Go Back   منتديات قرية فطيس > المنتديات الأدبية > المنتدي الأدبي
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

Reply
 
Thread Tools Display Modes
Old 09-22-2010, 06:30 AM   #1
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default د. بشري الفاضل بخيت

النفس الأخير

د.بشرى الفاضل

كان الجنود يستعجلونه وهو مصفّد يمشي أمامهم خبباً يستحثونه ويهشونه بالسونكي كفعل راع مع أغنامه. وكان الرجل الصامت قد ربي نفسه على وزن أدائه.
كان يشعر بأن الاستجابة للجري كما يبتغون مذلة في مثل هذه اللحظات البائسة؛ ولذلك فإنه أذعن لضربات الجنود المتلاحقة مفضلاً إياها رغم وحشيتها على الجري المهين.
وفي الدّورة شدوا وثاقه أكثر وحجبوا العالم عن عينيه بضمادة. ورجا الرجل الصامت معصوب العينين رئيس الفصيل تنفيذ طلب له أخير. وكان الضابط بعيدا جداً عن قناعات الرجل الصامت. وكان ذلك يحرك نواياه في هذه الساعة ولذلك فإنه أجاب بنفاد صبر.
- طلباتك شنو؟ ماتموت موتك زي الرجال ما بموتوا.
- عايز لو سمحت أولع سيجارة أخيرة.
- طيب. الله يطولك يا روح لكن أنا ما عندي سيجارة )مخاطباً بالجنود(:
- في حد عندو سيجارة؟

وقاطعه الرجل الصامت معصوب العينين:

- لا أنا عندي سجائر.. بس عايز وكت أشرب فيه واحدة.
- طيب.
وأخرج الرجل الصامت معصوب العينين بمساعدة الضابط لفافة من جيبه ووضعها على فمه وهتف بصوت جهير حتى سمعه الضابط والجنود معاً:
- ولعة لو سمحتم.
وصاح الضابط في جنوده:
- في حد معاهو كبريت؟
وأجاب الفصيل:
- لا أبداً سعادتك.
وقال الضابط بصوت محايد:
- مافي ولاعة. أفتكر بعد دا ننفذ.
وكانت إجابة الضابط تحصيل حاصل إذ أن الرجل الصامت قد سمعها من الجنود. وهز رأسه بأسف ثم أمسك اللفافة بين أسنانه وشفتيته واتخذ وقفة التصميم التي تدرب عليها منذ ليلة التوقيف. كان رأس الشهيد في حاجة إلى )كيف( أخيرا من هذا العالم الذي يحب. وسط هذا الكم الهائل من الفظاعة كان بحاجة إلى نار للفافته. لكن النار التي هطلت على صدره وسائر جسمه لم تشعل التبغ بل أشعلت هتافاً داوياً صلدا ثم تدلت اللفافة مع دوي الطلقات
كأنها مكسورة وهي السليمة، ولف الحزن اللفافة لكونها لم تندغم في نسيج تلك الرئة الشجاعة. ذلك خير لها من أحذية غليظة تجيء من بعد الصمت لتسحلها صدفة حين تسحب مع السحل عمداً، جثة الرجل المسلة إلى داخل حفرة إخفاء الفتك الجماعي.

  Reply With Quote
Old 09-23-2010, 06:43 PM   #2
 
عبدالمنعم
مشرف المنتديات الأدبية

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 26
السكن: الكلاكلة
المشاركات : 1,175
بمعدل : 0.23



عبدالمنعم is offline
Default

مَنْ يُغطّي النَّارَ بالعَويش؟! ... بقلم: كمال الجزولي

الذهاب من (القصَّة القصيرة) إلى (القصيدة)، وبالعكس، مع استبطان الرَّغبة العارمة، بين هذه وتلك، في (الرواية)، ظلَّ هو هاجس القمم الشوامخ من أدبائنا، كصلاح أحمد إبراهيم، وعلي المك، ومصطفى سند، ومحمد المكي إبراهيم، ومحمود محمد مدني، وفضيلي جمَّاع، وهم غيض من فيض.

(القصيدة) نظرة مختلسة من خصاص باب موصد بإحكام؛ أما (القصَّة القصيرة) فإطلالة عجلى من خلف باب موارب شيئاً؛ وأما (الرواية) فرؤية متمكثة للمشهد بأكمله، ليس، فقط، بعد فتح الباب على مصراعيه، بل وبعد هدم الحائط ذاته! لكن لا فضل لجنس أدبي على آخر إلا بمقدار ما تعود به العين المبدعة من تجويد للفن في المرتبة الأولى، وإحسان للفكر في المرتبة الثانية، وإنْ تكن (الرواية)، في ظنّي على الأقل، هي أقصى توق (الشاعر) و(القاص)، ومنتهى عشقهما المكنون، أفصحا عنه أم لم يفصحا!

ولصديقي بشرى الفاضل إبداع مشهود على صعيد (القصَّة القصيرة)، كحكاء بارع، مجوّد لفنّه، محسن لفكره، تشهد بذلك مجموعات سرديَّاته البهيَّات الثلاث (حكاية البنت التي طارت عصافيرها ـ أزرق اليمامة ـ فزيولوجيا الطفابيع)، واللاتي حزمهنَّ، أخيراً، في مجلد واحد صدرت طبعته الأولى في مايو 2009م، عن (دار الحضارة بالقاهرة)، تحت عنوان (قصص بشرى الفاضل). ولقد تصرَّمت دهور مذ قرَّ في أذهان الكثيرين، ربَّما لطول عُشرتهم مع قصصه، أنه تشبَّع بتجويد هذا الجنس الأدبي، وأشبع منه، فاكتفى، وكفى، وضرب خيمته، نهائيَّاً، في واحته، حتى كتب، عند النقاد والباحثين، وفق تصنيف مدرسي كاسد، (قاصَّاً) .. فحسب!

غير أن بشرى المشوق الشائق، القلق المقلق، كان، في كلّ تلك الأثناء، أبعد ما يكون عن الإحساس بالتشبُّع أو الإشباع؛ ولذا ظلَّ يمارس الانفلات العلني من خيمة (القصَّة القصيرة)، ليلوذ بقلعة التجريب في (الرواية) حيناً، أو بظلّ نخلة (القصيدة) أكثر الأحيان. ولئن لم ينشر (روايته) بعد، فقد جمع مخطوطة (قصائده)، وبعث إليَّ، مشكوراً، بنسخة منها، بعد أن أعدَّها للنشر، تحت عنوان (هضلبيم!)، وهي كلمة من مأثور منحوتاته الخاصَّة، جرياً على عادته في اللعب بالألفاظ، ويقول عنها هو نفسه أنها بلا معنى محدَّد، راجياً من قارئه العطوف إشباعها بمعنى إيجابي، أو بما يروق له من المعاني، حسب مشاعره أثناء القراءة!

وإذن فإن بشرى يطلب لقصائده، من الوهلة الأولى، مثلما لسرديَّاته، قارئاً يضارعه يقظة، وذكاءً، ولماحيّة، وانتباهاً للفجوات، والماورائيَّات، والماتحتيَّات، والمخبوء بين السطور؛ لا قارئاً يأوي، في المساءات، إلى فراشه، منهكاً، يستمطر الهجوع، ويستقطر النعاس، وينتظر من كاتب ما أن يدندن له بهدهدات ما قبل النوم!

فإذا كنت قارئ بشرى المفضَّل، وأعملت عقلك ووجدانك، سواءً في نصوصه السّرديَّة أو في قصائده، فإنك ستلفى نفسك، لا محالة، محتشداً، في لحظة ما، بألم إنساني يهصر قلبك هصراً، حتى لتكاد تشرق بالغصص، وتختنق بالعبرات؛ لكن مفارقة عبثيَّة مشحونة بالسُّخرية اللاذعة سرعان ما تباغتك، وسط كلّ هذا الحزن الثقيل، لتفجّر لديك، لا الضحك وحده، وإنما، أيضاً، الوعي بحقيقة هذا الألم، وبأصله المركوز في صميم العلاقات الاجتماعيَّة المختلة، فما تلبث أن ترتقي بتفكيرك، رويداً رويداً، من مرتبة (السَّاخط العدمي) إلى مرتبة (الثوري الإنساني)! ولعلَّ هذا العنصر الجمالي والفكري المائز، سياسيَّاً وإنسانيَّاً، بالذات، هو الذي يضع بشرى، كقاص، ودونما أدنى مبالغة، في مستوى متقارب مع الرُّوسي أنطون تشيخوف والتركي عزيز نيسين، من جهة، كما ويُكسب قصائده، كشاعر، من جهة أخرى، نبل رسالتها السياسيَّة الإنسانيَّة التنويريَّة.

إستلال المفارقة السَّاخرة، إذن، من جوف أكثر اللحظات اكتظاظاً بالألم، هو عنصر أساسي لجماليَّات السَّرد في مجموعات بشرى القصصيَّة، كما ولجماليات القصيد في مجموعة (هضلبيم) الشعريَّة؛ لكنه، بالقطع، ليس العنصر الوحيد، فثمّة حزمة، كذلك، من عناصر الشّعريَّة، في سرديَّاته وقصائده، حيث يبدو، للوهلة الأولى، كطفل (يلهو) بحصى ملوَّن، على شاطئ رملي، تحت شمس مشرقة، ثمّ ما يلبث هذا (اللهو) أن يتكشَّف عن أعقد المضامين، وأكثرها جديَّة؛ على أن هذا مبحث يطول، ولست، هنا، في مقام الدراسة النقديَّة، بقدر ما أنا في مقام التوقيع المُرحّب بمجموعة صديقي الشعريَّة الأولى، وهاأنذا أفعل، بل أبصم بالعَشَرة!


التوقيع
التوقيع عند النجار

  Reply With Quote
Reply


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 09:37 PM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com