الاجتهاد في العشر الأواخر
إن رمضان قد أخذ في النقص فزد أنت في العمل، فكأنك بالشهر قد انصرف ولن تجد من شهر الصيام خلف.
إن هذه الأيام التي نحن مقبلون عليها هي أعظم ليالي السنة، بل هي كالتاج على رأس أيام وليالي رمضان بل وكل الزمن، وقد كان السلف رضوان الله عليهم يعظمونها. يقول أبوعثمان: كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأول من المحرم، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد لهذا الثلث استعدادًا خاصًا ويجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره. ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره".
وفي الصحيحين عنها أيضًا: "كان إذا دخل العشر شد المئزر، وأحيا ليله، وأيقظ أهله".
وفي الحديث دلالة على أمور ثلاثة:
الأول: شد المئز وهو كناية عن اعتزال النساء للتفرغ للعبادة، فإن كان يأتي أهله في العشرين الأولى فإنه لا يفعله في العشر الأواخر إذ لا وقت لذلك وإنما هي العبادة والعبادة فقط.
الثاني: إحياء الليل فقد ذكر أنه في العشرين الأولى كان يخلط عبادة بنوم، أما في العشر فلا نوم مطلقا، أو ربما بما يتقوى فقط به البدن.
والثالث: أنه كان يوقظ أهله للتعبد والتماس البركات والخيرات في هذه الليالي الكريمات العظيمات.
قال ابن رجب: ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه.
وقال سفيان الثوري: أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه وينهض أهله وولده للصلاة إن أطاقوا ذلك .
|