View Single Post
Old 03-19-2011, 06:45 AM   #49
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default

قال مختار الجانبي:
- الجمل خاف وبدأ مثل عفريتة العربية ينزل سنّة.. سنّة.. ولما صار
بحجم الابل الطبيعي، قرر المسافر أن ينزله أكثر فيرعبه حتى يهبط )لطول
يخول لراكبه النزول دون مشقة(. الشيء الذي حدا به أن يأمر العفريت:
كمان وينزل الشيطان مثل عفريتة العربة مصوتاً ويصيح الراكب آمراً: كمان.
وينزل الجمل نحو الأرض ويصغر حجمه إلى أن أصبح في نهاية الأمر بحجم
كرة القدم. كجمل الطين. وهنا فكه المسافر من "رسنه" ودحرجه أمامه ثم
صوب قذيفة بقدمه اليسرى أقوى من الطلقة، فطوح به في الصحراء الواسعة
حتى صار بحجم البلية، ثم اختفى. كانت القرية مشغولة بالشياطين تتحدث
عن العافية الجنية الطيبة تلك التي لا تؤذي أحداً حيث تسكن بئر القرية
الذي غاض ماؤه وحل الصهريج محله بعد حذفه من قاموس القرية اليومي.
وتتحدث القرية عن أب لمبة أو أب بطارية ويقولون إنه شيطان يتجول ليلاً
بمصباح وفي أيام موت بقرتنا حكت القرية طويلاً عن سبعة شياطين تسكن
القرية وتتبدى ليلاً في شكل مرافعين أو بعاشيميقول حكاءوا القرية إن هذه
الوحوش تأكل الدجاج الحي قبل أن يولد. هددت القرية أطفالها فتركوا لعبهم
الجماعي المسائي المرح.
وبيني وبين نفسي كنت لا أصدق هذه الحكايات. خشنت مصاعب
الحياة وصدامها قلبي. شببت قبل الصبا. رأيت ما يرى رفاقي وما سيرون.
عدوت ومن خلف عدوي مرت القرون. فعدت من هجرتي الروحية شجاعاً
كما لا يتصور أحد. كالشهيد وهو يصعد للحبل الظالم. غاية الأمر هذه
الكلاب السبعة الرمادية المتحلقة حول جثة بقرتي والتي كانت تتشاجر فيما
بينها والتي بقرت بطن البقرة ولوثت فكوكها المتوحشة الفتاكة بدمائها
المريضة هذه الكائنات الفاحشة ) الشر( الغليظة الأنا تنتظرني. وها أنذا
.نظرت الكلاب نحوي بعنجهية وأصدرت أصواتها وكفت عن صراعاتها الجانبية
وتوحدت شراً مسلحاً في مواجهة حيلة واسعة، شراً أهوج في مواجهة عقل،
بطناً في مواجهة فكرة. ولابد أن الكلاب استغربت تقدمي نحوها بعد كل هذا
التخويف. كانت الكلاب من نوع كلاب الخلاء ولكنها أضخم من سائر كلاب
قريتنا حجماً. وهذه الكلاب السبعة جدها واحد من كل بد. ولابد ان جدها
كلب انجليزي نسيه مفتش ما ضمن ما تركه وهو يغادر قبل أن تحل السودنة.
وربما جاع ذلك الجد "النبيل" فتشرد وأصبح وهو ابن الملوك الكلبية، كالملك
الضليل وتزوج بنت خلاء فولدت له ربما الشنفري وتأبط شراً، ثم ولد عن تلك
هؤلاء السبعة العظام. عشر خطوات بيني وبينها. كلاب السوء. وهنا شعر
قبيل الوحوش ذاك بالخطر فأرعدت سائر فصائله. وأطلقت بنادقها الصوتية
ثم تقدم كبيرها نحوي بخطوة مهتزة للتأكد من ردة فعلي. لحظتها أدخلت
يدي في جيب بنطالي للتأكد. كانت عيناي تنظران بحدة فأرى الكتيبة كلها
بعين واحدة، وأدخر العين الأخرى لتنظر داخل دماغي عن أنجع التصرفات مع
الوحوش. وعلا الغبار وتقدم كبيرها نحوي كثعبان انطلق من جحر به دخنوه
بشطة وأنا لم أكذب. قبل أن يدهمني ذلك الكلب الوغد سددت طلقتين في
نافوخه )صرخنا فيه معاً :-رصاص؟(قال الدرديري:
- نعم
ثم انهمر سيله الكلامي العارم:
- افرغت ست طلقات أخرى قبل أن تفكر الجماعة الكلبية ملياً في قرار
هجومها وقبل أن تهجم علي أو تعقد معي صلحاً أو تجري. المدة بين الطلقة
والأخرى نذر من الثانية والمسافة بين الرأس المتهاوية والأخرى المتداعية نصف
متر انتهيت من المهمة. تشفيت وألقيت نظرة على البقرة، ثم جلست يدي
51 50
فوق رأسي تحملانه. هكذا أنا بعد العاصفة.
ألقيت نظرة ثانية على البقرة ثم بدأت ألم حولها العشب الناشف فكومته
كوماً كبيراً حولها ثم أشعلت سيجارة وأنا في حالة تعب جهير الصوت. الأرض
حولي سوداء ورحيبة وهشة أخذت ساق قطن يابس وبدأت أحفر به بسهولة
ثم بعسر إلى أن وصلتني طلائع أهل القرية أثر سماعهم للضجة وعندما
وصلتني طلائعهم كنت قد اشعلت النيران حول البقرة، التي جذبتها للحفرة
الصغيرة من أطرافها المتخشبة. سألوني كثيراً )قال الدرديري( وأجبت قليلاً.
وصاح في والدي مستنكراً:
- إنت برضو اشتريت من المسدسات المهربة؟
لم أنظر اليه من خشيتي إياه، ولم أجب.أجاب عني فم ينغلق وينفتح
دون كلام.كان الجميع ينظرون إلى وأنا أهيل التراب على البقرة المحروقة.
معروف ساعدني ثم ساعدني عثمان وعبدالله وعلي الطاهر والكبار أيضاً ووضع
مختار الجانبي فوق القبر شاهداً. وأنا أرجع معهم كان ذهني يعمل في جانب
آخر من المسألة. قلت لنفسي هل تعني مساعدتهم لي أن )ح.ح.( ستقوم
قائمتها مرة أخرى؟أما مختار الجانبي فطفق يقول:
- والكلاب؟ الكلاب ما بتحرقوها؟
هذه المرة صدق.فقانون الحرق يطال جميع الكائنات النافقة حول القرية
مهما كانت درجة شرّها. رجعنا وأشعلنا في الكتيبة المبادة النيران.كان ح. ح.
هو اختصار من عندي لعبارة حرق الحيوانات النافقة.صمت الدرديري. صمت
وأدخل يديه في تلافيف جلبابه وغاص في تاريخه الشخصي الشائك. أما طيفور
فقد راح يضحك وهو يغازل أعواد الذرة: ثم ما لبثنا أن خرجنا من حقل الذرة
مضمخين برائحة الطين والعشب والذكريات والأبقار والشجر

  Reply With Quote