View Single Post
Old 08-09-2010, 04:07 AM   #11
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default

أسس وركائز وتطبيق الديمقراطية
5
مؤسسات الدولة والديمقراطية
"الدولة هي الإرادة العامة التي تجسد المعقول في دستور وفي قوانين"
ريمون بولان
الدولة العصرية هي الهوية الجماعية للشعب حاضرها ومستقبلها. تبنى الدولة الحديثة على مؤسسات وليس على أفراد أو حزب. الأفراد والأحزاب يزولون أما المؤسسات فتبقى بعدهم ولأجيال كثيرة. الديمومة في الدولة تتجسد في ديمومة مؤسساتها. السياسي الذي يتعامل مع الدولة كملكية خاصة له، كما هو الحال في كثير من الديكتاتوريات العربية وغيرها، يقضي على مقومات بقائها. فزوالها بزوال مالكها. يجب أن تستند سلطة الحاكم على جملة معايير ومفاهيم وقيم وقوانين مجردة عن الفرد أو أي هيئة اجتماعية لها نفوذ على مصير الدولة والمواطنين.

السياسي المنتخب هو الموكّل على حسن سير مؤسسات الدولة لتقدم أفضل الخدمات للمواطنين وهي مستقلة عنه رغم أن له السلطة الشرعية لتعديلها وتغييرها لتتلاءم مع العصر. مسؤوليته أمام المؤسسات كبيرة جدا. لا يصح له أخلاقيا وديمقراطيا أن "يتلاعب" بتعكير سيرها وتقرير مصير بعضها بخفة وعدم مسؤولية. أي تطاول عليها جريمة في حق الشعب. على الحاكم ألا يتسرع بشطب ما فعله الآخرون قبله والرجوع إلى نقطة الصفر في بناء جديد لمؤسسات تعكس رؤيته الخاصة. هذا يؤدي إلى هدر الطاقات والأموال والطعن بثقة الناس فيها. مثلا عندما تتدخل كل حكومة جديدة في تغيير برامج الدراسة لتتلاءم مع عقيدتها السياسية ولتمجيد "قائدها" الجديد، يهدد هذا من جدية التربية ويعرّضها لنزوات السياسي الذي يحتقر ما تم قبله ويسخّر هذه المؤسسة لأغراض ضيقة بعيدة عن المصلحة العامة ومناقضة للديمقراطية. التربية هي العامود الفقري لكل مجتمع فكل تغيير فيها يحتاج إلى روية ورؤية سياسية بعيدة المدى. ومن الضروري أيضا، للصالح العام، إبعاد الجهاز الإداري للدولة عن النزاعات السياسية الحزبية.

لا يمكن عمل الدولة الديمقراطية دون بيروقراطيين وتكنوقراطيين. الإدارة البيروقراطية الحديثة هي أكثر أشكال الإدارة عقلانية. لأنها تتأقلم مع كافة الوظائف بسبب عملها المتواصل والدائم والمنظم رغم تغير الحكام. هذه البيروقراطية/التكنوقراطية تملك كل المعارف المتخصصة. البيروقراطية في النظام الديمقراطي حيادية لأن الموظف فيها يعمل ما عليه دون محاباة. البيروقراطية مفتوحة لكل الأفراد ذوي المؤهلات بدون تمييز عنصري أو طبقي أو ديني أو غيره.

لكن مما يشل أداء المؤسسات أيضا، وجود بيروقراطية سيئة غير فعّالة تحمي المنتفعين من السماسرة وتقبل الرشوة والابتزاز كأمر واقع. بذلك تبتعد المؤسسات عن خدمة المواطنين. من واجب السياسي النظر في تطوير مؤسسات الدولة لتصبح أكثر فعالية لخير المواطنين وترسيخ أخلاقيات جديدة وتحديد المسؤوليات بشكل واضح وبأقل ما يمكن من التعقيدات الإدارية. تمثل مؤسسات الدولة قسما كبيرا من نشاطات الناس ومعاملاتهم مع بعضهم البعض. فهي الرصيد والضامن لمستقبل الشعب. وهي ليست ملكية خاصة للبيروقراطيين. موظفو الدولة هم في خدمة الشعب وليسوا سادة عليه.

هناك أيضا ظاهرة التكنوقراطيةوإمكانية تأثيرها السلبي في الحكم الديمقراطي. التكنوقراطية في السياسة هي حكم الخبراء، وبشكل أدق، تأثير الخبراء المتزايد في كافة المستويات السياسية. بسبب خبراتهم الكبيرة يوجهون بشكل مباشر أو غير مباشر القرارات السياسية للحاكم ويلعبون دورا هاما في أمور الدولة. التكنوقراطي يملك المعرفة الواسعة في مجاله. هذه المعارف هي في عصرنا مفتاح الحلول في كثير من الأمور السياسية وغيرها.
تناقض التكنوقراطية مع الديمقراطية ناتج عن تأثير "الخبراء" في القرار السياسي دون أن يكونوا منتخبين. فالعمل السياسي يتحول من يد الحاكم إلى يد أناس يعملون من وراء الستار دون أي شرعية. يزداد تأثير التكنوقراطيين بتزايد صعوبة المشاكل المطروحة أمام السياسي وخاصة إن كان هذا الأخير ضعيفا وقليل الخبرة والثقافة العامة. فهو لا يستطيع مجابهة المختصين ولا يستطيع توضيح الخطط والأطر اللازمة لوضع سياسات واضحة المعالم والأهداف.

من واجب السياسي المفوض من قبل الشعب، أن يكون حذرا من التكنوقراطيين. عليه أن يوسع نطاق الاستشارات للوصول إلى رؤية أوسع للأمور وإيجاد أفضل الحلول وبهذا يضعف من تأثير كبار التكنوقراطيين عليه. من جهة أخرى على التكنوقراطي أن يتحلى بأخلاق عالية لكي لا يتعدى الحدود المرسومة له. فهو "موظف" عند السياسي وليس له تفويض من الشعب للتأثير ولتوجيه القرارات السياسية دون الرجوع الى المسؤولين.

  Reply With Quote