View Single Post
Old 10-07-2010, 03:22 AM   #12
 
صادق محمد عوض

تاريخ التسجيل: Apr 2010
رقم العضوية : 90
السكن: السعوديه
المشاركات : 2,137
بمعدل : 0.42



صادق محمد عوض is offline
Default فصول من رواية سيمفونية الجراد

الرحيل إلى جنة الجراد
خرجت جريرة وهي جرادة نشطة في رحلة من رحلاتها الدورية للبحث عن جرير الغائب منذ خمس جردات، والجردة هي سنة الجراد، وعن الخضرة في ديار احطوطبت مشاعرها وعن سرب لا يجيء. قالت راوية هذه الحكاية وهي جرادة ذات استطرادات لراوٍ آخر سيوبر أن الخضرة هي موسيقى الجراد ولذا فهو ليس معادياً لها بل هو يسمعها ويستنشقها ولا يروي ظمأه منها إلا بالتهامها.
خرجت جريرة في صيفٍ امتد فيه الرماد من نشاف بلاعيم البشر إلى انطواء السجلات الخضراء عن الجداول والقنوات والأنهار والمروج والمهج. كانت جريرة عائدة قبل شتاء من ديار جمبلغ. فعاتب وهو من الجراد العتاب كان قد جاءها ذات يوم جذلاً وقال أنه شاهد جريراً هناك. سافرت جريرة إلى جمبلغ على عجل ثم عادت من رحلتها بهاء سكت مريرة كالغصة وباتت شتوياً تنضح بالحسرة.
كانا وجرير قد أنجبا تجريدتين ولا تعترف أسراب الجراد العليا بفاعلية الإسهام في حفظ النوع ضد سلاح المبيدات المحرم سربياً. إلا بإنجاب ثلاث تجريدات. خرجت جريرة أملاً في العثور على حبيبها ومن أجل تقدم السلالة. و حب الجراد صادق دائماً. في هذه المرة أخبرتها جرة الجرادة المشبوهة العائدة للتو من نواحي القصبة أن جريراً يرتع بين قريناته الجديدات وسط بساتين جارودي عاصمة الجراد
تتأفف جريرة. تزفر أحزانها من خلال فمها الصغير فتقول
ـ أوففف
وتلتقط الريح فقاعة الهواء الصغيرة وتدخلها ضمن نسيجها الفاعل فلا يكاد أحد يسمع شيئاً ولذا يظن الجميع أن ليس للجراد أصوات. كانت جريرة في حالة جوع دائم حد التصاق جنبها الأيسر بالأيمن. وحين خرجت قاصدة جارودي أفردت دفتها الصغيرة وفتحت فوانيسها المحورية وعدلت من الساري ثم أسلمت نفسها لتيار الرياح العاتية. طارت بها الريح وطارت جاغة وجاغة فجاغات والجاغة هي ساعة الجراد وهي 39 ق. زمن الجراد الداخلي من أسرار الكون. كانت جريرة تسكن في انقاية جرداء في بلاد تروى بالمطر في بطن الجزيرة قرب بلدة واصل نومك. وكل جراد واصل يعرف جريرة بنت الجزيرة. هذه الجرادة المتجردة التعيسة الحسناء.
في أثناء طيرانها نحو جارودي كانت جريرة ترقب حركة العتاب وهو جراد شبه طائر شبه سائر وتضحك وترمق بفوانيسها الدوارة حالة انحسار موسيقى الجراد من جنبات الترع وأب عشارين والجداول والتقانت وسط الحواشات البور.. تحلم جريرة ببساتين ملأى بالبازلاء وفول الصويا والسبانخ والعنب والمشروم بدلاً عن مكرور العدس والبصل والفوم. طارت جريرة وطارت ثم طارت وشيئاً فشيئاً امتلأت ذاكرتها بالأشجان ودماغ الجراد كله ذاكرة. وما لبثت أن غنت عذاباتها بشعرٍ آسرٍ
ـ أوف تك تكم. أوف تك تكم تـك تك.
طارت جريرة وطارت ثم طارت وبعد جاغات وجاغات أصبحت على مشارف جارودي. في البداية دخلت الجرادة التعيسة الحسناء منطقة الريح الأصفر الذي يفصل الاقاليم القاحلة عن الأقاليم المتجهة نحو الحضارة الخضراء. وطارت طارت ثم طارت حتى وصلت الى زون الريح الأزرق ففقدت هناك وزنها وصارت ريشة في مهب الذكريات. طارت بها الريح وطارت ثم طارت وطارت وفجأة انبثقت أمام جريرة خضرة موسيقية كالخضرة التي كانت تراها في الأحلام. طارت جريرة وحلقت بالمرح كله فوق ساحة خضراء تراها لأول مرة في حياتها. ساحة جمعت عصارة الخضرة منذ عيذاب التي ليست وراءها أسراب ومن زمن غابات تركاكا والزمن القديم مما رواه جدودها عن رغد العيش قرب ودسلفاب حين كانت الغابات تمتد وتمتد مابين النيلين قبل أن يجتثها عدو موسيقى الجراد الغاشم. لكن هذه الخضره الجديدة ربما تدخل في تباعيضها جنيات الجينات. خضرة حاضرة خضراء مخضرة. وفي سرها ضحكت جريرة وهي في حبورها العظيم هذا حين تذكرت النكتة القديمة التي روتها لها والدتها حين زارت منذ عشرات الجردات نرتتي بجبل الجراد العظيم سألت والدة جريرة جراد نرتتي المحظوظ
ـ صفق اللوز دا كلو هيلكم يا الحبان
وأجابها جراد نرتتي الخضراء من غير سوء
ـ بالحيل
فردت الجرادة الأم
ـ نان ما تقرضو ا
لجردات وجردات ظلت الأم تكرر نكتتها لجريرة حتى ربتها على حب الفكاهة وفي كل مرة تعودان معاً إلى النكتة بدءاً من آخرها
ـ نان ماتقرضوا
حلقت جريرة وحلقت فرحة فوق الساحة الخضراء ومن علٍ رأت الجداول الرقراقة والمياه الدفاقة والثمار البراقة ثم لاحت لها أسراب عجيبة من الجراد بدينة تمشي الهوينا وأحست جريرة أن هذا الجراد تكاد تقتله الفاقة. وما أن اقتربت أكثر حتى حل بها الفزع وهمست لنفسها
ـ هذا الجراد ليس من بني جلدتنا.
كان هناك جراد سمين وجراد بدين، جراد لاحم وجراد شاحم, جراد مكتنز وجراد ينز، جراد وديك وجراد سميك، جراد منيع وجراد عاتي، جراد فات وجراد فاتي وأعجب من هذا كله فصائل أخرى من الجراد الأممي حيث كان هناك الجراد الجامبو والجراد الجراند وغيره من الجراد الذي لا نعرف له كنهاً.
هبطت جريرة بمدرج مطار جارودي وكانت دهشة جراد الساحة لرؤيتها أكبر من دهشتها.فقد كانت جريرة تبدو وعلى الرغم من حسنها غبشاء هنا كفت جريرة عن تذكر النكتة القديمة والتمعت في ذاكرتها الدماغية خاطرة عن أنها ربما حلت بجنة الجراد. و اقتربت جريرة من جموع الجراد أكثر فشاهدت لدهشتها انشغال الجميع بالتهام نوع من الخضرة الملفوفة المحشوة باللوز. رأت الحشود تتوجه بأسلوب حضاري نحو المنصة فتقدم لها كواعب الجراد الخضرة الملفوفة في آنية خضراء مع مناديل من سندس.
دارت جريرة ثم دارت ودارت حول جموع الجراد المتعجبة. نسيت جرير وما جرى منه وتذكرت بحزن عميق أمها وابيها في جرداء التي قرب واصل. وتملكتها شفقة طاغية وحزن ماله من قرار لكون أمها لا تعرف شيئاً عن طلعات الإستهلاك الراقية أما أبوها الزاهد فكان يسألها دائماً عن الفرق بين الإستهلاك والهلاك. أمها تقضي سحابة نهارها بين الورتاب والبتاب, تقبع بين مشلعيبها ورواكيبها وكراكيبها وغاية أمنياتها أن تحظى بصفقة عنكوليب .وفي الخريف يكون صفق العدار راقد هبطرش في الإنقاية قرب واصل نومك ويغيب في موسم الدرت. أسفت جريرة بنت الجزيرة التعيسة الحسناء لكونها لم تعلم من قبل بوجود بساتين كهذه. غاب بال جريرة في تلافيف ذاكرتها لجاغتين فبكت بكاءً يفيض بالحنين وجريرة جرادة ليست قياسية فهي لا تعرف الأنين. وعندما أفاقت كان الجوع هو سيد موقفها ودنت في حركة عفوية من أول جرادة عبرت علها تحظى منها بطبقٍ مما يتداولون، فتلقت لطمة مفاجئة صاعقة مصحوبة بصيحة ارتجت لها مكبرات الساحة..
ـ أخرجي من هنا أيتها الشحاذة الجرداء القذرة.
انطلقت جريرة إلى أعلى بالدفع الميكانيكي بسرعة هائلة فاقدة للوعي من هذه الضربة الجراند ثم هوت مثل قذيفة وارتطمت بروث البقر في أطراف القصبة. وظلت هناك بلا حراك لجاغات وجاغات وحين أفاقت لم تعد تذكر إلا تلك الصيحة الأخيرة
ـ شحاذة قذرة أخرجي !
وفتحت
جريرة فمها لتصرخ لكن هاء السكت دهمتها فجأةً فسكتت.

  Reply With Quote