View Single Post
Old 10-07-2010, 03:26 AM   #13
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default

جرير
باتت جريرة شتوياً فنحن لا ننام لكننا نبيت وشتاؤنا ثمانون جاغة أي إثنتان وخمسون ساعة بحساب البشر. كانت جريرة في خلوتها مع غصة هاء السكت حين دهمتها أحلام الجراد. وأحلامنا بخلاف أضغاث البشر تتحقق بعد جردات أحلامنا كالسيمفونيات تبدأ بجرادة فريدة تغني صولو ثم جرادتان في دويتو ثم ينطلق شجو الكورال السرب ثم أوركسترا الأسراب الكونية المصفاة الراقية. حيث صيغة منتهى الخضرة . كل جرادة تغني بواحد من الألف من التون بموسيقى لم يحلم بها موتسارت. و ما يلبث الحلم الحقيقي أن يدخل في غرضه ثم يبدأ الإنسحاب التدريجي في الحلم من الخضرة المتناهية إلي الخضرة أي كلام البشرية فالى الأزرق البرزخ فالصفرة ثم الصحو باللون الذي يكيل به البشر دائماً حماد.
رأت جريرة أولاً جريراً يخاطبها مغمغماَ. هو يتكلم ببطء شديد وهي لا تكاد تفهم شيئاً بدا لها جرير غريباً في الحلم حتى أنها كادت تبكي وفتحت فمها لكي يبدأ النشيج لكن هاء السكت دهمتها فجأة. جريرة لم تسكت هذه المرة بل ملأت بالدهشة جوفها واستغرقت في ضحك كتوم حين أدركت أن هذا يتم أثناء الحلم. ضحكت جريرة في سرها وضحكت ثم ضحكت وضحكت حتى قادها شلال الضحك إلى صحوة مفاجئة لا تشبه تلك الصحوات البشرية غير البريئة.. ثم تذكرت أنها جائعة حد التصاق جنبي بطنها الرشيقة. ذلك ثم ما لبث أن سمعت حركة تدب بالقرب منها فالتفتت لترى عتابةً نشطة. كانت من قبيلة الجبورة. طارت جريرة نحوها كالسائرة دون أن تفرد جناحيها كأنها طائر متردد لم يتخذ قراراً بعد بالطيران ولا بالسير. طارت سائرةً نحو العتابة لتسأل
_ قولي لي يا شابة ألا توجد دوحة بالناحية ؟
هزت العتابة رأسها بالنفي لكنها قالت مستدركة
ـ لا .اللهم إلا طندبة التطبيب.
ونظرت الجبورة الى بطن جريرة الملتصقة ففزعت ثم تب تب عتبت قافزة نحو النهر وبعد ربع جاغة عادت تنوء بأحمالها من الجرجير والقت به أمام جريرة .طارت جريرة من الفرحة ثم جرت اليها جرجيرة وجرجيرة وجرجيرتين وعشر حتى استردت عافية سنين ورمقت الجبورة بامتنان وقالت مداعبة
ـ هل اسم قبيلتكم جبورة أم قبورة ؟
فردت العتابة الكريمة
• جبورة والغريبة جراد الشمال يسمينا قبورة فهل هذا مهم؟
ومدت جريرة يدها وقالت بمودة:
ــ جريرة
وسرعان ما تلقت رداً:
ــ عتبة
فهتفت بفرح
• يا ألف مرحب.
وهكذا تعارفتا خلال شائق الإبتسام.
بين العتاب والجراد علاقة تاريخية ورفقة ممتدة الجذور. أصلاً العتاب جراد لكن يبدو كما لو أنه انتقصت منه حركة واحدة فلم تكتمل صورته إن كان الطيران يعني الكمال. ولذا يتحرك العتاب مثل حركة الممثلين من أيام شارلي شابلن. ويسخر فلاسفة الجرا د العتاب من ارتباط الكمال بالطيران ويستدلون بالبشر الذي لا يطير إلا مستعيناً بالحديد الهدار الذي يدمر الأكوان سعياَ وراء محاكاة الجراد. الرفقة بين العتاب والجراد أكثر من حميمة. العتاب يخدم الجراد بأفضل مما تخدم البشر الكلاب. البشر يستغلون الكلاب لكن الجراد يرد على خدمة العتاب في المسائل الاستراتيجية كالتنبيه بخطر القنبلة المبيدة أو شباك أكلة الجراد من الإنس المتوحشين والوحوش وغير ذلك وبما أن التاريخ الحميم مكتوب في جيناتنا فلا اتفاقيات ولا شروط كل يؤدي دوره في خدمة المجموع. ولولا تدخل البشر لما حصل مثل هذا الإنفلات الجديد في عالم الجراد فهنالك فصائل جرادية قطنت مؤخراً جوار حي بني طفيل البشري تشربت أفكار أولئك البشر. الوحوش. وهذه الفصائل الجرادية الجديدة أصبحت تحكم الآن سائر أسراب الجراد بالحيلة أو الزندية. المشكلة أن بقاء جريرة قرب إنقاية واصل نومك جعلها جرادة ساذجة. مسكينة فهي لا تعلم ما حل بحبيبها جرير .لكن يبدو أنها ولحسن الحظ وقعت في طريق فيه مخرج لها من أزماتها فهذه العتابة عتبة لها معارف من الجراد المثقف أمثال الشاعر جرداق وجابودي وجراري وجارد الحازم وغيرهم.
أكلت جريرة الجرجير بمتعة كأنه موليتةخريفية من واصل نومك. ولمعت في خاطرها أثناء الازدراد صورة ريحانة آسرة العطر فتذكرت أيام مجدهما الغابر هي وجرير قبل شتات القنبلة المبيدة الأخير التي ذهبت بريح كتلة سربهم الأخاذ الملون قبل جردات طويلة سابقة لنكوص جريرة لجرداء قرب واصل ببطن الجزيرة. تذكرت جريرة كل ذلك في جانيات معدودات ثم طفقت تغني باللوعة كلها وانطلق الحنين
ــ تك. تكم. تك تك تكم. تك تكم. تكا تك تكم
ثم أفردت جناحيها ودارت راقصة في فضاء القصبة وجارودي رغم غموض الأحداث. وشاق عتبة رقص جريرة البديع وأخذتها حركتها الرشيقة هناك في الأعالي فأيقنت أن ضيفتها عاشقة وسألتها وجريرة لا زالت تدور في بداية التسخينـ إلى أين ونحن لم نتعارف بما فيه الكفاية؟
ومن علٍ سمعت صوت العاشقة يقول
ـ هو مشوار ضروري. سأعود ونفتح المغاليق. شكراً لحزمة الوجبة الدسمة.
وردت عليها عتبة
ـ طيب تجدينني هناك ــوأشارت لأكمةــ عند طندبة التطبيب. وهذا الحي اسمه جرورة تذكري. لكن جريرة كانت قد طارت ولمع في مفاعل التسريع الدماغي لديها خاطرة خافتة من البعيد البعيد عن مذاق حسوة بشرية تذوقتها صدفة وثملت بها. وفي سرها قالت هذه الجرادة الحريرية الشاعرة العاشقة
ـ آه وآه ثم آه من غموض الأكوان.
ولو كانت جريرة نشأ ت في صحبة بعض بنات حي جرورة المتفتح لآمنت بال ري انكارنيشن وهذا أيضاً من أسرار الكون.
طارت جريرة وطارت طارت وحلقت فوق سماء القصبة وهالها الحجم الهائل للحجارة والحركة شبه الجرادية للحديد الهدار الأرضي بأكثر من الجوي وللبشر غادين رائحين. كان الوقت أول الليل. دارت جريرة دورة كاملة حول المدينة متجهة نحو جارودي. واعجبها من علٍ السيف المجوهر بالنجوم ولأنها مبرمجة بحب جرير وحده فما كان في خلدها سوى الانطلاقة من جديد نحو بستان الخضرة الرهيب . طارت جريرة لكنها فقدت بوصلتها الى الساحة فرأت أنه من الأفضل المجيء اليها من ناحية الجزيرة وهكذا طارت فوق صوتياً الى هناك. وبعد جانيتين أو ثلاث لمحت جرادة أخرى تطير مسرعة رغم وزنها الزائد. كانت تبدو مع الضوء الخافت مثل خياراية. شيئاً فشبئاً اقتربت جريرة من الجسم الجرادي فتعرفت من خلال ابتسامتها على جرة بنت ناحيتها في انقاية جرداء. جريرة لا تقاطع جرة مثل الكثيرين في واصل. فقط تعتقد أن جرة أخطأت التقدير مثل الكثيرين بعد الهجوم النووي الأخير. وخلال تبادل النظرات صاحت جرة كالمندهشة
ـ هاي جريرة. لسة ما وصلتي؟
تعجب جريرة الشاعرة من لغة الشابات الطالعات. متقنة في بيان أغراضها لكنها شالو وغير شاعرية. تتيقن جريرة أنها لغة ليست جينوين. ردت جريرة كما لو أن الأمر فزورة
ــ وصلت ولم أصل. لم أقابل جريراً بعد.
وغمغمت جرة في سرها ماذا لو حكيت لها عن تحرشات جرير بي أول ما وصلت للبستان؟ لكن جرة عدلت عن فكرتها وقالت من تحت فمها متأوهة
ــ أوه شابكانا جرير .. جرير.
ثم توكلت وقالت
ـ سأكلمك الآن بصدق. جرير يرافق ثلاث بعدك ببستان النعيم.
ـ ها ..

  Reply With Quote