Go Back   منتديات قرية فطيس > المنتدي الإداري العام > منتدي المواضيع المنقولة
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

Reply
 
Thread Tools Display Modes
Old 04-11-2012, 07:38 AM   #1
 
ياسر مهدى
زائر

رقم العضوية :
المشاركات : n/a
بمعدل : 0



Default «علي ومعاوية» قراءات مختلفة وأخطاء منهجية

د.محمد عياش الكبيسي
أثارت تصريحات الدكتور أحمد الكبيسي الأخيرة جدلا قديما جديدا، واتهم الدكتور بالتشيع أو التملق لإيران، ولكني خبرت الشيخ عن قرب وأستطيع أن أنزهه عن مثل هذه التهم، لكن هناك منهجيات خاطئة في التفكير قد تقود إلى مثل هذا الشذوذ، وهي منهجيات طاغية لدى كثير من الباحثين خاصة الذين يتصدون للوعظ والخطاب الجماهيري؛ حيث ينساقون خلف المؤثرات الجانبية أكثر من تركيب المقدمات العلمية وفحصها وتحليلها ثم استنباط النتائج منها، ولذلك لا تستطيع أن تتنبأ باستنتاجاتهم وأحكامهم.
وهذه مناسبة جيدة لتشخيص هذه الظاهرة وتفكيكها لتكون معالجتنا للموضوع معالجة علمية رصينة، دون أن نقع في الخطأ ذاته من حيث نحاول إصلاحه.
«أنت مع علي أم مع معاوية؟» هذا السؤال هو المحك المفصلي عند الشيخ، وبما أن الإجماع قائم على تفضيل علي على معاوية، فالنتيجة عنده أصبحت قطعية لا تحتمل جدلا ولا رأيا آخر!
هذه النظرة الأحادية في قراءة الأمور هي المسؤولة عن النتائج الغريبة وربما الشاذة التي دُفع إليها الدكتور دفعا إلى الحد الذي جعله يتهم أهل الأنبار وفي هذا الظرف الخطير بالنصب! ليس لأنهم ناصبوا عليا العداء، بل لأنهم لم يناصبوا معاوية العداء! مع أن أهل الأنبار لا أذكر فيهم من يسمي ابنه معاوية، بل أغلب أسمائهم علي وحسن وحسين، ونحن هنا لا نريد أن نرد على الدكتور في غرائبه، ولكننا نحاول أن نقرأ المشهد بمساحته الأوسع، ولننظر الآن للمشهد من زواياه المختلفة.
هذا الحسن بن علي قرر في عام الجماعة أن يتنازل بالخلافة لمعاوية، وألزم بهذا أهله وجنده، وقد بقي الحسين ملتزما بهذه البيعة ولم يخرج إلا على عهد يزيد، فكيف يصح أن نطالب المسلمين اليوم ببغض معاوية ليسلم لهم الولاء لعلي؟ فهل كان الدكتور أحمد وأمثاله أكثر وفاء لعلي من ولديه الحبيبين الحسن والحسين؟
ولو أتبعنا هذا السؤال بسؤال آخر: إن أبا بكر قد ولى يزيد بن أبي سفيان على الشام فلما توفي يزيد ولى عمر بن الخطاب أخاه معاوية ثم جاء عثمان فأقره على هذه الولاية مع وجود خيرة المهاجرين والأنصار ومنهم علي نفسه، وهذه مسلّمة تاريخية، فهل كان الخلفاء الراشدون الثلاثة مع علي أو مع معاوية؟
في السياق التاريخي هذا نستطيع أن نفصّل فنقول: هناك مرحلة نزاع بين علي ومعاوية، وهناك ما قبل، وهناك ما بعد، فهذه مراحل مختلفة لا يجوز تعميم واحدة منها بنظرية الأسود والأبيض، وإنما الإنصاف أن نحاكم كل مرحلة بسياقاتها ومعطياتها، فنحن مع معاوية حينما ولاه عمر على الشام، ومعه أيضا لما وافق على الصلح مع الحسن والحسين، ولسنا معه في يوم الفتنة بل نحن مع علي. وبالطبع فإن خطأ معاوية في مرحلة النزاع لا يلغي حسناته الأخرى في جهاده وعدله وحلمه وحسن إدارته لبلاد الشام وللأمة كلها فيما بعد والله يقول: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} ونحن أهل السنة لا نكفر بالذنب، ولا ندعي العصمة لأحد بعد رسول الله بأبي هو وأمي.
ولو أردنا أن نتوسع في السياق التاريخي لنسأل: إذا كانت «كل مصائبنا من معاوية» على حد تعبير الشيخ، فبماذا نفسر مقتل عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب؟ فالخلفاء الراشدون الأربعة لم يسلم منهم إلا أبو بكر الصديق، وهذا الحدث على ضخامته وخطورته وطول فترته لم يخضع لتحقيق علمي دقيق حتى الآن، وهو ما قد يخفي وراءه حقيقة أكبر بكثير من تلك القراءات السطحية والانفعالية.
لنقدم هنا فرضية سريعة لهذا الحدث، ولنمسك بالخيط الأول على طريقة المحققين، فالتاريخ مجمع على تحميل رجل أعجمي جاء من بلاد فارس يدعى «أبو لؤلؤة» حيث قام هذا الشقي بقتل الخليفة الثاني ومن هنا بدأت الفتنة، والسؤال هو هل كانت جناية أبي لؤلؤة جناية شخصية أو سياسية؟ بمعنى هل كانت فعلته هذه لخلاف شخصي أو كانت تنفيذا لمشروع أكبر وأخطر؟ من الواضح أن الافتراض الثاني هو الأقرب للمنطق، وعليه فهل يتصور توقف هذا المشروع بتنفيذ هذا الهدف؟ أو أن هذا المشروع سيستمر وبأدوات أخرى لم يعهدها العرب، وهي لا شك قادرة على خلط جميع الأوراق؟
فإذا علمنا أن هذه الأحداث جاءت متسلسلة ومتتابعة بعد حدث كبير ومزلزل وهو سقوط الإمبراطورية الفارسية العريقة ذلك السقوط المدوي الذي لا شك أنه قد ترك جروحا غائرة في كبرياء الدولة الكسروية وأجهزتها العسكرية والمخابراتية، ولا ننس أن هناك الكثير من العرب الذين كانوا يعيشون في ظلال هذه الإمبراطورية وكانت لهم فيها مصالح وعلاقات متشعبة، ولا شك أن هذه الأجهزة قد صدمت بقدرة المسلمين العسكرية وبقدرة الإسلام نفسه على اختراق الثقافات الفارسية العريقة ودخول عامة الناس من فرس وعرب وكرد في هذا الدين المنتصر، نقول هذا حتى لا يظن ظانّ أننا نتهم الفرس كقومية، لا، بل إن كثيرا من الفرس قد حسن إسلامهم وقدموا خدمات جليلة للإسلام في مختلف الميادين، لكن هذه الفتنة لا تحتاج إلى عامة الناس بقدر ما تحتاج إلى عصابة يسكنها الحقد والثأر والانتقام.
لقد كان هؤلاء وهم أهل دراية وخبرة بشؤون المُلك يعرفون بالضبط ماذا يعني الفراغ الدستوري للدولة، وإلى اليوم لا يستطيع أي شخص أن يتنبأ بالنتائج الكارثية التي يمكن أن يسببها فقدان السلطة المفاجئ حتى في أكثر الدول استقرارا وانسجاما. من هنا انصب التركيز على إحداث هذا الفراغ في مركز السلطة لدولة الإسلام الفتية، فكان اغتيال عمر، إلا أن المهلة التي مكث فيها عمر بعد الحادثة مكنته من ترتيب الأمور قبل وفاته، ثم جاءت المحاولة الثانية لقتل عثمان، فقتل بلا نيابة ولا ولاية عهد، فبايع أهل المدينة عليا ثم بايع أهل الشام معاوية، ولم تكن هناك فرصة لتحقيق الشورى الشاملة لاختيار الخليفة، والشام ولاية كبيرة وفيها كثير من الصحابة والتابعين، والمدينة فيها أهل الحل والعقد، ولم تكن الأمور محسومة بعدُ في مدى شرعية تمثيل أهل الحل والعقد لكافة المسلمين، وهل هؤلاء تم تعيينهم بناء على كفاءتهم؟ أو أنهم فعلا ممثلون شرعيون للأمة؟ هذه هي الأسئلة العلمية التي ينبغي أن تطرح، أما التعويل على الأفضلية مع أنه أمر محسوم لعلي لكنه لن يحسم التمثيل الشرعي خاصة أنه ليس عندنا إحصاءات دقيقة عن نسبة المؤيدين لعلي من المؤيدين لمعاوية مع أن الظاهر رجحان نسبة التأييد لعلي، ومن هنا لجأ الشيعة إلى تجنب النقاش في موضوع التمثيل الشوري أو الانتخابي إلى فكرة التنصيص الإلهي، ومع هذا فمسألة التفضيل الشخصي بالعلم والتقوى والقرابة والتي دعت الدكتور أحمد إلى التخندق الحاد هي ذاتها فكرة لا تصلح دائما للتطبيق. وقد سألت أحد الشيعة العراقيين: مَن الأفضل عندكم السيستاني أم المالكي؟ قال: السيستاني، قلت وأنتم حاربتم التأريخ كله؛ لأن الخلفاء قد تقدموا على من هم أفضل منهم «أهل البيت» ثم لما جاءت دولة الشيعة كررتم الخطأ ذاته فأبعدتم أهل البيت والمراجع العظام عن دفة الحكم وسلمتم الحكم للمالكي وهو ليس مرجعا ولا سيدويا!
وطالما نحن في مبحث المفاضلة، فإن الطرف الآخر الذي اختلف مع علي وآله ليس معاوية فقط، بل هناك خيرة الصحابة كعائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير وهما من العشرة المبشرين بالجنة، بل هناك انقسامات خطيرة حصلت داخل الهاشميين أنفسهم، فالصراع بين العباسيين (أولاد العباس) والعلويين (أولاد علي) كان أطول بكثير من الصراع العلوي الأموي، فلماذا تختزل القضية كلها في شخص معاوية؟ والقاعدة التي وضعها الكبيسي تلزمه بمعاداة كل من اختلف مع علي وأهل بيته، بل وتلزمه بمعاداة الحسن والحسين؛ حيث اصطلحا مع معاوية وبايعاه.
وأخيرا، لنقرأ المشهد من زاوية أخرى زاوية الجغرافيا السياسية (الجيوبوليتيك)، فمن الواضح أن قدرة الحجاز على إدارة الدولة الكبيرة لم تعد كما كانت، ولذلك انتقلت العاصمة إلى العراق على عهد علي بن أبي طالب، وأصبح غالب جيش الخلافة من العراقيين، وأصبح هذا الجيش منوطا به قيادة الدولة الإسلامية الكبيرة، بينما كانت هناك الشام وجيشها القوي وكان على رأس ذلك الجيش معاوية بن أبي سفيان، ولا شك أنه إذا نظرنا إلى الرجلين «علي ومعاوية» فالكفة ترجح لعلي بلا منازع، ولكن إذا نظرنا إلى الجيشين ستنعكس الصورة تماما، وما ورد من تأنيب وتوبيخ على لسان علي لجيشه وفي المصادر المختلفة ومنها نهج البلاغة أكثر من أن يحصى، لقد كان جيشا متذمرا متفرقا وربما مخترقا من أجهزة الدولة السابقة حتى وصل الأمر إلى تدبير عملية اغتيال علي من هذا الجيش نفسه، بينما كان جيش الشام متماسكا ومحصنا كأتقن ما تكون عليه الجيوش النظامية، وربما يعود هذا إلى طول عهد معاوية في الشام وتأسيسه لهذا الجيش على عينه ولعشرات السنين، بينما لم تتح لعلي الفرصة الكافية لبناء جيشه، وهنا السؤال المنهجي والعلمي: من أقدر على قيادة الأمة في تلك المرحلة جيش العراق أم جيش الشام؟ لأننا نتكلم عن دولة المؤسسات وليس عن دولة الأفراد والعوائل، ومن هنا يمكن القول إن تنازل الحسن بحكمته المعهودة لمعاوية لم يكن تنازل شخص لشخص بقدر ما كان تنازل مشروع لمشروع، وذلك عن بصيرة نافذة ومعرفة دقيقة لطبيعة الجيشين والموقعين الجغرافيين، ولهذا وبعد الصلح مباشرة قرر الحسن الرجوع إلى الحجاز تاركا العراق وأهله

http://www.alrutba.com/vb3/showthread.php?t=81704

  Reply With Quote
Reply


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 05:56 PM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com