بادية الكبابيش : بقلم : حيدر سيدأحمد
كانت عيناه تبحلقان ، يداه علي وجهه لكانه يتحور في الماضي يريد أن يجسمه أمامه، تلك الايام الخوالي من أيام الفتوة وأيام ( الحرابة ) . نظرت اليه .. فاقد عضته السنون ، لم يبقي الأ وميض في عينيه يجسَم للذي يراه كل أيام الشباب وكل عنفوان البدوي الذي جاب الصحاري .. نزل الاودية وصعد الجبال . يتغذي بلبن غنمه وأبله .. يرعاها ويحرسها من غوائل الصحراء و( كراكير ) الجبال .
المجلس عامر بالناس ، فرح بدوي يطعمون فيه ويفرحون ، تغني الفتيات للجمال وما يبثه من حمي ، ويهتفن بشجاعة الرجال الذين يأتون بأبل أعداءهم مقرنات ، اللغط يدور في المجلس وغناء الحسناوات يتسرب الينا بين مسام الشعر داخل بيت (الشناق ) هو بيت الشعر ) صوتهن ينساب حيناً .. يمتزج في ( كرير ) الرجال حتي لتحسب تلك النغمات المنبعثة من وجدانهن وتلك الزفرات الخارجة من قيعان صدور الرجال وقع لسمفونية خالدة يحملها النسيم أيمنا حلَ ويكون .
تعلو الزغاريد كلما لامس السوط ظهور الشباب .. كلما تطايرت الدم علي خدودهن ونحورهن . كن يتضوعن أنوثة ويمتلئن كبرياء ، وكانوا لا يبالون بالألم وهكذا يتسرب الحب فيهم . بعض الحضور يلح علي حمراي أن يحكي قصته مع النمر الذي أفترس أحدي شياهه.
يرتدي حمراي ( فنلة صوف) من مخلفات الجنود وسروالاً ممزقاً عند ركبته . رجل هرم عليه وهج قوة كان .. يداه صلبتان . احتفظتا بذكري الأيام التي ولَت ، وعيناه كعيني الصقر .
قال لي حسبت الأرض بللها المطر .. لكنها ما زالت بلقع مخيف .( أنيْ كت فوق المويلح ) المرحْ ـــ بكسر الميم والراء ــ ( جمع مراح ) ذهبت حين لم نؤب. حين أناخ بنا السمر موارد الفجيعة .. ماتت الأرض .. ضمر الضرع .. جفَ حتي الشجر وخاصمتنا السماء . شفاه أوديتنا جفت وتشققت ، واشتاق المحجن ( للعليق ) .سأله أحد الحضور عن أم جمعه وام عشي وام عواني اللائي تركن المعسكر لاستلام حصص الأغاثة ويصنعن الشاي ويبعته . أشاح بنظره عنه في أسي ! صوت الرصاص .. فرادي ومجموعات .. أصوات الزغاريد .. رغاء الجمال وهي تلعب وتلهو وهي تفرح كما يفرح الناس .
كان حمراي ينعت النمر بالكلب وينطقها فصيحة . الكلب ( أحد الشاه) جريت ( ليه بفراري ) . كان اخي راه قبلي وجري نحوه لكني سبقته عدواً . الكلب لم يهرب ، بل ترك الشاه وتقدم نحوي .. تعركنا . عضني في أكثر من مكان ( خنقته ) وكنا كالشئ الواحد نتدحرج علي الأرض ، علا الغبار وأرتفعت الصيحات من الأطفال والنساء والرجال . تركني الكلب بين الميتة والحياة . محاولاً الهرب تكاثر عليه وضربوه بالرصاص حتي مات .
أثار عضه علي حمراي .. في كل جزء من جسمه باقية تذكر بمعركته مع النمر الذي حاول إفتراس أحدي سياهه .. توتر القوس .. علا الصياح .. الغناء .. ( الدلوكة) .. وغاء الأبل .. الزغاريد وصوت الرصاص .. الكل في حبور .
الوقت عصراً والشمس تميل الي الغرب . الابل تصطف للسباق . وادي الملك تحتنا هناك في تدحرج سحيق يرفع شارة الأنطلاق
حيدر سيدأحمد
1983 حمرة الشيخ
|
07-28-2011, 12:54 PM
Linear Mode
