View Single Post
Old 09-23-2010, 06:43 PM   #2
 
عبدالمنعم
مشرف المنتديات الأدبية

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 26
السكن: الكلاكلة
المشاركات : 1,175
بمعدل : 0.23



عبدالمنعم is offline
Default

مَنْ يُغطّي النَّارَ بالعَويش؟! ... بقلم: كمال الجزولي

الذهاب من (القصَّة القصيرة) إلى (القصيدة)، وبالعكس، مع استبطان الرَّغبة العارمة، بين هذه وتلك، في (الرواية)، ظلَّ هو هاجس القمم الشوامخ من أدبائنا، كصلاح أحمد إبراهيم، وعلي المك، ومصطفى سند، ومحمد المكي إبراهيم، ومحمود محمد مدني، وفضيلي جمَّاع، وهم غيض من فيض.

(القصيدة) نظرة مختلسة من خصاص باب موصد بإحكام؛ أما (القصَّة القصيرة) فإطلالة عجلى من خلف باب موارب شيئاً؛ وأما (الرواية) فرؤية متمكثة للمشهد بأكمله، ليس، فقط، بعد فتح الباب على مصراعيه، بل وبعد هدم الحائط ذاته! لكن لا فضل لجنس أدبي على آخر إلا بمقدار ما تعود به العين المبدعة من تجويد للفن في المرتبة الأولى، وإحسان للفكر في المرتبة الثانية، وإنْ تكن (الرواية)، في ظنّي على الأقل، هي أقصى توق (الشاعر) و(القاص)، ومنتهى عشقهما المكنون، أفصحا عنه أم لم يفصحا!

ولصديقي بشرى الفاضل إبداع مشهود على صعيد (القصَّة القصيرة)، كحكاء بارع، مجوّد لفنّه، محسن لفكره، تشهد بذلك مجموعات سرديَّاته البهيَّات الثلاث (حكاية البنت التي طارت عصافيرها ـ أزرق اليمامة ـ فزيولوجيا الطفابيع)، واللاتي حزمهنَّ، أخيراً، في مجلد واحد صدرت طبعته الأولى في مايو 2009م، عن (دار الحضارة بالقاهرة)، تحت عنوان (قصص بشرى الفاضل). ولقد تصرَّمت دهور مذ قرَّ في أذهان الكثيرين، ربَّما لطول عُشرتهم مع قصصه، أنه تشبَّع بتجويد هذا الجنس الأدبي، وأشبع منه، فاكتفى، وكفى، وضرب خيمته، نهائيَّاً، في واحته، حتى كتب، عند النقاد والباحثين، وفق تصنيف مدرسي كاسد، (قاصَّاً) .. فحسب!

غير أن بشرى المشوق الشائق، القلق المقلق، كان، في كلّ تلك الأثناء، أبعد ما يكون عن الإحساس بالتشبُّع أو الإشباع؛ ولذا ظلَّ يمارس الانفلات العلني من خيمة (القصَّة القصيرة)، ليلوذ بقلعة التجريب في (الرواية) حيناً، أو بظلّ نخلة (القصيدة) أكثر الأحيان. ولئن لم ينشر (روايته) بعد، فقد جمع مخطوطة (قصائده)، وبعث إليَّ، مشكوراً، بنسخة منها، بعد أن أعدَّها للنشر، تحت عنوان (هضلبيم!)، وهي كلمة من مأثور منحوتاته الخاصَّة، جرياً على عادته في اللعب بالألفاظ، ويقول عنها هو نفسه أنها بلا معنى محدَّد، راجياً من قارئه العطوف إشباعها بمعنى إيجابي، أو بما يروق له من المعاني، حسب مشاعره أثناء القراءة!

وإذن فإن بشرى يطلب لقصائده، من الوهلة الأولى، مثلما لسرديَّاته، قارئاً يضارعه يقظة، وذكاءً، ولماحيّة، وانتباهاً للفجوات، والماورائيَّات، والماتحتيَّات، والمخبوء بين السطور؛ لا قارئاً يأوي، في المساءات، إلى فراشه، منهكاً، يستمطر الهجوع، ويستقطر النعاس، وينتظر من كاتب ما أن يدندن له بهدهدات ما قبل النوم!

فإذا كنت قارئ بشرى المفضَّل، وأعملت عقلك ووجدانك، سواءً في نصوصه السّرديَّة أو في قصائده، فإنك ستلفى نفسك، لا محالة، محتشداً، في لحظة ما، بألم إنساني يهصر قلبك هصراً، حتى لتكاد تشرق بالغصص، وتختنق بالعبرات؛ لكن مفارقة عبثيَّة مشحونة بالسُّخرية اللاذعة سرعان ما تباغتك، وسط كلّ هذا الحزن الثقيل، لتفجّر لديك، لا الضحك وحده، وإنما، أيضاً، الوعي بحقيقة هذا الألم، وبأصله المركوز في صميم العلاقات الاجتماعيَّة المختلة، فما تلبث أن ترتقي بتفكيرك، رويداً رويداً، من مرتبة (السَّاخط العدمي) إلى مرتبة (الثوري الإنساني)! ولعلَّ هذا العنصر الجمالي والفكري المائز، سياسيَّاً وإنسانيَّاً، بالذات، هو الذي يضع بشرى، كقاص، ودونما أدنى مبالغة، في مستوى متقارب مع الرُّوسي أنطون تشيخوف والتركي عزيز نيسين، من جهة، كما ويُكسب قصائده، كشاعر، من جهة أخرى، نبل رسالتها السياسيَّة الإنسانيَّة التنويريَّة.

إستلال المفارقة السَّاخرة، إذن، من جوف أكثر اللحظات اكتظاظاً بالألم، هو عنصر أساسي لجماليَّات السَّرد في مجموعات بشرى القصصيَّة، كما ولجماليات القصيد في مجموعة (هضلبيم) الشعريَّة؛ لكنه، بالقطع، ليس العنصر الوحيد، فثمّة حزمة، كذلك، من عناصر الشّعريَّة، في سرديَّاته وقصائده، حيث يبدو، للوهلة الأولى، كطفل (يلهو) بحصى ملوَّن، على شاطئ رملي، تحت شمس مشرقة، ثمّ ما يلبث هذا (اللهو) أن يتكشَّف عن أعقد المضامين، وأكثرها جديَّة؛ على أن هذا مبحث يطول، ولست، هنا، في مقام الدراسة النقديَّة، بقدر ما أنا في مقام التوقيع المُرحّب بمجموعة صديقي الشعريَّة الأولى، وهاأنذا أفعل، بل أبصم بالعَشَرة!


التوقيع
التوقيع عند النجار

  Reply With Quote