه الإبداعي ومفرداته الأدبية في مجموعته «أغاني البراءة» فكانت أهم قصائد تلك المجموعة هي قصيدة «الحمل والنمر»، وتتمدد ذات الفكرة في كلّ الأدب الإنساني في كلّ زمان ومكان فنجدها في «ملحمة الطيور» في الأدب الإغريقي الاستروفاني كواحدة من أعظم ما أنتج المسرح الديونيسي في أثينا. حيث تبني الطيور مدينتها في السماء وتُحكم من فوقها قبضتها علي العالم.

وهكذا فإنّ الاستخدام الإبداعي لتلك العوالم الموازية لم يفقد قط وعبر الأزمان فعاليته الإدهاشية وقدرته التعبيرية سواء استند في ذلك إلى الأسطورة أو إلتحم بالواقع. ولعلّ ذلك هو السبب الأقوى في استخدام ذلك الأسلوب بإتّصال مستمر في قصص الأطفال، ليلعب من ثم دوراً مقدّراً في إرساء مدرسة أسلوبية قادرة على شحذ خيال الأطفال وتوجيههم توجيهاً قيمياً غير مباشر. ونعود إلى الأدب الروائي لنجد أنّه أيضاً قد إعتمد غير قليل على توظيف تلك المعاني لينسج بذلك أمشاج الخيالي والواقعي بأبعاد رؤيوية في لُقيا إنسانية وكونية جامعة استطاعت ان تكون هي الأقدر على توصيل الأفكار الكبيرة بكل محمولاتها الرمزية والقيمية والعاطفية.

ومن هنا إمتدت يد د. بشرى الفاضل الإبداعية الطويلة لتدق برفق على ذلك الوصيد، لتُفتح لنا الأبواب على مشهدٍ فني آخر في بنائية قصصية مشفوعة بروح السحر الفانتازي والبراءة الروحية والخصب التأملي والتثوير اللغوي المجنح الذى يحرر اللغة بعفوية من كل سلطة وسقف. ليؤكد د. بشرى الفاضل مجدداً في دفقه الإبداعي أنّ الشحذ المتواصل لنصله اللغوي لا يبليه بل يرهفه ويمضيه في كلّ مرة.

وبسردٍ لا يخلو من الجدّة والطرافة يتخلّق أمامنا عالم حي ويتراكب معماره مع تتابع القص بيسرٍ وتلقائية مدهشة.

وفي إحاطة بارعة بتفاصيل عالم الجراد يقدّم الكاتب مفهوماً وصفياً مختلفاً للمرئيات والمسموعات. ويحلّق بنا مثلاً على جناح جرادة في عالم الأفق في مسحٍ طبوغرافي عجيب وواقع بصري فريد تنقله لنا أعين جرادة ترى ما لا نراه. بل ونحسّ كذلك بالتفصيل الفيزيائي الدقيق لعملية الطيران والاستجابات التبادلية الوظيفية مع الترجرحات والتيارات الهوائية والإنعكاسات الضوئية.

ونجد أنفسنا نرهف السمع لأصوات الجراد الجزلي وشعرها الخاص بوزنته السمعية وإحداثياته النغمية المختلفة. ويمتد الكاتب بنا إلى قاموس الجراد ليُرينا بعض مفرداته الخاصة. فالجاغة هي ساعة الجراد بقياسات الساعة الفيزيائية الجرادية الخاصة. وعبر كل تلك المجاميع التصويرية والسمعية تتداعى الحواجز بين الموجودات وتتماهي العوالم لنرى الشخوص الجرادية وهي تتدافع بأرواح حسّاسه قادرة لتنتزع فرصتها في الحياة والبقاء والحُب من براثن الحظ الضنين والكون الذى يتنازعه الأقوياء.

وبقصيدة إبداعية عميقة تذهب بنا في رحلة كشف في صميم الوجود الإنساني وتحديق عميق ملئ في جزيئات الواقع واستقراء لطبائع الأشياء بإدراك لا يراها كمسلمات باردة، بلغة كثيفة تمتلك أكثر من مستوى واحد للدلالة.

وبطاقة مرهفة قادرة على تقطير التجربة الانسانية والقبض على جوهرها وإختزال وتلخيص خبراتها وتجاربها بطواعية مدهشة تحيل إلى متعة ذهنية رائقة وراقية.

وقد وجدت نفسي أقف طويلاً عند حديث المبدع الياباني هوراشيو كويروجا المشهور بقصص الحيوان والعوالم الموازية وهو يؤكد على أن تلك القصص تأخذنا بإقتدار في تطواف ذهني موحي. ولم أدرك ان «سيمفونية الجراد» تعدني بذاك العروج الذهني، حتّى جاءني صوت شقيقي من أقاصي إسكندنافية وهو يهتف بحماسة غريبة. قال متلمّظاً ما معناه أنّ أقوام الجراد قد توحّدت بالفعل أمام كلّ العوائق لتوجّه صفعة مطرقة لوجه الإنسان السادر في غيّه.. وأين؟؟ في واحدة من أكثر مدن العالم إزدحاماً بالسكّان» القاهرة» وضحكت ملء روحي من حماسته حين أدركت كُنه إشاراته الضاحكة.

وللعجب وجدّت نفسي أنسرب من فوري وبلا استئذان لأندس في عوالم الجراد، بل وأقفز بروحٍ واجفة لأتابع عبر كلّ الفضائيات تلك الغضبة الجرادية الجاسرة في وجه الإنسان الباطش بكلّ المنظومات الحياتية من حوله.

وإنتفشت روحي وخطرات خيالي تخبرني بأن الجراد قد طار بلا هوادة عبر الأطوال والأميال والصحاري بصبر نارد وبوصلة بيولوجية مدهشة لا تخذله أبداً ليحطّ حيث أراد ساعة أراد. وذلك ليردّ عن نفسه التهمة الجائرة التى تجعله لا شئ في درك الآفات المسفلّة. ليحقّق إرادته رغم عصف العناقيد الكيميائية المبيدة والأبخرة السامّة.

فشكراً عميقاً لصدق كلمات هوراشيو الذى استمطر عبر روائعه تفاصيل العلاقات بين الكائنات، ووحدة المخلوقات وحقّها في الحياة في كون واحدٍ جامع. وإنحناءة لكل ألمعيّ رهيف يستطيع ان يلقى «ببشرى» إبداعية ومنجز فنّي «فاضل» في وجه نعاسنا الثقافي الوخيم عبر نصٍ حي ممتلك لصفة التسامي الكيميائي الأدبي الذى يتحول فيه النص من حالة المسطور الكتابي إلى حالة الملامسة الحياتية مع جلد الواقع دون المرورر بأي مراحل وسيطة، لتستفيق الأقلام ولو إلى حين

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:06 AM   #9
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

. د بشرى الفاضل قاص حاذق عُرف بمساهمته الابداعية الفذة، وأشواقه الجمالية الضاجة وانثياله الوجداني الدفيئ ومنجزه الابداعي الذي ما فتئ يدغم ذاته في نسيج الحياة اليومية بمجمل مشاهدها ومواقفها وشخوصها عبر لغة مشحونة بطاقة إكسيرية لا تلهث ولا تفني وتلك هي عصاه التي استطالت فأزدردت ما حولها. فلا يكاد أحد يتناول انتاج د. بشرى الابداعي دون ان يقف مأخوذاً مبهور الانفاس أمام الالمعية اللغوية والفرادة التي إستوت على سوقها لتعطيه طابعه اللغوي الثوري الذي لا يدخر وسع اللغة الاستيلادي ولا سعتها الدلالية عبر انساق عدة منها الاجتراحات اللغوية التي بلغت عنده شأن ان تكون في حد ذاتها ممارسة ثقافية بالغة الاهمية وتجريب جمالي يشاكس اللغة في إبتكارية تلقائية وطواعية ابداعية واعية بعيدة عن التكلف والصنعة والعسف الحداثي، فهو صاحب التعابير الماهرة التي خرجت لشرعية التداول اليومي من بطون مجموعاته القصصية امثال مجموعة «أزرق اليمامة» ومجموعة «البنت التي طارت عصافيرها» و«سيمفونية الجراد» ومن تلك المفردات مثلاً مفردة «طفبوع» التي اختزل فيها الكاتب كل المعاني القميئة التي تحيل الانسان الى كائن مدمّر ومصاص دماء يفتك بسلام الآخرين ويغدر بهم في غفلة الطمأنينة.

ولعل رهان د. بشرى الفاضل المضمر في نصوصه يتمثل في انه يضع القارئ ازاء لغة بسيطة وفي ذات الوقت مزدحمة بالدلالات ومحتشدة بالمعاني إلى حد الامتلاء، فنص «الرحيل الى جنة الجراد» على سبيل المثال مكتنز بالافصاح الابداعي القائم على متانة هيكل اللغة بكل قوة إنفعالها وعاطفيتها وطاقتها الشعرية وذلك عبر حيل عدة منها تقليب اللغة على كافة اوجهها لتؤدي دوراً مركزياً في دفع ثقل دلالات النص عبر مسامها الرهيفة. أو بأن لا يأنف د. بشرى من ان يلعب مع القارئ لعبة ذكاء صغيرة أو يقوم بمناورة لغوية يقتنص فيها مفردة ويعيد تركيبها وتوجيهها بمرح طفولي عابث، أو حتى بأن يقوم بمغامرة فنية تشاكس اللغة بروح نزاعة للسخرية والطرافة الذكية.

ولعل ما يعطي د. بشرى تلك النكهة الاسلوبية الخاصة كذلك إهتمامه الجم بالتوثيق للصوت البيئى المحض ودقة معالجته الصوتية ومحاكاته بوزنته السمعية وتوظيفه ومن ثم كركيزة اخرى من ركائزه التعبيرية لارتياد مستويات حكائية جديدة تكاد تسمع فيها صدى الكلمات بل وتلمس حوافها. فمن قراء مجموعة «أزرق اليمامة» لم يخالج سمعه سعال حاجة السرة العجوز الخرفة وهي تكح كحة مضمومة «أُه أُه» ومن لم يتسلل إليه صوت الجراد وهو يغني عذاباته بشعر آسر فينطلق شجياً بلا حنين واللوعة «تكم تك تك» في «سيمفونية الجراد».

وجرثومة د. بشرى الابداعية حاضرة كذلك في طاقة نصوصه الدلالية اللافتة من حيث كثافة الاحالات وترميز الالفاظ بل وإزاحة معانيها إلى دلالات خفية ومعاني خاصة تنفذ حتى إلى اسماء الشخوص التي غالباً يكون لها من مثلوجية الاسم نصيب بكل درجات الالماح والاشارة وذلك ملحوظ مثلاً في اسماء الجراد المرتبطة إرتباطاً اشتقاقياً وثيقاً بحروف مفردة جراد من جهة امثال جريرة وجارد وجبورة أو بكدحها وأقدرها من جهة اخرى.

ومما يستحق كذلك الوقوف عنده انتباهة د. بشرى الفاضل السديدة للغة العامية وتوظيفها كمورد طبيعي غنى وكخامة تعبيرية اصيلة تسهم بقوة في تماسك البناء الداخلي للنص، فهو لا يستخدم العامية كخصم للفصحى وإنما كرديف مكمل يظهر اللغة ككيان ابداعي مرن يتسع لثنائية الفصحى والعامية معاً لتعملا بتساوق رائع يتحقق معه مقتضى القص دون قداسة متوهمة لكيان الفصحى أو تنكر ثقافي ساذج للعامية كلغة محكية.

كما أن الحضور الحكائي الانيق لدكتور بشرى الفاضل يظهر في مقدرته على تعرية منطق الاشياء الداخلي وفتح النوافذ للقارئ ليرقب خلفيات المشهد الانساني المركبة، مما يجعل منجزات الكاتب القصصية تميل لكونها قصص استبطان وتفلسف أكثر منها قصص حدث ووقائع، فالسرد يدلف بالقارئ بانسيابية قصوى وباناءة محكمة إلى كشوفات النص الداخلية عبر لغة مكتنزة ومفتوحة كلياً على فضاءات التأويل وموائد الامتاع. فالنصوص بمشهديتها الدسمة وحواراتها المسترسلة باتساع مستمر، مثقلة باللا وعي الملبد بالمرموزات والموروثات والطقوسيات في نزوع وجداني ملح لاستبطانات المخيلة الشعبية عبر اشارات وتناصات عميقة المضمون وشديدة الاضاءة والانتماء وحيث الواقعي والخيالي وجها حادثة واحدة.

وكما ان امل دنقل قد استعار شخصيات حرب البسوس للتعبير عن الاحوال المعاصرة وتبعه ادونيس فقام كذلك باستلاف اقنعة تاريخية كمهيار الديلمي، فان د. بشرى لا يتردد في ان يسبر خياله ليخط مساراً آخر لافتاً باتجاه عوالم اخرى موازية فيقدم شخوصاً روائية قد تكون من الجراد عبر انسنة غامضة نرى فيها الجراد العادي والمثقف والنحيل الاعجف والسمين القميئ الراتع في الخضرة المعدلة وراثياً لنرى عبره انفسنا بكل مفارقات حيواتنا وما فيها من تناسل للمتناقضات والاكراهات والانكسارات، حيث الغزو المدني المتكلف والانسحاب القيمي والتدليس الاجتماعي هنا يقول د. بشرى عن الجرادة جريرة «خرجت جريرة في صيف امتد فيه الرماد من نشاف بلاعيم البشر الى إنطواء السجلات الخضراء عن الجداول والقنوات والمروج والمهج».

كذلك مما يجدر بنا الاشارة إليه قوة حضور المكان في نصوص د. بشرى الفاضل حيث يحكم القاص قبضته الروائية على بُعد المكان الاثنوغرافي بكل علاقاته المتراكبة وشروطه الانسانية المعقدة، مطلقاً باليد الاخرى بعد الزمان لتنفلت النصوص من عقال الساعة الفيزيائية وتطير بعيداً عن التحقيب والأطر الزمانية فتحفظ بذلك بمعانيها طازجة بكل ما تنطوي عليه من تبصرات عميقة قد تأتي على شكل عبارات قصيرة ساخرة قارصة احياناً ومتظارفة متهكمة متضاحكة احياناً اخرى.

ولعل مجمل ما وقفنا عنده في هذه القراءة السريعة لا يمثل سوى بعض قطرات من نصوص القاص السوداني د. بشرى الفاضل المائجة بالافكار والاسرار والاسئلة
والمبذولة للتأويل بلا شروط.

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:09 AM   #10
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default









عن دار مسارب للطباعة والنشر، في (104) صفحة من القطع المتوسط، صدر كتاب (فزيولوجيا الطفابيع) مجموعة قصصية جديدة لـ د. بشرى الفاضل، تضمن: إهداء، الإفتتاح، الدجاجة المنسية، قلعة حاج، معين والعيون، السفينة الجامحة، غريق الجيش، جسر الرسائل الأزرق، عندما تكلمت دمية الشاعر، فزيولوجيا الطفابيع، سليمانة والديك الأخرس، شيزو الطفابيع، تحولات نقطة، الجبل، تغريبة مرغني، فسفور بقاع بئر، كيف انتحر الحمار، الرحيل إلى جنة الجراد.

د. بشرى الفاضل، القاص والشاعر المعروف، يقيم ويعمل بالمملكة العربية السعودية منذ عدة سنوات، وكان قد صدر له كتاب (حكاية البنت التي طارت عصافيرها) عام 1990م، وكتاب (أزرق اليمامة) عام 1995م، من اجواء الكتاب الجديد نقرأ: (خرجت جريرة وهي جرادة نشطة في رحلة من رحلاتها الدورية للبحث عن جرير الغائب منذ خمس جردات, والجردة هي سنة الجراد, وعن الخضرة في ديار احطوطبت مشاعرها وعن سرب لا يجيء. قالت راوية هذه الحكاية وهي جرادة ذات استطرادات لراوٍ آخر سيوبر أن الخضرة هي موسيقى الجراد ولذا فهو ليس معادياً لها بل هو يسمعها ويستنشقها ولا يروي ظمأه منها إلا بالتهامها.

خرجت جريرة في صيفٍ امتد فيه الرماد من نشاف بلاعيم البشر إلى انطواء السجلات الخضراء عن الجداول والقنوات والأنهار والمروج والمهج . كانت جريرة عائدة قبل شتاء من ديار جارد. فعاتب وهو من الجراد العتاب كان قد جاءها ذات يوم جذلاً وقال أنه شاهد جريراً هناك . سافرت جريرة إلى جارد على عجل ثم عادت من رحلتها بهاء سكت مريرة كالغصة وباتت شتوياً تنضح بالحسرة.)

  Reply With Quote
Reply


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 03:32 PM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com