View Single Post
Old 11-06-2010, 10:16 AM   #3
 
عوض خضر

تاريخ التسجيل: Feb 2010
رقم العضوية : 4
المشاركات : 2,897
بمعدل : 0.56



عوض خضر is offline
Default

إحتلال الارق

يحي فضل الله

حاولت ان اهرب من هذا الارق ، قرأت قراءة خفيفة ومتناثرة محاولا الدخول في منظقة نومي ، خاب مسعاي ، لذت باغنيات لعبد العزيز داؤد ، مصطفي سيد احمد ، صالح الضي ، الكاشف ، البلابل ، لم استطع ان اتألف مع نومي ، اتجول في الشقة التي رحلت اليها حديثا علي شارع الكنيسة الانجيلية المتفرع من شارع ابراهيم عبد الرازق في عين شمس الشرقية بالقاهرة ، الوذ بالنوافذ و تحاول تلك الضجة التي تأتي من الشارع ، عادة لا يخلو الشارع المصري من ضجة ، بل لايخلو الاثير المصري من صوت في اي لحظة من
لحظات الحياة ، لا اذكر مطلقا ان صادفتني حالة صمت او حالة هدوء طوال إقامتي بالقاهرة التي إمتدت الي اكثر من خمس سنوات ، الاصوات القادمة الي عبر النافذة خاصة اصوات رنين التلفونات تحاول مع اصراري ان تمتص ذلك الارق الذي احتلني واظنها قد تركت لي هذة المهمة الشاقة رواية ( باولا ) للكاتبة الشيلية إيزبيلا الليندي لم استطع إلا ان اجفوها برغم المتعة التي وجدتها في قراءتها
حالة الارق تلك تصادفت او هي حرضت عدم قدرتي علي التركيز ، ذهني مشتت ، لااستطيع حتي الإمساك بذكريات لها قدرة ان تحرض إلفتي مع النوم ، احمل كرسيا بلاستيكيا و اتناول مفتاح الشقة معي و اهرب الي السطوح ، كانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحا بدقائق ، عرفت ذلك لاني اصررت علي ان تكون ساعتي في يدي و كأنني كنت احاول ان اقيس و بدقة إحتلال الارق وكان وقتها صوت الفنان (محمد منير) ينطلق من جهاز تسجيل من غرفة علي السطح المقابل و يضيف صوته المميز لضجة الاصوات المختلطة برنين التلفونات في الشقق المجاورة ، باصوات السيارات و خاصة ابواقها وديت شكوتي لي حاكم الخرطوم اجل شكوتي لما القيامة تقوم جلست علي ذلك الكرسي و ابتسامة مني لامعني لها سوي انها تحاول ان تتكهن عن منه حاكم الخرطوم المقصود في هذه الاغنية ، كم احس بأنني مصاب بالتبلد ، كم انا خاو الان ، لا املك حتي جدالي الحميم مع الذكريات ، اعرف ان الاماكن هنا تهرب مني دون ان تضع علي الذاكرة شيئا من علائقها الحميمة ، حاولت ان احيل إحتلال الارق هذا الي رحيلي الي مكان جديد ، من مدينة نصر الي عين شمس ، إستبعدت هذه الإحالة لان الاماكن هنا في القاهرة تفقد عندي قداستها و تراود تعاملي معها بنوع من ذلك الحياد الكثيف ، لا فرق هنا بين مكان و مكان فانا كائن عابر مؤقت في مكان مؤقت وفي زمان مؤقت وهي مجرد اماكن لاتخصني في شئ ، ليست الاماكن هنا كما هي اماكن هناك ، في كادقلي ، في امدرمان ، في الجميعاب ، كان يكفي مثلا ان تصاب بنوع من الارق لو جربت ان تحول سريرك او عنقريبك من موضعه الثابت في الحوش ، مجرد هذا التغيير البسيط قد يصيبك بنوع من الارق و لكن هنا تجد نفسك في مكان اخر بعد ان تكون قد عاشرت المكان القديم لمدي قد يكون شهور او سنين و لكن لا يشرخ ذلك التحول المكاني عاطفتك او انفعالك مع تفاصيل المكان .
علمتني القاهرة ان لا قداسة لمكان وهذا مذاق جديد علي و لم ألفه من قبل ، لكن ، من اين جاءني هذا الارق ، بدأت ابحث وانا في جلستي تلك و الفجر يزحف بطئيا بنسمة رطبة وباردة نحو الشروق ، بدأت ابحث عن اسباب ذلك الارق بعد ان إستبعدت تماما إحالتي تلك التي تزعم ان السبب هو رحيلي الي مكان جديد ، تري هل هو رواية إيزبيلا الليندي ؟ تلك الرواية التي كتبتها الكاتبة و هي تحاول ان تمنع الموت من الوصول الي إبنتها ( باولا ) متوسلة بذلك السرد النقي و هي تحكي لها عن اساطير اسرتها كما قالت كأنها شهر زاد في الف ليلة وليلة و هي تحاول ان تؤجل موتها بسرد الحكايات لشهريار ، هل هو حالة الانتظار العبثي لتحديد موعد السفر الي كندا ؟ ، هل هو ذلك الاتصال التلفوني الحميم من اخي عوض فضل الله ، كنت و انا اتكلم مع عوض ، من هناك كان يتكلم معي ، من كادقلي ، كنت احس بان هذا العالم عبارة عن منظومة ميتافيزيقية متسلحة بالطفرات التكنولوجية ، شكرا لسوداتيل في مشروعها ( هاتف لكل بيت ) و هذا إعلان غير مدفوع الثمن لسوداتيل و اجزم انها تستحق ذلك علي الاقل لاني استطيع من هنا ان اتحدث مع امي وابي واخواني واخوتي وبعض اصدقاء قدامي ولدي فكرة جنونية وهي ان اسمع عبر الهاتف خرير مياه خور ( كلبي) - بكسر الكاف و اللام - ، اليس ذلك من حقي ؟ ، هل انا مسربل بالحنين الي درجة ان يحتلني هذا الارق ؟ علي كل هانذا احاول ان انتصر علي الارق بجلستي هذي علي السطوح منقبا في تفاصيل ذاتي عن اسبابه ، لابد من سبب حقيقي لهذا الارق ، فجأة قفزت الي ذهني حادثة قرأتها في الصفحة الاولي من جريدة ( الخرطوم )، تعلق ذهني بذلك الحدث و وجدتني اترك السطوح و انزل درجات ذلك السلم المغطي بالرمل و افتح الباب ، ادخل الشقة و اتجه نحو الصالون و من بين الصحف الكثيرة المتناثرة علي كراسي الجلوس ابحث عن ذلك العدد الذي به الحادثة تلك ، هاهو ذا عدد الاحد 13 اغسطس 2000م من جريدة الخرطوم (( نفت وزارة العدل معلومات رددتها بعض الصحف المحلية تفيد ان دبلوماسيا عربيا يقيم بالخرطوم هو الذي قام بقتل ابنه ذبحا و أكد عبد الناصر ونان ان ما حدث هو جريمة قتل ، حيث قام مواطن سوداني بذبح أبنه تحقيقا لرؤيا منامية حسب زعمه و اوضح اللواء شرطة محمد احمد عفيفي نائب مدير شرطة ولاية الخرطوم ان القضية تعود الي ان الاب الذي يعمل بملحقية دينية لاحدي الدول العربية قد عمل لفترة طويلة خارج السودان و في الفترة الاخيرة اصبح يعاني من إضطرابات نفسية و انه قبل الحادث كان في احدي ولايات السودان وفي نفس يوم الحادث حضر للخرطوم بصحبة اسرته واكدت زوجته من خلال التحريات انه كان في يوم الحادث في حالة غير طبيعية حيث قام بإستدراج ابنه و عمره اربعة اعوام الي احدي الحجرات ثم قام بذبحه ذبح الشاة و ذكر انه فعل ذلك لانه رأي في المنام ان ابنه تتقمصه روح الشيطان وسيكون اكبر شر علي البشرية و قال اللواء شرطة عفيفي إن ابن عم المتهم و الجيران حاولوا إسعاف الطفل لكنه كان قد لفظ انفاسه الاخيرة و اضاف ان الشرطة تحفظت علي المتهم حيث تم تكوين لجنة طبية سيعرض عليها التقرير عن حالته النفسية )).
بعد قراءتي لهذا الحادث الفظيع اهرب بأرقي مرة اخري الي السطوح ، ارتمي بجسد منهك علي الكرسي وحين كنت احاول ان اتأمل وبعلائق درامية عن كيف كانت عيون ذلك الطفل وهو يذبح من قبل ابيه و كيف حال تلك الام التي ذبح زوجها صغيرها اسمع صفارة طويلة و صوت أجش له تنغيم به من القبح جمال (( فول بليلة ، فول بليلة )) وانهض من الكرسي و ادخل الشقة واخرج منها محاولا ان الحق بذلك البائع الصباحي حتي اضمن فول الفطور و العشاء لذلك اليوم

  Reply With Quote