إغتيال الدكتورة أحلام حسب الرسول

عوض خضر تبقي حقيقة ان تاريخ السودان خطته أياد غير سودانية..نعوم شقير وسلاطين باشا
الذي أكمل كتابه المرجع في تاريخ السودان "السيف والنار" قبل لأن يزور السودان, سماعا ونقلا
عن الجنود المصريين بالخدمة في السودان...دور السودانيين فقط كمحققين للكتابات التاريخية,
أمثال البروف أبو سليم...
نواصل........
حكايات احلام الجاك (احلام جلكنة)
الرحلة الى الخرطوم هذه المرة لها طعم مختلف .. سنوات كثيرة من البعد والابتعاد .. ذكريات الحنينة السكرة .. الحب الاول والاخير .. الحمل سفاحا والاجهاض فى بيت (داية) منحرفة فى (الموردة) .. اشجار الجوافة الكبيرة والكثيرة فى بيت (احلام الصول) فى (ابوروف) وامها الحاجة (زينب) صاحبة اجمل كباية شاى باللبن فى العالم .. الخرطوم اتنين , اول تجربة جنس حقيقى ومكان فض الغشاء .. (منعم) ابن القاضى الشهير الذى زرع حيوانه المنوى فى رحمى وصرخ فى وجهى - امشى اطلعى بره يا خادم .الخرطوم اتنين .. معنى الاهانة العرقية والطبقية والانسانية .ايام وشهور وسنين .الصورة التى احملها معى ستكون مفأجاة للجميع .. بعد اخر امتحان , ذهبنا الى ستديو مصوراتى اريترى عجوز , كلنا نحن الستة (احلامات) .. جلسنا لالتقاط الصورة .. كنت انا فى الوسط وعلى يمينى جلست (احلام حسب الرسول) وعلى يسارى (احلام الطيب) وهى تحمل زهورا بلاستيكية صفراء غبية .. خلفنا وقفت اجملنا واجمل من درست فى جامعة القاهرة فرع الخرطوم طيلة تاريخها الطويل , الدلوعة (احلام مختار) او (احلام السمحة) التى كان الطلبة ياتون اليها من جامعة الخرطوم والكليات التكنولوجية للفرجة على الجمال الالهى .. بجوارها وقفت (احلام الحاج) الكادر الخطابى لتنظيم (جبهة كفاح الطلبة) هى اخطر انسانة عرفتها تتحدث فى السياسة وهى التى وقفت الى جوارى فى عملية الاجهاض وحمتنى من الفضيحة .. على يسار الواقفين كانت (احلام تادروس) القبطية ذات الوجه الحزين , اكثرنا ثراء وتهذيبا وثقافة , كان الصليب الذهبى يتدلى من العنق ناصع البياض فى تحدى مثير .فى لحظة التقاط الصورة مرت قطة ضخمة من بين ساقى (احلام السمحة) , صرخت وتعلقت بكتف (احلام البعثية) .. دخلنا مع الاريترى العجوز فى نقاش صاخب وطلبنا باعادة التصوير , وافق وجاء الينا بحجة ترتيب الوقفة من جديد , وقام بالضغط على مؤخرة (احلام السمحة) بشكل ظاهر ومقصود .. ضربته بعنف على خده الايمن وحدث هرج ومرج .. خرجنا ونحن نسب ونسخط , وانا اضحك من الموقف - غايتو اريترى ما عندو ادب .. واعصابو بايظة .رجعت اليه بعد يومين , طلبت الصور , اعطانى ستة نسخ دون ان ينظر لى ورفض ان يتسلم منى اى نقود وهو يعتذر بشكل اوجعنى , عرفت عندها معنى ان تكون غريب فى بلد الغير .وبعد كل هذه السنوات اعود وانا احمل لكل واحدة منهن نسختها , كتبت على ظهر كل صورة بخط رقيق :1988 .. ستديو انوار المدينة .. عصابة الاحلامات .عندما اقتربت (الركشة) من بيت (احلام الصول) قلت لنفسى بصوتا عالى - يا ربى بتكون رجعت من الجامعة ؟ .رد الطفل سائق (الركشة) فى استغراب - نعم يا حاجة ؟ .- لا ما معاك يا ولدى .عندما طرقت الباب .. كانت اشجار الجوافة الكبيرة والكثيرة تنظر لى فى حب ومعرفة .
يتبع

(الحاجة زينب) تحولت الى مخلوق غريب .. مثل القرود الثلاثة الشهيرة , لا تسمع ولا تراى ولا تتكلم الا فى شكل فحيح غير مترابط .. تتحدث الى لا احد تحكى فى صوت غير مسموع الا بصعوبة شديدة عن حقبة الاربعينيات وعن حى (ابوروف) عندما كان عبارة عن (خلاء) مخيف .. تتحدث عن اشخاص ماتوا قبل عشرات السنين وتطلب الذهاب لزيارتهم .. غريب ان تتخيل انك ستجد الشخص الذى تركته قبل سنوات هو نفسه .. فى اخر زيارة لى قبل سنتين ونصف كانت (الحاجة زينب) فى كامل اللياقة الذهنية عرفتنى على الفور وقضينا ساعات نحكى عن ايام زمان ..هذه المرة عرفت معنى ان يموت الانسان وهو حى يتنفس .اخاف من التقدم فى السن .. عندما انعمت على عصابة (الاحلامات) بلقب (جلكنة) شعرت بغصة ثقيلة .اشاهد تلميذاتى وهن يتحولن الى نساء كبيرات .. جاءت واحدة تسحب فى يدها تلميذة جديدة- ازيك يا استاذة احلام .. انا تلميذة قديمة انتى درستينى .. ودى بتى طالبة جديدة معاكم .- بالله الزمن بيجرى بالسرعة دى ؟ .اقلق من حالتى الصحية .. هناك شىء غامض .. اخاف ان اموت قبل ان اطمئن على بناتى .. واكره ان اعيش حتى اصبح مثل والدة (احلام الصول) .كل زيارة لى للخرطوم .. اذهب الى الاماكن التى كنا نذهب انا و (منعم) اليها.. يدهشنى التغيير الذى يحدث للعاصمة - الناس دى بتجيب القروش من وين ؟ .عمارات تنهض .. وعمارات تختفى .. ذات مرة كتب (منعم) على حائط (دكان) مغلق فى قلب الخرطوم - احى انا من جسمك يا بت الجاك .- يا ود دى شنو قلة الادب بتاعتك دى هسع لو زول شافك بتكب الكلام ده يقول علينا شنو ؟- ده عشان لما نجى بعد عشر سنين مارين من المكان ده نقراء الكلام ده ونضحك على عوارتنا . وبعد سنوات طويلة مررت على المكان كانت عمارة ضخمة تنظر لى فى سخرية وهى تشير باصبعها الاوسط فى وجهى - طظ فيك .فقط ان تتزوج بناتى .. وبعد ذلك فليذهب كل شىء الى الجحيم .كل زيارة لى (للخرطوم) اتخيل اننى سوف اقابل (منعم) صدفة ,انظر الى وجهه الابيض الوسيم وينظر هو لى فى خجل ثم ينظر الى الارض فى شعور بالذنب .. كل زيارة (للخرطوم) اتخيل هذا السيناريو ومثل كل مرة لا يحدث ابدا , اضع طرف (توبى) على فمى وانا اضحك - والله الظاهر على سحلبتا رسمى وشعبى .

يتبع

حكايات لبنى الطاهر- الو .- اهلا وسهلا .- دكتورة احلام ؟ .اغلقت الهاتف فى وجهى .. الدكتورة الغبية , اريدها هى .. اشتهيها .. اضحك فى سرى وانا اراها تحمل اطنان من الكتب والصحف اليومية بين يديها .. كتب , كتب , كتب , على مقاعد سيارتها الصغيرة , على سطح مكتبها فى الجامعة .اريدها هى .. جسدها .(اربابة) الحبشية التى عادت للحياة من جديد .نفس (اربابة) الخالق الناطق .. القامة القصيرة , الانف الصغير الشهى مثل حبة (عنب) ناضجة , العيون المستديرة شديدة السواد , الشعر الخشن وهو يلسعنى فى الفخذ العارى .اقاوم رغبة فى النهوض من مقاعدى اثناء المحاضرة وانا اشاهد نقطة العرق البلورية وهى تنحدر فى غموض ونداء من خلف الاذن حتى العنق الرقيق , تنادينى نقطة العرق تلك , اغمض عيونى اريد ان انهض و (الحسها) بالسانى .ماذا سيحدث لو اوقفتها فجأة فى فناء الجامعة امام الجميع واعتصرتها بين ذراعى حتى تبكى طلبا للرحمة ؟ .. ماذا سيحدث ؟ .. انا اطول منها كثيرا , وبالتاكيد اقوى منها كثيرا .. فقط لو تبكى من النشوة فى احضانى .. اريد ان ارفع لها ملابسها السخيفة واشاهد الوان ملابسها الداخلية , حمراء ؟ صفراء ؟ سوداء ؟ قطن طبيعى ؟ حرير صناعى ؟ .عذبت (اربابة) فى ليل (ابوظبى) الممتدد بلا نهاية .. الشقة الخالية وامى وزوج امى السخيف فى واحدة من حفلات الجالية السودانية العبيطة .. اطاردها فى ارجاء الشقة .. اشعلها بالرغبة والنار .. اقرصها فى فخذها البنى المستدير بالشحم - أى .. أى .. يا بت اقعد ساكت , ما عندى مزاج الليلة .اقفز عليها بجسدى الضخم وارميها على الارض - لكن انا عندى مزاج الليلة .- أأأأخ يدى انكسر يا لبنى .- بقولوا يدى اتكسرت مش يدى انكسر .اعريها بعنف .. اضع فمى على (حلمة) النهد الصلب .. تستسلم مثل حمامة مرعوبة .. تصبح ملكى افعل فيها وبها ما اشاء .انتهى كل شىء فى لحظات .. خرجت لشراء اغراض البيت من (السوبر ماركت) القريب وسقطت كتلة حمراء من اللحم والدماء تحت اطارات عربة (مرسيدس) بيضاء .حزنت عليها كما لم احزن على انسان .امى وزوجها (العرص) كانا فى اندهاش بالغ - فى زول يبكى على خدامة عشان ماتت .- والله انتى مراهقة بالجد .فى اليوم الذى ماتت فيه , عذبتها حتى الثمالة , حتى بكت - عندى مزاج يا لبنى .- وانا ما عندى .. طيرى من وشى .ضربتها على بطنها بقسوة .- امشى اشترى حاجات الغداء يلا طيرى .كانت تبكى وهى خارجة .. لو كنت اعلم انها لن تعود ؟ .بكيت عليها كما لم ابكى على احد .- أأأأى .. يدى انكسر حرام عليك .. بالراحة عليك الله .. بالراحة .
يتبع

[عوض خضر]

خبارك دفنت تكن

-1-
حكايات احلام تادروس (احلام القبطية):
عيناك على ولا ترانى (من الانجيل)..................عندما اغتصبنى شقيقى (حنا) ترك فى شبابى وانوثتى شرخا اتحسسه حتى الان وانا على عتابات الاربعين
.- الو , الو .. ايوه يا جلكنة معليش الشبكة تعابنة شوية .. لا , عاينى خلى بت الصول تجيبك لى الليلة فى العيادة .. كدى ادينى بت الصول .جاء صوتها كالعادة رزينا واثقا من نفسه , فيه الكثير من رنة الاسى
- وين يا قبطية ؟ .- والله حقو الواحد ما يتكلم معاك .. يعنى يا بت الصول ما قادرة تركبى عربيتك السجمانة زيك دى وتجى تزورينى .- والله مشغوليات يا احلام .. الحياة تلاهى .- عاينى يا مستهبلة , عشان جلكنة قالت تعبانة .. زى عشرة تعالوا لى العيادة اكشف عليها واشوف لو كانت محتاجة تحاليل قبل ما ترجع الدلنج .- ما عندك مشكلة جلكنة دى ثروة قومية لازم نحافظ عليها .. برنامج بكرة قايم فى مواعيدو ؟ .- تمام التمام .. يلا عشان عارفاك خايفة على الرصيد , يحفظك الرب , ح اكون منتظراكم .كثيرا ما افكر فيهن .. هل هن سعيدات ؟ .. وايهن اكثر سعادة من الاخرى ؟ .. بل وما هى مقايس السعادة اساسا ؟ كنا دفعة تاريخية فى قسم تاريخ .. ستة طالبات كلهن (احلام) .. القريبة من القلب لنا جميعا كانت (احلام جلكنة) هى شعلة الشلة والدينمو المحرك .. لم تكن تملك اى جمال فى وجهها هى اقرب فى الشبه للرجال .. جسدها كان جميلا - انا ما عندى وش .. لكن فى الجسم , مية فى المية .احببت فيها الاصرار ومعاندة حياة صعبة .. جلست فى البيت تربى اخوتها بعد وفاة امها وعادت للدراسة بعد ذلك , لذلك كانت تفوقنا بسنوات .. كانت تدرس وتعمل فى مصنع (طحنية) ليلا .. حاولت ذات مرة ان اضع بعض النقود فى حقيبتها , ضربت يدى بعنف وغيظ - اوعى تعملى كده تانى .. انا ما شحاتة .عندما اغتصبنى شقيقى (حنا) ترك فى روحى دمامل واوجاع فظية .

حكايات احلام تادروس (احلام القبطية)ا:
لوحيد الذى يتصل فى هذا الوقت المزعج هو (مرقص) من امريكا , قبل ان ارد اعرف الحوار.. الطلب بالذهاب اليه .. سمعت من (هيلين) ابنة خالتى انه يواجه صعوبات مالية خطيرة هناك .. يريد تغيير الخطط .. الذهاب الى القاهرة وانشاء شركة مع اقباط مصريين .. لو كان هدفه القديم من بيع بيت بابا فى الخرطوم تلاتة وعيادتى فى شارع الاربعين وارض مصنع الزجاج فى الخرطوم بحرى , هو قطع الجذور بالسودان لاسباب دينية .. فان الهدف هذه المرة هو من اجل النقود فقط بعد التعثر فى امريكا .- الو , اهلا مرقص .- نايمة ؟ .- الساعة عندنا واحدة ونص صباحا .- عارف .. لكن زمن طويل كنتى قافلة الموبايل .- اتأخرت فى العيادة .. وبعد كده مشيت النادى القبطى جبتا سارة ونادين من عرس واحدة صاحبتهم .نويتى على شنو احلام .- فى شنو ؟ .- انك تبيعى وتجى معاى .- القاهرة ولا امريكا ؟ .- ح نكون بين هنا وهناك .- وسارة ونادين ؟ .- ديل ما بناتك .. ديل بنات اختك ماريا .. وابوهم عايش فى الدنيا , يعنى ممكن يمشوا ليهو فى استراليا .- ابوهم اتزوج استرالية .. وانا عايزاهم يحبوا البلد دى .- انتى انسانة ما طبيعية .. اصحاب البلد المسلمين بيبيعوا وبهاجروا امريكا وانتى ما عايزة !! .- نحن اسياد البلد دى اقراء التاريخ وموجودين فيها قبل المسلمين .. وانت عارف وضعى هنا كويس جدا يا مرقص .. ايجار ارض المصنع وارباح الوديعة السنوية بتعيشنا كويس .- الفرص هنا احسن .- تعال وشغل مصنع القزاز من جديد .. افتكر دى فرصة كويسة .- قزاز شنو ؟ وزفت شنو يا احلام ؟ انا ما بحب بلد المسلمين الخراء دى .- والقاهرة ما فيها مسلمين ؟ .- يا احلام انا ح اكون شريك فى شركة سياحية ضخمة .. المقر ح يكون فى القاهرة وبعد كده ممكن نعيش فى اى بلد انتى عايزاها .- والمطلوب ؟ .- تمن ارض المصنع وبيت الخرطوم تلاتة والعيادة والوديعة فى بنك اسكندرية , ممكن نكون انا وانتى شركاء بحصة اكبر فى الشركة .- مرقص اسمعنى كويس .. احنا ما ح يكون عندنا اطفال .. لزوم المشاريع والشحططة فى امريكا والقاهرة شنو ؟ .. مرقص ارجوك انا دلوقتى عمرى 39 وانت 45 .. احنا ما صغار عشان نبداء تانى من جديد .. حرام عليك انا محتاجة ليك شديد .. ما معقول خمسة سنين ما اشوفك فيهم غير كم شهر .. انا انسانة من لحم ودم يا مرقص .- انتى عمرك ما فهمتينى يا احلام .الساعة الواحدة والنصف صباحا .. نفس الحديث .. دون اى اضافة - احلام انا جاى السودان بعد شهرين .. ممكن نتفاهم احسن من التلفون .. ok حبيبة ؟ .الارض هى رمز المقاومة يا مرقص .. رمز رفض فكرة طرد الاقباط من السودان .

حكايات احلام الحاج (احلام البعثية): (1)
كسرنى منظر دخول القوات الامريكية قلب العاصمة العراقية (بغداد) .. تبددت سنوات .. تبولت على نفسى , شاشة التلفاز تراقصت امام عيونى .. سقوط تمثال (صدام حسين) البرونزى الضخم وكانه سقط مباشرة على قدمى .. تبولت على نفسى .انكسرت شظايا .. شظايا مبعثرة .1993 فى واحدة من الاعتقالات السخيفة والمهينة , وضعوا امامى صور زوجى (النذير) وهو عارى تماما ويمارس الجنس مع شاب فى العشرينيات يعمل عنده فى المحل التجارى- افتحى خشمك تانى واعملى فيها مناضلة .. بدل النضال والكلام الفارغ ده اتكلمى مع راجلك العيالتى ده يمكن ربنا يهديهو .اغلقت فمى , انكسرت شظايا .. شظايا مبعثرة .. حملت ابنى (رامى) فى كتفى وذهبت الى بيت ابى - طلقنى يا (النذير) .. ناس جهاز الامن صوروك انتا والولد الشغال معاك وفرجونى على الصور .لم يتكلم .. ارسل الورقة بعد يومين .منذ 1993 وانا لم اعد (احلام) القديمة .. نفس الاكل والشرب , نفس الملابس , والنوم والاستيقاظ .. لكننى تغيرت .. اصبحت اخاف .منظر اقتحام القوات الامريكية قلب (بغداد) اضاف الى الاعباء عبء التبول الا ارادى .البس (البمبرز) مثل الاطفال الصغار وابكى على نفسى ليلا - دى نهاية الزول المهتم بالشأن العام فى بلد متخلف .الحزب الذى تبعثر .. والحلم الذى تقلص .. حلم الامة العربية الواحدة من الخليج الهادر الى المحيط الثائر .. تبخر الى حدود منزل ابى فى (الجريف) .. حلم ان ينشاء (رامى) فى جو صحى نظيف , ان يتعلم تعليم محترم ويغادر هذه (الخرابة) الى بلد اكثر انسانية واحترام .- شعب عربى واحد .. جيش عربى واحد .المؤمنة بالامة ذات الرسالة الخالدة .. انتهت وهى فى الواحدة والاربعين من العمر الى مجرد حطام وبقايا بشرية .. (رامى) هو الذى يجعلنى ارفض الانتحار . عمود غبى فى صحيفة يومية اكثر غباء .. كتابة بلا روح ولا حلم حقيقى .غدا الجمعة عصرا لقاء عصابة (الاحلامات) .. نبش فى تاريخ صداقات ماتت .. ما الفائدة ؟تغيرنا كثيرا .ابكى مع صوت (عبدالكريم الكابلى)تلقى الزمن غير ملامحناواحنا بقينا ما احنا وانا الصابر على المحنة .انظر الى نفسى فى المرأة واردد بصوت تغطيه طبقات كثيفة من المرارة والاكتئاب واحنا بقينا ما احنا .

-3-
كسرتنى لحظة دخول جحافل القوات الامريكية الى (بغداد) .وانت يا (رامى) مركز الوجود .انت يا ابنى الارض .. وانا الكوكب التابع لك . انت مشروعى الوحدوى الجديد .. انت الهدف والمراد .احميك ما استطعت من الاوهام الساذجة .. ازرع فيك بذرة الفردية لانها الاصح , لانها اثبتت مصدقيتها على مر الايام . ايامى يا حبيبى (رامى) كانت وردية .. وطن ضخم يتشكل من فسيفساء اقطار متعددة ومتنوعة رمال الصحارى ومياه الانهار العذبة .. البترول والاراضى الزراعية الخصبة .. الكفاح المشترك والمصير الواحد .. القمح المزروع محليا .. نزع فتيل التبعية .. كسر الانظمة الملكية .. قتل الفقر والتخلف . وطن عربى ضخم وكبير .قوة اقتصادية هائلة .. مشروع وحدة قديم , قبل الاتحاد الاوروبى .سفر بالبطاقة الشخصية .احلام .. احلام .. احلام .اوهام .. اوهام .. اوهام .عش حياتك يا (رامى) بعيدا عن شعارات جوفاء .. الشعارات يا حبيبى تذوب مثل البسكويت فى كوب شاى ساخن .الشعارات محطمة القلوب بامتياز .تزوج من فتاة احلامك .. عش حلمك وطموحك الخاص .لا تنكسر مثلى فى جهاز امن .. او امام شاشة تلفاز .مواطنيين عراقيين يضربون صورة كبيرة للقائد (صدام حسين) بالاحذية بينما الدبابات الامريكية تقتحم قلب العاصمة الحبيبة على نفسى .انكسرت شظايا .. شظايا مبعثرة .انت يا (رامى) شمسى .. شمسى التى تسطع كل يوم على ليل تعاستى الخاصة . كم احبك يا حبيب .

-4-
السلام عليكم ورحمة الله .. السلام عليكم ورحمة الله . اجلس طويلا على سجادة الصلاة .. عندى مشكلة فى الانتظام فيها , انقطع عنها بالشهور ثم اعود للصلاة من جديد .. اصلى وحيدة , اشعل البخور واغلق على نفسى الباب واصلى .خططت ان اذهب للحج عندما ابلغ الخمسين من عمرى .. وبعد ان انطلقت الطائرات الامريكية لضرب (العراق) من داخل الاراضى السعودية غيرت راى - لن تلمس قدمى ارض تلك البلد حتى اموت .ارفض ان البس الحجاب ..ابحث عن تدين عصرى نظيف يدخل فى القلب ابتهاج وطمئنينة هادئة.صوت (محمد عبدالوهاب) يطرد عنى الضجر يغنى فى رصانة ابن الباشاوات (انا من ضيع فى الاوهام عمره) .فتحت (دولاب) ملابسى ..صورة كبيرة للزعيم (جمال عبدالناصر) , صورة بالابيض والاسود , الوجه الصعيدى الرجولى , الرجل الذى وقف العالم ضده يوم تأميم القناة .. الرفاق فى الحزب كانوا لا يحبون اعجابى به -انتى ناصرية ولا بعثية ؟ .- ناصر ده ما حق زول .. ده ملكية عامة .ابحث عن ملابس ذات الوان بهيجة .. يجب ان تبدو ناجحا وسعيدا فى حياتك امام الاصدقاء القدامى .. مكياج غير صارخ , (زبدة كاكاو) خفيفة على الشفتين .. مازلت حلوة والحمد لله فقط تقطيبة حادة فوق العينين تجعلنى مثل (قطة) مستعدة للعراك فى اى لحظة .. زمان كنت اشبه الفنانة العربية (سميرة توفيق) هى بيضاء وانا سمراء , اعتقدت ان الشبه قد ضاع مع التقدم فى العمر حتى صاح ابنى (رامى) - ماما تعالى شوفى الزولة دى بتشبهك كيف .كانت (سميرة توفيق) فى تسجيل قديم على قناة (روتانا طرب) تغنى اغانيها البدوية الشجية- بالجد يا رامى انا حلوة زى الزولة دى ؟ .ايام الحب الكبير مع (النذير) كان يرفع من روحى المعنوية كثيرا - انتى وسميرة توفيق عندكم جمال بدوى .- خلاص انتا فارس وانا نجود .المواصلات يوم الجمعة خالية من الازدحام .. احتاج شراء سيارة , كبرت على سخف المواصلات العامة .. وقفت وحيدة فى شارع (زلط) شبه خالى وانا ادندن - انا من ضيع فى الاوهام عمره .

-2-
عندما اغتصبنى شقيقى (حنا) ترك فى انوثتى شرخا مازالت اتحسسه حتى الان وانا على عتبات الاربعين .اليوم هو الجمعة .. عصرا سوف تلتقى عصابة (الاحلامات) .. سوف نجتمع وننظر فى اعين بعضنا البعض , نتكلم ونضحك .. كانت ايام جميلة , لماذا يكون الماضى دائما اجمل من الحاضر ؟ . كنت اتمنى ان اعيش فى حقبة الاربعينيات من القرن الماضى .. (الخرطوم) كانت اجمل واكثر تسامحا من الان .. خليط عجيب من البشر , امم متحدة مصغرة .. سودانيين - مسلمين واقباط - , وانجليز وهنود , يونانيين وشوام , حانات مفتوحة الابواب وندوات شعرية وادبية , افندية يعملون على انشاء حركة وطنية نابضة بالاخلاص وحب الوطن , طلاب يهربون الى (مصر) , وطلاب يعودون منها حاملين بذور الماركسية , اصوات الوحدة تحت التاج الملكى المصرى ترتفع .حلمى القديم والمتجدد على الدوام ان اكتب روايات . ان ارسم مسيرة هذا الوطن منذ عهد الممالك النوبية حتى الان , اتحمس وابداء فى الكتابة ولكننى اتراجع مهزومة - من سيقراء ؟ .. وما فائدة الكتابة اساسا ؟ .انظر الى مخطوطات روايتى المهجورة .. (زقاق صليب) كتبت فيها اكثر من خمسين صفحة عن الدعارة الرسمية .. كتبتها قبل سنتين ولم استطع اضافة اى حرف فيها حتى هذه اللحظة - انتى مهجورة ومكبوتة مثلى يا زقاق صليب .اضع (المخدة) على وجهى , اريد للصوت ان يتوقف , ياتى عاليا قويا متشنجا من المسجد المجوار .. صلاة الجمعة .. مكبرات صوت تقتحم الهدواء , تشعل النار فى معتقدات الاخرين .( يا احباب رسول الله يقول التنزيل الكريم ان اشد الناس عداوة للذين امنوا هم اليهود والنصارى .. اليهود احفاد قردة وخنازير .. والنصارى يقولون ان المسيح هو ابن الله .. اعوذ بالله من هذا الكفر الصريح .. الله لم يلد ولم يولد .. يقولون الاب والابن والروح القدس .. ولان الاسلام يفضحهم لذلك فهم اشد الناس عداوة لنا ) .يا حليل شيخ (عطا) الامام السابق للمسجد .. كان يملك صوتا شجيا فى تلاوة القرأن , يجعلنى اطير من النشوة وهو يرتل ايات من سورة (مريم)(( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا* فأجاءها المخاض الى جذع النخلة قالت يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا* فنادئها من تحتها الا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا)) .استيقظ على صوت ترتيله فجرا فيجعل من بقية يومى يوما منعشا .. الشيخ (عطا) واحد من رواد الطائفة (الختمية) .- سلامتك يا شيخ عطا .. انا احلام بت المرحوم تادروس .نظر الى وجرت دموعه .. انحنيت وقبلت اللحية البيضاء الوقورة جلطة فى الدماغ حولته الى حطام .- عايزاك تشد حيلك عشان اصحى على صوتك فى صلاة الصبح .ذهبوا به الى (القاهرة) ومات ودفن هناك .. وجاء هذا الامام الجديد صاحب الصوت العصبى الجهورى .وباء الرحيل بالموت والهجرة .من سيبقى اذا ؟ .جميع الوجوه الطيبة تختفى .. شباب (الحلة) الرائعين اختفوا وحل محلهم شباب صعلوك متسكع على الاعمدة وظل الحائط .انهض متثاقلة الى (الحمام) بخطوات بطيئة .. صوت (مرقص) يلاحقنى فى الخيال مثل فحيح (الكوبرا) - دى بلد المسلمين المتخلفين .يجب ان اتفرغ لكتابة (زقاق صليب) , يجب ان اضع فى هذه الرواية كل احباطاتى الشخصية والعامة , وقهرى الدينى .. يجب ان اكتب عن تجربة اغتصابى على يد شقيقى .. عن زواج امى من شاب اصغر منى .. يجب ان احكى عن كل ما اعرف .وقفت عارية فى (الحمام) وحده التجرد من الثياب يجعلنى اشعر اننى حرة .نمت على ظهرى فى ارضية (البانيو) الرخامية الناعمة وتركت الماء الساخن يتدفق على اللحم الابيض العارى .. اغمضت عيونى ورددت اسمى ثلاثيا - احلام تادروس ميخائيل .