Go Back   منتديات قرية فطيس > المنتديات الأدبية > المنتدي الأدبي
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

 
 
Thread Tools Display Modes
Prev Previous Post   Next Post Next
Old 08-28-2010, 07:04 AM   #1
 
yasir alkhaliel
زائر

رقم العضوية :
السكن: University Petronas-Malaysia
المشاركات : n/a
بمعدل : 0



Default جمال عبدالرحيم والخروج من بطن الحوت -1

يحيى فضل الله


«ما كتير الناس بترحل

لي ظروف في الدنيا أجمل

ناس بتمشي سنين طويلة

وناس بدون ما تمشي توصل».

في ذلك النهار القائظ من صيف 1980م، وفي تجوالي داخل موقف بصَّات السوق الشعبي بالخرطوم، وحين كنت أحاول أن أمتص قلقي بقراءة تلك الكتابات التي تكتب على البصات واللواري؛ استرعى انتباهي هذا المقطع الشعري الذي لا يشبه نوع تلك الكتابات. هزني هذا المقطع الشعري الجميل؛ فوجدتني أكتبه على صندوق (برنجي) كان ملقى تحت أقدامي، لم أكتف بذلك بل قادني فضولي المشحون بالطرب لأن أسأل سائق البص الذي كتب على ظهره هذا المقطع، سألته عمَّن قال هذا الشعر، طبعاً لم أجد إجابة على سؤالي ذاك، بل حظيت بنظرة استغراب رشقني بها سائق البص، تخليت عن صندوق البرنجي بعد أن قرأت المقطع الشعري مرات و مرات؛ حتى احتفظت به في ذاكرتي، و صرت أردده كثيراً كلما طلب مني الأصدقاء أن أقرأ شعراً، وحين أُسأل عن شاعره أقول إنه شاعر مجهول وإني التقطت هذا المقطع الشعري من على ظهر بص في السوق الشعبي بالخرطوم. تجول معي هذا المقطع الشعري حتى إنني استخدمته في مسرحية (حب على الطريقة السودانية) تأليف وإخراج الفاتح مطيع، مضيفاً إياه إلى دوري في المسرحية، وأكون بذلك خرجت «مع النص» ولم أخرج «عنه». كان ذلك حين عرضت جماعة السديم هذه المسرحية وهي تتحسس بداياتها على مسرح كلية المعلمات بالدامر ، بعد العرض جاءني مشاهد كي أكتب له هذا المقطع الشعري، و تكرر هذا الأمر حين انتقلنا بهذه المسرحية إلى قرية (العالياب) على مسرح المدرسة الابتدائية.

هكذا تجول معي هذا المقطع الشعري الجميل الذي ينضح بالحكمة دون أن أعرف شاعره، حتى جاء ذلك اليوم الذي كنت فيه في مدينة ود مدني، و في منزل الصديق الفنان الموسيقي المتميز الفاتح حسين، جاء شاب طويل القامة، قلق، به مس من فوضى أليفة، عذب الحديث، ونَّاس، كثيراً ما يميل إلى الضحك. ووسط جمع من الأصدقاء عرفني به الفاتح حسين قائلاً «الشاعر جمال عبد الرحيم». وحين امتدت بنا الأحاديث وتناثرت؛ فوجئت بذلك المقطع الشعري يندس بألفة شعرية في نسيج قصيدة جميلة كان يقرؤها علينا الشاعر جمال عبد الرحيم، استعمرني فرح خاص في تلك الليلة؛ فها هو المقطع الشعري الجميل الذي تجول معي لأكثر من عامين يأتيني مندغماً في قصيدة عذبة وبصوت شاعره الذي كنت أبحث عنه.

«ما كثير الناس بترحل

لي ظروف في الدنيا أجمل

ناس بتمشي سنين طويلة

وناس بدون ما تمشي توصل».

الشاعر الغنائي جمال عبد الرحيم، يسكن مدينة ود مدني وتساكنه، في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم؛ ذاعت بين الناس، وذلك عبر الراديو، أغنية بصوت مغنٍ يقال له (الرشيد كسلا)، الأغنية هي (رماد الذكرى)، وفيها تصاعد درامي يستند إلى تكرار التنغيم والكلمات:

«لا يلاقينا لا نتلاقى

لا يلاقينا لا نتلاقى

لا يلاقينا لا تتلاقى

لا نتلم».

كان أول ما سحرني وأنا أستمع لهذه الأغنية؛ مطلعها:

«رماد الذكرى

لو صحَّاك

ما تندم».

هذه الأغنية للشاعر جمال عبد الرحيم. وهو طاقة شعرية قد لا يعرف الكثيرون تجلياتها. عدد من الأغنيات الجميلة التي ميزت تجربة الفنان النور الجيلاني، منها تلك الأغنية العذبة:

«أصلو يا عصفور ده حالك

من ما سويتلك جناح

يعني كان صارحت مالك؟

نحن ما بينا الصراح

كان ضميرنا ارتاح وحاتك

وشلنا ليلنا على الصباح».

وكذلك أغنية (صحو الذكرى المنسية):

«صحو الذكرى المنسية

بعدك، وين الحنية؟

بتعدي مواسم و تروح

والفرقة بتصبح أبدية».

الشاعر جمال عبد الرحيم يتميز بغنائية عذبة و قادرة على الدخول في مناطق جديدة، تلك المناطق التي تلامس القضايا الحيوية والكبرى التي هربت منها الأغنية المترهلة إلى حيث تلك المناطق المألوفة والمكررة التي تستند على جدران متهدمة من الخيبة العاطفية. الشاعر جمال عبد الرحيم استطاع أن ينتقل بالشعر الغنائي إلى براحات مختلفة، واقترب بقصيدته وبحساسية عالية تجاه الدور العظيم الذي تلعبه الأغنية الجديدة، تلك التي خرجت على السائد والمألوف من الغناء وشكلت ذائقة غنائية جديدة واجترحت للأغنية أدبيات لها القدرة على الخلود. ومن القصائد الغنائية المتفردة في تجربة الشاعر جمال عبد الرحيم؛ أغنية (صوت الاستحالة) التي تتغنى بها مجموعة عقد الجلاد، وهي من ألحان الفنان حمزة سليمان، هذه الأغنية نموذج حي وحيوي لانتقال كلمات الأغنية إلى موضوعات جديدة، وأصبحت بذلك ذات حيوية مشاكسة تهزم المسلمات وتبعث على التأمل، هذه القصيدة الغنائية تباهت بمعان جديدة وبتعبيرات شعرية تمتلك قدرة أن تلامس حتى تلك التعقيدات التي هي إلى القضايا الكونية أقرب:

«المناظر هي ذاتا

والصور نفس المشاهد

الشوارع والبيوت

الأماكن والمقاعد

والزمن ثابت مكانو

والرقم اللسه واحد

وحشة الليل البهيم

ولمة الناس الحيارى

قصة الشوق القديم

بي دموعا و بي حنانا

وقصة الولد اليتيم

و نفس صوت الأسطوانة

بكره مقتول

جاي مشلول

في الدواخل

فجر كذاب

طل من خلف المراحل

باب قصاد باب

انسدو للفرح المقابل

دنيا تتغير

ودنيا أدمنت

عشق الثوابت

صوت ينادي استحالة

والحقيقة صوتا خافت

جرح ينزف

قلب دامي

ولسه صابر

ولسه ساكت».

  Reply With Quote
 


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 01:40 PM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com