Go Back   منتديات قرية فطيس > الأقــســــام الــعـــامــة > المنتدي الإسلامي
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

Reply
 
Thread Tools Display Modes
Old 04-26-2011, 05:49 AM   #1
 
ياسر مهدى
زائر

رقم العضوية :
المشاركات : n/a
بمعدل : 0



Default حكمة خلق الشمس

من كتاب الحكمة في مخلوقات الله للامام الغزالي

قال سبحانه وتعالى " وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا {16} " نوح
إعلم

أن الله سبحانه وتعالى خلق الشمس لأمور لا يستكمل علمها إلا الله وحده .. فالذي ظهر من حكمته فيها .. أن جعل حركاتها لإقامة الليل والنهار في جميع أقاليم الأرض .. ولولا ذلك لبطل أمر الدنيا والدين .. أو لولاه كيف كان الناس يسعَون في معايشهم ..؟
ويتصرفون في أمور لهم والدنيا مظلمة عليهم ..؟
وكيف كانوا يتهنـَّون بالعيش مع فقدهم لذة النور ومنفعته ..؟
ولولا ضياء نورها ما انتُـفــِع بالأبصار ولم تظهر الألوان .
وتأمل غروبها وغيبتها عمن طلعت عليهم وما في ذلك من الحكمة .. ولولاه لم يكن للخلق هدوء ولا قرار مع شدة حاجتهم إلى الهدوء .. وراحة أبدانهم .. وخمود حواسهم .. وانبعاث القوة الهاضمة لهضم طعامهم .. وتفنيد الغذاء .
ثم كان به الحرص لحملهم على مداومة العمل ومطاولته على ما يعظم مكانته في أبدانهم .. فإن أكثر الحيوانات لولا دخول الليل ما هدءوا ولا قرّوا .. من حرصهم على نَيل ما ينتفعون به .
ثم كانت الأرض تحمى بدوام شروق الشمس واتصاله حتى يحترق كل ما عليها من الحيوانات والنباتات .. فهي بطلوعها في وقت وغروبها في وقت .. بمنزلة سراج لأهل بيت .. يستضاء به ليهتدوا ويقروا .
وهي في حرها بمنزلة نار يطبخ بها أهل الدار .. حتى إذا كمل طبخهم واستغنوا عنها .. أخذها من جاورهم وهو يحتاج إليها فينتفع بها .. حتى إذا قضى حاجته منها سلمها لآخرين .. فهي أبداً منصرفة في منافع أهل الأرض بتضاد النور والظلمة .. وهما على تضادهما متعاونين على ما فيه صلاح العالم وقوامه .. وإلى هذه القضية الإشارة بقوله تعالى " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ {71} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {72} " القصص .
ثم بتقدمها وتأخرها تستقيم الفصول .. فيستقيم أمر النبات والحيوان .. ثم انظر إلى مسيرها في فلكها في مدة سنة .. وهى تطلع كل يوم وتغرب بسير آخر سُخَّـر لها بتقدير خالقها .. فلولا طلوعها وغروبها لما اختلف الليل والنهار .. ولما عُرفـِت المواقيت .
ولو انطبق الظلام على الدوام لكان فيه الهلاك لجميع الخلق .. فانظر كيف جعل الله الليل سكناً ولباساً .. والنهار معاشاً .. وفي ذلك يقول الله تعالى " وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا {10} وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا {11} وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا {12} " النبأ .
وانظر إلى إيلاجه الليل في النهار والنهار في الليل .. وادخاله الزيادة والنقصان عليهما على الترتيب المخصوص وفي ذلك يقول الله تعالى " يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ {13} سورة فاطر " ويقول سبحانه " إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ {6}" يونس .
.. فإذا انخفضت من وسط السماء برد الهواء وظهر الشتاء .. وإذا استوت وسط السماء اشتد القيظ .. وإذا كانت فيما بينهما اعتدل الزمان .. فيستقيم بذلك أمر النبات والحيوان بإقامه هذه الأزمنة الأربعة من السنة .
وأما في ذلك من المصلحة
ففي الشتاء تعود الحرارة في الشجر والنبات .. فتتولد فيه مواد الثمار .. ويستكشف الهواء فينشأ منه السحاب والمطر .. وتشتد أبدان الحيوان .. وتقوى أفعال الطبيعة .
وفي الربيع تتحرك الطبائع في المواد المتولدة في الشتاء .. فيطلع النبات بإذن الله .. وينوَّر الشجر .. وتهيج أكثر الحيوانات للتناسل .
وفي الصيف يخمر الهواء فينضج الثمار .. وتنحلَّ فضول الأبدان .. ويجف وجه الأرض .. فتتهيأ لما يصلح لذلك من الأعمال .
وفي الخريف يصفوا الهواء .. فترتفع الأمراض .. ويمتد الليل فيعمل فيه بعض الأعمال .. وتحسن فيه الزراعة .. وكل ذلك يأتي على تدريج وبقدر .. حتى لا يكون الأنتقال دفعة واحدة .. إلى غير ذلك مما يطول لو ذكر .
فهذا مما يدل على تدبيره الحكيم العليم وسعة علمه .. ثم تفكر في تنقل الشمس في هذه البروج لإقامة دورة السنة .. وهذا الدور هو الذي يجمع الأزمنة الأربعة " الشتاء ، والصيف ، والربيع ، والخريف " .. وتسير على التمام .
وفي القدر من دوران الشمس تدرك الغلات والثمار وتنتهي غاياتها .. ثم تعود فتستأنف وقت السير .. وبمسيرها تكمل السنة .. ويقوم حساب السنة .. على الصحة على التاريخ بتقدير الحكيم العليم .
تأمل إشراق الشمس على العالم كيف دبره تبارك وتعالى .. فإنها لو بزغت في موضع واحد لا تعدوه لما وصل شعاعها إلى جهة واحدة .. وخلت عنها جميع الجهات .. فكانت الجبال والجدران تحجبها عنها .. فجعلها سبحانه تشرق بطلوعها أول النهار من المشرق .. فيعم شروقها ما يقابلها من جهة المغرب .. ثم لا تزال تدور وتغشي جهة بعد جهة حتى تنتهي إلى الغرب على ما أستتر عنها أول النهار .. فلا يبقى موضع حتى يأخذ بقسطه منها .
ثم انظر إلى مقدار الليل والنهار .. كيف وقتهما سبحانه على ما فيه صلاح العالم .. فصار بمقدارٍ لو تجاوزاه لأضــرَّ بكل ما على وجه الأرض من حيوان ونبات .. أما الحيوان فكان لا يهدأ ولا يقر ما دام يجد ضوء النهار .. وكانت البهائم لا تمسك عن الرعي فيئول أمرها إلى تلفها .. وأما النبات فتدوم عليه حرارة الشمس وتوهجها فيجف ويحترق .. وكذلك الليل لو امتد مقداره أيضاً لكان معوقاً لأصناف الحيوان عن الحركة والتصرف في طلب المعاش .. وتجمدت الحرارة الطبيعية من النبات فيعفن ويفسد .. كالذي يحدث إذا كان الموضع لا تقع الشمس عليه .

  Reply With Quote
Reply


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 04:50 PM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com