Go Back   منتديات قرية فطيس > الأقــســــام الــعـــامــة > المنتدي الإسلامي
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

 
 
Thread Tools Display Modes
Prev Previous Post   Next Post Next
Old 01-27-2013, 10:00 AM   #1
 
عاطف البدوي
زائر

رقم العضوية :
المشاركات : n/a
بمعدل : 0



Default الانثي التي تقبلها الله بقبول حسن :رسالة الهية لكل امراة

وصف الله - سبحانه وتعالى - وضعية المرأة في العصر الجاهلي في الجزيرة العربية بما يفسّر الميراث المتراكم لهذه الوضعية عبر التاريخ الإنساني القديم ، وذلك في قوله تعالى -سورة "النّحل - وإذا بُشِّرَ أحدُهم بالأنثى ظلَّ وجهُهُ مسودَّا وهو كظيمٌ 58 ) يتوارى من القومِ منْ سوءِ ما بُشِّر به أيمسكُهُ على هُونٍ أمْ يدُسُّهُ في الترابِ ألا ساءَ ما يحكمُون "59)

... لقد صوّر اللهُ - سبحانه - في هذه الآيات الكريمة مدى إحساس الرّجل العربي بالسوء والعار والهمّ إذا رُزِق بالأنثى ، وصف إحساسه بهذا العار وصفا دقيقا يرصد تصاعد أزمته النّفسية وتدرجها منذ حدوثها وحتّى نزوعه إلى قتل الوليدة الأنثى ؛... فالرجل المُبتلى بإنجاب الأنثى يلحقُ به مايلي - وفق الوصف القرآني الدقيق -
اسوداد الوجه كمداً وغمّا وهمّاً ; ثم الاستخفاء من القوم والأهل خجلا وعاراً -؛ ثم المراوحة مابين اختيارين :وأدِ هذا الهمّ -الماثل في البنت - ، أو الإبقاء عليها على كراهة ومضض .

*** وقد سجَّل المولى - سبحانه - في هذه الآيات نفسها انتصاره لكرامة هذا المخلوق - الأنثى - وحقِّه في الحياة ، وعدم أحقيّة أي طرفٍ آخر في الاستحواذ على هذه الحياة ، والهيمنة عليها أو استلابها ، أو الحكم عليها بالإفناء ، ... انتصر المولى لكلِّ هذا الحقوق في قوله في ختام الآية :
"ألا ساء ما يحكمون " ... ;وبذلك حكم سبحانه على هذا التوجه الجاهلي بالسوء ، وسجَّل هذا الحكمَ في كتابه الكريم ليكون معيار الحكم على أيّ توجّه جاهليٍ مماثلٍ له في النسق الفكري والنفسي في أيّ عصر - وليس فقط العصر الجاهلي - وفي أيّ بقعة في الوجود ، ... وليس فقط في الجزيرة العربية ...

**إنَّ هذا الوصف الإلهي بالغ الدّقة ، إنه اتّهامٌ بالجاهلية لأي نظرة دونية مماثلة للمرأة ، اتّهام بالجاهلية لأي تهجُّمٍ وعدوان واستعلاء عليها ، وأي شعور - أحمق شريرٍ بأحقيّة امتلاك حياتها التي لا يمتلكها إلاّ منْ خلقها . لا يمتلكها إلا َّ الله بحوله وطوله وعظمته وقدرته الخالقة التي ليست إلاّ له ...

*** هذه الحياة - حياة الأنثى - لا يمتلكها في الواقع - ولا يستطيع أنْ يمتلكها - ، إنسانٌ مخلوقٌ مثلها ، تجري عليه مسبّبات الفناء والعجز والضعف . يصيبه المرض والوهن مثلها ، وينتظر الموت - تماما - مثلها ، فمنْ أين له هذا الكبرياء المضحك ، ومن مَنَحَه حقّ الاستبداد بحقها في الحياة ؟ !

***هذه الوقفةُ الإلهية الجليلة المُدافعة عن المرأة باعتبارها مخلوقا من مخلوقات الله لم تكن الوقفة الوحيدة في القرآن الكريم المنتصرة للكرامة الإنسانية للمرأة ... هناك مواقف - مثيلة لها - شديدة الجلال والخطر ، بالغة الحنوِّ الإلهي ، بالغة الدلالة على عظمة هذا الإله وعدله ، وكونه لا يفرق بين مخلوقاته في الحقوق : حق الحياة ، حق الإكرام ، حق الرزق ، حق الحرية ... ، ومنْ ثم كان من العدل ألا يفرق بين مخلوقاته هذه في الواجبات والتكاليف .

***من المواقف الإلهية الجليلة في المضمار ذاته موقفه سبحانه مع امرأة عمران كما تقصُّها علينا آيات سورة " آل عمران " يقولُ تعالى :

" إذْ قالت امرأةُ عمرانَ ربِّ إنِّي نذرتُ لكَ ما في بطني مُحرّراً فتقبّلْ منِّي إنَّك أنتَ السّميعُ العليم 35) فلمَّا وضَعَتْتها قالتْ ربِّ إنّي وضعتُها أُنثى وليس الذَّكرُ كالأُنثى وإنِّي سمّيتُها مريمَ وإنّي أُعيذها بك وذّرِّيَتُها من الشيطانِ الرّجيم " 36 )
***لقد كانت امرأة عمران امرأة صالحة ، عابدةٌ قانتةٌ لله ، نذرت لله مولودها من قبل أن تلد ، وأرادت بصدقٍ أن يكون مولودها - وكانت تظنه ذكرا - في خدمة العبادة و بيت العبادة ، وأن يكون كائناً عابداً شاكراُ لله بعبادته ، وكأنّه في حدّ ذاته كلمة شكر مجسّدة .

ولكنها فوجئت بإنجابها أُنثى - على غير ما قدّرت وأرادت - ولكن... ولأنها أمٌ ، ولأنها مؤمنة لم يسودّ وجهها همّا وغمّا ، ولم تراوحها نفسها بأنْ تدس مولودها في التراب - كالرجل الجاهلي - ، ولم تتوار من القوم ، ولم ... ، ولم ... ومع ذلك انكسرتْ نفساً وأملاً ورجاء في أنْ تكون هذه الأنثى كلمة شكرها لله ، وأنْ تستطيع هذه الأنثى أنْ تحمل عبء المهمة الجلل التي أرادتها لمولودها : الانقطاع لعبادة الله وخدمة عابديه وبيت عبادته ، إذ كيف يتيسّر لهذه المولودة كلُّ هذا وهي محض امرأة ، والمرأةُ لها وضعيةٌ راسخة عبر التاريخ وعبر العقلية الإنسانية ، وضعية الضّعف والوهن والعجز والعزوف عن هذه الأمور الجلل ، وهناك أحكام مسبقة تحكمُ عليها بالفشل في هذا المجال ، وتسخر منها إنْ هي ولجته ...؟!

*** لقد تجسَّد انكسار النفس والأمل في امرأة عمران في ما ساقه اللهُ على لسانها في قوله تعالى :
" ربِّ إنّي وضعتها أنثى وليس الذّكرُ كالأنثى "

نلاحظ ما يبدو في هذه العبارة من مشاعر الإحباط والإحساس بالعجز وكسوف البال وقلّة الحيلة ... إنَّ امرأة عمرانتبدو وكأنّها تعتذر لله تعالى في قولها : " ربِّ إني وضعتُها أُنثى "كأنها تعتذر عمّا سيبدر منها من تقصير في وفاء نذرها بأن يكون مولودها لله محررّا . كما أنها تفسر هذا الاعتذار وتبرّر تقصيرها المؤكد في وفاء النذر في قولها موضحة :
" وليس الذّكرُ كالأُنثى " .

ثمّ تعلن اسم مولودتها بعد أن أعلنتْ هويّتها الأنثوية ، وذلك في قوله تعالى - : " وإنّي سمّيتُها مريمَ وإنّي أُعيذُها بك وذُرّيتها من الشيطانِ الرّجيم "

*** لقد استدعى إنجاب الأنثى خوف امرأة عمران من الشيطان على هذه المولودة ، فارتكنتْ إلى ركن عتيدٍ تحمي به مولودتها وذريتها من هذا الشيطان . هذا الركن العتيد هو الاستعاذةُ بالله تعالى .وهنا نتساءل : هل كان من بواعث شعورامرأة عمران بخيبة الأمل لإنجابها أنثى خوفها من الشيطان على هذه الأنثى ؟

*** وهنا يتجلّى إكرام الله سبحانه لمنْ خلق ... يتجلّى إكرامه للمرأة وحنوّه عليها ... لقد حنا على امرأة عمران ، ورحم ضعفها وشعورها بخيبة الأمل ،... وجَبر خاطرها ، وفي الوقتِ ذاته رحم مولودتها ورحم ضعفها ، وجبر كسرها المتوقّع- بصفتها أُنثى - وحقّق فيها أملا تراجع بعد أن اصطدم بهويّتها الأنثوية ... تجلّى هذا الحنو الإلهي وهذا الإكرام والتقدير في ما سمّاه سبحانه في آياته بـ :

* التقبّل الحسن .

* الإنبات الحسن .

يقول تعالى - سورة آل عمران " فتقبّلها ربُّها بقبولٍ حسنٍ وأنْبتَها نباتاً حسناً ... "الآية 37

** لقد تقبّل اللهُ هذه المولودة ... تقبّلها اللهُ قبولا حسناً ، فكان تقبّله إكرامٌا لهوية الأنثى المنبوذة المكروهة ، التي لا يُرجى منها خيرٌ ، ولا يُدفع عنها - ولا منها - شرٌ ... لم يكتف سبحانه بأن يقرر القبول فقط ، بل وصفه بالقبول الحّسنِ إكراما وإعزازا وجبر الخاطر المنكسرٍ في الأم - والإبنة أيضا التي قد تتوارث هذا الانكسار والتراجع والخزي من كونها أُنثى - .... وبذلك القبول الحسن تمّ تأمين قلب امرأة عمران بأنها لم تُنجب مكروها منبوذا .


**بقيتْ حمايةُ هذه الأنثى التي خشيت عليها أُمها فأعاذتها وذريّتها بالله من الشيطان الرجيم ، وقد استجاب اللهُ هذه الاستعاذة وأعلن استجابته في قوله : " وأنْبتها نباتاً حسناً " أي أنها شبّت ونمت في حفظ الله وأمنه وفي منأى من عبث الشيطان ومصايده .

*** وبهذا التدبيرُ الإلهي العظيم ، وبهذا الحنوّ الإلهي الجليل الحكيم دفع اللهُ عن صدر امرأة عمران - كما دفع عن كل أنثى - همّين - :

الأول : همّ الخزي من طبيعتها ومظنّة أنّ هذه الطبيعة في حدّ ذاتها محل عارً ومذلةٍ وخزيٍ . فكان تقبّله لمريم إعلاء لشأن الأنثى ، وهدمٌ وإلغاءٌ لكلّ نظرةٍ جاهلية ، وكل ردِ فعلٍ جاهلي يتلقاها في الحياة . وكأن هذا القبول الحسن الذي تلقى به اللهُ مريم معارضةً إلهية سافرة متعمدّة لكل منْ كان يسودُّ وجهه وهو كظيم حين يُرزقُ الأنثى ...

إنّ التقبّل الإلهي الحسن لمريم يبدو وكأنّه التاريخ الحقيقي لميلاد المرأة : ميلادها المادي : بمعنى مخاضها من رحم أمّها ، وميلادها المعنوي بمعنى : إعلان شرعية وجودها الكريم في كنف رعاية الله ، ومن ثم أحقّيتها في العيش الكريم في ظلّ أنعم الله دون أن تكون هويّتها - في حدّ ذاتها لعنةً تطاردُها ...

الثاني : همّ الأمن والسلامة في الحياة : وقد حصر اللهُ - سبحانه - أمنَ المرأة وسلامتها في طريقٍ واحدٍ هو : الالتجاء إليه والارتباط به ، تماما كما أنبت مريم إنباتا حسنا ، فتكونُ علاقة المرأة بربّها وعبادتها له منجاها وملجأها - ومنجى وملجأ كل مخلوق عامّة - من الشيطان الرجيم .

** إنّ في قصة مريم - عليها السلام - مايؤكد أنّ الأنثى عبءٌ وهمٌّ يصيبُها هيَ أولَ منْ يصيب ، ويمسُها هي قبل أنْ يمسَّ منْ حولها ... وإن في هذه القصّة ما يؤكدُ فضل اللهِ عليها وإكرامه لها بما غيّر تاريخها وغيّر النظرة التي كانت تحيطُ بها في التاريخ الإنساني قبل الإسلام .
* ** كيفية التنشئة الإلهية لمريم :
إنَّ التنشئة الإلهية لمريم تتضح مراحلها في قوله تعالى :

" فتقبّلها ربُّها بقبولٍ حسنٍ وأنْبتَها نباتاً حسناً وكفَّلها زكريا كلّما دخل عليها زكريّا المحرابَ وجدَ عندَها رزقاً قالَ يامريمُ أنَّى لكِ هذا قالتْ هو من عند الله إنّ اللهَ يرزقُ منْ يشاءُ بغيرِ حسابٍ " سورة آل عمران الآية 37
***إن هذه المراحل تطالعنا أيضا في قوله تعالى في موضع آخر في السورة ذاتها :

" إذْ قالت الملائكةُ يا مريمُ إنّ اللهَ اصطفاكِ وطهّركِ واصطفاكِ على نساء العالمين " الآية 42 / آل عمران
مريم إذن هي المصطفاةُ على نساء العالمين

لما اصطفاها اللهُ سبحانه ؟!

لم يصطفها إلاَّ لورعها وتبتلها في عبادته ، وطهرها ... لم يصطفها إلا لأنها استقامت على صراطه القويم ... وهذه واحدة من الرسائل الإلهية الجليلة إلى النساء في قصّة مريم ...


*** إنَّ الله سبحانه وتعالى يرسمُ لكل أنثى النهج المستقيم الذي يمكنها من خلاله أنْ تتبوأ به المرتبة العالية الشريفة في الدنيا والآخرة ، وأنْ يخلدَ به ذكرُها خلودا طيّبا ... هذا النهج المستقيم الوحيد الذي ليس لها غيره هو :

الاستقامة الدينية والتّثبّت في طاعة الله بما يحفظ المرأة ويحفظ دينها ويبرئها من السوء فإذا تمسكت المرأة بهذا النهج الإلهي كانت في منجى من الشر والسوء ، واستحقت عند ربها المكانة ، واستحقت في حياتها الدنيا الرفعة والسمو ، بل وعلو القامة على غيرها من النساء ...

يتبع

  Reply With Quote
 


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 01:02 PM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com