View Single Post
Old 08-23-2011, 06:21 PM   #4
 
مصطفي القرشي
زائر

رقم العضوية :
السكن: السعودية - الرياض
المشاركات : n/a
بمعدل : 0



Default

أيها الناس : انتهى رمضانُ فرأينا أناساً على العبادةِ استقاموا ، وعلى عملِ الخيرِ والبرِ استمروا ، وعلى جليلِ الطاعةِ داوموا . وهذا ديدنُ المؤمنينَ وهُجِيرَاهُم ، إذ المؤمنُ لا يعرفُ العبادةَ في زمنٍ ثم ينفكُ عنها ، أو ينشطُ عليها في أوانٍ ثم يَهجرُهَا، إذ المرادُ من العبدِ ما قصدَه اللهُ من عبادةٍ فيما خَلقَهم لَهُ أن يَعبدوهُ وحدهُ لا شريكَ لَهُ ، وأنْ تدومَ عبادتُهم لَهُ ، قال اللهُ تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) , وقال تعالى : (وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)(الأنعام: من الآية71) وقال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99). قال الحسنُ البصريُ - رحمهُ اللهُ - : إنَّ الله لمْ يجعلْ لعملِ المؤمنِ أَجلاً دونَ الموتِ ثُمَ قرأ : ( واعبد ربك حتى يأتيكَ اليقينُ ) ويقول عليه الصلاة والسلام: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله...الحديث " فليس للعبادةِ والاستقامةِ تاريخُ صلاحيةٍ أو أوانُ انقطاعٍ أو زمنُ نهايةٍ ، قبلَ أَنْ تضعَ الروحُ عصى الترحالِ ، أو تُسلِمَ الحالَ إلى باريها . يقولُ اللهُ تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30)، هكذا يكونُ المسلمُ مستمراً مداوماً متابعاً لا يروغُ روغانَ الثعالب.
أولئكَ الذينَ يعبدونَ اللهَ شهراً ويهجرونَ العبادةَ أشهراً ، أو يعبدونَ اللهَ في مكانٍ ثُمْ يَقلِبونَ العبادَةَ إلى معصيةٍ في مكانٍ آخر، أو يعبدونَ اللهَ مع قومٍ وإذا رَحلواْ معَ قومٍ آخرينَ أو خَالطوا أقواماً آخرينَ تركوا العبادةَ ، بلِ المسلمُ يعبدُ ربَهُ في رمضانَ وفي سائرِ الشهورِ ، وفي مكةَ وفي بلادِ الإسلامِ وغيرِها ، ومعَ المسلمينَ ومعَ غيرِهِم ، فربُّ الأزمنةِ واحدٌ وربُّ الأمكنةِ واحدٌ وربُّ الأقوامِ واحدٌ .
فالمقصودُ مِنَ المسلمِ المؤمنِ المداومةُ على العملِ والاستمرارُ على الطاعةِ حتى يلقى اللهَ ثابتاً عليها ، وليقلْ المؤمنُ المستقيمُ :
اليومَ ميلاديْ الجديدُ وما مضـى * موتٌ بليـتُ بـهِ بليـلٍ داجِ
أَنا قدْ سريتُ إلى الهدايةِ عَارِجاً * يا حُسنَ ذا الإسراءِ والمعراجِ
لا بدَ من المضي على الخيرِ والصلاحِ الذي عَمِلنَاهُ في رمضانَ . قالَ اللهُ تعالى : ( فاستقمْ كما أمرتَ ومنْ تابَ معكَ ولا تطغوا ) وقال تعالى : ( فاستقيموا إِليهِ واستغفرُوْه ) وقالَ النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لرجلٍ جاءَهُ يطلبُه النصيحة ويستهديهَا ويستمحِضُهَا : ( قلْ آمنتُ بالله ثم استقم ) ليسَ في الدينِ راحةٌ أو إجازةٌ أو انقطاعٌ، قيلَ للإمامِ أحمدَ – رَحِمهُ اللهُ – يا إمامُ : متى الراحةُ ؟ قالَ : عندَ أولِ قدمٍ نضعُهَا في الجنةِ .

أيهَا المسلمُ المباركُ : تخيلْ تاجراً جمعَ أموالاً وعقاراً ودُنياً وهوَ في جَمعِهَا مجدٌ ومجتهدٌ ناصبٌ ؟ ثم لما بلغَ قمةَ الهرمِ واستوفى العزةَ والجاهَ والنوالَ فتحَ الخزائنَ للسُراقِ وتركَهَا للقوارض والعوادي دونمَا حِفظٍ أو حِراسةٍ أو مُلازمةٍ ، إذنْ تضيعُ أموالُه وأملاكُه التي ربحَهَا لأنهُ مَا حَافظَ عليهَا .
فكذلكَ مَنْ اكتسبَ أعمالاً وطاعاتٍ وحسناتٍ في رمضانَ إذا لم يحرُسَها بالاستقامةِ ويلازمها بقفلِ المداومَةِ ويَجْعَلْها في حرزِ الاستمرارِ ضاعتْ وأصبحتْ هباءً منثوراً عياذاً بالله .
وهلْ عَلمتَ تاجراً يشقُ كيسَ دراهِمِه فكذلكَ الصائمُ عِند ما يشقُ كِيسَ حسناتِهِ بالتفريطِ والتضييعِ ، ولقدْ أَضاعَ رمضانَ أقوامٌ بمجردِ زوالِ آخِرِ لحظةٍ منهُ ، بعضُهُم استقبلَ العيدَ مودعاً لكلِ خيرٍ ألفهُ ولكلِ عملٍ صالحٍ عَمِلَهُ وبعضُهم ودعَ رمضانَ بالمعصيَةِ ، أولئك الذينَ خسروا وخَابوا وربِّ البيت .
فما بالُ الكثيرين أخذوا ينصرمونَ وينصرفونَ عن صالحِ الأعمالِ بعد انصراف رمضان ، كثيرٌ من الناسِ الآنَ ضَعُفَ وغابَ عَنْ صيامِهِ وقراءتِهِ وجدِه واجتهادِه .
فمَا بالُ أقوامٍ يقبلونَ في رمضانَ على الطاعةِ والبرِ فإذا انسلخَ رمضانُ انسلخوا مِنْ كُلِ شيءٍ ، وبئسَ القومُ الذينَ لا يعرفونَ اللهَ إلا في رمضانَ .
أينَ الذين عمروا المساجدَ في رمضانَ ، وازدحموا في ليلةِ سبعٍ وعشرينَ وختمِ القرآن ، أين الأصواتُ المدويةُ بتلاوةِ التالينَ ، أينَ الذينَ تكاثروا على المساجدِ والمراكزِ الخيريةِ آداءً للزكاةِ ودفعاً لصدقة الفطرِ هل زاغتْ عنهم الأبصارُ أو تخطفهم طيورٌ مِنَ السَماءِ أم حلتْ بِهم قارعةٌ في الديار أم أصابتهم نازلةٌ أقعدتهُم على الفُرُشِ أم أصابتهُمْ سِهامُ المنايا فجعلتهم جثثاً هامدةً.
نعوذُ باللهِ منَ العمى بعدَ البصيرةِ ومن الضلالِ بعد الهدى ، وإن تلْكُمْ لمأساةٌ كُبرى وخسارةٌ عظمى أنْ يبنيَ الإنسانُ ثم يهدم وأَنْ يستبدلَ الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ .
فيا أيها الصائمونَ القائمونَ الداعونَ المتصدقونَ في رمضانَ لا ترجِعُوا بعدَ الجماعةِ في المسجدِ إلى الصلاةِ في البيوتِ فُرادى ، ولا بعدَ القيامِ مع الإمامِ في الصلاةِ إلى القيامِ على الشاشةِ والسهرِ الحرامِ .

  Reply With Quote