View Single Post
Old 02-22-2010, 10:51 AM   #1
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default براقش الافريقيه 3

الجمعة
استوقفني، خلال اليومين الماضيين تباعاً، ما اتفق لآراء الأساتذة عبد الله علي إبراهيم وهالة عبد الحليم ومحمد لطيف من أن تنعقد، بالمصادفة، ودون سابق ائتمار، قطعاً، مع الاختلاف في زوايا التسبيب، على نقد الأستاذ ياسر عرمان، المرشح لرئاسة الجمهوريَّة عن الحركة الشعبيَّة، في تركيزه الواضح، ضمن خطاب تدشينه لحملته الانتخابيَّة، على إحياء رمزيَّة القائد الوطني علي عبد اللطيف.
من جانبه عدَّ عبد الله، في عموده بـ (الأحداث) أوَّل البارحة، اختيار ياسر لمنزل البطل منصَّة انطلاق لحملته، أثراً ممَّا قال إن شماليي حركات الهامش تواضعوا عليه، تمييزاً لشاغلهم المعاصر، رغم أن رحلة الشهيد الوطنيَّة اتخذت مسارها، في رأيه، من الهامش إلى سدة المركز، بينما رحلة هؤلاء اتجهت، في خط معاكس، من سدة المركز إلى أشواق الهامش. وفي السّياق أبرز الكاتب من سيرة البطل ".. تتفيه أعيان الشمال لحركته"، بمظنة (الوضاعة) في أصله، ممَّا جعل شعور الاستفزاز لديهم، جرَّاء ما يكتنف أصله ذاك من دلالات، يغلب على إحسان التقدير لموقفه من الاستعمار، كونه، هو بالذات، وبذلك (الأصل)، قد اختار أن يختط طريقاً مضاداً لتعاونهم هم مع الإنجليز، أو مصانعتهم لهم، لا فرق. ومن هذه الزاوية أخذ عبد الله على ياسر احتفاءه بعلي عبد اللطيف النوباوي الدينكاوي، مهدراً، بالمرَّة، أو هكذا بدا للكاتب، أيَّة قيمة لمذكرته الشهيرة الموسومة بـ (مطالب الأمَّة السودانيَّة)، والتي ساقته إلى السجن، ما يعني، ضمناً، إعادة إنتاج ذات التصوُّر (الشمالي)، وإن بأسلوب مغاير (الأحداث، 17/2/10).
أما هالة فقد اتخذت، في كلمتها أمام محفل (المبادرة الشعبيَّة) الذي نظمه، مساء نفس اليوم، شباب من الجنسين، بـ (بيت الفنون) ببحري، لدعم ترشيح ياسر، نفس الموقف الناقد لتركيز مرشح الحركة على استثارة رمزيَّة القائد الوطني في الوجدان الشَّعبي، وإن اختلفت زاوية تسبيبها عن زاوية عبد الله، حيث اعتبرت الأمر، برمته، غير ذي بال في مثل هذه الحملة الانتخابيَّة، جازمة بأن هذه (الرَّمزية) غائبة، أصلاً، عن هذا الوجدان، بل وغائبة (رمزيات) أقرب منها، تاريخيَّاً، كالشفيع وعبد الخالق وجوزيف قرنق!
وأما لطيف فقد تطابق نقده مع نقد هالة، شكلاً ومضموناً، حيث قطع بالأمس، في تحليله السّياسي بهذه الصحيفة، أن ".. للانتخابات حسابات أخرى، ومنطقاً آخر، (وقد) فات على الحركة .. كمُّ السودانيين الذين يمكن أن تحرّكهم شجون التاريخ اليوم" (الأخبار، 18/2/10).
ومع أكيد احترامي للأساتذة الثلاثة، إلا أن حُججهم، في رأيي، تفتقر إلى القدر الكافي من طاقة الإقناع! فعبد الله لم ينظر لعبد اللطيف إلا كـ (ممثل) أدَّى (دوراً) على خشبة مسرح (رجل واحد)، ولم يحظ من (النظارة) إلا بـ (أعيان الشماليين) الذين اصطفوا في الظلام يشاهدونه وهم يقلبون شفاههم قرفاً من (وضاعة) أصله النوباويّ ـ الدينكاويّ! وتلك، يقيناً، صورة (مخالفة)، تماماً، لـ (الحقيقة التاريخيَّة)، أو هي، في أفضل الأحوال، (مجتزأة) من هذه (الحقيقة)، فلا تعبّر إلا بشكل شائه عن ملمح بسيط منها. أما الجزء الأكبر من الصُّورة فقائم، دون أدنى شكّ، في الغالبيَّة العظمى من قادة (اللواء الأبيض) وأعضائه الذين ستظلُّ ذاكرة التاريخ تحفظ لهم أنهم أدُّوا (أدوارهم) المجيدة، أيضاً، خلف قيادة نفس ذلك الفتى النوباويّ ـ الدينكاويّ، وهم، بعدُ، من ذات أصول (الأعيان) الذين استعظموا التسليم بريادته! كما وإن هذا الجزء الأكبر من الصُّورة قائم، كذلك، بين صفوف طلاب الكليَّة، والمدرسة الحربيَّة، وصغار التجار والأفنديَّة، وسائر المواطنين في الخرطوم الكبرى، الذين ألهمتهم حركة (اللواء الأبيض)، فانفجروا، يوم تشييع المأمور المصري عبد الخالق حسن، يردّدون الشعار الباذخ خلف المناضل الحاج الشيخ عمر دفع الله: "يسقط الاستعمار"، ويقود العسكريون منهم تمرُّدهم المسلح الذي انتهي بالصّدام الدَّموي غير المتكافئ بمنطقة مستشفى النهر (العيون حاليَّاً)!
الشَّاهد، من ناحية، أنه، لئن كان في السودانيين (أعيان) مالئوا الاستعمار، فقد كان فيهم، أيضاً، (أهالي)، بل و(أعيان) آخرون لم يمالئوه، وإنما، على العكس من ذلك، اتخذوا موقفهم المضاد له، بإلهام (اللواء) وقيادته الماجدة، وفي موضع الرأس منها علي عبد اللطيف، وذلك، على خلاف ما ترى هالة وما يرى لطيف، هو ما تحفظه الذاكرة الجمعيَّة، وما قرَّ في الوجدان الوطني، جيلاً في إثر جيل، وما ينبغي ألا يكفَّ السّياسيون والمثقفون الوطنيون الديموقراطيون عن روايته، والتذكير به، للأجيال الجديدة، وإشعاله في وجدانها، فلا تثريب على ياسر إن فعل، مستثمراً سانحة (حملته الانتخابيَّة) التي ليس ثمَّة أكثر ملائمة منها لذلك.
أما من ناحية أخرى، فلا بُدَّ أن عبد الله، وهو أحد أئمَّة الدّفاع عن (التنوُّع)، يتفق معنا في أنه، لئن ظلَّ (التهميش) و(الاستعلاء)، تاريخيَّاً، سواءً بالعرق، أو الجهة، أو الدين، أو الثقافة، أو اللغة، أو غير ذلك، يمثلان أخطر العقبات الكئود أمام تحقق حلمنا بتشكل شعوبنا وتكويناتنا القوميَّة المختلفة في أمَّة موحَّدة، بقوامات هويويَّة متعدّدة، متنوّعة، ومتحاورة سلميَّاً، فإن تجاوز هذين (التهميش) و(الاستعلاء)، وإحداث اختراق حقيقي بشأنهما، لا يكون بمجرَّد التلويح، "من فوق أسطح البيوت"، بشعارات هذا (التجاوز) و(الاختراق)، وإنما باتخاذ المواقف العمليَّة في المحكات العمليَّة، كلما دقت لها ساعة، أو قام لها سوق؛ فكيف بـ (مرشَّح) يعلن، صباح مساء، أنه جعل من قضيَّة (الوحدة العادلة) محوراً لحياته كلها، ثمَّ ها هو (موسم الانتخابات) أتاح له أن يدشّن (حملته)، ويرسل (خطابه)، فاختار منصَّته لإطلاق هذه (الحملة)، ومنبره لتوجيه هذا (الخطاب)، بيت علي عبد اللطيف، ليس باعتباره، فقط، (رمزاً) تاريخيَّاً ضخماً من رموز هزيمة (الاستعمار)، بصلابة (مواقفه) النضاليَّة الوطنيَّة، بل وباعتباره، أيضاً، (رمزاً) لا يقلُّ تاريخيَّة وضخامة على صعيد هزيمة (التهميش) و(الاستعلاء)، بفرادة (خصائصه) الإنسانيَّة الشخصيَّة؟! وأيَّة أهمّيَّة، بعد ذلك، لأن ينساب هذا المعني النبيل من (أشواق الهامش) إلى (سدة المركز)، أو من (سدة المركز) إلى (أشواق الهامش)؟!

السبت
بعد ظهر الخميس 20/2/2010م شهدت نيامي، عاصمة النيجر، ثالث انقلاب عسكري، بعد انقلابي 1990م و1996م، وقد قاده بعض كولونيلات الجيش من عشيرة الرئيس المخلوع محمدو تانقا، فأطاحوا بالنظام التعدُّدي، واستولوا على السلطة، إثر معارك في محيط القصر الرئاسي خلفت ثلاثة قتلى على الاقل، وعطلوا العمل بالدُّستور، وحلوا المؤسَّسات كافة، واعتقلوا رئيس الجمهوريَّة ووزراءه، وأطلقوا على عمليَّتهم، كالعادة، اسماً برَّاقاً هو (استعادة الديموقراطيَّة!)، بينما هم، في الواقع، قد أضافوا بنداً جديداً إلى أجندة (متاعب الديموقراطيَّة) في القارَّة!
النيجر التي تعتبر ثالث منتج لليورانيوم في العالم، ومع ذلك يعيش 65% من مواطنيها تحت خط الفقر (دولار واحد للفرد في اليوم)، لم تشهد، أصلاً، هدوءاً في أوضاعها المضطربة طوال الأشهر الماضية، بسبب إقدام تانقا على حلّ البرلمان، والمحكمة الدستورية، وتمديد ولايته ذات الخمس سنوات، في الأصل، والتي كان من المفترض أن تنتهي في ديسمبر 2009م، إلى أجل غير مسمَّى، وذلك في إثر إلغاء دستور 1999م، وإصدار دستور جديد، في أغسطس 2009م، منح الرئيس صلاحيَّة البقاء في منصبه دون تحديد مدَّة، ما أدى إلى تنازع عنيف بين الحكومة والمعارضة.
عبرة في غاية البساطة ما انفكَّت تتكرَّر، في بلدان أفريقيا، دون أن تلقى أدنى اعتبار؛ فليست عوامل الفقر، أو الفساد، أو آثار التاريخ الاستعماري، أو الحرب الباردة، هي وحدها المسئولة عن تفسير (ظاهرة الانقلابات) في القارَّة، بل إن إساءة استخدام الديموقراطيَّة التعدُّديَّة، من جانب نفس القوى التي يُفترض أن تكون المستفيد الأوَّل منها، لا بُدَّ أن ترتدَّ إلى عنقها هي، في المقام الأوَّل، فيُصار إلى إعادة إنتاج حكاية (براقش الأفريقيَّة) .. المرَّة تلو المرَّة!
تحالف المعارضة المسمَّى (منسقيَّة القوى الديمقراطيَّة من أجل الجمهوريَّة)، والذي يضم أحزاباً سياسيَّة، ونقابات، ومنظمات لحقوق الإنسان، سيَّر، بالجمعة 19/2/2010م، مظاهرة أمام مبنى البرلمان في نيامي، قوامها عشرة آلاف شخص، لـ "دعم الانقلاب!"، و"الترحيب!" بالإطاحة بـ "ديكتاتوريَّة محمدو تانقا!"، وسلم النقيب هارونا جبريلا أحمدو، عضو المجلس العسكري الجديد، مذكرة أعرب فيها عن "استعداده!" للمساهمة في "إنجاح تحوُّل ديموقراطي!" بالتركيز على تبني دستور "توافقي!" وتنظيم انتخابات "حرة وشفافة!" (إي إف بي، 19/2/10).
الاتحاد الأوربي أوقف مساعداته التنموية للنيجر. والمجتمع الدولي أدان الانقلاب، وطالب بالعودة سريعاً إلى الديموقراطيَّة، كما أدانته، بوجه مخصوص، فرنسا التي تملك مصالح في مجال استثمار اليورانيوم في النيجر، رغم أن ألان جويانديه، وزير الدولة الفرنسي لشؤون (التعاون!)، عبَّر عن عدم وجود سبب للخوف من إعادة النظر في (الشراكة!) بين النيجر ومجموعة اريفا الفرنسيَّة النوويَّة. وفي السياق دعا بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى احترام دولة القانون وحقوق الإنسان.
من جانبه، أيضاً، ندّد الاتحاد الأفريقي، بالانقلاب، وعلق عضويَّة النيجر فيه. والواقع أن هذا الاتحاد، الذي يضم 53 دولة، قد استنفد، في مسعاه للقضاء على (ثقافة الانقلابات)، جهود قمم كثيرة، ولكن، في ما يبدو، بلا طائل. فقد انعقدت آخر هذه القمم بأديس أبابا، صباح 31/1/2010م، أي قبل نحو أسبوعين، فقط، من انقلاب كولونيلات النيجر، حيث اعتمدت خطة جماعيَّة لمجابهة أيّ تغيير للسلطة بالقوَّة في أيّ بلد أفريقي، وأبرز ملامحها دعوة المنظمات الدوليَّة لتطبيق عقوبات على مدبّري أيّ انقلاب فور وقوعه! وكانت موجة من الانقلابات الناجحة، كما في موريتانيا وغينيا ومدغشقر، والفاشلة كما في توغو وغينيا بيساو، قد اجتاحت القارَّة خلال الأشهر التي سبقت قمَّة أخرى انعقدت، قبل ذلك، بمدينة سرت الساحليَّة الليبيَّة خلال الفترة من الأوَّل إلى الثالث من يوليو 2009م. فحاولت تلك القمَّة، أيضاً، مجابهة هذه الظاهرة بحلول جماعيَّة لم تخرج عن تعليق الاتحاد، فضلاً عن المجموعة الاقتصاديَّة لدول غرب أفريقيا (ايكواس)، ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (سادك)، عضويَّة الدول التي وصلت فيها جماعات عسكريَّة إلى السُّلطة بطريق الانقلابات.
الطريف أن العقيد معمَّر القذافي، الرئيس السابق للاتحاد الأفريقي، والذي جاء، هو نفسه، إلى السُّلطة في ليبيا، بانقلاب عسكري عام 1969م، وبقي متشبّثاً بها حتى الآن، صرَّح لـ (وكالة أنباء عموم أفريقيا)، قبيل انطلاق قمَّة أديس الأخيرة، محذراً من "عودة ظاهرة الانقلابات إلى القارَّة"، بقوله: "إن (العسكريين!) يبحثون عن (مبرّرات!) مثل فشل الحكومات، ولا يحسبون حساباً للاحتجاجات الدَّوليَّة، ولا لرفض التغيير (بالقوَّة!)، فهي أمور لا تبعث الخوف في نفوسهم!" (الشرق الأوسط، 31/1/10).



  Reply With Quote