Go Back   منتديات قرية فطيس > الأقــســــام الــعـــامــة > منتدي الاخبار العامة والسياسة
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

Reply
 
Thread Tools Display Modes
Old 07-17-2010, 10:37 AM   #1
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.41



صادق محمد عوض is offline
Default ابن جني 1

ابن جني.. الأديب الشاعر
لم يكن ابن جني إمامًا في النحو والصرف فقط، ولم يكن من العلماء الذين يقتصرون على مجالس العلم والتعليم، أو حتى التأليف، إنما كان ابن جني كمن يريد أن يملك نواصي اللغة، فهو إلى جانب ما سبق يعد من أئمة الأدب، جمع إتقان العلم إلى ظرف أهل الكتابة والشعر، وهو الأمر الذي جعل الثعالبي ينعته في يتيمة الدهر بقوله: "إليه انتهت الرياسة في الأدب"، وقال الباخرزي في دمية القصر موضحًا: "ليس لأحدٍ من أئمة الأدب في فتح المقفلات، وشرح المشكلات ما له؛ فقد وقع عليها من ثمرات الأعراب، ولا سيّما في علم الإعراب".
وكدليل مادي على ذلك، فقد أثبت ياقوت في معجمه عن خط أبي الفتح بن جني خطبة نكاحٍ من إنشائه يقول فيها:
"الحمد لله فاطر السماء والأرض، ومالك الإبرام والنقض، ذي العزة والعلاء، والعظمة والكبرياء، مبتدع الخلق على غير مثالٍ، والمشهود بحقيقته في كل حالٍ، الذي ملأت حكمته القلوب نورًا، فاستودع علم الأشياء كتابًا مسطورًا، وأشرق في غياهب الشبه خصائص نعوته، واغترقت أرجاء الفكر بسطببة ملكوته.
أحمده حمد معترف بجزيل نعمه وأحاظيه، ملتبسًا بسني قسمه وأعاطيه، وأؤمن به في السر والعلن، وأستدفع بقدرته ملمات الزمن، وأستعينه على نوازل الأمور، وأدرئه في نحر كل محذور، وأشهد شهادةً تخضع لعلوها السموات وما أظلت، وتعجز عن حملها الأرضون وما أقلت، أنه مالك يوم البعث والمعاد، والقائم على كل نفسٍ بالمرصاد، وأن لا معبود سواه، ولا إله إلا هو، وأن محمدًا-وبحل وكرم- عبده المنتخب، وحجته على العجم والعرب، ابتعثه بالحق إلى أوليائه ضياءً لامعًا، وعلى المراق من أعدائه شهابًا ساطعًا، فابتذل في ذات الله نفسه وجهدها، وانتحى مناهج الرشد وقصدها، مستسهلاً ما يراه الأنام صعبًا، ومستخصبًا ما يرعونه بينهم جدبًا، يغامس أهل الكفر والنفاق، ويمارس البغاة وأولى الشقاق، بقلبٍ غير مذهولٍ، وعزمٍ غير مفلول يستنجز الله صادق وعده، ويسعى في خلود الحق من بعده، إلى أن وطد بوانى الدين وأرساها، وشاد شرف الإسلام وأسماها، فصرم مدته التي أوتيها في طاعة الله موفقًا حميدًا، ثم انكفأ إلى خالقه مطمئنا به فقيدًا،ما ومض في الظلام برق، أو نبض في الأنام عرق، وعلى الخيرة المصطفين من آله، والمقتدين بشرف فعاله.
وإن مما أفرط الله تعالى به سابق حكمه، وأجرى بكونه قلم علمه، ليضم بوقوعه متباين الشمل، ويزم به شارد الفرع إلى الأصل، أن فلان ابن فلان وهو -كما يعلم من حضر من ذوي الستر وصدق المختبر- مشجوح الخليقة، مأمون الطريقة، متمسك بعصام الدين، آخذ بسنة المسلمين، خطب للأمر المحموم، والقدر المحتوم، من فلان بن فلان الظاهر العدالة والإنصاف، أهل البر وحسن الكفالة والكفاف، عقيلته فلانة بنت فلانٍ خيرة نسائها وصفوة آبائها في زكاء منصبها وطيب مركبها، وقد بذل لها من الصداق كذا وكذا، فليشهد على ذلك أهل مجلسنا، وكفى بالله شهيدًا، ثم يقرهما ثم يقال: لاءم الله على التقوى كلمتيكما، وأدام بالحسنى بينكما، وخار لكما فيما قضى، ولا أبتركما صالح ما كسا، وهو حسبنا وكفى".اهـ
والخطبة تنبئ بنفسها على ما فيها من جزالة اللفظ وبلاغة الأسلوب وجماله.
وإضافة إلى ذلك فقد كان لابن جني ملكة الشاعر وحسه، حتى إنه ليقرض الشعر وينظمه بما يعبر عن حسن تأتِّيهِ في الصنعة على طريقة شعراء دهره، يقول الباخرزي في دمية القصر: "... فوربيّ، إنّه كشف الغطاء عن شعر المتنبّي، وما كنت أعلم به أنّه ينظم القريض، أو يسيغ ذلك المتنبّي، وما كنت أعلم به أنّه ينظم القريض، أو يسيغ ذلك الجريض، حتّى قرأت له مرثيّته في المتنبّي وأوَّلها،
غاض القريض وأودت نضرة الأدب *** وصوّحت بعدري دوحة الكتب".
ومن هذه المرثية أيضًا:
سلبت ثوب بهاء كنت تلبسه *** لما تخطّفت بالخطّيّـة السـلب

ما زلت تصطحب الجلّى إذا نزلت *** قلبًا جميعًا وعزمًا غير منشعب

وقد حلبت لعمر الدّهر أشطره *** تمطـو بهمّة لا وان ونصب
وقد قال الثعالبي: "... وكان الشعر أقل خلاله لعظم قدره، وارتفاع حاله". ومما أنتجته قريحته أيضًا قوله في الغزل:

غزال غير وحشي *** حكى الوحشي مقلته

رآه الورد يجني الور *** د فاستكساه حلته

وشم بأنفه الريحا *** ن فاستهداه زهرته

وذاقت ريقه الصهبا *** ء فاختلسته نكهته
الخصائص.. وأصول النحو
ما إن يذكر ابن جني حتى يشرد الذهن عفو الخاطر إلى كتابه الشهير "الخصائص"، وبالمثل إذا كان الحديث عن "الخصائص" فإنه يذهب إلى مؤلفه ابن جني، والخصائص هذا هو أجلّ تآليف ابن جني التي أبر بها على المتقدمين وأعجز المتأخرين، والتي عناها في بائيته بقوله:
تناقلها الرواة لها *** على الأجفان من حدب
فيرتع في أزاهرها*** ملوك العجم والعرب
فمن مغن إلى مدنٍ *** إلى مثنٍ إلى طرب
وهو كتاب في أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه، احتذى ابن جني في مباحثه النحوية منهج الحنفية في أصول الفقه، وقد بناه على اثنين وستين ومائة بابا، تبدأ بباب القول على الفصل بين الكلام والقول، وتنتهي بباب في المستحيل وصحة قياس الفروع على فساد الأصول، وقد أهداه لبهاء الدولة البويهي، الذي ولي السلطنة من سنة تسع وسبعين وثلاثمائة إلى ثلاث وأربعمائة من الهجرة، وذلك بعد وفاة أستاذه أبي علي الفارسي (ت 377هـ).
والكتاب وإن كان يبحث في خصائص اللغة العربية، وتهتم أغلب مباحثه بما يخص فلسفة تلك اللغة ومشكلاتها، إلا إنه اشتمل أيضا على أبواب من شأنها أن تخرج عن هذا النطاق، وذلك كبحثه في الفرق بين الكلام والقول، وبحثه في أصل اللغة: إلهام هي أم اصطلاح؟ وغيرها، وفي ذلك يقول ابن جني: "... وليكون هذا الكتاب ذاهبًا في جهات النظر؛ إذ ليس غرضنا فيه الرفع والنصب والجرّ والجزم؛ لأن هذا أمر فُرغ منه في أكثر الكتب المصنَّفة فيه، وإنما هذا الكتاب مبنيّ على إثارة معادن المعاني، وتقرير حال الأوضاع والمبادئ، وكيف سرت أحكامها في الأحناء والحواشي...".
ومما يُعد من النوادر في كتابه هذا مثل هذه الأبواب: الباب الخامس والأربعون بعد المائة في القول على فوائت الكتاب لسيبويه، الباب الحادي والخمسين بعد المائة فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية، الباب الثامن والخمسين بعد المائة في سقطات العلماء.
وقد طبع الخصائص لأول مرة في مصر سنة (1331هـ/ 1913م) (جزء منه)، ثم طبع كاملاً بتحقيق الأستاذ محمد على النجار في ثلاثة أجزاء ما بين (1952 و1955م)، مع مقدمة جليلة، وضح فيها أثر الكتاب في أعمال النحويين من بعده، وقد عقد فصلاً نبه فيه إلى كثرة النصوص التي نقلها عنه ابن سيده بلا عزو، حتى إنه استعار عبارته ذاتها في وصف حاله فقال: (فوجدت الدواعي والخوالج قوية التجاذب... إلخ).
وفي عام سبعة وتسعين وتسعمائة وألف من الميلاد أصدر معهد المخطوطات العربية في القاهرة (الفهارس المفصلة لابن جني)، وكانت الحلقة الأولى ضمن سلسلة (كشافات تراثية) صنعه د. عبد الفتاح السيد سليم، ويضم ستة عشر فهرسًا، منها: إحدى وتسعين مسألة في أصول اللغة، وخمس وخمسين مسألة في العلل النحوية، وإحدى وثمانين مسألة في اللغات، وأيضا فهرس الآيات المحتج بها في الخصائص وهي ست وعشرين وثلاثمائة أية، وكذلك فهرس الكتب المذكورة في الكتاب، وهي إحدى وثلاثين كتابًا، وفيه أيضا ما يختص بنقوله عن العلماء في الكتاب، وكان ذلك في ثمان وتسعين وثلاثمائة مسألة، الغالب منها عن شيخه أبي علي الفارسي، ثم عن سيبويه والأخفش والأصمعي والمازني وأبي زيد والفراء والمبرد والخليل وثعلب والكسائي، وغيرهم.
مؤلفاته
في معجمه أورد ياقوت إجازة كتبها ابن جني لأحد تلاميذه، وهو الشيخ أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن نصر، وذلك في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع وثمانين وثلاثمائة من الهجرة، أي قبل وفاته بنحو ثماني سنوات، أورد فيها معظم تواليفه إن لم يكن كلها، وقد جاء في أولها: "قد أجزت للشيخ أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن نصر -أدام الله عزه- أن يروي عني مصنفاتي وكتبي مما صححه وضبطه عليه أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصري -أيد الله عزه- عنده منها..."، ثم ذكر من الكتب التالية:
الخصائص - التمام في تفسير أشعار هذيل مما أغفله السكري - سر الصناعة - تفسير تصريف المازني - شرح المقصور والممدود لابن السكيت - تعاقب العربية - تفسير ديوان المتنبي الكبير، ويسمى الفسْر - تفسير معاني ديوان المتنبي، وهو شرح ديوان المتنبي الصغير - اللمع في العربية - مختصر التصريف المشهور بالتصريف الملوكي - مختصر العروض والقوافي - الألفاظ المهموزة - المتقضب - تفسير المذكر والمؤنث ليعقوب (ذكر أنه لم يتمه)... إلخ.
هذا وغيره مما لم نرد حصره، وقد ذكر ياقوت أن له كتبًا أخرى لم تتضمنه هذه الإجازة منها: كتاب المحتسب في شرح الشواذ، وكتاب تفسير أرجوزة أبي نواس، وكتاب تفسير العلويات وهي أربع قصائد للشريف الرضي كل واحدةٍ في مجلدٍ، وهي قصيدة رثى بها أبا طاهر إبراهيم ابن نصر الدولة أولها:
ألق الرماح ربيعة بن نزار *** أودى الردى بقريعك المغوار
ومنها قصيدته التي رثى بها الصاحب بن عبادٍ، وأولها:
أكذا المنون تقطر الأبطالا *** أكذا الزان يضعضع الأجيالا
وقصيدته التي رثى بها الصابئ أولها:
أعلمت من حملوا على الأعواد *** أرأيت كيف خبا زناد النادي
وكتاب البشرى والظفر صنعه لعضد الدولة ومقداره خمسون ورقةً في تفسير بيتٍ من شعر عضد الدولة.
أهلاً وسهلاً بذي البشرى ونوبتها *** وباشمال سرايانا على الظفر
وكتاب رسالةٍ في مد الأصوات ومقادير المدات كتبها إلى أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري مقدارها ست عشرة ورقةً بخط ولده عالٍ: كتاب المذكر والمؤنث، كتاب المنتصف، كتاب مقدسات أبواب التصريف، وكتاب النقض على ابن وكيعٍ في شعر المتنبي وتخطئته، كتاب المغرب في شرح القوافي، كتاب الفصل بين الكلام الخاص والكلام العام، كتاب الوقف والابتداء كتاب الفرق، كتاب المعاني المجردة، كتاب الفائق، كتاب الخطيب، كتاب الأراجيز، كتاب ذي القد في النحو، وكتاب شرح الفصيح، وكتاب شرح الكافي في القوافي وجد على ظهر نسخةٍ ذكر ناسخها أنه وجده بخط أبي الفتح عثمان بن جني -رحمه الله- على ظهر نسخة كتاب المحتسب في علل شواذ القراءات.
وفاته
في بغداد، وفي خلافة القادر، وتحديدًا يوم الجمعة لليلتين بقيتا من صفر، سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة من الهجرة (392هـ) رحل ابن جني عن دنيا الناس، تاركًا مؤلفاته وذخائره العلمية تتحدث عنه، وتحييه بينهم من جديد.

  Reply With Quote
Reply


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 01:22 AM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com