View Single Post
Old 10-07-2010, 03:27 AM   #14
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

زفرت جريرة رفضها للخبر ثم ما لبث أن ملأ الغضب جوفها العامر بالمحبة وانقطع الحديث بينهما فطارت صامتة لا تدري ما تفعله تجاه تصريحات هذه الجريدة الحاقدة. لكن جرة واصلت حديثها فقالت
ــ أعلم أن الجميع يعتقد أنني منزلقة. لكن هيلاه وهيلاه ما انزلقت ولم أورد خبراً واحداً عن جراد الجزيرة لأتباع جبادة. أنا اجيء لهذه الجنة لأن العيشة فيها سهلة وما خصني كان الرجال بيجوا عشان حورها أو ما يجوا ما خصاني وتعالي ياجريرة النسألك واصل ديك شن فيها بلا السجم؟
استمرت جرة تثرثر وتثرثر ناسجة خيوط مرافعتها أمام قضاة سرب جراد وهمي لكن جريرة كانت في شبه غيبوبة تطير لأن هناك هواء رحيم يدفع بها آلياً مثل طائرة معطوبة. وفي سرها قالت جريرة
ـ هيلاه. يا جرير.. جرير هل ترى ما تقوله هذه الجرة وهل ما رأيته في الحلم صحيح؟ أين أنت الآن يا حبي. يا جرجاري في عالم مليىء بالأسمال . يا حصن الأوزان والقوافي والحلم بسربنا الأبدي.
صدحت جريرة بذلك ثم دهمتها سنة من نعاس حتى كادت أن تهوي فالهواء الشفوق يدفعها نعم لكن من شروطه الوعي. وصاحت جرة مرة أخرى من أمامها:
ـ اسمعي يا جريرة أن أتفهم أنك لا تصدقينني. لكن سأستعين بذكائك الذي يتحدث به الجميع في واصل وقدراتك التي أثنى عليها المعلم أبو الحصين كثيراً، لأشرح لك ما جرى فبعد أقل من نصف جاغة نصل إلى البستان وستتحققين بنفسك من صحة ما أقول. البستان يحكمه جبادة وكما تعلمين فهو يحكم سائر الجراد من جابودي إلى كافة النواحي والإنقايات. جبادة يحكم حتى مناطق لم يرها ولم يسمع بها.
سكتت جرة ثم واصلت إزاء صمت جريرة الذي كان يوحي بأنها تصغي
ـ مش تقولي واصل القريبة دي. جبادة يحكم الجراد من قرب جامينا وجراد جنينة وجبل الجراد وجراد جابرة وجوبا والجبيلية وجبيت وجيلي وجبل أم علي وجابرية إلى عند جبلاية الجقر وجراد جـ....
وهنا قاطعتها جريرة المبرمجة
ـ هل ما قلته عن جرير صحيح يا جرة؟
فردت جرة. هو لم ينس عشرتك. يذكرك دائماً. لكن يبدو أنه مشغول. لقد عينوه حامياً للصوتيات التي ترسل اشاراتها لسائر الجراد في جابودي وعواملها مما ذكرت. يرافق جرير ثلاث أخريات هن جغمة وجافلة والثالثة نسيت إسمها.
صمتت جرة . وطارت جريرة حانقة موازية لها بالدفع الآلي حائرة فلا تسمع من طيرانها إلا خفق الأجنحة. طارتا وطارتا وفي كل هذه المدة كانت كلمة واحدة مثبتة في دماغ جريرة شبه المعطل. كانت الكلمة تقول: جرير
وبدأ هسيس شعر جريرة الصافي يغني حيرتها نيابة عنها
تك تككم. تك تككم. تك تككم تككم تككم.
وشيئاً فشيئاً دخلت الجرادتين في اللون الأصفر ثم الأزرق وفيه صاحت جرة
ـ هيلاه.
اقتربنا أخيراً من النعيم
ثم لاح البستان الغريب. الخضرة التي في الأحلام. تلك الخضرة التامة التي كادت أن تنسي جريرة برمجتها الجريرية. قالت جريرة في سرها حين أحكي لجرير عن كذب هذه الجرة فما ترى سيصنع بها ؟
حلقت الجرادتان الجزيريتان وحلقتا معجبتان كل واحدة لأهدافها بالخضرة ونسيت جريرة غصة اللطمة التي تلقتها سابقاً حين زارت البستان لأول مرة. وطفقت تتخيل ما سيحل بعد جوان حين يشرق جرير الفتى الوسيم الرشيق رفيق الصبا والشباب. وقادتها جرة لمسكن جرير وصاحت جرة ما أن اقتربتا من الفيلا
ــ جرير.. جرير أنظر من قادمة اليك؟
وخرجت جرادة من الفيلا. هي رفيقة جرير اليافعة الأخيرة فيما يبدو. ثم ما لبث أن غامت الدنيا حين خرج فتىً جرادياً ضخم الجسد والبنيان لا تكاد تعرف أوراكه من أوداجه. ولأن جرة تعرفه صاحت به
ـ يا جرير أنظر فوقك. ألا ترى؟ هذه جريرة.
ـ جرير؟ قالت جريرة قافزة هلعة. وعاودت النظر تحتها نحو جرير فأرعبها ترهله وتخمته غير المتناسقة مثل حكام الجراد الريفيين. ولم تجد فيه غير كائن يشبه الجرذ.
وصاح جرير بلا انفعال
ـ أهلاً جريرة. كنت سأعود قبل جردتين وأحكي لك بالتفصيل سر غيابي ولكن ع أت كم ته
تلعثم جرير.
وما كان لائقاً من الجرادة اليافعة أن تضع جناحها فوق كتف جرير المترهل لكي تؤكد حيازتها له. كانت تلك حركة زائدة منها فهي لا تعرف جريرة. أما جريرة فقد أجرت عملية حاسوبية كونية في جوانٍ فأدركت كل شيء. وتيقنت أن جريرها إنما أصبح في الذاكرة وقد ذهبت به السنون الغوابر. أما هذا الذي أمامها فهو ليس إلا كتلة لحم توجهت نحو الخضرة المعدلة وراثياً ترتع فيها وترتع كأن ليس هناك معذبون في واصل نومك وضواحيها التي هي ضواحي الضواحي. ترتع كتل اللحم القميئة هنا كلها ولا شك وتأكل مما يزرع الجراد العتاب دون حساب. أقبل جرير نحوها رافعاً قوادمه وهو يقول بصوت خال من التعبير
ـ أهلاً
لكنه فوجىء بصرخة جريرة الموجوعة الداوية
ـ شييييل إيدك يا جرذ!
ذلك ثم دارت جريرة دورة سريعة فارتفعت فوق أحزانها وفجيعتها إلى أعلى مثل عامودبة بشرية وحلقت معها غضبتها فلم تسمع رجاءات جرة التوفيقية المتوسلة. غابت الخضرة في سيكلوجيا الغضب وهكذا حين نظرت جريرة خلفها بغضب أيصرت البستان حقلاً من النيران ونبست لها نفسها فقالت
ـ يا لها من جنة جهنمية.
ذلك ثم طارت جريرة وطارت طارت وطارت إلى أن لاحت لها شجرة دليب وهناك حطت أحزانها وتأوهت علها ترتاح وكان يلفها طنين الكون. كان الوقت ليلاً لا زال، غابت عنه جمرة الجراد القمراء فاشتبكت ظلمته بالظلمة التي حلت بروحها .وحلت بحلقها غصة فظنت أنها ستبكي لأول مرة في حياتها فجريرة لا تعرف الأنين لكن تلك الغصة كانت هاء السكت التي حلت بها وهي بين براثن الفاجعة فسكتت.

  Reply With Quote