View Single Post
Old 09-18-2010, 06:33 PM   #13
 
yasir alkhaliel
زائر

رقم العضوية :
السكن: University Petronas-Malaysia
المشاركات : n/a
بمعدل : 0



Default

شكرا عاطف علي الطرح الشيق( التراجيكوميدي ) للموضوع.......شكرا للمداخلات ا الادبية شكلا والعميقة مضمونا.....تراجيديا الهجرة التي لا يملك الفرد الا ان يتناولها بسخرية......فالازدواجية في كل تفاصيلها وخياراتها.....إزدواجية الواقع والنظرة للذات ونظرة الاخرين... الواقع المتغير أبدا وعندما تعود تكون كالعائد إلي الأندلس: فلا الأذان أذان في منارته إذا تعالي.......ولا الاذان اذان.....
الثنائية التي وصفها الاخ عبدو بالشيزوفرينيا : كنت قد فرغت من قراءة مقال للأديب العالمي الجزائري (واسيني الاعرج),- وكل الشمال الأفريقي معروف بعراقته في الهجرة وثقافة الهجرة- تناول فيه ثنائية القريه- المدينة......
(جزء من الحوار):
المدينة تسحق العلاقة الأولى بالقرية وتغتصب الطفولة التي تشكل المرجع المثالي الدائم حتى ولو لم يكن كذلك. والحنين أبدا لأول منزل. ولو أن الحنين خطير لأنه يعمينا عن رؤية الأشياء الجميلة التي بين أيدينا وتمر يوميا أمامنا. ولهذا أشتهي القرية لأنها تعيدني بصلتي الأولى لكني لا أريدها أن تحدد مساراتي الحياتية المستقبلية، أنا رجل نهم تجاه الحياة وأعرف ككل الكائنات الهشة ما ينتظرني في نهاية الرحلة وهو الموت، والمشكلة أنه لا سلطان لي في ذلك ولكن سلطان الأقدار لكن المسافة الفاصلة بين لحظتي التي أعيشها الآن والموت هي ملكي ولهذا لن أتركها للأقدار تعبث فيها ولا حتى للحنين الذي لحظة بياض وصمت غير مفيد، أمارس سلطاني عليها، ولا مكان إلا لمن يمنحك هذه المتعة الرائعة وهذه الحرية المذهلة. المدينة هي إذن رديف الحرية والحرية بالنسبة إلي شيء مقدس إلى أبعد الحدود. فعندما تسرق مني حريتي أختنق وأموت في اللحظة نفسها، هش مثل أجنحة فراشة. وكتاباتي من وقائع من أوجاع رجل مرورا بنوار اللوز إلى سيدة المقام وشرفات بحر الشمال وطوق الياسمين هي تمجيد حي لهذه العلاقة بالمدينة التي في والتي كثيرا ما أصنعها خارج سياقات الحقيقة الموضوعية والمادية.

فتحت عيني على عالم متنقل بشكل دائم. أنا لا أعرف بالضبط السر الكامن في الترحال؟ ربما كما قلت لك أنا أنتسب صوفيا على الأقل، إلى قبيلة عرفت بالتنقل الكثير والترحال، ولم تكن قبيلة محاربة ولهذا كلما اشتدت صعوبات الحياة، تركت أمكنتها وغربت أو شرقت بحسب الأمكنة الآمنة. جدي الأول غادر أندسله في القرن السادس عشر على متن سفينة كان يقودها قرصان إيطالي كان يسرق أموال الموريسكيين ويرمي بهم في البحر بعد أن يسلبهم أموالهم، ومع ذلك وصل جدي حيا إلى المنطقة. لا أعرف بالضبط الحقيقة التاريخية وهي ليست مهمة كثيرا ولكن القصص كلها تقول إنه رفض أرضا تحرق فيها الكتب ورفض أن يترك دينه وحنينه لأرض يعتقد أنه بناها وله حق فيها. ولأني ولدت في زمن الحرب أي زمن التنقل المستمر بلا توقف. أمي وجدتي هاجرتا للمغرب ثم عادتا، أغلبية سكان قريتي إما هاجروا للجبال وحملوا السلاح دفاعا عن أرضهم وعرضهم، أو هاجروا إلى فرنسا أو المغرب. ثم فتحت عيني على والد هاجر إلى فرنسا ثم عاد ليموت على أرضه. فأنا من مكان يمكن أن نسميه اللامكان لأنه متغير باستمرار. أعتقد أن هذه الحركية ولدت في رغبة للتنقل الدائم. والرحلة في اعتقادي هي رفض كبير للتسليم بإرادة الأقدار التي تفرض علينا أنظمتها وسلطانها. هي البحث الدائم عن مثل آخر غير ما توفره لنا الشرطية الصعبة والقاسية. إلى اليوم تكاد علاقتي بالمكان أن تتحول على مشكلة، بين طائرة وطائرة وبلاد وأخرى، أصنع عالما جميلا قريبا من الوهم. مثل الذي يرسم في الماء أو في الهواء عالما لا يراه إلا هو. أنا سعيد بذلك لأن الأدب في النهاية ليس إلا ذلك العالم المنزلق أبدا الذي نصنعه ونعيد صناعته من أجل تثبيته، ولكنه سرعان ما يخوننا حينما يصنع طريقه بنفسه.

ضمن هذه الثنائية القرية/ المدينة الصعبة، كيف انبت علاقة واسيني مع المدينة؟ المسألة ليست بسيطة إذ كثيرا ما تترتب علنها شيزوفرينيا تصعب مقاومتها؟

ستستغرب إذا قلت لك إن العلاقة مع المدينة كانت علاقة حب على الرغم من الخوف المبهم الناتج عن عدم معرفة النظام المسير للعلاقات، وعلاقة حب من هذا النوع تنبني على المشاكسة والالتباس. لقد كبرت في قرية صغيرة، مجهرية، قليلا ما أراها في الخرائط الوطنية الأكثر تفصيلا، وكلما صادفت ورأيتها شعرت بسعادة غامرة وكأن وجودها مبرر لوجودي. غادرتها، وكان ذلك بمثابة قطع الحبل السري، في سن العاشرة باتجاه مدينة أندلسية اسمها تلمسان، مدينة مذهلة بجمالها وحدائقها وثلوجها وبناياتها الجملية بأسقفها القرميدية الخضراء. ومع ذلك عندما دخلتها لأبقى فيها من 1968 حتى 1973 كنت خائفا من شيء غامض لم أكن قادرا على فهمه. أعتقد أن المسألة مرتبطة بسلطان الأنا. في قريتي كان وجودي حاسما، كل الناس يعرفونني ويقولون لي صباح الخير ويسألونني عن صحتي وعن أهلي بينما في تلمسان شعرت بسلطان البنايات العالية وبوجوه الناس التي لا ملامح لها، كل شيء كان أملس وممسوحا. العلاقة في حالة مثل هذه تنبني على الخوف من سلطان المدينة إضافة إلى الأساطير التي نحملها عن المدن من رعب وقتل وتعدي صارخ. لكن عندما أحببت لأول مرة في هذه المدينة وعشقت أول امرأ في حياتي، شعرت بأن الخوف بدأ يزول ولهذا أنا مقتنع أن الحب يذلل كل الصعاب ويمحو الخوف بل يدفع بنا إلى أقصى درجات المغامرة. المدينة التي كنت أخافها أصبحت تمنحني غطاء لممارسة كل الحماقات الجميلة التي تمنعني منها القرية. صرت أهرب مع حبيبتي أينما شئت ولا من يعرفنا, أذوب بسهولة بين تفاصيلها. ولم تكن تأبه بما كنت أفعله وأجمل شيء في العلاقة بالأمكنة هو أن تمر بدون أن يعلم بك أحد أو يعرفك. ثم انتقلت في 1973 إلى مدينة وهران التي كانت ما تزال تحمل في تفاصيلها آثار المرور الإسباني الذي استمر قرونا، في وجوه الناس المختلطة وفي البنايات وفي نمط المعاش الأكثر حرية من تلمسان المحكومة بأخلاق العائلات الأندلسية والتركية القديمة. في وهران كان كل الناس سواسية، كلهم ملوك وكلهم رعايا بسطاء ولهذا فالأربع سنوات التي قضيتها فيها كانت كافية بأن تجعلني رجلا، أي قطعت علاقتي مع طفولتي الأولى نهائيا، وافتضت براءتي وبدأت أكتشف أسرار الحياة الجميلة، نساء المدينة وباراتها الإسبانية العتيقة وجريدة الجمهورية التي بدأت أشتغل فيها والتي ساهمت في تعريبها مع مجموعة من الشباب ولم يصل عمري العشرين سنة, القيمة التي وفرتها لي هذه المدينة كانت استثنائية، كان عمري أقل من عشرين سنة وكنت صحفيا أحرر المقالات بالعربية أو أترجم لأصدقائي الصحفيين الفرانكفونيين الذين لم تكن لديهم الإمكانية للكتابة باللغة العربية بعد تعريب الصحيفة، وكنت أدرس في الوقت نفسه في قسم الأدب بعد أن اخترت طريق اللغة العربية لأني طوال الفترة الثانوية كانت لغتي الأولى في الدراسة هي الفرنسية. كنت مشبعا بشيء غريب هو الإسبانية، كنت أشعر أن بها سر أجدادي خصوصا وأني من الموريسكيين أي الذين اضطروا إلى ترك الأندلس بعد سقوطها. تعلمت اللغة الإسبانية في هذه المدينة التي صالحتني مع جزء من تاريخي وكنت سعيدا لأني فهمت الكثير من الكلمات التي كانت تستعملها الجدة وهي من اللغة الإسبانية. عشت بين مدينتين فيهما الكثير من العطر الإسباني، تلمسان الأندلسية التي استقبلت الكثير من الهاربين من محاكم التفتيش المقدس الإسباني في القرن السادس عشر والسابع عشر، ولكنها ظلت محافظة على الإرث الأندلسي ووهران المدينة الإسبانية بامتياز التي ترك عليها المستعمر آثاره بشكل واضح وكان يمكن أن تكون اليوم مثل مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين لولا ثورات خير الدين بربروس الذي أخرج منها الغزاة الذين شيدوا مدينة مذهلة للبقاء فيها.

  Reply With Quote