View Single Post
Old 06-11-2011, 08:55 AM   #19
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default

آلية التحويل هي التي جعلتني مفتوناً بقصة "مريم الأخرى" التي حوّلها سيدنا عيسى عليه السلام من إمرأة في قمة العهر الى إمرأة في قمة الطهر، وارسلها نقية، لذا اعجبت بذكاء الشاعر محمد ابراهيم شمو وهو يستلهم القصة ويستخدم تقانة القناع في الشعر بوعي كبير وهو يكتب قصيدته التي خلدها المبدع الراحل مصطفى سيد أحمد " ما بين مريم الأخرى والمجدلية" وإن اختلفت آلية التحويل لأن شمو قصد تحويل وطن من قمة العهر الى وطن قمة الطهر، وبالطبع هو يقصد العهر والفساد السياسي.
في هذه الأغنية لم يفتنني لحن مصطفى سيد احمد ولا جمال صوته الباص بريتون بقدر اما اعجبني ذكاؤه وحسن اختياره وثقافته وذلك بالرغم من جمال اللحن والصوت وحبي لمصطفى سيد احمد، هي الأغنية الوحيدة التي استمع لها على أنّها محاضرة ثقافية تنطوي على ثقافة كاملة ودروس وعبر، لأن الشاعر وظّف كل القصيدة بجمال ووعي لا يحده حدود، وتجدني دوما منبهرا وأسائل نفسي :
كيف نجح في كتابة محاضرة بكل هذا الجمال، كيف صاغ الثقافة شعرا بكل هذا التفرد، وكيف نجح في عمل توليفة بين جمال المعنى وجمال المفردة واللغة دون أن يختل السياق؟؟؟؟
عندما استمع للمقطع :
خبريني هل أنا ابدو حزينا؟
هل أنا القاتل والمقتول حينا والرهينة؟
هل أنا البحر الذي لا يأمن الآن السفينة؟

أسأل الشاعر شمو متسائلا :
كيف جعلت البحر لا يأمن السفينة بالرغم من أن السفينة لا تأمن البحر وأمواجه وشلالاته؟

تقديري أن الشاعر لم يجعل البحر لا يأمن السفينة، وإنما هي مسألة تقديم وتأخير بين الفاعل والمفعول به.
فمن خلال القافية، نجد أن البيت السابق ينتهي بكلمة (الرهينة) وهي مرفوعة لأنها (معطوف) على (القاتل والمقتول) باعتبار أنها (خبر) للمبتدأ (أنا)، وهذا يقتضي أن تكون (السفينة) أيضا مرفوعة.
وبما أن كلمة (السفينة) قد جاءت (مرفوعة) فهذا يعني أنها الفاعل المؤخر للفعل (يأمن) والمفعول به هو المؤول من (أنا البحر)، وهنا يستقيم المعنى.
وإذا سأل سائل أن الفعل (يأمن) قد جاء مذكرا بينما السفينة مؤنث، وكان الأولى أن يقال ( تأمن الآن السفينة) لو كان المراد أن تكون هي الفاعل، فنقول أن وجود الفاصل (الآن) يجيز الاختلاف في الفعل والفاعل.
ولنا في القرآن الكريم خير مثال:
ففي التقديم والتأخير: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء) وواضح أن اسم الجلالة جاء في محل مفعول به مقدم والعلماء في محل رفع فاعل مؤخر ليستقيم المعنى، والمعنى لا يستقيم أبدا لو أعربت الجملة على ترتيبها.

المثال الثاني لاختلاف الفعل والفاعل لوجود الفاصل:
( يا نساء النبي من يأت ....) ونلاحظ هنا أن الكلام بدأ بـ (نساء) ولكن الفعل أتى (يأت) وليس (تأت) كما هو متوقع.

وبذلك يكون معنى البيت:
هل أنا البحر الذي لا تأمنه الآن السفينة، ولغرض الشعر جرى التقديم والتأخير.
والله أعلم


نقلا عن شبكة سودانيز اوت لاين الاعلاميه

  Reply With Quote