View Single Post
Old 10-07-2010, 03:33 AM   #17
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

العودة إلى واصل
كان القمر مسروراً لرؤية شاعرتين من ذكر وأنثى في سريان موسيقي . لذا أذاب من فضته في اكتماله البديع في تبر الثنائي الجديد جرداق وجريرة وهما يسبحان في فضاء الجزيرة بعد جاغات من خروجهما في السفر إلى واصل في هذه الليلة القمراء صافية القمر. كنت لا تسمع إلا خفق أجنحتهما في تناغم شد من أزره الشعر فهما شاعرتان .لا يفرق هذا مع جرداق ولا يحس به فالجراد لا يفرق بين الجنسين وحتى تاء الثأنيث جلبها للجراد جالب من لغة ذكورية متنطعة.
قال جرداق وقد تملكه جيشان داخلي ناتج من حب قبل أوانه يكتمه ويخشى أن يشقق جلده
ـ يا جريرة؟ منذ متى وأنت تصابين بهذه الإغماءات المفاجئة؟
فردت جريرة
ـ هي ليست إغماءات. إذ ان قلبي يظل يقظاناً لكن صحيح أن دماغي يصيبه بلاك آوت .يظلم فجأة فلا أدري ماذا أفعل.
ورد جرداق ساخراً
ـ وهل تفكرين بقلبك يا جمرة؟
فردت جريرة بإشراقة من خلال الإبتسام وقد سمعت لقبها الجديد
ـ لا يا جردقة. فهذا القلب الذي أعني موجود في الدماغ أيضاً . قال جرداق وقد تذكر جدل البشر العقيم حول القلب والفؤاد والعقل والدماغ والمخ والروح والمهجة والنفس
ـ لا ادري. لا ادري يا جمرة روحي لكن ما يصيبك يبدو أنه مرض عضوي. عندما نعود إلى جرورة سأذهب بك إلى طندبة التطبيب.
قالت جريرة متسائلة كأنها تكايده
ـ عضوي أم نفسى
فرد جرداق
ـ أظنه عضوي
سكت الشاعران طويلاً فلا تسمع إلا خفق الأجنحة أب أب ثم داون داون في تناغم ينم عن شىء قادم.. حلق جرداق ثم سبح أمام هدف أشواقه الجديدة بإيقاع منتظم فو فو فو ثم بدأ الإرزام فالقصيد
ـ تك تكا كم تك تككم
وعندما ألقى نظرة من فانوسه الدوار على جريرة وجدها تحلق في رقصة جديدة عليه ذات إيقاع كأنها يمامة ويحس من يراها بوقع أجنحتها غير المسموع والداوي مع ذلك في الهواء داو دو دو
طافا هو يرزم وهي ترقص ثم انطلقا ستريت فور ورد تجاه واصل متخذين من الشعر نسبية جرادية جديدة للتوسط بين الزمن والمسافة قال جرداق
ـ تكا كيكم تكا كم تك
فردت جريرة
ـ تكالم تك تكالمنا
كانت الجزيرة تحتهما اشبه بقصيدة تلمع مياه الترع وتبرق فوقها اليراعات ووتعكس الجداول وابو عشارين والتقانت والسراب المروية جميعاً فضتها المجلوبة من مصادر شتى أولها وقبل ضوء القمر هذا الحب وهذا الشعر. كان الجو محايداً مع ميل خفيف نحو البرودة زاد من الشعور بها لدى الشاعرين جريرة وجرداق المشاعر الجديدة النابتة بقلبيهما كالباتات البرية. قال جرداق في سره ـ المشاعر الجديدة النابتة هي أصلاً في الكائنات من أجل تطور الشعر
وقالت جريرة في سرها
ـ هل ترى البشر يعرفون شيئاً اسمه الحب
واردفت كالمتأكدة تقول
ـ لا أظن في ظل هذه القنابل المبيدة للأسراب.
سبحا تجاه واصل نومك كما لو أن مسارهما خيط. كانا قد اقلعا من حي جرورة بعد الندوة التي تحدث فيها جارد الحازم حضرها معهم شباب لا حصر له من بينهم تعرف جريرة فقط جراري وجابودي وعتبة وجرداق طبعاً. خرجت جريرة من الندوة بلقيات عديدة وبهاء السكت التي دهمتها عند الخروج فقد اتكأت فجاة على كتف جراري وسط الجمع والتفت العديدون نحوها كأنهم يرقبون جسارة هذه الضيفة الغريبة الجميلة حتى كاد الما عارف يقول عدس
بعد اليقظة مباشرة بدأت جريرة تستعد للعودة إلى واصل نومك. واصر جرداق على مرافقتها للإطمئنان على صحتها وطبعاً لم يخف السبب على جاردوي وجراري وعتبة فقد شافوه وشافوه من خلال الإبتسام المحبب الذي ينم عن محبة صافية.
دارت جريرة مثل حمامة رشيقة في الفضاء دورتين حين تذكرت الحديث المرتب الموزون الدقيق الذي أتحفهم به جارد الحازم. وقالت تخاطب جرداق
ـ يا شاعر إنت جارد دا منو وايه اصله وفصله؟
فرد جرداق
ـ بالنسبة لي جارد عالم لا سياسي ولا مثقف ولا شا. هو ملم بتاريخ الأسراب منذ أن خرج الجراد من بطن المجرة.
وتساءلت جريرة محتارة
ـ وهل خرجنا من بطن المجرة ؟
فقال جرداق
ـ الظاهر ياجريرة واصل نومك كانت مبيتاك ً. فنحن والبشر وكافة الموجودات الحية واوول ذيس ستوف من كلوروفيل وموسيقانا التي انبثقت منه خرجنا من الثقب الأسود الكبير في مركز المجرة. وفي الحقيقة خرج الجراد بالبلايين. نحن أسياد المجرة لا البشر.
وغمغمت جريرة
ـأسيادها
فخطف جرداق الكلام
ـ طبعاً ألا تلاحظين الإسم مجرة.. جراد.. جر ال..
ـ هل تريد أن تقول جر الجراد؟
ـ لا لا
رد جرداق من خلال ضحكة تنم عن سعادته بالرفقة وواصل
الثقب الأسود الكبير الذي هو أكبر من جمرة الجراد شمس البشر هو التفسير الوحيد المعقول لوحدة الوجود. ولو أن الإنسان اقتنع بأن الارض تسعنا جميعاً لما اخترع قنبلة المبيدات لينتفع وحده بالخضرة التي أصبح يستنبتها ويحرم منها سائر الكائنات إلا الحيوانات المغفلة التي أنساقت وراء مشروعه الضاري كالحمر والبغال. ها هي تنهق وراء شعاراته الحمقاء نزرع نزرع. وما أن خرق الإنسان قوانين وحدة الوجود حتى إنقسم هو نفسه الى فئات ألم تلاحظي جرذان بني طفيل. الجرذنة انطلقت من هناك فأصابت الثيران الفريزيان والخنازير التي تعلف بلا حدود وكلاب الزينة والقطط المتواطئة والحيوانات البرية الحبيسة وجراد جارودي.
كان جرداق يحكي بتدفق ويحكي حتى أنه لم يلاحظ أن جريرة صمتت. لم تنم فالنوم في الهواء ممنوع طبعاً ولكنها حزنت لأنها أضاعت سنوات عزيزة من عمرها في السهو والسرحان والفرص المهدرة
قالت جريرة تشكو حسرتها لجرداق.
ـ لقد فاتني الكثير يا شاعر
فرد جرداق ـ لا لا. الجرود ياجريرة ـوحتى لا تصمينني باللاجرادويةـ الجرادة يا جريرة بنت ظروفها. لكن من الضروري معرفة ما نريد
فقالت جريدة بحماسة وصوت عذب
ـ التوحد في سرب الجراد العظيم من جديد
فقال جرداق
ـ بالضبط. فهذا كما تعلمين هو جوهر كلام جارد. الفكرة بسيطة فالسرب عقل جمعي جرادي جبار لا حظي أن هذه المفردة ملكنا أيضاً ـ جمعي ـ كل جرادة تطير داخل السرب تهتم بالجرادة الأخرى ويكون وجود هذه من وجود تلك. قال جدي الذي شارك في سرب من أربعين جليون جرود وجرادة أن كتلهم كانت من القوة بحيث يمكنها أن ترمي بناية بشرية جبارة بخفقان الأجنحة إن أرادت لكن قادة تلك الكتلة كانوا بلا أحقاد وكانوا منشغلون عن كل مثل تلك الترهات بالخضرة موسيقانا وحبنا العظيم.
سكت جرداق حين رأى جريرة صامتة وخشي أن تكون قد دهمتها الإغماءة العجيبة لكن جريرة كان قد دهمها رحيق صافي هو أول بوادر حب جديد ماله من قرار وحاولت أن تفتح فمها لتقول شيئأً فخرج الشعر غزيراً وجديداً هذه المرة.
ـ تكاكينا تكاكم تك تكاكينا
فرد جرداق بتأوه حراق
ـ هيلاه يا جوهرتي الجذابة
كان هذا بوحاً مفاجئاً جفلت من وقعه جريرة فطارت مرفرفة شرقاً فغرباً لمترين هنا ومترين هناك كأنها إنسان لسعته جمرة. أما جرداق فانزوى طائراً في ركن الهواء الغربي ومن هناك رمق جريرة وقد عدلت ساريها والتمع السحر في فوانيسها ثم رقصت في الهواء باليه الحبور كانت تمرق رشيقة بين ثنايا موجات الهواء الذي ما خذلها. طارت وطارت ثم طارت بإيقاع لم يشهد جرداق مثله في طائر. وأسرع جرداق نحوها حتى لاصقها وطبع قبلة خاطفة في فمها فما صدته. كانت تكبر تكبر جزلة من الفرحة حتى ظنت نفسها حديداً بشرياً هداراً. ذلك ثم طارا وطارا كل ينسج قصيدته الداخلية وطارا وطارا حتى لاح غباش واصل نومك التي دخلاها فجراً.
فال جرداق
ـ اين بيتكم يا جريرة
ـ جريرة
ـ جريرة
لم تجب جريرة فقد انحدرت من عل بغتة على ريحانة وهمدت هناك. تأوهت أعطافها وانسكب بعض من عطرها على الريحانة حتى انتفضت تلك واشتمت مقارنة رائحتها غير الذكية التي كانت توهم نفسها بها لأول مرة. وحين وصل جرداق طائراً ومشفقاً وجد أن جريرة كانت قد راحت في سبات هاء السكت فأفرد جناحيه فوق جريرة تماماً ثم هبط فوق جسمها البض وما لبث أن اجتاحه فرح عارم فأصابته هاء السكت لأول مرة وسكت.

  Reply With Quote