Go Back   منتديات قرية فطيس > المنتديات الأدبية > المنتدي الأدبي
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

Reply
 
Thread Tools Display Modes
Old 10-07-2010, 03:19 AM   #11
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default حملة عبد القيوم الانتقامية

بشرى الفاضل
قف! هذه نوافير من السائل الأحمر ترْشح من المداخل والمخارج، وأخرى تنز من البطن المبقورة، هل هصرت الطعام يوماً في عيني جارك في مطعم عام حتى سال أكسير حياتها؟ ذلك حال جسد عبد القيوم (ساعة شؤم) رمت به راجلاً في طريق عام وهو الراكب شبابه كله، يصرخ المرء – يقولون – ثلاثاً ولكن عبد القيوم يصرخ بلا حصر: في المظاهرات والعراك والسٌكْر وصرخة أخيرة حين دهسته العربة الزيتية ذلك المساء. كانت أمه وهو طفل ترسله للسوق صباحاً فيعود محملاً بالزيت والسكر وأماني السفر للبعيد المجهول. صوت العربات، موسيقاه البدائية الابتدائية: رن رن ترن ترن – رن... يدنو من الواحدة منها ويتغزّل كما لم يفعل أبي ربيعة في النساء.

عبد القيوم لا يعجبه القمح الذي يعجب أولاد حاج التوم ولا زراعة الفاصوليا التي تعجب أولاد زكية. ولا السباحة التي يغرم بها خليفة ود حسب الله، ولكن عربة ذات سفرة جذبته إليها فأذعن.. اقترب من سائقها واتفق معه على السفر المجاني على أن يقوم برمي (الصّاجات) كلما غرقت العربة وكان الرمل بحراً.
- كيف يا ولدي تشتغل في الحديد؟ ما فيهو أمان. يا ولدي الله يهديك.
- يا با إن داير صالحي باركا. الناس كلهم شغّالين الحصل ليهم شنو؟

وكان ما كان فهذا زمن تتناقص فيه السلطات الأبوية المطلقة. ودعه أبوه بصوته كأنه خارج من بئر. وودعته أمه بصحن زاد وصحن دموع.. ورجعا لمنزل قلت فئرانه. شهر وآخر وعبد القيوم يروح ويجيء مثل ثور ساقية كوني يتم دورته في ثلاث ليال بدلاً من عن ثلاث دقائق ولكن الدموع والدعوات وصحن الزاد لا تنقطع.

وفي إحدى أوباته أخطر والديه بأنه تعلّم، وأن هذه المرة ستكون الأخيرة في رحلات الذهاب والإياب الأسبوعية وأن العمل في الخرطوم راقد على قفاه وهكذا كانت مشيئته لا رد غير غزير الدموع ومطر الدعوات الحزينة..

لم يمض شهر حتى أرسل عبد القيوم ثلاث جنيهات ولم يمض شهران حتى أرسل جنيهين ونصف وهكذا ظل ما يرسله يتناقص عكسياً مع تأقلمه الجديد في المدينة ولهوها. ومع هذا فإن الدعوات المنكسرة من والديه لم تنقص واحدة. ثم كان ما كان من أمر العربة الزيتية – الناس تجمهرت حول الجثة وتوقف القاتل مرتبكاً فكان يبدو خلف الزجاج كدمية عرض في متجر. الناس صاحت فيه وبصقت، لكنه كان يرتجف – وهكذا أخرج سخط الناس من بين أسنانه المصطكة خوفاً..
قال يوسف صديق: جاءت زوجة عبد القيوم تولول: الليلة يا عديلي خليت نائلة وسعد للخلا.. يا ضّوي وركيزة بيتي ووي وي...
قال بخيت: جاء البوليس وستروا الجسد المكّوم وقاسوا واستعجلوا وأمروا سائق العربة بالتوجه إلى المركز. الناس قالوا – قال بخيت: ما بحاكموه أسع يطلع برىء..

تخرج الجنازات في المدينة كأي واجب وكأي واجب دفنوا عبد القيوم. حين كان يافعاً كان متخصصاً في صناعة المراكب الصغيرة لأصحابه بالمجان ولأبناء القرية بخمسة قروش، مركب يقضي في صناعتها نهاره كله – غيره كان يعبر النيل من الجلدة للجلدة أو في فك طلاسم الحروف ولكن عبد القيوم مغرم من بين المعادن بالحديد.. في الخلوة كان الشيخ يرسله ليسقي الحمير أو يتسلق النخيل ليحضر له رطباً أو ليسرج راحلة ضيف. وهكذا كانت نار القرآن – برداً وسلاماً على إبراهيم وأولاد حسب الله وغيرهم وحاميةً على عبد القيوم. كان عبد القيوم مظلوماً ظلم كلب أهل الكهف في نوم لا صالح له فيه وانتهت حياته في الخلوة والدرس بصرخة إثر سوط حامٍ. وعبد القيوم يصرخ بلا حصر.

ساعد أباه كأجير مرادف في أرض لا يملكانها وأحايين أخرى لطّخ بيوت الناس بالزبالة وبدلاً من أن يُعاقب كان يمنح أجراً لقاء التلطيخ.. ولكنه أجر لا يتمكن من صرًَه في طرف ثوبه. وهو كبير ترسله أمه إلى السوق. الناس في سنه تموت في سود العيون وهو يموت في عيني عربة.. البدفورد يا عبد. الله كريم. الله كريم. يرددها مختلفة الإيقاع والزمن بلهجة من كتب عليه الفقر وأذعن..
وصله مرة طرد بلح من أمه، ففرح به فرح عابر سبيل عفا عنه كلب عقور، فتح الطرد وشمه. وتمسح به فبكى ودعاه حنينه للعودة، فكانت في حياته سكينة، إمرأة لا تحمل أسمها، وهي في فركة عرسها عفرتت عيه حياته، طموحها لا نهائي ولا يحوشها حوش. كانت تتجمل وتشاكسه وتحبه حباً من نوع غريب وجاسر. حدّاثة، (شهر زاد) جارتها بلا منازع، يقطعن بالقسر تلفزيوناتهن ويتسربن إليها فتحكي فيظهر القمر. وتحكي فتضحك الحيوانات الأليفة والنباتات المتسلقة. وتحكي حتى لا يتبقى للواحدة من جاراتها مصران فيرجعن عند طرقات عبد القيوم المألوفة المتعبة على الباب. تفتح سكينة وتكون الليل ببقيته.. حتى أنْيلتْ وأحْسنتْ ولكن حسن مات في مهده، فأسعدتْ وفي الطريق قادم..

كان هناك بلدوزر، فرغ به سائقه من يوم عمل شاق. وقفل به راجعاً إلى حظيرة الشركة داس السائق فتأوه البلدوزر من تعبٍ، وأن داس السائق مرة أخرى رشح البلدوزر البترول كله كما يتقيأ مخمور.. رجع السائق إلى الوراء فمشى مرة أخرى إلى الأمام فأبى .. غضب السائق ورجع بسرعة فائقة إلى الوراء فاقترب من المقابر وهتك قبراً، نزل السائق خائفاً وترك الماكينة الصماء مكانها واختفى.. كانت الصراصير تناوب الضفادع الحراسة الموسيقية للموتي.. وكانت بالقبر المهتوك حركة.. أطلّت جمجمة من الكوّة المتاحة تلفتتْ يمنة ويسرة وأعادت رأسها إلى القبر في هدوء. ومرة أخرى، الجمجمةُ لم تر اللص الذي يخبىء وارده في قبر مجاور ولم تشم رائحة الفجر ولم تسمع صوت الآذان المصري اللكنة.. ولم! كانت جمجمة مثقوبة في الجبهة بنفس موضع هلال العرس. مثل شوكة سمك البلطي انسلت الجمجمة من القبر، متبوعة بالهيكل العظمي المتبقي من كائن ٍ ما اسمه عبد القيوم. أحدث الهيكل جلبة لا قبل للحذر بتفاديها ومشى طاخ تراخ طاخ نحو البلدوزر، ولكن كل ذلك مر بسلام. ومن الغضب كان تل عبد القيوم يزعتر، حين امتطى ظهر البلدوزر الضخم. كانت الكوة في موضع الهلال من رأسه تعوي وا وووا وا حيث يتداخل الهواء الفاسد والغضب في لجتها قالت الجن سِر أيها البلدوزر قال الضوء أسرع أيها البلدوزر قال عبد القيوم: هيت لها أيتها الشوارع وا......ووووا..وا! وتحركت الآلة العجيبة من أول إشارة من قيوم القائم قبل القيامة..

كانت الحركة ذلك الصباح مكدسة العربات مكتظتها.. عربات صفراء وحمراء وخضراء، ولا عربات وعربات لا سوداء.. دهش عبد القيوم وهو السائق القدير إذ رأى الجميع يسيرون يمين الشارع. دهش رجل الحركة أ، البلدوزر يقوده هيكل عظمي فظيع لات حين مهرب. هذا هو الثور وأنتم المستودع الشهير..

اشتعل عبد القيوم غضباً. لا أحد يخبرهم بالتغييرات التي تحدث في هذا الكون.. وا.. وووا..وا وطفق يدهس في البطاطس البشرية داخل العربات المكتظة، بعضهم تردد من كان في آخر الصف في أن يتركوا مارسيدساتهم هكذا، فكان موتهم مسبباً بالتردد.

هرس.. دهس.. يوم كامل وعبد القيوم يدهس.. وهذا البلدوزر العجيب لا توقفه المتاريس، ولا طلقات البندقيات ولا الدبابات ولم ينضب بتروله. وكان عبد القيوم محنطاً لا يسري الرصاص في جسده الماسي ذي الغضب المفتوح. ذلك الغضب لا يفنى ولا يخلق من عدم. جليلة مدت رأسها فوق الحائط الذي يفصل بينها وبين الشارع فرمت طفلها وتخلّت عن أمومتها فجأة وصرخت: بسم الله! الليلة يا شيخي تلحقنا وتنجدنا. مولانا حبيب الله من فوق مئذنة الجامع في الظهر أبصر المشهد فصرخ من خلال الميكروفون: أشهد أن إله إلا الله. يا مسلمين توبوا إلى الله. المسيح الدجال ظهر. وأخذ ذو نظارة متخشبة يسير لصق زميله مراقباً، وله ولزميله أعين كحرز الدجاج – الذي يدعي أعيناً – تضىء وتنطفىء قال: دا دونكيشوت خلِّي بالك بناطح ساكت.

كان تل عبد القيوم يزعتر: أولاد الكلب تقتلوني؟ وهو أنا شفت حاجة في الدنيا؟ انتظروا. وقرّر عبد القيوم أن يرتاح قليلاً فزاد من سرعة مكتبته فانطلقت بسرعة فكلية واتجه شرقاً وانعطف بعد أن كنس كل البيوت والعمارات التي قابلته وأطفأ غضبه في النيل..

كان النيل رحباً.. وكان يقبل الجميع ويُطيِّب خاطرهم. إتجه البلدوزر وتابعه إلى العمق وهنالك اقتربتْ سمكة بلا زعانف وفيما بعد حكَتْ لصويحباتها عن جمجمة مثقوبة تقول بغْ – بغْ – بغْ وكيف أنها حين ولجت بداخلها لم تجد لحماً ينبت لها زعانفها. وضحكن صويحباتها وسبَحن معها حول وتحت وفوق وعلى وفي البلدوزر وصاحبه عسى ولعل، لكن فقاقيع من الغضب كانت وحدها تخرج من بين الجسمين الملتحمين معاً بإلفة شديدة.

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:22 AM   #12
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default فصول من رواية سيمفونية الجراد

الرحيل إلى جنة الجراد
خرجت جريرة وهي جرادة نشطة في رحلة من رحلاتها الدورية للبحث عن جرير الغائب منذ خمس جردات، والجردة هي سنة الجراد، وعن الخضرة في ديار احطوطبت مشاعرها وعن سرب لا يجيء. قالت راوية هذه الحكاية وهي جرادة ذات استطرادات لراوٍ آخر سيوبر أن الخضرة هي موسيقى الجراد ولذا فهو ليس معادياً لها بل هو يسمعها ويستنشقها ولا يروي ظمأه منها إلا بالتهامها.
خرجت جريرة في صيفٍ امتد فيه الرماد من نشاف بلاعيم البشر إلى انطواء السجلات الخضراء عن الجداول والقنوات والأنهار والمروج والمهج. كانت جريرة عائدة قبل شتاء من ديار جمبلغ. فعاتب وهو من الجراد العتاب كان قد جاءها ذات يوم جذلاً وقال أنه شاهد جريراً هناك. سافرت جريرة إلى جمبلغ على عجل ثم عادت من رحلتها بهاء سكت مريرة كالغصة وباتت شتوياً تنضح بالحسرة.
كانا وجرير قد أنجبا تجريدتين ولا تعترف أسراب الجراد العليا بفاعلية الإسهام في حفظ النوع ضد سلاح المبيدات المحرم سربياً. إلا بإنجاب ثلاث تجريدات. خرجت جريرة أملاً في العثور على حبيبها ومن أجل تقدم السلالة. و حب الجراد صادق دائماً. في هذه المرة أخبرتها جرة الجرادة المشبوهة العائدة للتو من نواحي القصبة أن جريراً يرتع بين قريناته الجديدات وسط بساتين جارودي عاصمة الجراد
تتأفف جريرة. تزفر أحزانها من خلال فمها الصغير فتقول
ـ أوففف
وتلتقط الريح فقاعة الهواء الصغيرة وتدخلها ضمن نسيجها الفاعل فلا يكاد أحد يسمع شيئاً ولذا يظن الجميع أن ليس للجراد أصوات. كانت جريرة في حالة جوع دائم حد التصاق جنبها الأيسر بالأيمن. وحين خرجت قاصدة جارودي أفردت دفتها الصغيرة وفتحت فوانيسها المحورية وعدلت من الساري ثم أسلمت نفسها لتيار الرياح العاتية. طارت بها الريح وطارت جاغة وجاغة فجاغات والجاغة هي ساعة الجراد وهي 39 ق. زمن الجراد الداخلي من أسرار الكون. كانت جريرة تسكن في انقاية جرداء في بلاد تروى بالمطر في بطن الجزيرة قرب بلدة واصل نومك. وكل جراد واصل يعرف جريرة بنت الجزيرة. هذه الجرادة المتجردة التعيسة الحسناء.
في أثناء طيرانها نحو جارودي كانت جريرة ترقب حركة العتاب وهو جراد شبه طائر شبه سائر وتضحك وترمق بفوانيسها الدوارة حالة انحسار موسيقى الجراد من جنبات الترع وأب عشارين والجداول والتقانت وسط الحواشات البور.. تحلم جريرة ببساتين ملأى بالبازلاء وفول الصويا والسبانخ والعنب والمشروم بدلاً عن مكرور العدس والبصل والفوم. طارت جريرة وطارت ثم طارت وشيئاً فشيئاً امتلأت ذاكرتها بالأشجان ودماغ الجراد كله ذاكرة. وما لبثت أن غنت عذاباتها بشعرٍ آسرٍ
ـ أوف تك تكم. أوف تك تكم تـك تك.
طارت جريرة وطارت ثم طارت وبعد جاغات وجاغات أصبحت على مشارف جارودي. في البداية دخلت الجرادة التعيسة الحسناء منطقة الريح الأصفر الذي يفصل الاقاليم القاحلة عن الأقاليم المتجهة نحو الحضارة الخضراء. وطارت طارت ثم طارت حتى وصلت الى زون الريح الأزرق ففقدت هناك وزنها وصارت ريشة في مهب الذكريات. طارت بها الريح وطارت ثم طارت وطارت وفجأة انبثقت أمام جريرة خضرة موسيقية كالخضرة التي كانت تراها في الأحلام. طارت جريرة وحلقت بالمرح كله فوق ساحة خضراء تراها لأول مرة في حياتها. ساحة جمعت عصارة الخضرة منذ عيذاب التي ليست وراءها أسراب ومن زمن غابات تركاكا والزمن القديم مما رواه جدودها عن رغد العيش قرب ودسلفاب حين كانت الغابات تمتد وتمتد مابين النيلين قبل أن يجتثها عدو موسيقى الجراد الغاشم. لكن هذه الخضره الجديدة ربما تدخل في تباعيضها جنيات الجينات. خضرة حاضرة خضراء مخضرة. وفي سرها ضحكت جريرة وهي في حبورها العظيم هذا حين تذكرت النكتة القديمة التي روتها لها والدتها حين زارت منذ عشرات الجردات نرتتي بجبل الجراد العظيم سألت والدة جريرة جراد نرتتي المحظوظ
ـ صفق اللوز دا كلو هيلكم يا الحبان
وأجابها جراد نرتتي الخضراء من غير سوء
ـ بالحيل
فردت الجرادة الأم
ـ نان ما تقرضو ا
لجردات وجردات ظلت الأم تكرر نكتتها لجريرة حتى ربتها على حب الفكاهة وفي كل مرة تعودان معاً إلى النكتة بدءاً من آخرها
ـ نان ماتقرضوا
حلقت جريرة وحلقت فرحة فوق الساحة الخضراء ومن علٍ رأت الجداول الرقراقة والمياه الدفاقة والثمار البراقة ثم لاحت لها أسراب عجيبة من الجراد بدينة تمشي الهوينا وأحست جريرة أن هذا الجراد تكاد تقتله الفاقة. وما أن اقتربت أكثر حتى حل بها الفزع وهمست لنفسها
ـ هذا الجراد ليس من بني جلدتنا.
كان هناك جراد سمين وجراد بدين، جراد لاحم وجراد شاحم, جراد مكتنز وجراد ينز، جراد وديك وجراد سميك، جراد منيع وجراد عاتي، جراد فات وجراد فاتي وأعجب من هذا كله فصائل أخرى من الجراد الأممي حيث كان هناك الجراد الجامبو والجراد الجراند وغيره من الجراد الذي لا نعرف له كنهاً.
هبطت جريرة بمدرج مطار جارودي وكانت دهشة جراد الساحة لرؤيتها أكبر من دهشتها.فقد كانت جريرة تبدو وعلى الرغم من حسنها غبشاء هنا كفت جريرة عن تذكر النكتة القديمة والتمعت في ذاكرتها الدماغية خاطرة عن أنها ربما حلت بجنة الجراد. و اقتربت جريرة من جموع الجراد أكثر فشاهدت لدهشتها انشغال الجميع بالتهام نوع من الخضرة الملفوفة المحشوة باللوز. رأت الحشود تتوجه بأسلوب حضاري نحو المنصة فتقدم لها كواعب الجراد الخضرة الملفوفة في آنية خضراء مع مناديل من سندس.
دارت جريرة ثم دارت ودارت حول جموع الجراد المتعجبة. نسيت جرير وما جرى منه وتذكرت بحزن عميق أمها وابيها في جرداء التي قرب واصل. وتملكتها شفقة طاغية وحزن ماله من قرار لكون أمها لا تعرف شيئاً عن طلعات الإستهلاك الراقية أما أبوها الزاهد فكان يسألها دائماً عن الفرق بين الإستهلاك والهلاك. أمها تقضي سحابة نهارها بين الورتاب والبتاب, تقبع بين مشلعيبها ورواكيبها وكراكيبها وغاية أمنياتها أن تحظى بصفقة عنكوليب .وفي الخريف يكون صفق العدار راقد هبطرش في الإنقاية قرب واصل نومك ويغيب في موسم الدرت. أسفت جريرة بنت الجزيرة التعيسة الحسناء لكونها لم تعلم من قبل بوجود بساتين كهذه. غاب بال جريرة في تلافيف ذاكرتها لجاغتين فبكت بكاءً يفيض بالحنين وجريرة جرادة ليست قياسية فهي لا تعرف الأنين. وعندما أفاقت كان الجوع هو سيد موقفها ودنت في حركة عفوية من أول جرادة عبرت علها تحظى منها بطبقٍ مما يتداولون، فتلقت لطمة مفاجئة صاعقة مصحوبة بصيحة ارتجت لها مكبرات الساحة..
ـ أخرجي من هنا أيتها الشحاذة الجرداء القذرة.
انطلقت جريرة إلى أعلى بالدفع الميكانيكي بسرعة هائلة فاقدة للوعي من هذه الضربة الجراند ثم هوت مثل قذيفة وارتطمت بروث البقر في أطراف القصبة. وظلت هناك بلا حراك لجاغات وجاغات وحين أفاقت لم تعد تذكر إلا تلك الصيحة الأخيرة
ـ شحاذة قذرة أخرجي !
وفتحت
جريرة فمها لتصرخ لكن هاء السكت دهمتها فجأةً فسكتت.

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:26 AM   #13
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

جرير
باتت جريرة شتوياً فنحن لا ننام لكننا نبيت وشتاؤنا ثمانون جاغة أي إثنتان وخمسون ساعة بحساب البشر. كانت جريرة في خلوتها مع غصة هاء السكت حين دهمتها أحلام الجراد. وأحلامنا بخلاف أضغاث البشر تتحقق بعد جردات أحلامنا كالسيمفونيات تبدأ بجرادة فريدة تغني صولو ثم جرادتان في دويتو ثم ينطلق شجو الكورال السرب ثم أوركسترا الأسراب الكونية المصفاة الراقية. حيث صيغة منتهى الخضرة . كل جرادة تغني بواحد من الألف من التون بموسيقى لم يحلم بها موتسارت. و ما يلبث الحلم الحقيقي أن يدخل في غرضه ثم يبدأ الإنسحاب التدريجي في الحلم من الخضرة المتناهية إلي الخضرة أي كلام البشرية فالى الأزرق البرزخ فالصفرة ثم الصحو باللون الذي يكيل به البشر دائماً حماد.
رأت جريرة أولاً جريراً يخاطبها مغمغماَ. هو يتكلم ببطء شديد وهي لا تكاد تفهم شيئاً بدا لها جرير غريباً في الحلم حتى أنها كادت تبكي وفتحت فمها لكي يبدأ النشيج لكن هاء السكت دهمتها فجأة. جريرة لم تسكت هذه المرة بل ملأت بالدهشة جوفها واستغرقت في ضحك كتوم حين أدركت أن هذا يتم أثناء الحلم. ضحكت جريرة في سرها وضحكت ثم ضحكت وضحكت حتى قادها شلال الضحك إلى صحوة مفاجئة لا تشبه تلك الصحوات البشرية غير البريئة.. ثم تذكرت أنها جائعة حد التصاق جنبي بطنها الرشيقة. ذلك ثم ما لبث أن سمعت حركة تدب بالقرب منها فالتفتت لترى عتابةً نشطة. كانت من قبيلة الجبورة. طارت جريرة نحوها كالسائرة دون أن تفرد جناحيها كأنها طائر متردد لم يتخذ قراراً بعد بالطيران ولا بالسير. طارت سائرةً نحو العتابة لتسأل
_ قولي لي يا شابة ألا توجد دوحة بالناحية ؟
هزت العتابة رأسها بالنفي لكنها قالت مستدركة
ـ لا .اللهم إلا طندبة التطبيب.
ونظرت الجبورة الى بطن جريرة الملتصقة ففزعت ثم تب تب عتبت قافزة نحو النهر وبعد ربع جاغة عادت تنوء بأحمالها من الجرجير والقت به أمام جريرة .طارت جريرة من الفرحة ثم جرت اليها جرجيرة وجرجيرة وجرجيرتين وعشر حتى استردت عافية سنين ورمقت الجبورة بامتنان وقالت مداعبة
ـ هل اسم قبيلتكم جبورة أم قبورة ؟
فردت العتابة الكريمة
• جبورة والغريبة جراد الشمال يسمينا قبورة فهل هذا مهم؟
ومدت جريرة يدها وقالت بمودة:
ــ جريرة
وسرعان ما تلقت رداً:
ــ عتبة
فهتفت بفرح
• يا ألف مرحب.
وهكذا تعارفتا خلال شائق الإبتسام.
بين العتاب والجراد علاقة تاريخية ورفقة ممتدة الجذور. أصلاً العتاب جراد لكن يبدو كما لو أنه انتقصت منه حركة واحدة فلم تكتمل صورته إن كان الطيران يعني الكمال. ولذا يتحرك العتاب مثل حركة الممثلين من أيام شارلي شابلن. ويسخر فلاسفة الجرا د العتاب من ارتباط الكمال بالطيران ويستدلون بالبشر الذي لا يطير إلا مستعيناً بالحديد الهدار الذي يدمر الأكوان سعياَ وراء محاكاة الجراد. الرفقة بين العتاب والجراد أكثر من حميمة. العتاب يخدم الجراد بأفضل مما تخدم البشر الكلاب. البشر يستغلون الكلاب لكن الجراد يرد على خدمة العتاب في المسائل الاستراتيجية كالتنبيه بخطر القنبلة المبيدة أو شباك أكلة الجراد من الإنس المتوحشين والوحوش وغير ذلك وبما أن التاريخ الحميم مكتوب في جيناتنا فلا اتفاقيات ولا شروط كل يؤدي دوره في خدمة المجموع. ولولا تدخل البشر لما حصل مثل هذا الإنفلات الجديد في عالم الجراد فهنالك فصائل جرادية قطنت مؤخراً جوار حي بني طفيل البشري تشربت أفكار أولئك البشر. الوحوش. وهذه الفصائل الجرادية الجديدة أصبحت تحكم الآن سائر أسراب الجراد بالحيلة أو الزندية. المشكلة أن بقاء جريرة قرب إنقاية واصل نومك جعلها جرادة ساذجة. مسكينة فهي لا تعلم ما حل بحبيبها جرير .لكن يبدو أنها ولحسن الحظ وقعت في طريق فيه مخرج لها من أزماتها فهذه العتابة عتبة لها معارف من الجراد المثقف أمثال الشاعر جرداق وجابودي وجراري وجارد الحازم وغيرهم.
أكلت جريرة الجرجير بمتعة كأنه موليتةخريفية من واصل نومك. ولمعت في خاطرها أثناء الازدراد صورة ريحانة آسرة العطر فتذكرت أيام مجدهما الغابر هي وجرير قبل شتات القنبلة المبيدة الأخير التي ذهبت بريح كتلة سربهم الأخاذ الملون قبل جردات طويلة سابقة لنكوص جريرة لجرداء قرب واصل ببطن الجزيرة. تذكرت جريرة كل ذلك في جانيات معدودات ثم طفقت تغني باللوعة كلها وانطلق الحنين
ــ تك. تكم. تك تك تكم. تك تكم. تكا تك تكم
ثم أفردت جناحيها ودارت راقصة في فضاء القصبة وجارودي رغم غموض الأحداث. وشاق عتبة رقص جريرة البديع وأخذتها حركتها الرشيقة هناك في الأعالي فأيقنت أن ضيفتها عاشقة وسألتها وجريرة لا زالت تدور في بداية التسخينـ إلى أين ونحن لم نتعارف بما فيه الكفاية؟
ومن علٍ سمعت صوت العاشقة يقول
ـ هو مشوار ضروري. سأعود ونفتح المغاليق. شكراً لحزمة الوجبة الدسمة.
وردت عليها عتبة
ـ طيب تجدينني هناك ــوأشارت لأكمةــ عند طندبة التطبيب. وهذا الحي اسمه جرورة تذكري. لكن جريرة كانت قد طارت ولمع في مفاعل التسريع الدماغي لديها خاطرة خافتة من البعيد البعيد عن مذاق حسوة بشرية تذوقتها صدفة وثملت بها. وفي سرها قالت هذه الجرادة الحريرية الشاعرة العاشقة
ـ آه وآه ثم آه من غموض الأكوان.
ولو كانت جريرة نشأ ت في صحبة بعض بنات حي جرورة المتفتح لآمنت بال ري انكارنيشن وهذا أيضاً من أسرار الكون.
طارت جريرة وطارت طارت وحلقت فوق سماء القصبة وهالها الحجم الهائل للحجارة والحركة شبه الجرادية للحديد الهدار الأرضي بأكثر من الجوي وللبشر غادين رائحين. كان الوقت أول الليل. دارت جريرة دورة كاملة حول المدينة متجهة نحو جارودي. واعجبها من علٍ السيف المجوهر بالنجوم ولأنها مبرمجة بحب جرير وحده فما كان في خلدها سوى الانطلاقة من جديد نحو بستان الخضرة الرهيب . طارت جريرة لكنها فقدت بوصلتها الى الساحة فرأت أنه من الأفضل المجيء اليها من ناحية الجزيرة وهكذا طارت فوق صوتياً الى هناك. وبعد جانيتين أو ثلاث لمحت جرادة أخرى تطير مسرعة رغم وزنها الزائد. كانت تبدو مع الضوء الخافت مثل خياراية. شيئاً فشبئاً اقتربت جريرة من الجسم الجرادي فتعرفت من خلال ابتسامتها على جرة بنت ناحيتها في انقاية جرداء. جريرة لا تقاطع جرة مثل الكثيرين في واصل. فقط تعتقد أن جرة أخطأت التقدير مثل الكثيرين بعد الهجوم النووي الأخير. وخلال تبادل النظرات صاحت جرة كالمندهشة
ـ هاي جريرة. لسة ما وصلتي؟
تعجب جريرة الشاعرة من لغة الشابات الطالعات. متقنة في بيان أغراضها لكنها شالو وغير شاعرية. تتيقن جريرة أنها لغة ليست جينوين. ردت جريرة كما لو أن الأمر فزورة
ــ وصلت ولم أصل. لم أقابل جريراً بعد.
وغمغمت جرة في سرها ماذا لو حكيت لها عن تحرشات جرير بي أول ما وصلت للبستان؟ لكن جرة عدلت عن فكرتها وقالت من تحت فمها متأوهة
ــ أوه شابكانا جرير .. جرير.
ثم توكلت وقالت
ـ سأكلمك الآن بصدق. جرير يرافق ثلاث بعدك ببستان النعيم.
ـ ها ..

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:27 AM   #14
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

زفرت جريرة رفضها للخبر ثم ما لبث أن ملأ الغضب جوفها العامر بالمحبة وانقطع الحديث بينهما فطارت صامتة لا تدري ما تفعله تجاه تصريحات هذه الجريدة الحاقدة. لكن جرة واصلت حديثها فقالت
ــ أعلم أن الجميع يعتقد أنني منزلقة. لكن هيلاه وهيلاه ما انزلقت ولم أورد خبراً واحداً عن جراد الجزيرة لأتباع جبادة. أنا اجيء لهذه الجنة لأن العيشة فيها سهلة وما خصني كان الرجال بيجوا عشان حورها أو ما يجوا ما خصاني وتعالي ياجريرة النسألك واصل ديك شن فيها بلا السجم؟
استمرت جرة تثرثر وتثرثر ناسجة خيوط مرافعتها أمام قضاة سرب جراد وهمي لكن جريرة كانت في شبه غيبوبة تطير لأن هناك هواء رحيم يدفع بها آلياً مثل طائرة معطوبة. وفي سرها قالت جريرة
ـ هيلاه. يا جرير.. جرير هل ترى ما تقوله هذه الجرة وهل ما رأيته في الحلم صحيح؟ أين أنت الآن يا حبي. يا جرجاري في عالم مليىء بالأسمال . يا حصن الأوزان والقوافي والحلم بسربنا الأبدي.
صدحت جريرة بذلك ثم دهمتها سنة من نعاس حتى كادت أن تهوي فالهواء الشفوق يدفعها نعم لكن من شروطه الوعي. وصاحت جرة مرة أخرى من أمامها:
ـ اسمعي يا جريرة أن أتفهم أنك لا تصدقينني. لكن سأستعين بذكائك الذي يتحدث به الجميع في واصل وقدراتك التي أثنى عليها المعلم أبو الحصين كثيراً، لأشرح لك ما جرى فبعد أقل من نصف جاغة نصل إلى البستان وستتحققين بنفسك من صحة ما أقول. البستان يحكمه جبادة وكما تعلمين فهو يحكم سائر الجراد من جابودي إلى كافة النواحي والإنقايات. جبادة يحكم حتى مناطق لم يرها ولم يسمع بها.
سكتت جرة ثم واصلت إزاء صمت جريرة الذي كان يوحي بأنها تصغي
ـ مش تقولي واصل القريبة دي. جبادة يحكم الجراد من قرب جامينا وجراد جنينة وجبل الجراد وجراد جابرة وجوبا والجبيلية وجبيت وجيلي وجبل أم علي وجابرية إلى عند جبلاية الجقر وجراد جـ....
وهنا قاطعتها جريرة المبرمجة
ـ هل ما قلته عن جرير صحيح يا جرة؟
فردت جرة. هو لم ينس عشرتك. يذكرك دائماً. لكن يبدو أنه مشغول. لقد عينوه حامياً للصوتيات التي ترسل اشاراتها لسائر الجراد في جابودي وعواملها مما ذكرت. يرافق جرير ثلاث أخريات هن جغمة وجافلة والثالثة نسيت إسمها.
صمتت جرة . وطارت جريرة حانقة موازية لها بالدفع الآلي حائرة فلا تسمع من طيرانها إلا خفق الأجنحة. طارتا وطارتا وفي كل هذه المدة كانت كلمة واحدة مثبتة في دماغ جريرة شبه المعطل. كانت الكلمة تقول: جرير
وبدأ هسيس شعر جريرة الصافي يغني حيرتها نيابة عنها
تك تككم. تك تككم. تك تككم تككم تككم.
وشيئاً فشيئاً دخلت الجرادتين في اللون الأصفر ثم الأزرق وفيه صاحت جرة
ـ هيلاه.
اقتربنا أخيراً من النعيم
ثم لاح البستان الغريب. الخضرة التي في الأحلام. تلك الخضرة التامة التي كادت أن تنسي جريرة برمجتها الجريرية. قالت جريرة في سرها حين أحكي لجرير عن كذب هذه الجرة فما ترى سيصنع بها ؟
حلقت الجرادتان الجزيريتان وحلقتا معجبتان كل واحدة لأهدافها بالخضرة ونسيت جريرة غصة اللطمة التي تلقتها سابقاً حين زارت البستان لأول مرة. وطفقت تتخيل ما سيحل بعد جوان حين يشرق جرير الفتى الوسيم الرشيق رفيق الصبا والشباب. وقادتها جرة لمسكن جرير وصاحت جرة ما أن اقتربتا من الفيلا
ــ جرير.. جرير أنظر من قادمة اليك؟
وخرجت جرادة من الفيلا. هي رفيقة جرير اليافعة الأخيرة فيما يبدو. ثم ما لبث أن غامت الدنيا حين خرج فتىً جرادياً ضخم الجسد والبنيان لا تكاد تعرف أوراكه من أوداجه. ولأن جرة تعرفه صاحت به
ـ يا جرير أنظر فوقك. ألا ترى؟ هذه جريرة.
ـ جرير؟ قالت جريرة قافزة هلعة. وعاودت النظر تحتها نحو جرير فأرعبها ترهله وتخمته غير المتناسقة مثل حكام الجراد الريفيين. ولم تجد فيه غير كائن يشبه الجرذ.
وصاح جرير بلا انفعال
ـ أهلاً جريرة. كنت سأعود قبل جردتين وأحكي لك بالتفصيل سر غيابي ولكن ع أت كم ته
تلعثم جرير.
وما كان لائقاً من الجرادة اليافعة أن تضع جناحها فوق كتف جرير المترهل لكي تؤكد حيازتها له. كانت تلك حركة زائدة منها فهي لا تعرف جريرة. أما جريرة فقد أجرت عملية حاسوبية كونية في جوانٍ فأدركت كل شيء. وتيقنت أن جريرها إنما أصبح في الذاكرة وقد ذهبت به السنون الغوابر. أما هذا الذي أمامها فهو ليس إلا كتلة لحم توجهت نحو الخضرة المعدلة وراثياً ترتع فيها وترتع كأن ليس هناك معذبون في واصل نومك وضواحيها التي هي ضواحي الضواحي. ترتع كتل اللحم القميئة هنا كلها ولا شك وتأكل مما يزرع الجراد العتاب دون حساب. أقبل جرير نحوها رافعاً قوادمه وهو يقول بصوت خال من التعبير
ـ أهلاً
لكنه فوجىء بصرخة جريرة الموجوعة الداوية
ـ شييييل إيدك يا جرذ!
ذلك ثم دارت جريرة دورة سريعة فارتفعت فوق أحزانها وفجيعتها إلى أعلى مثل عامودبة بشرية وحلقت معها غضبتها فلم تسمع رجاءات جرة التوفيقية المتوسلة. غابت الخضرة في سيكلوجيا الغضب وهكذا حين نظرت جريرة خلفها بغضب أيصرت البستان حقلاً من النيران ونبست لها نفسها فقالت
ـ يا لها من جنة جهنمية.
ذلك ثم طارت جريرة وطارت طارت وطارت إلى أن لاحت لها شجرة دليب وهناك حطت أحزانها وتأوهت علها ترتاح وكان يلفها طنين الكون. كان الوقت ليلاً لا زال، غابت عنه جمرة الجراد القمراء فاشتبكت ظلمته بالظلمة التي حلت بروحها .وحلت بحلقها غصة فظنت أنها ستبكي لأول مرة في حياتها فجريرة لا تعرف الأنين لكن تلك الغصة كانت هاء السكت التي حلت بها وهي بين براثن الفاجعة فسكتت.

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:30 AM   #15
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

جرداق
فتحت جريرة فوانيسها المحورية لتضيء الظلمة من حولها. ظلمة العالم وظلمة روحها. لم تكن تعرف في أي جاغة هي وكم باتت مع غصة هاء السكت في جوف هذه الدليبة لكنها أحست بأنها اختصرت شتاءها ولم تكن تدري أن ذلك تم بالفعل ولأربعين جاغة. لم تكن تهتم بنداء البطن وعندما استعادت وعيها شيئاً فشيئاً استبد بها إحباط ماله من قرار. فبعد كل هذه الجردات الجريرية وكل ذلك الرهق وعناء البحث المطرد شرقاً وجنوباً ها هو الجبل يتمخض فيلد جرذاً بديناً تسبق بدانته القبيحة حركة شفتيه. فقدت جريرة بوصلتها الفكرية وأوشكت على البكاء لكن صوتها لم يساعدها فأفردت أشرعتها واستعدت لما تفعله الرياح. قالت أطير أنى توجهني اللحظة كانت قد مكثت ستاً وعشرين ساعة بحساب البشر وهكذا عندما شرعت في الطيران كاد الخيط الأبيض أن يبين لفوانيسها. طارت إلى أعلى بقوتها كلها لكن جسمها خذلها وهي في إرتفاعها الشاهق الذي بلغته دون هدف. انهارت قواها فجأةً فأقبلت نحو الأرض كغواصة تخلت عنها تقانتها وهي في لجة المحيط فأقبلت نحو الأعماق لا تلوي على شيء. وعندما أوشكت جريرة على الإرتطام وسماع صوتها الآخر على المنحدر تذكرت أمها وأبيها في الجرداء قرب واصل نومك فاندفعت فجأة إلى أعلى مثل طائرة تتفادى مطباً جوياً ثم تذكرت أخواتها وأخيها الغائب وأصحابها وأبنائها من التجريدتين الذين ذهبوا في الشتات العظيم. ومع أن خواءها الروحي كان عظيماً وكانت العناصر الهدامة لديها تعمل بأقصى طاقاتها إذ كانت تحفزها وتقول لها
• نعم هيا يا جريرة هيا ارتطمي فما فائدة الحياة
إلا أن نداءً غامضاً كان يقول لجناحيها
ــ لا بل اخفقي. رفرفي يا أشرعة ..أب..أب..أب
استجابت جريرة للنداء الأخير بفعل الحنين وإرادة البقاء وهكذا دبت الحياة من جديد مع انبلاج الفجر في جسد جريرة . وفي سرها قالت:
ـ لا كمال. ففي كل جنة حب هنالك دائماً لهيب من جهنم.
وتأملت في عباراتها السابقة وأدركت أنها كانت قد سمعت ذلك الكلام عندما انفرط عقد سربهم إثر القنبلة الهائلة ففقدت جل أحبابها دفعة واحدة وأولهم كان جرير. كانت الحكمة وقتها يتناقلها السرب في كتلته المدهشة في مسراها العظيم . كل جرادة تعلم جرادة وتنقل لها المعلومات الحيوية دون منة ذلك حين كان السرب ينقل أسراره لأفراده كفاحاً دون وسيط.
وقالت لها أمها في الخيال
ـ قم يا طرير الجراد
حين التمعت خاطرة عن تلك الأم العظيمة فضحكت جريرة وضحكت وضحكت من المحبة حتى كادت أن تنسى كارثة الجرذ التي حلت بحياتها. وهكذا استعادت جريرة متعة التحليق وهي ملاحة ماهرة لا تطير في الأجواء بل ترقص الباليه الجرادي الشيق في حركات تكاد من براعتها أن تطبع نفسها في الهواء النفاث ورائها وحتى في النسيم. طارت جريرة أولاً كعامودية
..أب..أب..أب
حتى لامست السحاب ومن بعد انهمرت نحو الأرض مستخدمةً رادارها الخاص نحو الطندبة الغريبة التي وصفتها لها عتبة. تلك الجرادة الكريمة.
وعندما اقتربت جريرة من الطندبة حلقت بإيقاع بطيء كأنها طائرة تستكشف مدرجاً للهبوط الإضطراري. ومن أسفل أبصرتها عتبة فشهقت لأصحابها
ـ يالها من راقصة جميلة!
ثم أردفت
ـ أنظر يا جراري لهذا الإيقاع الجديد.
وحدقت فوانيس دوارة كثيرة نحو جريرة التي صارت ترقص فوقهم مباشرةً. كانت جريرة ترقص لأنها مذبوحة من الألم بينما هم يمتدحون سيرها الجوي البديع ويبتسمون. كان مع عتبة في الأسفل جراري وجرداق وجابودي. الأصدقاء الثلاثة منذ جردات وجردات. كانو يتخذون من أيكة التطبيب مجلساً فلسفياً كأنهم تلاميذ سقراط. يغيب عن مجلسهم جارد الحازم .ذلك الفتى الشيخ الذي يطلق عليه جرداق لقب حاسوب الجراد.
صاحت عتبة في جريرة لكي تهبط في المدرج الخالي في هذا الصباح الباكر لكن جريرة كانت مشغولة بأمرين أن تتخلص أولاً من تبعات جرير فالجراد ما قبل الحداثة عندما يعشق كان يختار إسماً مشتركاً. وفي حقيقة الأمر لا يختار العشاق تلك الأسماء بل يتم ذلك بواسطة الكبار. أما شاغل جريرة الثاني فكان البحث عن منطقة ليس بها فضوليين عسى أن تخلع قميص حبها لجرير الذي أصبح يضيق الخناق على ما عندها من جسد نحيل. قالت جريرة
ـ لا بد من أن أخلع قميص الثعبان هذا حتى أشم هواء الحياة. ولعل هذا هو السبب من وراء تحليقها الطويل. كانت جريرة قد قررت أن تبصق ذكرى جرير ثم تهبط بمدرج الطندبة دون إسم ودون حب ودون ذكرى. كانت فكرتها من كل بد طائشة إذ ليس من الممكن أن تتم الأمور بهذه السرعة. وصاحت فيها عتبة
ــ اهبطي يا جريرة
ــ جريرة؟
تساءل جرداق الذي لمح وجه جريرة في عليائها فراقه شكله الوسيم.
وردت عتبة
ـ أيوة . جاءت من جارودي. ذهبت ناحية البستان للبحث عن حبيبها.
ــ آآ؟
صاح كل من جرداق وجراري وجابودي في آن بتنغيم واحد ودهشة واحدة حتى أن الصدى الذي بثه الهواء وصل إلى أسماع جريرة التي كانت قد قد أتمت شوطاً سريعاً على المدرج ثم عادت عن طريق اليوـ تيرن إلى حيث هؤلاء الجالسين الغرياء عليها عدا عتبة قدام طندبة التطبيب. مجلس الفلاسفة. رمقتهم جريرة بنظرة خاطفة ثم قالت بمرح:
ـ دبايوا
فردت عتبة
ـ سنو لاهيا.
وكررها الجميع من خلال الإبتسامات الترحيبية. الجراد يمرح بتحيته لبعضه البعض فلا صرامة ولا قوانين أنت تحيي بأي لغة. فجرة مثلاً كانت قد قالت لجريرة هاي عندما صادفتها في الجو قبل يومين لكن جريرة كانت قد انشغلت عنها ببرمجتها الجريرية.جاءت جريرة صامتة بعد التحية المرحة فأحرزت عتبة أن في الأمر شيئاً ولم تسألها. وقامت بتعريف الجميع ببعضهم البعض. اندهشت جريرة لسماعها هذه الاسماء الفانتازية.. وقال جرداق وقد أعجبه محيا جريرة لكن أخذته الشفقة على إعيائها
ــ لعلك متعبة. اتكئي على ثمرة الجميزة هناك على بال ما أجيب ليك صفقة لوز تاكليها
من الواضح أن جرداق كان يمزح .لكن على ذكر صفقة اللوز ارتعبت جريرة وتذكرت الصفعة أول ما وصلت الى البستان.قالت عتبة
ـ الشباب أصبحوا على علم بسفرتك للبستان.
وقال جابودي بجدية
ـ اسمعي يا غريبة هيلاه أنقذك من تلك الجنة الجهنمية. ألم تسمعي بما يجري فيها؟ ما هذا البيات السياسى؟ هل ذهبت إلى هناك من أجل جرير حقاً أم لتعلفي؟
كان قاسياً مع الضيفة أما جرداق فخفف من الحدة قائلاً

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:31 AM   #16
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

ـ تعلمين يا شابة ذلك البستان الأخضر ليس فقط مكاناً لترويح جبادة وأعوانه بل هو ممنوع لسائر الجراد الذي يدمغونه بشبهة الإطاحة بالحكم كما يوجد به الثقب الأسود. وتساءلت جريرة
ـ الأسود؟
ثم أردفت:
ـ برية ما سمعت بيه.
قال جراري ـ بالحيل ذا بلاك هول الرهيب
وقال جرداق
ـ هنالك لدينا ضحايا من الجراد ولا نعرف إن كانوا قتلى أم أحياء.
واضاف جارودي
لجة الثقب الأسود ما لها من قرار تحوم بداخلها كائنات شبحية مرعبة يقال إنها تنتمي للجراد العالمي الجامبو وقد جاء بها جبادة لتخويف الجراد المشاكس.
شهقت جريرة هلعة فقد شاهدت الجامبو في البستان .وقال لها جرداق متسائلاً
- من الواضح أهم كانوا متسامحين تجاهك. هذه هي طبيعة الجراد الدموي. دائماً تجدينه متقلب المزاج. هل سألوك عما جاء بك إلى هناك؟
و قالت جريرة
ـ لا. في المرة الأولى تلقيت لطمة كأنها من شاكوش أما في الثانية فكنت أنا سيدة الموقف.
وقال لها جرداق
ـ لا تكوني ساذجة فلا أحد غيرهم هناك يتسيد الموقف هم كانوا على علم بقدومك من كل بد.
ولمع في دماغ جريرة خاطر من الشكوك من جديد حول جرة.
وقالت عتبة
ـ اختفى ربع سربكم هناك أما الربع الآخر فذهبت به الدياسبورا.
قال جرداق
ـ بهذه الإحصائية لن يستقيم الحساب . لكن السرب هلك أو تبدد وعلينا نظمه من جديد حتى يعود مثل زهر الغابات في كثرته وألوانه الفاتنة. السرب قوة وعندما يصبح الجراد كتلة ينبثق ضوء الكون.
وقال جابودي
ــ هيلاه يا شاعر هيلاه.
قال جراري
ـ سنخرج أنا وجابودي لنجلب لهذه السيدة شيئاً تأكله.
لكن عتب أعترضت
ـ لا هذه ضيفتي. وخطت نحو جريرة وقبلتها ثم..تب..تب.. تقافزت بمرح نحو الشاطىء لكن جابودي خرج في إثرها يساعدها كما يساعد في التقريب بين سلالة جراد القبوط والجراد الذي ينتمي هو إليه. مكث جابودي وعتبة بعض الوقت قرب الشاطيء وهنالك أحس مرة أخرى أن القربى من آل قبوط ممكنة. لا تحبذ عتبة كلمة قبوط بالتشديد رمزاً لسلالتهم فهي جبورة وفي أسوأ الفروض قبورة كما يحب أن يطلق البشر الإسم.
وسألت عتبة جابودي بكل جرأة وقد أدركت مراميه الخفية
ـ حسناً .هب أنا وافقت فماذا ستفعل بعقيدة الجيم. أنتم معشر الجراد اللوكست دوغمائيون
وصاح فيها جابودي ممازحاً
• لا عاجبني انتو يا جراسهوبرس .تتقافزون من اسم لأسم ومن فكرة لفكرة. وعندما أحس جابودي بأن مزحته ثقيلة أقبل على عتبة يلاطفها قائلاً
ـ لك العتبى يا عتبة.
وحين عادا بالجرجير عاد جابودي بمشاعر جديدة وكذلك عتبة رغم غرابة الحالة ولم بلحظ أحد من الجالسين في انتظارهما شيئاً لكن عتبة لاحظت ضوءاً ياهراً في عيني جرداق ولم تدرك كنهه هي أيضاً. وعندما مرت بقربه ابتسمت فارتبك جرداق. في حقيقة الأمر أخذه حديث جريرة العذب واكتشف أنها شاعرة مثله لكنه لم يفلح في استنطاقها بالقصيد. كان منزعجاً لظروف جريرة وفي سره حدث نفسه قائلاً:
ـ كيف يتسنى لهذا الجسد الفاتن والعقل الشاعر اللماح أن يحط بجرداء خالية من العلم والمعرفة والعافية بينما لحم البان يأكله التراب؟
قهقه جراري حين أبصر جرداق واجماً وحينما بدأت جريرة تأكل سلسلة الجرجيرات جرجيرة فجرجيرة فجرجيرة وتزم شفتيها إثر كل فاصلة منغمة من الأكل كان ثلاثتهم ينظرون ويتعجبون كيف استطاعت هذه الفاتنة أن تأكل هكذا بأرستقراطية وهي القادمة من إنقاية جرداء يرويها المطربمزاجه هي الإنقاية المطرية قرب واصل نومك؟
وفجاة قال جراري
ـ تعال يا جرداق نختتم هذه الجلسة لنحتفي بهذه الضيفة العزيزة بقصيدة الضوء. نعم قرأتها لنا أمس في زنقة جارد الحازم لكن الجمع كان غفيراً لم يتح لنا فرصة التأمل.
وقالت عتبة
ـ أيوة هيلاه عليك. أنا لم أسمعها.
واستجاب جرداق فسن حنجرته بمبرد الريق العذب وانطلق يغني شاملاً الضيفة بعنايته القصوى خلال تنغيمه
ــ تكاكم تك. تك تكاكم. تك تك تكاكم.
الدهشة الجمت جريرة فهي لم تسمع من قبل بمثل هذه الأوزان الأخاذه. مالت من الطرب وسمعت جرداق يتكتك قصيدته بصوت كأنه طالع من فوق الشجر.
ـ تكاكم تك. تك تكا تكاكم تك تكا.
وصاح جابودي فرحاً
ـ هيلاه يا جرداق.. يا أسراب يا كتلة الجراد. يا جدود جابودي هيلاه.
وتحرك الركب وجرداق يصدح يصوت من رحيقٍ صافٍ منقى حتى إذا ما أشرفوا على الرجوبة التي هي قبالة حي جرورة غشيت جريرة غصة هاء السكت من فرط الطرب فسكتت.
واندهش الجميع لما حل يجريرة واحتاروا فيه. وبما أنني وإياكم نعلم فدعوني كراوية جرادة ذات استطرادات أن أحاول ترجمة ما لا يترجم من شعر الجراد بلغة البشر
ـ قال جرداق:
تكاكم تك
ومعناها بلغة البشر:
أيها الضوء أنت جيوش فنقل حشودك وافتك بها جنبات الظلام. تنقَل حتى يصبح أعتم ما في الديار الشفق. رأيت سيوف أشعتك الليزرية فاقطع بها شبحاً لا نراه قابعاً في ذراه. شعاعك يا ضوء علمنا الحسم يمشي سريعاَ من الشمس للعين .فقم ما سمعنا بضوءٍ تمشَى فتاه. وهذا الظلام طعامك. فالتهم الآن هذي الدجنَة وفي الصبح يقتات فجرك من كتلة مدلهمة. طعامك يا ضوء هذا الظلام. وشربك منه المدام. فقم وارفع النخب ثم انبثق. وكل مكان تبيت به ناره تأتلق. فيا ضوء يا ضوء أنت حذق. ونهرك يدلق منه الجمال بدنيا الجراد فألوانها طاويات الغسق. وثق. بأنك أسرع منا جميعاً فقم وانطلق. لينفتح الحسن غب الأفق. يغني الجراد فيٌشجي الجماد ويصبح أظلم ما في الوجود الشفق.
استدعت كلمات جرداق هذه الوقفة لما بين ذكاء الكائنات.

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:33 AM   #17
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

العودة إلى واصل
كان القمر مسروراً لرؤية شاعرتين من ذكر وأنثى في سريان موسيقي . لذا أذاب من فضته في اكتماله البديع في تبر الثنائي الجديد جرداق وجريرة وهما يسبحان في فضاء الجزيرة بعد جاغات من خروجهما في السفر إلى واصل في هذه الليلة القمراء صافية القمر. كنت لا تسمع إلا خفق أجنحتهما في تناغم شد من أزره الشعر فهما شاعرتان .لا يفرق هذا مع جرداق ولا يحس به فالجراد لا يفرق بين الجنسين وحتى تاء الثأنيث جلبها للجراد جالب من لغة ذكورية متنطعة.
قال جرداق وقد تملكه جيشان داخلي ناتج من حب قبل أوانه يكتمه ويخشى أن يشقق جلده
ـ يا جريرة؟ منذ متى وأنت تصابين بهذه الإغماءات المفاجئة؟
فردت جريرة
ـ هي ليست إغماءات. إذ ان قلبي يظل يقظاناً لكن صحيح أن دماغي يصيبه بلاك آوت .يظلم فجأة فلا أدري ماذا أفعل.
ورد جرداق ساخراً
ـ وهل تفكرين بقلبك يا جمرة؟
فردت جريرة بإشراقة من خلال الإبتسام وقد سمعت لقبها الجديد
ـ لا يا جردقة. فهذا القلب الذي أعني موجود في الدماغ أيضاً . قال جرداق وقد تذكر جدل البشر العقيم حول القلب والفؤاد والعقل والدماغ والمخ والروح والمهجة والنفس
ـ لا ادري. لا ادري يا جمرة روحي لكن ما يصيبك يبدو أنه مرض عضوي. عندما نعود إلى جرورة سأذهب بك إلى طندبة التطبيب.
قالت جريرة متسائلة كأنها تكايده
ـ عضوي أم نفسى
فرد جرداق
ـ أظنه عضوي
سكت الشاعران طويلاً فلا تسمع إلا خفق الأجنحة أب أب ثم داون داون في تناغم ينم عن شىء قادم.. حلق جرداق ثم سبح أمام هدف أشواقه الجديدة بإيقاع منتظم فو فو فو ثم بدأ الإرزام فالقصيد
ـ تك تكا كم تك تككم
وعندما ألقى نظرة من فانوسه الدوار على جريرة وجدها تحلق في رقصة جديدة عليه ذات إيقاع كأنها يمامة ويحس من يراها بوقع أجنحتها غير المسموع والداوي مع ذلك في الهواء داو دو دو
طافا هو يرزم وهي ترقص ثم انطلقا ستريت فور ورد تجاه واصل متخذين من الشعر نسبية جرادية جديدة للتوسط بين الزمن والمسافة قال جرداق
ـ تكا كيكم تكا كم تك
فردت جريرة
ـ تكالم تك تكالمنا
كانت الجزيرة تحتهما اشبه بقصيدة تلمع مياه الترع وتبرق فوقها اليراعات ووتعكس الجداول وابو عشارين والتقانت والسراب المروية جميعاً فضتها المجلوبة من مصادر شتى أولها وقبل ضوء القمر هذا الحب وهذا الشعر. كان الجو محايداً مع ميل خفيف نحو البرودة زاد من الشعور بها لدى الشاعرين جريرة وجرداق المشاعر الجديدة النابتة بقلبيهما كالباتات البرية. قال جرداق في سره ـ المشاعر الجديدة النابتة هي أصلاً في الكائنات من أجل تطور الشعر
وقالت جريرة في سرها
ـ هل ترى البشر يعرفون شيئاً اسمه الحب
واردفت كالمتأكدة تقول
ـ لا أظن في ظل هذه القنابل المبيدة للأسراب.
سبحا تجاه واصل نومك كما لو أن مسارهما خيط. كانا قد اقلعا من حي جرورة بعد الندوة التي تحدث فيها جارد الحازم حضرها معهم شباب لا حصر له من بينهم تعرف جريرة فقط جراري وجابودي وعتبة وجرداق طبعاً. خرجت جريرة من الندوة بلقيات عديدة وبهاء السكت التي دهمتها عند الخروج فقد اتكأت فجاة على كتف جراري وسط الجمع والتفت العديدون نحوها كأنهم يرقبون جسارة هذه الضيفة الغريبة الجميلة حتى كاد الما عارف يقول عدس
بعد اليقظة مباشرة بدأت جريرة تستعد للعودة إلى واصل نومك. واصر جرداق على مرافقتها للإطمئنان على صحتها وطبعاً لم يخف السبب على جاردوي وجراري وعتبة فقد شافوه وشافوه من خلال الإبتسام المحبب الذي ينم عن محبة صافية.
دارت جريرة مثل حمامة رشيقة في الفضاء دورتين حين تذكرت الحديث المرتب الموزون الدقيق الذي أتحفهم به جارد الحازم. وقالت تخاطب جرداق
ـ يا شاعر إنت جارد دا منو وايه اصله وفصله؟
فرد جرداق
ـ بالنسبة لي جارد عالم لا سياسي ولا مثقف ولا شا. هو ملم بتاريخ الأسراب منذ أن خرج الجراد من بطن المجرة.
وتساءلت جريرة محتارة
ـ وهل خرجنا من بطن المجرة ؟
فقال جرداق
ـ الظاهر ياجريرة واصل نومك كانت مبيتاك ً. فنحن والبشر وكافة الموجودات الحية واوول ذيس ستوف من كلوروفيل وموسيقانا التي انبثقت منه خرجنا من الثقب الأسود الكبير في مركز المجرة. وفي الحقيقة خرج الجراد بالبلايين. نحن أسياد المجرة لا البشر.
وغمغمت جريرة
ـأسيادها
فخطف جرداق الكلام
ـ طبعاً ألا تلاحظين الإسم مجرة.. جراد.. جر ال..
ـ هل تريد أن تقول جر الجراد؟
ـ لا لا
رد جرداق من خلال ضحكة تنم عن سعادته بالرفقة وواصل
الثقب الأسود الكبير الذي هو أكبر من جمرة الجراد شمس البشر هو التفسير الوحيد المعقول لوحدة الوجود. ولو أن الإنسان اقتنع بأن الارض تسعنا جميعاً لما اخترع قنبلة المبيدات لينتفع وحده بالخضرة التي أصبح يستنبتها ويحرم منها سائر الكائنات إلا الحيوانات المغفلة التي أنساقت وراء مشروعه الضاري كالحمر والبغال. ها هي تنهق وراء شعاراته الحمقاء نزرع نزرع. وما أن خرق الإنسان قوانين وحدة الوجود حتى إنقسم هو نفسه الى فئات ألم تلاحظي جرذان بني طفيل. الجرذنة انطلقت من هناك فأصابت الثيران الفريزيان والخنازير التي تعلف بلا حدود وكلاب الزينة والقطط المتواطئة والحيوانات البرية الحبيسة وجراد جارودي.
كان جرداق يحكي بتدفق ويحكي حتى أنه لم يلاحظ أن جريرة صمتت. لم تنم فالنوم في الهواء ممنوع طبعاً ولكنها حزنت لأنها أضاعت سنوات عزيزة من عمرها في السهو والسرحان والفرص المهدرة
قالت جريرة تشكو حسرتها لجرداق.
ـ لقد فاتني الكثير يا شاعر
فرد جرداق ـ لا لا. الجرود ياجريرة ـوحتى لا تصمينني باللاجرادويةـ الجرادة يا جريرة بنت ظروفها. لكن من الضروري معرفة ما نريد
فقالت جريدة بحماسة وصوت عذب
ـ التوحد في سرب الجراد العظيم من جديد
فقال جرداق
ـ بالضبط. فهذا كما تعلمين هو جوهر كلام جارد. الفكرة بسيطة فالسرب عقل جمعي جرادي جبار لا حظي أن هذه المفردة ملكنا أيضاً ـ جمعي ـ كل جرادة تطير داخل السرب تهتم بالجرادة الأخرى ويكون وجود هذه من وجود تلك. قال جدي الذي شارك في سرب من أربعين جليون جرود وجرادة أن كتلهم كانت من القوة بحيث يمكنها أن ترمي بناية بشرية جبارة بخفقان الأجنحة إن أرادت لكن قادة تلك الكتلة كانوا بلا أحقاد وكانوا منشغلون عن كل مثل تلك الترهات بالخضرة موسيقانا وحبنا العظيم.
سكت جرداق حين رأى جريرة صامتة وخشي أن تكون قد دهمتها الإغماءة العجيبة لكن جريرة كان قد دهمها رحيق صافي هو أول بوادر حب جديد ماله من قرار وحاولت أن تفتح فمها لتقول شيئأً فخرج الشعر غزيراً وجديداً هذه المرة.
ـ تكاكينا تكاكم تك تكاكينا
فرد جرداق بتأوه حراق
ـ هيلاه يا جوهرتي الجذابة
كان هذا بوحاً مفاجئاً جفلت من وقعه جريرة فطارت مرفرفة شرقاً فغرباً لمترين هنا ومترين هناك كأنها إنسان لسعته جمرة. أما جرداق فانزوى طائراً في ركن الهواء الغربي ومن هناك رمق جريرة وقد عدلت ساريها والتمع السحر في فوانيسها ثم رقصت في الهواء باليه الحبور كانت تمرق رشيقة بين ثنايا موجات الهواء الذي ما خذلها. طارت وطارت ثم طارت بإيقاع لم يشهد جرداق مثله في طائر. وأسرع جرداق نحوها حتى لاصقها وطبع قبلة خاطفة في فمها فما صدته. كانت تكبر تكبر جزلة من الفرحة حتى ظنت نفسها حديداً بشرياً هداراً. ذلك ثم طارا وطارا كل ينسج قصيدته الداخلية وطارا وطارا حتى لاح غباش واصل نومك التي دخلاها فجراً.
فال جرداق
ـ اين بيتكم يا جريرة
ـ جريرة
ـ جريرة
لم تجب جريرة فقد انحدرت من عل بغتة على ريحانة وهمدت هناك. تأوهت أعطافها وانسكب بعض من عطرها على الريحانة حتى انتفضت تلك واشتمت مقارنة رائحتها غير الذكية التي كانت توهم نفسها بها لأول مرة. وحين وصل جرداق طائراً ومشفقاً وجد أن جريرة كانت قد راحت في سبات هاء السكت فأفرد جناحيه فوق جريرة تماماً ثم هبط فوق جسمها البض وما لبث أن اجتاحه فرح عارم فأصابته هاء السكت لأول مرة وسكت.

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:34 AM   #18
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

5
فوق سماء واصل
خرج جرداق من فرحته الغامرة المندغمة بالنشوة ورمق بناظريه ارض واصل الجرداء
فارتد بصره مفجوعاً وغمغم لنفسه قائلاً
- يا له من قحط . هذه اول مرة في حياتي أكون مليئاً بالحبور في دواخلى في زمان الصيف والقحط وانقطاع التواصل .
حبور جرداق أسبابه الأولى والاخيرة هذه الجرادة المبدعة في رقصها وشعرها
ومشاعرها، جريرة تجريدة الحب الجديد الدفاق مما انهمر على جرداق بعد أن اوشكت
فلسفته الخاصة أن تصل به الى منطقة القول بانتفاء الحب عن الوجود. ومع إن
جرداق ليس من انصار فلسفة الكمال وبه مرونة إلا ان إحجامه عن التواصل الحميم
جعل لديه رهبنة شبه بشرية لا توجد لدى الجراد. حلق جرداق ودخل بعد حين في
غمامة شعر أعمته عن بؤس واصل فاقبل يحيك من حرير روحه حريرة أكثرها عن جريرة .أما جريرة فقد انبهم حنينها لأهلها وتجريداتها وما خصها ما الذي تقوله حين
يراها الجميع وقد خرجت في طلب جرير فعادت بهذا الجرو الجرادي النحرير .وحين
مرت الخاطرة في دماغها عن جرداق زغردت جريرة في سرها
- جوي جوي جوي _
هكذا يزغرد الجراد بما أدخله بعض البشر في لغاتهم كناية عن الفرح رغماً عن
انتماء الزغرودة فيما هو بائن لعقيدة الجيم. زغردت جريرة ثم تساقط من تمرة
فؤادها دفيق شعرها الجديد
الذي حركه بدواخلها تلامس جرداق معها فقالت كأنها جرادة فرعونية
أنت يامن لمست تمساحة روحي -
تدلى من مشلعيب هذا القلب على المجرة والحق بمساندة من جسدي كله بأول السرب
حيث تجدني هناك أسبقك بالاماني وتسبقني بالفعل.
- تكاكم تك تكاكينا. تككناهم
تكاكم تك. تكم تكا كم .




وخرج العاشقان الحبوران من غمامة الشعر إلى السماء الجرداء التي هي كذلك
بسبب من انعكاس واصل نومك وأنحائها عليها. سماء بال خيال ولا غمامة وارض بلا
عشب ولا شجر يستمطر السماء. أوشكت جريرة ان تعتذر لضيفها عن غياب الأرائك
والسندس والاستبرق وقالت حكمتها المتوارثة
لا عليك يا جردقة ففي كل جنة عشق جمرتان من جهنم -
فرد جرداق
-جهنم كلها بقربك يا جمرة أفضل بما لا يقاس من جنة الجراد-
هبط العاشقان قرب ريحانة متيبسة وسرعان ما سرى الخبر في الإنقاية الجرداء كلها
-جريرة عادت مع جرير
وحين جاءت جمانة والدة جريرة لتتسقط الأخبار عن جرير وجريرة وجدت فتى جديداً
يرمقها بجوهرتين متقدتين بالحيوية والشعر فأصابتها هاء السكت لأول مرة في
عمرها المديد وسكتت. لكن شيخاً عمرانياً خرج من بين قصبتين متيبستين لم يسكت
كان قد لخص الأخبار التي وصلته للتو واستخلص منها حكمته فسأل جرداق قبل جريرة
-هل أنت غائر واللا زائر
فردت جريرة
-هذا شاعر في هذا الزمان الجائر وأوشكت ان تيوح بحبها ه هكذا من أول وهلة لكن
هاء السكت دهمتا فجأة فلم يعد جرداق يسمع غير خفقات قلبها العامر وأقبل جرداق
على الشيخ محيياً
-أنت الشيخ جمان فيما أظن
ورد الشيخ الجرادي
- حبابك
وتشابك الرجلان في سلام جرادي عامر لا تسمع منه سوى الإرزام كان سلاماً جديداً
على واصل نومك للدرجة التي اصابت فيها معظم الشباب من الحضور هاء السكت فسكتوا
واصل نومك في شقها الجرادي عبارة عن إنقاية حبلى بالأمراض والفقر والوعود
الرنانة التي تنطلق من مكبرات الصوت التي ترسل عبر الأثير من جابودي جنة
الجراد
سنرصف شوارع واصل بالذهب ونغسل حماماتكم بماء الورد ونذفئكم من البرد ونملأ
بطونكم بالخضرة الحلال وجيبكم بالمال آل آل. لا توجد حمامات بواصل ولا برد بل
يوجد جرب وجداول لا تجلب الماء وسماء لا تعكس الزرقة وأتربة وأعاصير تثور ما
عن لها وبقايا السرب العظيم يراوحون مكانهم بواصل. تجريدات وتجريدات في
انتظار عودة السرب. الجرود والجرادة في واصل كادت أن تنفصل نوعياً عن أشباهها
في أشباه المدن الجرادية. وهنالك ميدان وحيد في الإنقاية هو ميدان التقاة فيه
ياتي البشر مرة كل موسم بورتابات هي كل محصولهم مما يزرعون ولأن المحاصيل
أصلاً شحيحة فلا يعتب البشر أولئك على الجراد ولا يتهمونه بما لم يفعله من
ألتهام لمحاصيلهم وهذا ربما هو السبب في بقاء جراد واصل نومك في الإنقاية
قربها. ثمة تحالف صامت بين من لا يملك من البشر والبهم والحمر والجراد على
العيش بسلام في زمن القحط ويبدو أن الجميع تقلقه هذه المكبرات ذات الجعجعة
- ازرع ازرع
-زرع ايه يقول جمان في سره ثم يرمق جريرة فلذة كبدة ويعود لهاء السكت من جديد.
في تلك الساعة انتشرت إغماءة هاء السكت في واصل مثل وباء جديد لكن يبدو أنه
وباء محبب طالما جاء به هذان الكائنان الغريبان الشاعران جريرة وجرداق. وعندما
جاء بعض السباب بورتاب ناشف لتقديمه للضيف كان عليهم أن ينفضوا أولاً عن مهجته
تخشيبة هاء السكت.

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:36 AM   #19
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default سيمفونية الجراد

سيمفونية الجراد
وليمة الموليتة

استيقظت جمانة من سباتها وقالت
• لا. الورتاب الناشف للعدو. أجلبوا الموليتة من السما اللحمر يا الحبان للعرسان.
قفزت جريرة من هاء صمتها المحيرة حين سمعت الكلمة الأخيرة لكن قلبها عبر عن فرحته بضربات شاعرية
• تاك تكم. تك تاك تكم.
أما جرداق فلم يسمع جملة جمانة المفرحة فقد كان منشغلاً بمتابعة سلسلة السلالة التي كان يسردها الشيخ الجرود العارف جمان الذي وكما هو بائن مما رواه ملم بسرالسرب العظيم بأحلامه وأهدافه قبل الضربة الاخيرة. عجب جرداق في سره من حكمة الشيخ وأدرك السر من وراء شاعرية جريرة هذه الجمرة الجميلة وفوق هذاايقن جرداق ان واصل نومك ليست إنقاية جرداء قاحلة وأن جمان هو جارد واصل الحازم وربما كان سيبزه لو توفرت له جرائد الجراد المركزية وغيرها مما يتوفر في حي جرورة.
خرج شباب واصل في طلاب الموليتة يقوده جنفاوي وجنبقلي يتبعهم جير وجنفاء وجانح وجلجلة وجرس وغيرهم من الجرود الجديد الواثق. طافوا على الإنقايات الشمالية قرب النهر بنواحي فداسى والقريقريب والعيكورة وعترة ثم رجعوا ناحية الكريبة وبيكة وودابريش والخولاب وسعدالله وودمطر وودرحمة وزنقاحة حتى عادوا عبر النويلة والشبيراب على إنقاية واصل نومك بموليتة وفيرة ما جمعوا مثلها إلا في الإحتفال بنصر جنفاوي على جحمان.كانت موليتة من كل شكل ولون. ولو كانت الموليتة من النباتات التي ينفع فيها التخزين مثل الملوخية التي يصنعون منها ام تكشوا لكفتهم لجوغتين أو ثلاث جوغات ولكن الموليتة هي الموليتة الوجبة الموسيقية الخضراء شانها شأن الجرجير خضراء حين تنبت وخضراء حين تؤكل وخضراء في الأمعاء وهي تفوق الجرجير والخس في موسيقاها الجرادية خضرتها حلوة لأنها مرة أو هي كما تقول عنها جمانة خاطفة طعمين. تعرف جرداق على الشباب فكلهم سلموا عليه بمودة حين قدمتهم جريرة له هذا جنفاوي ياجرداق وهذه جنفاء حبيبته وهذا جير هذه جيرية هذه جنبقلية وذلك جنبقلي مضت جريرة تعرف جرداق بالصف الحيوي من جيل ما بعد الجلجلالة الذي الحق في معركة الربوة بواصل نومك هزيمة نكراء بالشيخ جحمان ذلك الجرود البدين الشحمان الذي أوشك ان يربط كل انتاج جراد واصل ببطنه لولا حادثة قطع السرة التي ابتدعها جنفاوي بيسراه في ضربة زغردت لها كل إنقاية الجراد وسرى الخبر في كافة الإنقايات وفي ديار الجراد البدوي. كان جحمان يصرخ في جنفاوي
_ تعال أنا جاهز جاهز جاهز
فينقض عليه جنفاوي وفي يده جنزير الإصرار. وحين انقطعت السرة تناهت إلى الاسماع من ارجاء الجزيرة كلها زغاريد الجراد
• جوي جوي جوي
وفي تلك الجوغة ظهرت اغنية الجنزير. اختفى جحمان ويقال انه الآن في جارودي يشغل منصباً مهماً نيابة عن جراد واصل رغماً عن خياشيمهم.
كان حي جرورة يستعد لهجمة جديدة من هجماته المتكررة على جنة الجراد رغم تحذيرات جارد الحازم الداعية للتريث. الشباب الجديد لا يطيع أحداً من السبابقيه لكنه جراد جامد جلد جهبذ جريء لا يعرف الخوف رغماً عن كونه يفقد في كل طلعة بعضاً من خيرة أفراده. لم يسمع جابودي ولا جراري ولا عتبة عن جرداق شيئاً منذ خروجه في ذلك المساء وراء جميزة قلبه. غاب جرداق مع جريرة طوال جولتين والجولة هي أسبوع الجراد. قال جراري
• لا يكون جرداق ودر في بلداً جرادها عجمي -
• فرد جارودي
• جرداق هذه الايام يفكر بقلبو
• فردت عتبة
• _ جريرة ما بتديهو عوجة
• حين أصبحت الموليتة جاهزة على المائدة بالبيدر التقاة في طرف الأنقاية جأرت الكلاليق الناشفة بالشكوى من شح المياه في أبدانها. شبع جراد واصل نومك في ذلك المساء من الموليتة ثم نهض جنفاوي ورحب بالضيف وفاجأتهم جريرة حين قالت لهم بأن جرداق أشعر منها وقرأت مقاطع من انتاجه
• قال جرداق تقول جريرة
• تكم وككم تكم وككم وككم وككم
• التمعت الفوانيس الدوارة في رؤؤس الجراد في واصل وغشاهم سحر عظيم فهم في تاريخهم المنظور لم يسمعوا بمثل هذه الإيقاعات الجديدة. في ذلك المساء قرات جريرة شعراً جديداً أيضاً .كانت جمانة تعاين وتخرج ثم تعود وتعاين فرحة لا تجد من تحكي له عن فرحتها أما جمان فجرد أفكاره جردتين ثم أسلم لبه لحكمة الدواخل. وهذا شباب واصل كله الجراد والجرادات قام فحلق فوق اجواء الإنقاية والتمعت أجنحته من حبور به فأضحى كاليراعات داروا ثم داروا ورقصوا تتقدمهم جريرة رقصة الطلاقة القصوى وذلك بان تقلبوا في الفضاء صاعدين هابطين. كانوا جملة جرادية واحدة ممراحة حية بديعة ليس فيها جرذ واحد ولا حائر ولا سجمان. في تلك الساعة أيقن جرداق ومن بعده جريرة أن السرب آت لا ريب فيه.
• وقرب الفجر هطل جراد واصل كله فوق أرض التقاة كأنه محصول جديد لم يكن وهناً لكنه قبع هناك بلا حراك فقد عم داء هاء السكت الجديد على واصل نومك فسكتوا جميعاً إلا الشيخ جمان وجمانته إذ لا بد من أن يكون هناك كائن ما يقظ يرعى السلالة.

  Reply With Quote
Old 10-07-2010, 03:38 AM   #20
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

جارد الحازم
لم يكن جارد الحازم حازماً كما يوحي االلقب لكن شباب الجراد أطلق عليه الإسم . كان جارد يفوق الجميع بالنظرة الشاملة وقد يفوقه البعض في التفاصيل. وله عينان فانوسيتان وفي نظرته حين يرنو إلتماعة خاصة يتهيبها الشباب الدارح. يقول شباب الجراد جارد صحيح في كل حركته ومواقفه لكن العصر فاته إذ لم تعد الصحة وحدها تكفي إزاء هذا التدفق الحركي الشبابي العارم وهذه الطاقات التي ليس لديها وقت للتأمل. الشباب يقول كل شىء أصبح رهناً للإنطباعات العابرة وليس من وقت للتأكد من الصحة والشفافية وليس من وقت لوضع الإستراتيجيات. ليس هذا يقول جمبلغ وقتاً للمتصوفة من الجراد. ليس وقتاً للحزم. يكفي منه التجرد في أدنى مستوياته. جمبلغ عجول حيث أنه كفتى جرادي نشط يصحو حيث تشرق الشمش ولا ينام إلا حين تكاد تشرق في اليوم التالي كأنه يعيش في الدائزة القطبية. ومن عجلته فإنه لا يعترف بالمطبات الجوية ولا يانف من المشى كأنه عتاب ولا تهمه الترتعة. ينسى جمبلغ أنع يستخدم وقت ثلاثة جرادات بينما يستخدم جارد وقت جرادة واحدة. قال جارد الحازم وهو يرقب حركة الجراد الشبابي العشوائية كثيرة الأخطاء
ـ لا بأس. هذا زمانهم وعلينا فضل التبصرة.
قال جمبلغ في الاجتماع العام الذي عقد قبل ذكرى الشجرة التي مرت على قطعها جقد من الجوغات
ـ نحن في جرن الجراد الثمانين . ولم يعد من وقت للتأني. علينا أن نسن حراب الفتك وحدنا دون عتاب بلا قبور بلا لمة ونهجم على الجنة.
رد جارد من تحت أسنانه
ـ هذا التهور سيودي بأرواح الملايين منكم يا شباب. قال جمبلغ
ـ حياتنا كلها لا قيمة لها إزاء هذه المهانات.
كان جرداق يرمق بناظريه في تأمل حزين صامت. أصبح الشاعر في المنطقة التي بين بين وهو يسمع المناظرة. وفي سره غمغم جراري
ـ اهيلاه بضرك يا جمبلغ كان دير تودينا فداهية.
قال ذلك وقر في دواخله أنه من أنصار الإتجاه الجمبلغي. هكذا كان جابودي وأخيراً جرداق الذي حسم تردده الذي لا يشبه الشعراء.
في اللقاء الاسبق الذي حصرته جريرة خطب جارد الحازم فقال
ـ نحن وهم وكافة الكائنات خرجنا من الثقب الاسود الذي في مركز المجرة وهناك مجرات ومجرات وربما تكون هناك مجرة يسود فيها قانون الموسيقى الأخضر. مشكلتنا ليست البشر بل هذه الجرثومة الفتاكة التي ما عهدها الجراد من قبل. لقد ادت لاقسام السرب وتشتته والجراد اللاحم ماكر وأي إقدام للهجوم على جنة الجراد غير محسوب العواقب سيؤدي إلى كارثة.
قال جمبلغ من تحت لسانه سراً
ـ ها كارثة. وما الذي تبقى لنا منها الآن.
استمر جارد الحازم في خطبته فقال. جراد حي جرورة يجب أن يتصدى للجراد اللاحم. هذه الجرثومة انتقلت للجراد من حي بني طفيل البشري علينا محاصرتها فلا تصيب الميد من حارت الجراد ومدنه.
قال جرداق
ـ لكن الجرثومة انتقلت منذ زمن للريف.

  Reply With Quote
Reply


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 05:40 AM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com