View Single Post
Old 10-06-2010, 10:14 AM   #4
 
عبدالمنعم
مشرف المنتديات الأدبية

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 26
السكن: الكلاكلة
المشاركات : 1,175
بمعدل : 0.23



عبدالمنعم is offline
Default

وهكذا اصبحنا صديقين لشهر كامل استمرت مقابلتي ليها في الشارع العام نركض، نضحك ونتحاور فلم اصل غورها وخفت ان تكون قد لامست سطحي.وذات أربعاء سألتها- من تلك التي في يمينك ؟
- اختي اتوكأ عليها وتساعدني علي السير في الاسواق وتحفظني من شرور العربات .قلت :تميمة؟ قالت: ماذا؟ قلت: رقية. تحفظك من شر العيون ، ثم قلت لنفسي: (واذا المنية انشبت اظافرها الفيت كل تميمة لا تنفع). وحدقت في وجه الجميلتين مليا،الصغري ذَبُلت وخارت قواها كما تخور قوي ثورالساقية لابد ان المشاوير قد اشاختها قبل الطفولة ركبت معهما كانت العيون قد بدأت تتطاير من اركان الحافلة كلها وهطلت في افخاذ ووجهي وعيون وجسدي البنتين وغمرتهما العيون التي تشبه المناشير الزجاجية التفت ورائي وامامي الجميع محاجرهم كالملاحات الفارغة .طارت العيون عن الوجوه واصبحت في كل وجه حفرتان . ومنعت نظارتي الطبية عيني من الاقلاع والطيران وبما انني منحت حب استطلاع غامر ومتعة احصاء فذ، فقد وجدت ان بجسديها تسعة وتسعين عينا مستديرة وعجبت اول الامر للرقم الفردي والتفت ورائي فوجدت ان احدهم كان اعورٍَِا. عدت للبيت غاضبا ونبشت اوراقي فوجدت ضالتي وصممت علي الرجوع في الحين. كان النهار قد انتصف. الشمس قائظة وانا مغتاظ ووجدت باب حافلة مفتوحا ككرش مرتش فدخلت وكانت تلك الحافلة كمركب نوح. بها كل الوجوه. اشتات مجتمعات. فيها يسهل السهو والسرحان. وما ان جلست حتي اطلقت خيولي قوية السنابك من اصطبلاتها فرتعت في حقول خيالي وخيدعي. كأن صوتي ضاع مني. كأنه سقط. تكالبت علي الهموم فلا عيني ولا عيون غيري ايقظتني.ِ اه مني القدح ابن الكرم، يملآونني بالشجن مكان الدخن واللبن واملآهم بالفرح مكان الحزن والبؤس فبئس مصيري، وبخ بخ لمصيرهم كأنني مصنوع لاستمرارهم وكأنهم مستمرون لشقائي. واه مني انا ابن النوم.ابن الانتظارات والمواعيد الكذوبات. لي حبيبة في الذاكرة والمني فقط. مثلي يتمني مثلها. ومثلها لا يرضي بمثل من هو مثلي. فمثل من انا؟ يا بقرة قلت لنفسي يا وحشا. يا رجلا محشوا بالامراض، بالجراثيم، بالصعود، الهبوط. وبالتحولات والاهتزازات، تحيط به الباحثات عن سعادة فيسومهن سوط عذاب والباحثات عن صديق فيعاديهن، وتحيط به الائي طارت عصافيرهن ولا يحيط بشيء ومع ذلك فهو كما يدعي من قبيل يفهم، يعي، يشاكس،يتمرد.
رجعت لحال بؤسي وانا مازلت في تلك الحافلة اللعينة فوجدت الناس من حولي تناطح. لا يترك رجل لامرأة من مقعد ولا تترك امرأة لرجل من لعنة قي قاموس فكان لابد من ان انزل قبل ان اصل للمحطة بغيتي فنزلت ورأيت قدامي قطارا من البشر،دفع به الفضول نحو المستشفي ولم يكن فضولي اقل كماً ولا نوعاً اطلاقا ولكنني كنت مكابرا. ركبت موجة الزحام بعد ان افرغت كل عبارات وتأوهات العجب…في شنو يا جماعة ؟ وتاهت عباراتي السؤالية في لجة عبارات مشابهة وجائتني تفسيرات شتي كل تفسير مستقل عن غيره ملم ببعض التفاصيل متجاهل لبعضها فما ذادتني اجابات المارة الا اندفاعا شديدا نحو الي الامام نحو مبعث حب الاستطلاع ثم كان ان انجرفت بفعل تلاطم الناس نحو الشيمة اكثر فاكثر حتي صرخت: - دم! كأن موس حادة قطعت الاشعة عن عيني كأنني مت. مضرجة. مضرجة. خضابها الدماء الصدمة وخضاب تميمتها الدماء
والفزع. وخضاب مثيلاتها الحناء. دم في ايديهما كقاتلتين وفي ارجلهما
كمقتولتين. وفي مختلف انحائهما بحيث لا تعرف من اين ينبثق، قلت
- لنفسي حادث حركة ولابد.
صرخ رجل ذو وجه مستدير منفعل:- لا قلت صامتا ماذا اذن ثم استدرت مع جملة المبحلقين قبالة وحه شاب هادئ الصوت حين قال:- ماتتا في الشاطئ. منكفئتان هكذا... وفاقدتان للوعي وجدهما رجل بدين ذهب الآن لقسم الشرطة
قلت صامتا: حادث حركة لابد. صرخ جاري الذي تصادف ان كان ضمن دائرة المشاهدين:- يا راجل انت مجنون؟ حادث حركة في الشاطئ يعني صدمتهن مركب؟ واللا نطت سمكة من البحر ضربنتهن؟ قلت لنفسي حادث حركة ولابد. ثم استدرت نحو الشارع العريض مؤذنا صارخا ضاحكا وخطيبا_لا لا لا لا طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت طارت.
تلفت بعض السابلة وهزوا رؤوسهم ثم تلفتوا من باب التأمين علي كون اني
مجنون ومضوا في حال سبيلهم…
طارت …طارت …طارت ..
اوقف رجل عربته. كان ممتلئ الاوداج بالضحك وسألني: طارت ماذا؟
فقلت: عصافيرها…
ضحك حتي ارتج الاسفلت وحتي انبعجت العربة واطلقت ريحا ثم ادار المحرك واختفي…
طارت …طارت …طارت ..
_ هل؟..... لابد ان قوة ما ذهبت بهما الي ذلك المكان.. لابد ان حيلة ما..... ارأيت
الفزع والخوف علي وجهيهما؟ فزع التميمة وصدمة البنت التي طارت عصافيرها. لا- لا_ حطت.. حطت.. حطت..
رأيت قدامي جمهرة وخلفت ورائي جمهرة كلهم ينظرون الي كأنني مرتكب الحادث كدت اصرخ فيهم طارت! ولكنني وجدت الاسفلت ممتدا امامي فمشيت ومشيت ومشيت ومشيت، ذلك الظهر الكئيب. لا منبع حلمي وصلت ولا دارنا، النهر اقرب وعيون الحبيبات اكثر امنا،فلا اذهب لهذا عسي ان اغتسل ولتلك عسي ان اتوسد سوادها وانام في متن بياضها ملء جفوني وليسهر الخلق وليختصم ما شاء له طالما ان عصافير برية بريئة حصبوها بالحجارة والرغبات المتمركزة حول ذاتها فحطت بمكان قبيح، قسراً في بقعة مليئة بالقسر والاكراه.


التوقيع
التوقيع عند النجار

  Reply With Quote