منتديات قرية فطيس

منتديات قرية فطيس (http://vb.futeis.com/index.php)
-   المنتدي الأدبي (http://vb.futeis.com/forumdisplay.php?f=13)
-   -   د. بشري الفاضل بخيت (http://vb.futeis.com/showthread.php?t=2081)

عوض خضر 09-22-2010 06:30 AM

د. بشري الفاضل بخيت
 
النفس الأخير

د.بشرى الفاضل

كان الجنود يستعجلونه وهو مصفّد يمشي أمامهم خبباً يستحثونه ويهشونه بالسونكي كفعل راع مع أغنامه. وكان الرجل الصامت قد ربي نفسه على وزن أدائه.
كان يشعر بأن الاستجابة للجري كما يبتغون مذلة في مثل هذه اللحظات البائسة؛ ولذلك فإنه أذعن لضربات الجنود المتلاحقة مفضلاً إياها رغم وحشيتها على الجري المهين.
وفي الدّورة شدوا وثاقه أكثر وحجبوا العالم عن عينيه بضمادة. ورجا الرجل الصامت معصوب العينين رئيس الفصيل تنفيذ طلب له أخير. وكان الضابط بعيدا جداً عن قناعات الرجل الصامت. وكان ذلك يحرك نواياه في هذه الساعة ولذلك فإنه أجاب بنفاد صبر.
- طلباتك شنو؟ ماتموت موتك زي الرجال ما بموتوا.
- عايز لو سمحت أولع سيجارة أخيرة.
- طيب. الله يطولك يا روح لكن أنا ما عندي سيجارة )مخاطباً بالجنود(:
- في حد عندو سيجارة؟

وقاطعه الرجل الصامت معصوب العينين:

- لا أنا عندي سجائر.. بس عايز وكت أشرب فيه واحدة.
- طيب.
وأخرج الرجل الصامت معصوب العينين بمساعدة الضابط لفافة من جيبه ووضعها على فمه وهتف بصوت جهير حتى سمعه الضابط والجنود معاً:
- ولعة لو سمحتم.
وصاح الضابط في جنوده:
- في حد معاهو كبريت؟
وأجاب الفصيل:
- لا أبداً سعادتك.
وقال الضابط بصوت محايد:
- مافي ولاعة. أفتكر بعد دا ننفذ.
وكانت إجابة الضابط تحصيل حاصل إذ أن الرجل الصامت قد سمعها من الجنود. وهز رأسه بأسف ثم أمسك اللفافة بين أسنانه وشفتيته واتخذ وقفة التصميم التي تدرب عليها منذ ليلة التوقيف. كان رأس الشهيد في حاجة إلى )كيف( أخيرا من هذا العالم الذي يحب. وسط هذا الكم الهائل من الفظاعة كان بحاجة إلى نار للفافته. لكن النار التي هطلت على صدره وسائر جسمه لم تشعل التبغ بل أشعلت هتافاً داوياً صلدا ثم تدلت اللفافة مع دوي الطلقات
كأنها مكسورة وهي السليمة، ولف الحزن اللفافة لكونها لم تندغم في نسيج تلك الرئة الشجاعة. ذلك خير لها من أحذية غليظة تجيء من بعد الصمت لتسحلها صدفة حين تسحب مع السحل عمداً، جثة الرجل المسلة إلى داخل حفرة إخفاء الفتك الجماعي.

عبدالمنعم 09-23-2010 06:43 PM

مَنْ يُغطّي النَّارَ بالعَويش؟! ... بقلم: كمال الجزولي

الذهاب من (القصَّة القصيرة) إلى (القصيدة)، وبالعكس، مع استبطان الرَّغبة العارمة، بين هذه وتلك، في (الرواية)، ظلَّ هو هاجس القمم الشوامخ من أدبائنا، كصلاح أحمد إبراهيم، وعلي المك، ومصطفى سند، ومحمد المكي إبراهيم، ومحمود محمد مدني، وفضيلي جمَّاع، وهم غيض من فيض.

(القصيدة) نظرة مختلسة من خصاص باب موصد بإحكام؛ أما (القصَّة القصيرة) فإطلالة عجلى من خلف باب موارب شيئاً؛ وأما (الرواية) فرؤية متمكثة للمشهد بأكمله، ليس، فقط، بعد فتح الباب على مصراعيه، بل وبعد هدم الحائط ذاته! لكن لا فضل لجنس أدبي على آخر إلا بمقدار ما تعود به العين المبدعة من تجويد للفن في المرتبة الأولى، وإحسان للفكر في المرتبة الثانية، وإنْ تكن (الرواية)، في ظنّي على الأقل، هي أقصى توق (الشاعر) و(القاص)، ومنتهى عشقهما المكنون، أفصحا عنه أم لم يفصحا!

ولصديقي بشرى الفاضل إبداع مشهود على صعيد (القصَّة القصيرة)، كحكاء بارع، مجوّد لفنّه، محسن لفكره، تشهد بذلك مجموعات سرديَّاته البهيَّات الثلاث (حكاية البنت التي طارت عصافيرها ـ أزرق اليمامة ـ فزيولوجيا الطفابيع)، واللاتي حزمهنَّ، أخيراً، في مجلد واحد صدرت طبعته الأولى في مايو 2009م، عن (دار الحضارة بالقاهرة)، تحت عنوان (قصص بشرى الفاضل). ولقد تصرَّمت دهور مذ قرَّ في أذهان الكثيرين، ربَّما لطول عُشرتهم مع قصصه، أنه تشبَّع بتجويد هذا الجنس الأدبي، وأشبع منه، فاكتفى، وكفى، وضرب خيمته، نهائيَّاً، في واحته، حتى كتب، عند النقاد والباحثين، وفق تصنيف مدرسي كاسد، (قاصَّاً) .. فحسب!

غير أن بشرى المشوق الشائق، القلق المقلق، كان، في كلّ تلك الأثناء، أبعد ما يكون عن الإحساس بالتشبُّع أو الإشباع؛ ولذا ظلَّ يمارس الانفلات العلني من خيمة (القصَّة القصيرة)، ليلوذ بقلعة التجريب في (الرواية) حيناً، أو بظلّ نخلة (القصيدة) أكثر الأحيان. ولئن لم ينشر (روايته) بعد، فقد جمع مخطوطة (قصائده)، وبعث إليَّ، مشكوراً، بنسخة منها، بعد أن أعدَّها للنشر، تحت عنوان (هضلبيم!)، وهي كلمة من مأثور منحوتاته الخاصَّة، جرياً على عادته في اللعب بالألفاظ، ويقول عنها هو نفسه أنها بلا معنى محدَّد، راجياً من قارئه العطوف إشباعها بمعنى إيجابي، أو بما يروق له من المعاني، حسب مشاعره أثناء القراءة!

وإذن فإن بشرى يطلب لقصائده، من الوهلة الأولى، مثلما لسرديَّاته، قارئاً يضارعه يقظة، وذكاءً، ولماحيّة، وانتباهاً للفجوات، والماورائيَّات، والماتحتيَّات، والمخبوء بين السطور؛ لا قارئاً يأوي، في المساءات، إلى فراشه، منهكاً، يستمطر الهجوع، ويستقطر النعاس، وينتظر من كاتب ما أن يدندن له بهدهدات ما قبل النوم!

فإذا كنت قارئ بشرى المفضَّل، وأعملت عقلك ووجدانك، سواءً في نصوصه السّرديَّة أو في قصائده، فإنك ستلفى نفسك، لا محالة، محتشداً، في لحظة ما، بألم إنساني يهصر قلبك هصراً، حتى لتكاد تشرق بالغصص، وتختنق بالعبرات؛ لكن مفارقة عبثيَّة مشحونة بالسُّخرية اللاذعة سرعان ما تباغتك، وسط كلّ هذا الحزن الثقيل، لتفجّر لديك، لا الضحك وحده، وإنما، أيضاً، الوعي بحقيقة هذا الألم، وبأصله المركوز في صميم العلاقات الاجتماعيَّة المختلة، فما تلبث أن ترتقي بتفكيرك، رويداً رويداً، من مرتبة (السَّاخط العدمي) إلى مرتبة (الثوري الإنساني)! ولعلَّ هذا العنصر الجمالي والفكري المائز، سياسيَّاً وإنسانيَّاً، بالذات، هو الذي يضع بشرى، كقاص، ودونما أدنى مبالغة، في مستوى متقارب مع الرُّوسي أنطون تشيخوف والتركي عزيز نيسين، من جهة، كما ويُكسب قصائده، كشاعر، من جهة أخرى، نبل رسالتها السياسيَّة الإنسانيَّة التنويريَّة.

إستلال المفارقة السَّاخرة، إذن، من جوف أكثر اللحظات اكتظاظاً بالألم، هو عنصر أساسي لجماليَّات السَّرد في مجموعات بشرى القصصيَّة، كما ولجماليات القصيد في مجموعة (هضلبيم) الشعريَّة؛ لكنه، بالقطع، ليس العنصر الوحيد، فثمّة حزمة، كذلك، من عناصر الشّعريَّة، في سرديَّاته وقصائده، حيث يبدو، للوهلة الأولى، كطفل (يلهو) بحصى ملوَّن، على شاطئ رملي، تحت شمس مشرقة، ثمّ ما يلبث هذا (اللهو) أن يتكشَّف عن أعقد المضامين، وأكثرها جديَّة؛ على أن هذا مبحث يطول، ولست، هنا، في مقام الدراسة النقديَّة، بقدر ما أنا في مقام التوقيع المُرحّب بمجموعة صديقي الشعريَّة الأولى، وهاأنذا أفعل، بل أبصم بالعَشَرة!

عبدالمنعم 10-06-2010 10:13 AM

الأخ عوض لك التحية
كنت قد فكرت في تغيير أسم البوست ليصبح د. بشرى الفاضل ليكون مساحة للتوثيق لهذا المبدع (وذلك أضعف الإيمان) ولكن فضلت الإنتظارأما الآن فما رأيك؟؟؟

طلباتك أوامر... القصة مهداة لك وللجميع

حكاية البنت التى طارت عصافيرها

بشرى الفاضل

كنت مدية وسط حشد غريب من البشر ، لا تجمعهم سلطة خضروات شحاذين وجزارين وحرامية ، قافزين ومادحين وجنود غلاظ رائحين وغادين ، مترهلين وعجاف ،باعة متجولين ومتشردين وسبابه ، منتظرى مواصلات وجلابه ، متانقين ومتاففين .ومن بين كل هؤلاء ممثلون منتخبون يطاردون النساء بالعيون والايدى والاجساد، ومن لم تسعفه الحركة يطارد بالاستجابة المباشرة الحسية او حلم اليقظة
كنت مدية حادة السنان تشق طريقها وسط الزحام فتجدث الماً مفاجئا في كتف هذا مشفوعا(بمعليش) وجرحا في قدم هذه متبوعا(بسوري) ولكمة في وجه تلك موصولة (بمتاسف) وكنت من فرط سرحاني لا انتظر ردا علي اعتذاري…. كان النهار اخضر لا كعادة الصيف ،كنت ملتويا بالبهجة كعمامة اعرابي يزور المدينة للمرة الثانية،لا العاملات سعيدات مثلي ولا ربات البيوت –انا ابن المحطة الوسطي العنكبوتي الجيب المشرئب عنقا لحادث حركة او مظاهرة نشال، المستيقظ منزولا، التضور جوعا ، الباحث في خشم البقرة عن عمل .. شغبي مكتوم ومظلوم ابن مظلوم ومع ذلك سعيد هل ينتزع الاوغاد سعادتي ؟؟..هيهات ..وهكذا كنت لا انوي التجول فتجولت والناس مكدسة بطيخ بشري . كل ينتظر وسيلة مواصلات دنوت من احد الاكوام واخرجت ادوات انتظاري ..اخرحت كوعي اولا ثم راحة يدي فعاونا رجلي في حمل الجسد المستهلك يوميا والمتعب علي مدار العام.ومن بعد اخرجت عيني ثم طفقت انظر..انظر في الاتجاهات جميعها واختزن.... رأيت اولا رجلا اعمي ، كأنه وهو ينظر امامه يقرأ من لوح محفوظ..ومضي الرحل لحاله لكن نقودي تناقصت .رأيت ثانيا امراة بدينة لدرجة انها حين تنادي وليدها (يا هشام ) تحس بحرف الهاء يطن في اذنيك مليئا بالشحم ، رأيت رجلا عبوسا وطفلا تغازل رجلاه علبة صلصة فارغة .رأيت اصواتا وسمعت روائح لا حصر لها وفجأة وسط هذا كله رأيتها قفز الدرويش مكان قلبي .ورأيتها فارعة الطول من غير ان تتأرجح ..قمحية لا
كالقمح الذي نعرفه .ولكن كالقمح حين يكون قمحيا مثلها،اخذت من الضباط
اجمل ما فيهم مشيتهم.ومن الناس اخذت البابهم .تراها فلا تشبع قلت لنفسي: هذه بنت طا...رت عصافيرها كان وجهها مستديرا ويبدو هكذا:
وكان انفها كالخضر الطازج ولها عين:ياالله ! وعنق فرعوني ذو وترين مشدودين انيقين لا يبدوان الا اذا التفتت. واذا التفتت هربت جميع البائعات بفولهن المدمس وتساليهن الملوح .وهربت الشوارع من حفرها والروائح النتنة من اماكن بيع اللحوم،وهربت ذاكرتي الي مستقبل اتمناه ،اذا صببت ماء في هامت البنت التي طارت عصافيرها ،انحدر ناحية الجبهة .وكان جسمها اذ تمشي يتماوج، كأنه بريمة تنداح دوائرها في قطعة حشب تنوي ثقبه اقبلت نحوي فنظرت لحالي واصلحتها، واقتربت اكثر فرايتها تمسك بطفلة صغيرة تشبهها الا من بدانة في الطفلة كانت يداهما تتشابكان كأنهما مصممتان خصيصا لذلك، وكأن كلا منهما تمسك بشرودها. وكانتا تعقدان الحواجب بلا دهش بين كل دقيقة واخري بحيث يبدو ما يحدث لعينيهما مثل برق يغسل عن وجهيهما نطرات الآخرين الجائعة.قلت هذه فتاة طارت عصافيرها ،ثم التفت لاختها فقلت: هذه تميمة ولا بد جاءت بها لتقيها من شر الآخرين .هذه تميمة طارت راحتها. ورأيتهما كثيرا جدا حتي تخيلت نفسي بالمقابل بشعا، فأجفلت ولكنهما مااجفلتا ونظرت للتميمة .ان فمها دقيق كأنه لا يأكل اللايوق الذي اتلوث به.والتفت الي الناس ثم اليهما مرة اخري ونظرت ثم نظرت،نظرت.. نظرت! حتي انقذ الموقف عربة اجرة دلفت علي حين مباغتة فأفسح الناس للتميمة والبنت التي طارت عصافيرها.علي غير عادتهم مع النساء الاخريات ،فركبتا ومن خلال غبار المنافسة وجدت نفسي ايضا داخل العربة.تحركنا وكانت العربة معطوبة ناشفة في سيرها .كان جاري يدخن وجاره محشو بالبصل ولولا ان النهار كان اخضر،ولولا البنت وتميمتها وما شذ من جمالها وعلي كل تصرمت خمس دقائق حين جأر الذي هو بصيل بالبصل-عندك هنا يامعلم.ثم نزل وضرب الباب كأنه يسقط عليه شجارا بائتا جبن من خوضه في حينه،فأختزنه. تحسس السائق خده الايمن كأن صفعة الباب كانت به.ثم تمتم لنفسه_ناس ما فيها رحمة.ترنح الرجل البصلي وعاد ادراجه ورمق السائق بعين حمراء ثم فجر قنبلته. -ايه قلت شنو؟ صحت فيه امشي يالله يا ابن العم الحكاية يسيطة.تدحرجت العربة واختلط هدير موتورها بسباب الرجل البصلي ولعناته .وكأن السائق كان يعنينا بمواصلة الحديث الذي يشبه المنولوج حين قال :ناس ذي الحيوانات. ثم سحب الحال علي البشر كلهم وما لبث يذم ويتنرفز حتي وقعت العربه في حفرة الشارع الرئيسية ثم وثبت كما تثب ضفدعة .ونقت فداس عليها سائقنا فرضخت وسارت قدما مزمجرة.كأن ظهري من فرط قسوة العربة قد بدأ يؤلمني نظرت امامي حيث البنت التي طارت عصافيرها وتميمتها فاحرزت انهما اتخذتا شكل المقعد.لا تشعران بالوجع ولا ينزلق غضروفهما.واخيرا وصلنا. نزلت البنت وتميمتها ونزلت انا ثانية فلم اسمع صوت ارجلهما بيد ان وقع حوافري كان مسموعا للجميع. واوشكت ان اتحسس اذني هل طالتا؟! سارتا فسرت خلفهما،لا كعادة السودانين ،وكنت من انصار السير بالتوازي قبل رؤيتهما ولكن مشيتهم اكانت ايقاع خواطري .قلت لابد ان ينبثق الايقاع اولا.سارتا امامي موسيقي بالغة العذوبة وسرت لشدة اضطرابي اشترا. وفجاة التفتتا جميلاً جدا ناحيتى وكان ثمة غضب ملون منقوش على نبيل
وجهيهما قالت الكبري
- مالك مبارينا ؟؟ -
قلت مقللاً من وتائر فزعهما
- لا يا ابنة العم ، عندى مثلك . ولا اطارد الجمال بالبنادق فى الشوارع
:قالت
- قديمة !! -
: قلت
- لا صدقينى . وكدت أن اقول ( عندى مثلك احبها وتحبنى ويحب ناقتها بعيرى الف مرة اجيئها غاضباً واخرج من عندها هاشا باشا كان لديها مصنع للفرح ، خرجت فى ذات يوم من عندها مليئاً بها حتى غازلنى الناس فى الشوارع ).
أنسابت من حنجرة البنت التى طارت عصافيرها أنغام صافية مكان الضحك . ثم سكتت وسكتُ
دار خاطرى فى ذكرى حبيبتى يا لها من عفريت .تلك فتاة شديدة الاعتداد بنفسها . شديدة الوثوق بها . قالت : والصيف على اشده ونحن نرجع من حفلة موسيقية
- جدتى كان يغنى عليها سرور -
قلت
-اولئك مطربون اوقعهم شعراء المرحلة فى التهلكة فصاروا يتأوهون
ويتأرجحون بانتظام طرباً بمفعول لحن وكلمات هابطة قالت : كيف ؟؟ قلت شعرائهم كانهم قصابون ، يبيعون المرأة جزءا جزءا اذ يدنو الرجل من متجر فيه حنجرة تغنى وتصيح : نهد ،، نهد ،، وجنة .. وجنة فيقلب الرجل فى اجزاء المرأة ما طاب وتنبهه الحنجرة لجمال بعض الاجزاء الغائبة عليه ويخرج الرجل بعد ان يكون قد اشترى نهداً بالبصل أو خصراً بالجرجير ومن كان عنده ضيوف يشترى كفلاً قالت حبيبتى : يخصى ذلك كلام منك قبيح احشر لسانك خلف اسنانك ، هل نسيت ان بينهم خليل فرح ؟ فالقمتنى حجراً ولابد ان حالة سرحانى عاودتنى اذ ما ان التفت حتى لم اجد البنت التى طارت عصافيرها ولا لشقيقتها اثرً صنعت من حواسي مختبراً للتجسس على البنت وتميمتها الاذنان مايكروفونان والعينان كاميرتان والانف معمل كيميائى واللسان نشرة اخبار وكان المختبر يعمل بكامل طاقته لا كمصانع هذه الايام ، ثم ترصدت مثل فأر يترصد حركات عدوه التقليدى ، فيتفاداها ثم ان رادار البنت التقطنى قالت :- وهى تركض خلفى وانا اوسع من خطواتى خوف ان تشتمنى
- عذبتنى ،، انت داير منى شنوياخ !؟؟
قلت :
-لاشئ سوى ان اراك .. اغنيك .. احلم بك ، لا دخل للأذى فى علاقتنا ،إنه انجذاب وحيد الجانب فانا يعجبنى من هو مثلك ولكننى اشعر امامه بالدونية .ضحكت مرة اخرى فسقط قلبي فى ثلج الرضا والفرح
سألت :
-شاعر ؟؟
قلت :
- يقولون .. ومن اخبرك بامرى؟؟
قالت : سمعنا
قلت : ومن معك حتى تخاطبين نفسك بضمير التعظيم؟؟ الا ان وجهك نور ، وصوتك نور، وانت مرايا معلقة فى دموعى تضئ وابكى قالت جميل كنت أسيئ فهمك الان حصحص الحق انت تعرف شباب هذة الايام تافهون
ووقحون قلت : بل اعرفهم ،، أنبشى تجدين نفيس المعادن ، المعادن لا توجد على السطح اصحابي اكثر من النمل ، غالبيتهم يَتفهمون ويَفهمون ويُفهمون ركضت البنت بفرح امامى ،، وكان قوامها يتماوج حتى اختفت ، ورن فى أذنى صليل جرسه العذب . وما انفكت صورة عينيها تضئ وتظلم فى دماغى ، وما برح وجهها يغذى ذاكرتى بالفرح طارت عصافيرها
طارت
طارت
طارت


عبدالمنعم 10-06-2010 10:14 AM

وهكذا اصبحنا صديقين لشهر كامل استمرت مقابلتي ليها في الشارع العام نركض، نضحك ونتحاور فلم اصل غورها وخفت ان تكون قد لامست سطحي.وذات أربعاء سألتها- من تلك التي في يمينك ؟
- اختي اتوكأ عليها وتساعدني علي السير في الاسواق وتحفظني من شرور العربات .قلت :تميمة؟ قالت: ماذا؟ قلت: رقية. تحفظك من شر العيون ، ثم قلت لنفسي: (واذا المنية انشبت اظافرها الفيت كل تميمة لا تنفع). وحدقت في وجه الجميلتين مليا،الصغري ذَبُلت وخارت قواها كما تخور قوي ثورالساقية لابد ان المشاوير قد اشاختها قبل الطفولة ركبت معهما كانت العيون قد بدأت تتطاير من اركان الحافلة كلها وهطلت في افخاذ ووجهي وعيون وجسدي البنتين وغمرتهما العيون التي تشبه المناشير الزجاجية التفت ورائي وامامي الجميع محاجرهم كالملاحات الفارغة .طارت العيون عن الوجوه واصبحت في كل وجه حفرتان . ومنعت نظارتي الطبية عيني من الاقلاع والطيران وبما انني منحت حب استطلاع غامر ومتعة احصاء فذ، فقد وجدت ان بجسديها تسعة وتسعين عينا مستديرة وعجبت اول الامر للرقم الفردي والتفت ورائي فوجدت ان احدهم كان اعورٍَِا. عدت للبيت غاضبا ونبشت اوراقي فوجدت ضالتي وصممت علي الرجوع في الحين. كان النهار قد انتصف. الشمس قائظة وانا مغتاظ ووجدت باب حافلة مفتوحا ككرش مرتش فدخلت وكانت تلك الحافلة كمركب نوح. بها كل الوجوه. اشتات مجتمعات. فيها يسهل السهو والسرحان. وما ان جلست حتي اطلقت خيولي قوية السنابك من اصطبلاتها فرتعت في حقول خيالي وخيدعي. كأن صوتي ضاع مني. كأنه سقط. تكالبت علي الهموم فلا عيني ولا عيون غيري ايقظتني.ِ اه مني القدح ابن الكرم، يملآونني بالشجن مكان الدخن واللبن واملآهم بالفرح مكان الحزن والبؤس فبئس مصيري، وبخ بخ لمصيرهم كأنني مصنوع لاستمرارهم وكأنهم مستمرون لشقائي. واه مني انا ابن النوم.ابن الانتظارات والمواعيد الكذوبات. لي حبيبة في الذاكرة والمني فقط. مثلي يتمني مثلها. ومثلها لا يرضي بمثل من هو مثلي. فمثل من انا؟ يا بقرة قلت لنفسي يا وحشا. يا رجلا محشوا بالامراض، بالجراثيم، بالصعود، الهبوط. وبالتحولات والاهتزازات، تحيط به الباحثات عن سعادة فيسومهن سوط عذاب والباحثات عن صديق فيعاديهن، وتحيط به الائي طارت عصافيرهن ولا يحيط بشيء ومع ذلك فهو كما يدعي من قبيل يفهم، يعي، يشاكس،يتمرد.
رجعت لحال بؤسي وانا مازلت في تلك الحافلة اللعينة فوجدت الناس من حولي تناطح. لا يترك رجل لامرأة من مقعد ولا تترك امرأة لرجل من لعنة قي قاموس فكان لابد من ان انزل قبل ان اصل للمحطة بغيتي فنزلت ورأيت قدامي قطارا من البشر،دفع به الفضول نحو المستشفي ولم يكن فضولي اقل كماً ولا نوعاً اطلاقا ولكنني كنت مكابرا. ركبت موجة الزحام بعد ان افرغت كل عبارات وتأوهات العجب…في شنو يا جماعة ؟ وتاهت عباراتي السؤالية في لجة عبارات مشابهة وجائتني تفسيرات شتي كل تفسير مستقل عن غيره ملم ببعض التفاصيل متجاهل لبعضها فما ذادتني اجابات المارة الا اندفاعا شديدا نحو الي الامام نحو مبعث حب الاستطلاع ثم كان ان انجرفت بفعل تلاطم الناس نحو الشيمة اكثر فاكثر حتي صرخت: - دم! كأن موس حادة قطعت الاشعة عن عيني كأنني مت. مضرجة. مضرجة. خضابها الدماء الصدمة وخضاب تميمتها الدماء
والفزع. وخضاب مثيلاتها الحناء. دم في ايديهما كقاتلتين وفي ارجلهما
كمقتولتين. وفي مختلف انحائهما بحيث لا تعرف من اين ينبثق، قلت
- لنفسي حادث حركة ولابد.
صرخ رجل ذو وجه مستدير منفعل:- لا قلت صامتا ماذا اذن ثم استدرت مع جملة المبحلقين قبالة وحه شاب هادئ الصوت حين قال:- ماتتا في الشاطئ. منكفئتان هكذا... وفاقدتان للوعي وجدهما رجل بدين ذهب الآن لقسم الشرطة
قلت صامتا: حادث حركة لابد. صرخ جاري الذي تصادف ان كان ضمن دائرة المشاهدين:- يا راجل انت مجنون؟ حادث حركة في الشاطئ يعني صدمتهن مركب؟ واللا نطت سمكة من البحر ضربنتهن؟ قلت لنفسي حادث حركة ولابد. ثم استدرت نحو الشارع العريض مؤذنا صارخا ضاحكا وخطيبا_لا لا لا لا طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت طارت.
تلفت بعض السابلة وهزوا رؤوسهم ثم تلفتوا من باب التأمين علي كون اني
مجنون ومضوا في حال سبيلهم…
طارت …طارت …طارت ..
اوقف رجل عربته. كان ممتلئ الاوداج بالضحك وسألني: طارت ماذا؟
فقلت: عصافيرها…
ضحك حتي ارتج الاسفلت وحتي انبعجت العربة واطلقت ريحا ثم ادار المحرك واختفي…
طارت …طارت …طارت ..
_ هل؟..... لابد ان قوة ما ذهبت بهما الي ذلك المكان.. لابد ان حيلة ما..... ارأيت
الفزع والخوف علي وجهيهما؟ فزع التميمة وصدمة البنت التي طارت عصافيرها. لا- لا_ حطت.. حطت.. حطت..
رأيت قدامي جمهرة وخلفت ورائي جمهرة كلهم ينظرون الي كأنني مرتكب الحادث كدت اصرخ فيهم طارت! ولكنني وجدت الاسفلت ممتدا امامي فمشيت ومشيت ومشيت ومشيت، ذلك الظهر الكئيب. لا منبع حلمي وصلت ولا دارنا، النهر اقرب وعيون الحبيبات اكثر امنا،فلا اذهب لهذا عسي ان اغتسل ولتلك عسي ان اتوسد سوادها وانام في متن بياضها ملء جفوني وليسهر الخلق وليختصم ما شاء له طالما ان عصافير برية بريئة حصبوها بالحجارة والرغبات المتمركزة حول ذاتها فحطت بمكان قبيح، قسراً في بقعة مليئة بالقسر والاكراه.

عبدالمنعم 10-06-2010 10:23 AM

عوض خضر
ألم ترى الطيب صالح بين سطور هذه القصة؟ أعتقد أن هناك شيئاً ما بين بشرى والطيب. أتذكر عقل مصطفى سعيد في موسم الهجرة إلى الشمال ؟ بماذا شبهه الطيب صالح؟. هذه واحدة وكانت البداية أما بقية القصة فنفس الطيب صالح واضح ٌ فيها وضوح الشمس في عز النهار وهذا لايقدح في أسلوب بشرى الفاضل فهو قد تميز بالكثير من أعماله المختلفة ولكني أردت أن أشير لتأثر هذا العملاق بذاك الهرم

عاطف البدوي 10-06-2010 09:03 PM

كل هذا الابداع عباره عن رؤية من خلف باب موارب قليلا ؟ وماذا ان كان الباب مفتوحا علي مصراعيه والجدار محطما كما في الرواية ؟
عندما اخرج ادوات انتظاهره تحولت ابتسامتي الي ضحكه عندما اخرج عينيه معددا بها كل ماحوله ببراعة يحسد عليها وكثيرا ما تدهشني زاوية الرؤية وماتحيطه من اطار عصيب المنال الا لكاتب صاحب عيون وتامل حصيف
وبعد ان تمتعت عينيه بجرد كل ما حوله ارتدت اليه لتري نفسه اذا اخرج اولا كوعه ثم راحة يديه ورجليه التي اتخذت وضعا يمكنها من حمل الجسد الواهن صورة لانسان منتظر .
الفتاة التي طارت عصافرها نحو اين ؟؟؟؟؟؟ تعجبني الكبكبه اما م سطوة الجمال الادمي اذا اصلح حاله دون سبب عندما اتجهتا نحوه والشعور بالدونيه والضاله امام هذا السحر الالهي اعاد في ذهني زكري صديق عزيز عندما طار باتجاهه عصفورا عينين وابتسامه من فتاة كان جمالها اكبر من احتماله قال لي لم افكر في اي شي سوي ان ما دعاها للابتسام بنطلوني المفتوق او القميص رغم ان الاثنين بخير ولا غبار عليهن الله علي هذه الكببه التي تحرص حتي من نفسها علي عدم زعزعت الجمال كما اسرع الخطي خوفا من ان يغضبها

عبد المنعم اجدع من ذي دا كتر الله يديك العافيه

عاطف البدوي 10-06-2010 09:13 PM

عفوا للتكرار

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:05 AM

لم يذهب د. بشرى الفاضل بعيداً في رحيله إلى جنة الجراد، فاستخدام العوالم الموازية لكائنات أخرى غير البشر هو شكل قديم من أشكال التعبير الفني والإفراغ الإبداعي الذى يهدف إلى إنشاء علاقات جديدة مع الواقع. وفي الذهن مؤانسات الجاحظ وإبن حزم وأبي حيّان وإبن المقفع وغيرهم، مما قد لا يتّسع المجال لذكرهم، مروراً بمؤسسة الشعر التى لم تخل من التوسّل بعوالم الحيوان

وفي الذهن أيضاً أشعار عنترة التى إستطاعت أن تقدّم مثالاً للإنسانية العميقة التى ترتفع بالحيوان من درك المطايا إلى درجة الصحبة والمؤاخاة النبيلة. فينظم عنترة أبيات في فرسه الأدهم تخلّده وتسبغ عليه آيات الشموخ الروحي.

ولا ننسى بليك «Blake» الذي إستقطر رحيق سعته الإنسانية وسخائه الإبداعي ومفرداته الأدبية في مجموعته «أغاني البراءة» فكانت أهم قصائد تلك المجموعة هي قصيدة «الحمل والنمر»، وتتمدد ذات الفكرة في كلّ الأدب الإنساني في كلّ زمان ومكان فنجدها في «ملحمة الطيور» في الأدب الإغريقي الاستروفاني كواحدة من أعظم ما أنتج المسرح الديونيسي في أثينا. حيث تبني الطيور مدينتها في السماء وتُحكم من فوقها قبضتها علي العالم.

وهكذا فإنّ الاستخدام الإبداعي لتلك العوالم الموازية لم يفقد قط وعبر الأزمان فعاليته الإدهاشية وقدرته التعبيرية سواء استند في ذلك إلى الأسطورة أو إلتحم بالواقع. ولعلّ ذلك هو السبب الأقوى في استخدام ذلك الأسلوب بإتّصال مستمر في قصص الأطفال، ليلعب من ثم دوراً مقدّراً في إرساء مدرسة أسلوبية قادرة على شحذ خيال الأطفال وتوجيههم توجيهاً قيمياً غير مباشر. ونعود إلى الأدب الروائي لنجد أنّه أيضاً قد إعتمد غير قليل على توظيف تلك المعاني لينسج بذلك أمشاج الخيالي والواقعي بأبعاد رؤيوية في لُقيا إنسانية وكونية جامعة استطاعت ان تكون هي الأقدر على توصيل الأفكار الكبيرة بكل محمولاتها الرمزية والقيمية والعاطفية.

ومن هنا إمتدت يد د. بشرى الفاضل الإبداعية الطويلة لتدق برفق على ذلك الوصيد، لتُفتح لنا الأبواب على مشهدٍ فني آخر في بنائية قصصية مشفوعة بروح السحر الفانتازي والبراءة الروحية والخصب التأملي والتثوير اللغوي المجنح الذى يحرر اللغة بعفوية من كل سلطة وسقف. ليؤكد د. بشرى الفاضل مجدداً في دفقه الإبداعي أنّ الشحذ المتواصل لنصله اللغوي لا يبليه بل يرهفه ويمضيه في كلّ مرة.

وبسردٍ لا يخلو من الجدّة والطرافة يتخلّق أمامنا عالم حي ويتراكب معماره مع تتابع القص بيسرٍ وتلقائية مدهشة.

وفي إحاطة بارعة بتفاصيل عالم الجراد يقدّم الكاتب مفهوماً وصفياً مختلفاً للمرئيات والمسموعات. ويحلّق بنا مثلاً على جناح جرادة في عالم الأفق في مسحٍ طبوغرافي عجيب وواقع بصري فريد تنقله لنا أعين جرادة ترى ما لا نراه. بل ونحسّ كذلك بالتفصيل الفيزيائي الدقيق لعملية الطيران والاستجابات التبادلية الوظيفية مع الترجرحات والتيارات الهوائية والإنعكاسات الضوئية.

ونجد أنفسنا نرهف السمع لأصوات الجراد الجزلي وشعرها الخاص بوزنته السمعية وإحداثياته النغمية المختلفة. ويمتد الكاتب بنا إلى قاموس الجراد ليُرينا بعض مفرداته الخاصة. فالجاغة هي ساعة الجراد بقياسات الساعة الفيزيائية الجرادية الخاصة. وعبر كل تلك المجاميع التصويرية والسمعية تتداعى الحواجز بين الموجودات وتتماهي العوالم لنرى الشخوص الجرادية وهي تتدافع بأرواح حسّاسه قادرة لتنتزع فرصتها في الحياة والبقاء والحُب من براثن الحظ الضنين والكون الذى يتنازعه الأقوياء.

وبقصيدة إبداعية عميقة تذهب بنا في رحلة كشف في صميم الوجود الإنساني وتحديق عميق ملئ في جزيئات الواقع واستقراء لطبائع الأشياء بإدراك لا يراها كمسلمات باردة، بلغة كثيفة تمتلك أكثر من مستوى واحد للدلالة.

وبطاقة مرهفة قادرة على تقطير التجربة الانسانية والقبض على جوهرها وإختزال وتلخيص خبراتها وتجاربها بطواعية مدهشة تحيل إلى متعة ذهنية رائقة وراقية.

وقد وجدت نفسي أقف طويلاً عند حديث المبدع الياباني هوراشيو كويروجا المشهور بقصص الحيوان والعوالم الموازية وهو يؤكد على أن تلك القصص تأخذنا بإقتدار في تطواف ذهني موحي. ولم أدرك ان «سيمفونية الجراد» تعدني بذاك العروج الذهني، حتّى جاءني صوت شقيقي من أقاصي إسكندنافية وهو يهتف بحماسة غريبة. قال متلمّظاً ما معناه أنّ أقوام الجراد قد توحّدت بالفعل أمام كلّ العوائق لتوجّه صفعة مطرقة لوجه الإنسان السادر في غيّه.. وأين؟؟ في واحدة من أكثر مدن العالم إزدحاماً بالسكّان» القاهرة» وضحكت ملء روحي من حماسته حين أدركت كُنه إشاراته الضاحكة.

وللعجب وجدّت نفسي أنسرب من فوري وبلا استئذان لأندس في عوالم الجراد، بل وأقفز بروحٍ واجفة لأتابع عبر كلّ الفضائيات تلك الغضبة الجرادية الجاسرة في وجه الإنسان الباطش بكلّ المنظومات الحياتية من حوله.

وإنتفشت روحي وخطرات خيالي تخبرني بأن الجراد قد طار بلا هوادة عبر الأطوال والأميال والصحاري بصبر نارد وبوصلة بيولوجية مدهشة لا تخذله أبداً ليحطّ حيث أراد ساعة أراد. وذلك ليردّ عن نفسه التهمة الجائرة التى تجعله لا شئ في درك الآفات المسفلّة. ليحقّق إرادته رغم عصف العناقيد الكيميائية المبيدة والأبخرة السامّة.

فشكراً عميقاً لصدق كلمات هوراشيو الذى استمطر عبر روائعه تفاصيل العلاقات بين الكائنات، ووحدة المخلوقات وحقّها في الحياة في كون واحدٍ جامع. وإنحناءة لكل ألمعيّ رهيف يستطيع ان يلقى «ببشرى» إبداعية ومنجز فنّي «فاضل» في وجه نعاسنا الثقافي الوخيم عبر نصٍ حي ممتلك لصفة التسامي الكيميائي الأدبي الذى يتحول فيه النص من حالة المسطور الكتابي إلى حالة الملامسة الحياتية مع جلد الواقع دون المرورر بأي مراحل وسيطة، لتستفيق الأقلام ولو إلى حين

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:06 AM

. د بشرى الفاضل قاص حاذق عُرف بمساهمته الابداعية الفذة، وأشواقه الجمالية الضاجة وانثياله الوجداني الدفيئ ومنجزه الابداعي الذي ما فتئ يدغم ذاته في نسيج الحياة اليومية بمجمل مشاهدها ومواقفها وشخوصها عبر لغة مشحونة بطاقة إكسيرية لا تلهث ولا تفني وتلك هي عصاه التي استطالت فأزدردت ما حولها. فلا يكاد أحد يتناول انتاج د. بشرى الابداعي دون ان يقف مأخوذاً مبهور الانفاس أمام الالمعية اللغوية والفرادة التي إستوت على سوقها لتعطيه طابعه اللغوي الثوري الذي لا يدخر وسع اللغة الاستيلادي ولا سعتها الدلالية عبر انساق عدة منها الاجتراحات اللغوية التي بلغت عنده شأن ان تكون في حد ذاتها ممارسة ثقافية بالغة الاهمية وتجريب جمالي يشاكس اللغة في إبتكارية تلقائية وطواعية ابداعية واعية بعيدة عن التكلف والصنعة والعسف الحداثي، فهو صاحب التعابير الماهرة التي خرجت لشرعية التداول اليومي من بطون مجموعاته القصصية امثال مجموعة «أزرق اليمامة» ومجموعة «البنت التي طارت عصافيرها» و«سيمفونية الجراد» ومن تلك المفردات مثلاً مفردة «طفبوع» التي اختزل فيها الكاتب كل المعاني القميئة التي تحيل الانسان الى كائن مدمّر ومصاص دماء يفتك بسلام الآخرين ويغدر بهم في غفلة الطمأنينة.

ولعل رهان د. بشرى الفاضل المضمر في نصوصه يتمثل في انه يضع القارئ ازاء لغة بسيطة وفي ذات الوقت مزدحمة بالدلالات ومحتشدة بالمعاني إلى حد الامتلاء، فنص «الرحيل الى جنة الجراد» على سبيل المثال مكتنز بالافصاح الابداعي القائم على متانة هيكل اللغة بكل قوة إنفعالها وعاطفيتها وطاقتها الشعرية وذلك عبر حيل عدة منها تقليب اللغة على كافة اوجهها لتؤدي دوراً مركزياً في دفع ثقل دلالات النص عبر مسامها الرهيفة. أو بأن لا يأنف د. بشرى من ان يلعب مع القارئ لعبة ذكاء صغيرة أو يقوم بمناورة لغوية يقتنص فيها مفردة ويعيد تركيبها وتوجيهها بمرح طفولي عابث، أو حتى بأن يقوم بمغامرة فنية تشاكس اللغة بروح نزاعة للسخرية والطرافة الذكية.

ولعل ما يعطي د. بشرى تلك النكهة الاسلوبية الخاصة كذلك إهتمامه الجم بالتوثيق للصوت البيئى المحض ودقة معالجته الصوتية ومحاكاته بوزنته السمعية وتوظيفه ومن ثم كركيزة اخرى من ركائزه التعبيرية لارتياد مستويات حكائية جديدة تكاد تسمع فيها صدى الكلمات بل وتلمس حوافها. فمن قراء مجموعة «أزرق اليمامة» لم يخالج سمعه سعال حاجة السرة العجوز الخرفة وهي تكح كحة مضمومة «أُه أُه» ومن لم يتسلل إليه صوت الجراد وهو يغني عذاباته بشعر آسر فينطلق شجياً بلا حنين واللوعة «تكم تك تك» في «سيمفونية الجراد».

وجرثومة د. بشرى الابداعية حاضرة كذلك في طاقة نصوصه الدلالية اللافتة من حيث كثافة الاحالات وترميز الالفاظ بل وإزاحة معانيها إلى دلالات خفية ومعاني خاصة تنفذ حتى إلى اسماء الشخوص التي غالباً يكون لها من مثلوجية الاسم نصيب بكل درجات الالماح والاشارة وذلك ملحوظ مثلاً في اسماء الجراد المرتبطة إرتباطاً اشتقاقياً وثيقاً بحروف مفردة جراد من جهة امثال جريرة وجارد وجبورة أو بكدحها وأقدرها من جهة اخرى.

ومما يستحق كذلك الوقوف عنده انتباهة د. بشرى الفاضل السديدة للغة العامية وتوظيفها كمورد طبيعي غنى وكخامة تعبيرية اصيلة تسهم بقوة في تماسك البناء الداخلي للنص، فهو لا يستخدم العامية كخصم للفصحى وإنما كرديف مكمل يظهر اللغة ككيان ابداعي مرن يتسع لثنائية الفصحى والعامية معاً لتعملا بتساوق رائع يتحقق معه مقتضى القص دون قداسة متوهمة لكيان الفصحى أو تنكر ثقافي ساذج للعامية كلغة محكية.

كما أن الحضور الحكائي الانيق لدكتور بشرى الفاضل يظهر في مقدرته على تعرية منطق الاشياء الداخلي وفتح النوافذ للقارئ ليرقب خلفيات المشهد الانساني المركبة، مما يجعل منجزات الكاتب القصصية تميل لكونها قصص استبطان وتفلسف أكثر منها قصص حدث ووقائع، فالسرد يدلف بالقارئ بانسيابية قصوى وباناءة محكمة إلى كشوفات النص الداخلية عبر لغة مكتنزة ومفتوحة كلياً على فضاءات التأويل وموائد الامتاع. فالنصوص بمشهديتها الدسمة وحواراتها المسترسلة باتساع مستمر، مثقلة باللا وعي الملبد بالمرموزات والموروثات والطقوسيات في نزوع وجداني ملح لاستبطانات المخيلة الشعبية عبر اشارات وتناصات عميقة المضمون وشديدة الاضاءة والانتماء وحيث الواقعي والخيالي وجها حادثة واحدة.

وكما ان امل دنقل قد استعار شخصيات حرب البسوس للتعبير عن الاحوال المعاصرة وتبعه ادونيس فقام كذلك باستلاف اقنعة تاريخية كمهيار الديلمي، فان د. بشرى لا يتردد في ان يسبر خياله ليخط مساراً آخر لافتاً باتجاه عوالم اخرى موازية فيقدم شخوصاً روائية قد تكون من الجراد عبر انسنة غامضة نرى فيها الجراد العادي والمثقف والنحيل الاعجف والسمين القميئ الراتع في الخضرة المعدلة وراثياً لنرى عبره انفسنا بكل مفارقات حيواتنا وما فيها من تناسل للمتناقضات والاكراهات والانكسارات، حيث الغزو المدني المتكلف والانسحاب القيمي والتدليس الاجتماعي هنا يقول د. بشرى عن الجرادة جريرة «خرجت جريرة في صيف امتد فيه الرماد من نشاف بلاعيم البشر الى إنطواء السجلات الخضراء عن الجداول والقنوات والمروج والمهج».

كذلك مما يجدر بنا الاشارة إليه قوة حضور المكان في نصوص د. بشرى الفاضل حيث يحكم القاص قبضته الروائية على بُعد المكان الاثنوغرافي بكل علاقاته المتراكبة وشروطه الانسانية المعقدة، مطلقاً باليد الاخرى بعد الزمان لتنفلت النصوص من عقال الساعة الفيزيائية وتطير بعيداً عن التحقيب والأطر الزمانية فتحفظ بذلك بمعانيها طازجة بكل ما تنطوي عليه من تبصرات عميقة قد تأتي على شكل عبارات قصيرة ساخرة قارصة احياناً ومتظارفة متهكمة متضاحكة احياناً اخرى.

ولعل مجمل ما وقفنا عنده في هذه القراءة السريعة لا يمثل سوى بعض قطرات من نصوص القاص السوداني د. بشرى الفاضل المائجة بالافكار والاسرار والاسئلة
والمبذولة للتأويل بلا شروط.

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:09 AM

http://www.sudaneseink.com/images/bushraalfaddil.JPG







عن دار مسارب للطباعة والنشر، في (104) صفحة من القطع المتوسط، صدر كتاب (فزيولوجيا الطفابيع) مجموعة قصصية جديدة لـ د. بشرى الفاضل، تضمن: إهداء، الإفتتاح، الدجاجة المنسية، قلعة حاج، معين والعيون، السفينة الجامحة، غريق الجيش، جسر الرسائل الأزرق، عندما تكلمت دمية الشاعر، فزيولوجيا الطفابيع، سليمانة والديك الأخرس، شيزو الطفابيع، تحولات نقطة، الجبل، تغريبة مرغني، فسفور بقاع بئر، كيف انتحر الحمار، الرحيل إلى جنة الجراد.

د. بشرى الفاضل، القاص والشاعر المعروف، يقيم ويعمل بالمملكة العربية السعودية منذ عدة سنوات، وكان قد صدر له كتاب (حكاية البنت التي طارت عصافيرها) عام 1990م، وكتاب (أزرق اليمامة) عام 1995م، من اجواء الكتاب الجديد نقرأ: (خرجت جريرة وهي جرادة نشطة في رحلة من رحلاتها الدورية للبحث عن جرير الغائب منذ خمس جردات, والجردة هي سنة الجراد, وعن الخضرة في ديار احطوطبت مشاعرها وعن سرب لا يجيء. قالت راوية هذه الحكاية وهي جرادة ذات استطرادات لراوٍ آخر سيوبر أن الخضرة هي موسيقى الجراد ولذا فهو ليس معادياً لها بل هو يسمعها ويستنشقها ولا يروي ظمأه منها إلا بالتهامها.

خرجت جريرة في صيفٍ امتد فيه الرماد من نشاف بلاعيم البشر إلى انطواء السجلات الخضراء عن الجداول والقنوات والأنهار والمروج والمهج . كانت جريرة عائدة قبل شتاء من ديار جارد. فعاتب وهو من الجراد العتاب كان قد جاءها ذات يوم جذلاً وقال أنه شاهد جريراً هناك . سافرت جريرة إلى جارد على عجل ثم عادت من رحلتها بهاء سكت مريرة كالغصة وباتت شتوياً تنضح بالحسرة.)

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:19 AM

حملة عبد القيوم الانتقامية
 
بشرى الفاضل
قف! هذه نوافير من السائل الأحمر ترْشح من المداخل والمخارج، وأخرى تنز من البطن المبقورة، هل هصرت الطعام يوماً في عيني جارك في مطعم عام حتى سال أكسير حياتها؟ ذلك حال جسد عبد القيوم (ساعة شؤم) رمت به راجلاً في طريق عام وهو الراكب شبابه كله، يصرخ المرء – يقولون – ثلاثاً ولكن عبد القيوم يصرخ بلا حصر: في المظاهرات والعراك والسٌكْر وصرخة أخيرة حين دهسته العربة الزيتية ذلك المساء. كانت أمه وهو طفل ترسله للسوق صباحاً فيعود محملاً بالزيت والسكر وأماني السفر للبعيد المجهول. صوت العربات، موسيقاه البدائية الابتدائية: رن رن ترن ترن – رن... يدنو من الواحدة منها ويتغزّل كما لم يفعل أبي ربيعة في النساء.

عبد القيوم لا يعجبه القمح الذي يعجب أولاد حاج التوم ولا زراعة الفاصوليا التي تعجب أولاد زكية. ولا السباحة التي يغرم بها خليفة ود حسب الله، ولكن عربة ذات سفرة جذبته إليها فأذعن.. اقترب من سائقها واتفق معه على السفر المجاني على أن يقوم برمي (الصّاجات) كلما غرقت العربة وكان الرمل بحراً.
- كيف يا ولدي تشتغل في الحديد؟ ما فيهو أمان. يا ولدي الله يهديك.
- يا با إن داير صالحي باركا. الناس كلهم شغّالين الحصل ليهم شنو؟

وكان ما كان فهذا زمن تتناقص فيه السلطات الأبوية المطلقة. ودعه أبوه بصوته كأنه خارج من بئر. وودعته أمه بصحن زاد وصحن دموع.. ورجعا لمنزل قلت فئرانه. شهر وآخر وعبد القيوم يروح ويجيء مثل ثور ساقية كوني يتم دورته في ثلاث ليال بدلاً من عن ثلاث دقائق ولكن الدموع والدعوات وصحن الزاد لا تنقطع.

وفي إحدى أوباته أخطر والديه بأنه تعلّم، وأن هذه المرة ستكون الأخيرة في رحلات الذهاب والإياب الأسبوعية وأن العمل في الخرطوم راقد على قفاه وهكذا كانت مشيئته لا رد غير غزير الدموع ومطر الدعوات الحزينة..

لم يمض شهر حتى أرسل عبد القيوم ثلاث جنيهات ولم يمض شهران حتى أرسل جنيهين ونصف وهكذا ظل ما يرسله يتناقص عكسياً مع تأقلمه الجديد في المدينة ولهوها. ومع هذا فإن الدعوات المنكسرة من والديه لم تنقص واحدة. ثم كان ما كان من أمر العربة الزيتية – الناس تجمهرت حول الجثة وتوقف القاتل مرتبكاً فكان يبدو خلف الزجاج كدمية عرض في متجر. الناس صاحت فيه وبصقت، لكنه كان يرتجف – وهكذا أخرج سخط الناس من بين أسنانه المصطكة خوفاً..
قال يوسف صديق: جاءت زوجة عبد القيوم تولول: الليلة يا عديلي خليت نائلة وسعد للخلا.. يا ضّوي وركيزة بيتي ووي وي...
قال بخيت: جاء البوليس وستروا الجسد المكّوم وقاسوا واستعجلوا وأمروا سائق العربة بالتوجه إلى المركز. الناس قالوا – قال بخيت: ما بحاكموه أسع يطلع برىء..

تخرج الجنازات في المدينة كأي واجب وكأي واجب دفنوا عبد القيوم. حين كان يافعاً كان متخصصاً في صناعة المراكب الصغيرة لأصحابه بالمجان ولأبناء القرية بخمسة قروش، مركب يقضي في صناعتها نهاره كله – غيره كان يعبر النيل من الجلدة للجلدة أو في فك طلاسم الحروف ولكن عبد القيوم مغرم من بين المعادن بالحديد.. في الخلوة كان الشيخ يرسله ليسقي الحمير أو يتسلق النخيل ليحضر له رطباً أو ليسرج راحلة ضيف. وهكذا كانت نار القرآن – برداً وسلاماً على إبراهيم وأولاد حسب الله وغيرهم وحاميةً على عبد القيوم. كان عبد القيوم مظلوماً ظلم كلب أهل الكهف في نوم لا صالح له فيه وانتهت حياته في الخلوة والدرس بصرخة إثر سوط حامٍ. وعبد القيوم يصرخ بلا حصر.

ساعد أباه كأجير مرادف في أرض لا يملكانها وأحايين أخرى لطّخ بيوت الناس بالزبالة وبدلاً من أن يُعاقب كان يمنح أجراً لقاء التلطيخ.. ولكنه أجر لا يتمكن من صرًَه في طرف ثوبه. وهو كبير ترسله أمه إلى السوق. الناس في سنه تموت في سود العيون وهو يموت في عيني عربة.. البدفورد يا عبد. الله كريم. الله كريم. يرددها مختلفة الإيقاع والزمن بلهجة من كتب عليه الفقر وأذعن..
وصله مرة طرد بلح من أمه، ففرح به فرح عابر سبيل عفا عنه كلب عقور، فتح الطرد وشمه. وتمسح به فبكى ودعاه حنينه للعودة، فكانت في حياته سكينة، إمرأة لا تحمل أسمها، وهي في فركة عرسها عفرتت عيه حياته، طموحها لا نهائي ولا يحوشها حوش. كانت تتجمل وتشاكسه وتحبه حباً من نوع غريب وجاسر. حدّاثة، (شهر زاد) جارتها بلا منازع، يقطعن بالقسر تلفزيوناتهن ويتسربن إليها فتحكي فيظهر القمر. وتحكي فتضحك الحيوانات الأليفة والنباتات المتسلقة. وتحكي حتى لا يتبقى للواحدة من جاراتها مصران فيرجعن عند طرقات عبد القيوم المألوفة المتعبة على الباب. تفتح سكينة وتكون الليل ببقيته.. حتى أنْيلتْ وأحْسنتْ ولكن حسن مات في مهده، فأسعدتْ وفي الطريق قادم..

كان هناك بلدوزر، فرغ به سائقه من يوم عمل شاق. وقفل به راجعاً إلى حظيرة الشركة داس السائق فتأوه البلدوزر من تعبٍ، وأن داس السائق مرة أخرى رشح البلدوزر البترول كله كما يتقيأ مخمور.. رجع السائق إلى الوراء فمشى مرة أخرى إلى الأمام فأبى .. غضب السائق ورجع بسرعة فائقة إلى الوراء فاقترب من المقابر وهتك قبراً، نزل السائق خائفاً وترك الماكينة الصماء مكانها واختفى.. كانت الصراصير تناوب الضفادع الحراسة الموسيقية للموتي.. وكانت بالقبر المهتوك حركة.. أطلّت جمجمة من الكوّة المتاحة تلفتتْ يمنة ويسرة وأعادت رأسها إلى القبر في هدوء. ومرة أخرى، الجمجمةُ لم تر اللص الذي يخبىء وارده في قبر مجاور ولم تشم رائحة الفجر ولم تسمع صوت الآذان المصري اللكنة.. ولم! كانت جمجمة مثقوبة في الجبهة بنفس موضع هلال العرس. مثل شوكة سمك البلطي انسلت الجمجمة من القبر، متبوعة بالهيكل العظمي المتبقي من كائن ٍ ما اسمه عبد القيوم. أحدث الهيكل جلبة لا قبل للحذر بتفاديها ومشى طاخ تراخ طاخ نحو البلدوزر، ولكن كل ذلك مر بسلام. ومن الغضب كان تل عبد القيوم يزعتر، حين امتطى ظهر البلدوزر الضخم. كانت الكوة في موضع الهلال من رأسه تعوي وا وووا وا حيث يتداخل الهواء الفاسد والغضب في لجتها قالت الجن سِر أيها البلدوزر قال الضوء أسرع أيها البلدوزر قال عبد القيوم: هيت لها أيتها الشوارع وا......ووووا..وا! وتحركت الآلة العجيبة من أول إشارة من قيوم القائم قبل القيامة..

كانت الحركة ذلك الصباح مكدسة العربات مكتظتها.. عربات صفراء وحمراء وخضراء، ولا عربات وعربات لا سوداء.. دهش عبد القيوم وهو السائق القدير إذ رأى الجميع يسيرون يمين الشارع. دهش رجل الحركة أ، البلدوزر يقوده هيكل عظمي فظيع لات حين مهرب. هذا هو الثور وأنتم المستودع الشهير..

اشتعل عبد القيوم غضباً. لا أحد يخبرهم بالتغييرات التي تحدث في هذا الكون.. وا.. وووا..وا وطفق يدهس في البطاطس البشرية داخل العربات المكتظة، بعضهم تردد من كان في آخر الصف في أن يتركوا مارسيدساتهم هكذا، فكان موتهم مسبباً بالتردد.

هرس.. دهس.. يوم كامل وعبد القيوم يدهس.. وهذا البلدوزر العجيب لا توقفه المتاريس، ولا طلقات البندقيات ولا الدبابات ولم ينضب بتروله. وكان عبد القيوم محنطاً لا يسري الرصاص في جسده الماسي ذي الغضب المفتوح. ذلك الغضب لا يفنى ولا يخلق من عدم. جليلة مدت رأسها فوق الحائط الذي يفصل بينها وبين الشارع فرمت طفلها وتخلّت عن أمومتها فجأة وصرخت: بسم الله! الليلة يا شيخي تلحقنا وتنجدنا. مولانا حبيب الله من فوق مئذنة الجامع في الظهر أبصر المشهد فصرخ من خلال الميكروفون: أشهد أن إله إلا الله. يا مسلمين توبوا إلى الله. المسيح الدجال ظهر. وأخذ ذو نظارة متخشبة يسير لصق زميله مراقباً، وله ولزميله أعين كحرز الدجاج – الذي يدعي أعيناً – تضىء وتنطفىء قال: دا دونكيشوت خلِّي بالك بناطح ساكت.

كان تل عبد القيوم يزعتر: أولاد الكلب تقتلوني؟ وهو أنا شفت حاجة في الدنيا؟ انتظروا. وقرّر عبد القيوم أن يرتاح قليلاً فزاد من سرعة مكتبته فانطلقت بسرعة فكلية واتجه شرقاً وانعطف بعد أن كنس كل البيوت والعمارات التي قابلته وأطفأ غضبه في النيل..

كان النيل رحباً.. وكان يقبل الجميع ويُطيِّب خاطرهم. إتجه البلدوزر وتابعه إلى العمق وهنالك اقتربتْ سمكة بلا زعانف وفيما بعد حكَتْ لصويحباتها عن جمجمة مثقوبة تقول بغْ – بغْ – بغْ وكيف أنها حين ولجت بداخلها لم تجد لحماً ينبت لها زعانفها. وضحكن صويحباتها وسبَحن معها حول وتحت وفوق وعلى وفي البلدوزر وصاحبه عسى ولعل، لكن فقاقيع من الغضب كانت وحدها تخرج من بين الجسمين الملتحمين معاً بإلفة شديدة.

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:22 AM

فصول من رواية سيمفونية الجراد
 
الرحيل إلى جنة الجراد
خرجت جريرة وهي جرادة نشطة في رحلة من رحلاتها الدورية للبحث عن جرير الغائب منذ خمس جردات، والجردة هي سنة الجراد، وعن الخضرة في ديار احطوطبت مشاعرها وعن سرب لا يجيء. قالت راوية هذه الحكاية وهي جرادة ذات استطرادات لراوٍ آخر سيوبر أن الخضرة هي موسيقى الجراد ولذا فهو ليس معادياً لها بل هو يسمعها ويستنشقها ولا يروي ظمأه منها إلا بالتهامها.
خرجت جريرة في صيفٍ امتد فيه الرماد من نشاف بلاعيم البشر إلى انطواء السجلات الخضراء عن الجداول والقنوات والأنهار والمروج والمهج. كانت جريرة عائدة قبل شتاء من ديار جمبلغ. فعاتب وهو من الجراد العتاب كان قد جاءها ذات يوم جذلاً وقال أنه شاهد جريراً هناك. سافرت جريرة إلى جمبلغ على عجل ثم عادت من رحلتها بهاء سكت مريرة كالغصة وباتت شتوياً تنضح بالحسرة.
كانا وجرير قد أنجبا تجريدتين ولا تعترف أسراب الجراد العليا بفاعلية الإسهام في حفظ النوع ضد سلاح المبيدات المحرم سربياً. إلا بإنجاب ثلاث تجريدات. خرجت جريرة أملاً في العثور على حبيبها ومن أجل تقدم السلالة. و حب الجراد صادق دائماً. في هذه المرة أخبرتها جرة الجرادة المشبوهة العائدة للتو من نواحي القصبة أن جريراً يرتع بين قريناته الجديدات وسط بساتين جارودي عاصمة الجراد
تتأفف جريرة. تزفر أحزانها من خلال فمها الصغير فتقول
ـ أوففف
وتلتقط الريح فقاعة الهواء الصغيرة وتدخلها ضمن نسيجها الفاعل فلا يكاد أحد يسمع شيئاً ولذا يظن الجميع أن ليس للجراد أصوات. كانت جريرة في حالة جوع دائم حد التصاق جنبها الأيسر بالأيمن. وحين خرجت قاصدة جارودي أفردت دفتها الصغيرة وفتحت فوانيسها المحورية وعدلت من الساري ثم أسلمت نفسها لتيار الرياح العاتية. طارت بها الريح وطارت جاغة وجاغة فجاغات والجاغة هي ساعة الجراد وهي 39 ق. زمن الجراد الداخلي من أسرار الكون. كانت جريرة تسكن في انقاية جرداء في بلاد تروى بالمطر في بطن الجزيرة قرب بلدة واصل نومك. وكل جراد واصل يعرف جريرة بنت الجزيرة. هذه الجرادة المتجردة التعيسة الحسناء.
في أثناء طيرانها نحو جارودي كانت جريرة ترقب حركة العتاب وهو جراد شبه طائر شبه سائر وتضحك وترمق بفوانيسها الدوارة حالة انحسار موسيقى الجراد من جنبات الترع وأب عشارين والجداول والتقانت وسط الحواشات البور.. تحلم جريرة ببساتين ملأى بالبازلاء وفول الصويا والسبانخ والعنب والمشروم بدلاً عن مكرور العدس والبصل والفوم. طارت جريرة وطارت ثم طارت وشيئاً فشيئاً امتلأت ذاكرتها بالأشجان ودماغ الجراد كله ذاكرة. وما لبثت أن غنت عذاباتها بشعرٍ آسرٍ
ـ أوف تك تكم. أوف تك تكم تـك تك.
طارت جريرة وطارت ثم طارت وبعد جاغات وجاغات أصبحت على مشارف جارودي. في البداية دخلت الجرادة التعيسة الحسناء منطقة الريح الأصفر الذي يفصل الاقاليم القاحلة عن الأقاليم المتجهة نحو الحضارة الخضراء. وطارت طارت ثم طارت حتى وصلت الى زون الريح الأزرق ففقدت هناك وزنها وصارت ريشة في مهب الذكريات. طارت بها الريح وطارت ثم طارت وطارت وفجأة انبثقت أمام جريرة خضرة موسيقية كالخضرة التي كانت تراها في الأحلام. طارت جريرة وحلقت بالمرح كله فوق ساحة خضراء تراها لأول مرة في حياتها. ساحة جمعت عصارة الخضرة منذ عيذاب التي ليست وراءها أسراب ومن زمن غابات تركاكا والزمن القديم مما رواه جدودها عن رغد العيش قرب ودسلفاب حين كانت الغابات تمتد وتمتد مابين النيلين قبل أن يجتثها عدو موسيقى الجراد الغاشم. لكن هذه الخضره الجديدة ربما تدخل في تباعيضها جنيات الجينات. خضرة حاضرة خضراء مخضرة. وفي سرها ضحكت جريرة وهي في حبورها العظيم هذا حين تذكرت النكتة القديمة التي روتها لها والدتها حين زارت منذ عشرات الجردات نرتتي بجبل الجراد العظيم سألت والدة جريرة جراد نرتتي المحظوظ
ـ صفق اللوز دا كلو هيلكم يا الحبان
وأجابها جراد نرتتي الخضراء من غير سوء
ـ بالحيل
فردت الجرادة الأم
ـ نان ما تقرضو ا
لجردات وجردات ظلت الأم تكرر نكتتها لجريرة حتى ربتها على حب الفكاهة وفي كل مرة تعودان معاً إلى النكتة بدءاً من آخرها
ـ نان ماتقرضوا
حلقت جريرة وحلقت فرحة فوق الساحة الخضراء ومن علٍ رأت الجداول الرقراقة والمياه الدفاقة والثمار البراقة ثم لاحت لها أسراب عجيبة من الجراد بدينة تمشي الهوينا وأحست جريرة أن هذا الجراد تكاد تقتله الفاقة. وما أن اقتربت أكثر حتى حل بها الفزع وهمست لنفسها
ـ هذا الجراد ليس من بني جلدتنا.
كان هناك جراد سمين وجراد بدين، جراد لاحم وجراد شاحم, جراد مكتنز وجراد ينز، جراد وديك وجراد سميك، جراد منيع وجراد عاتي، جراد فات وجراد فاتي وأعجب من هذا كله فصائل أخرى من الجراد الأممي حيث كان هناك الجراد الجامبو والجراد الجراند وغيره من الجراد الذي لا نعرف له كنهاً.
هبطت جريرة بمدرج مطار جارودي وكانت دهشة جراد الساحة لرؤيتها أكبر من دهشتها.فقد كانت جريرة تبدو وعلى الرغم من حسنها غبشاء هنا كفت جريرة عن تذكر النكتة القديمة والتمعت في ذاكرتها الدماغية خاطرة عن أنها ربما حلت بجنة الجراد. و اقتربت جريرة من جموع الجراد أكثر فشاهدت لدهشتها انشغال الجميع بالتهام نوع من الخضرة الملفوفة المحشوة باللوز. رأت الحشود تتوجه بأسلوب حضاري نحو المنصة فتقدم لها كواعب الجراد الخضرة الملفوفة في آنية خضراء مع مناديل من سندس.
دارت جريرة ثم دارت ودارت حول جموع الجراد المتعجبة. نسيت جرير وما جرى منه وتذكرت بحزن عميق أمها وابيها في جرداء التي قرب واصل. وتملكتها شفقة طاغية وحزن ماله من قرار لكون أمها لا تعرف شيئاً عن طلعات الإستهلاك الراقية أما أبوها الزاهد فكان يسألها دائماً عن الفرق بين الإستهلاك والهلاك. أمها تقضي سحابة نهارها بين الورتاب والبتاب, تقبع بين مشلعيبها ورواكيبها وكراكيبها وغاية أمنياتها أن تحظى بصفقة عنكوليب .وفي الخريف يكون صفق العدار راقد هبطرش في الإنقاية قرب واصل نومك ويغيب في موسم الدرت. أسفت جريرة بنت الجزيرة التعيسة الحسناء لكونها لم تعلم من قبل بوجود بساتين كهذه. غاب بال جريرة في تلافيف ذاكرتها لجاغتين فبكت بكاءً يفيض بالحنين وجريرة جرادة ليست قياسية فهي لا تعرف الأنين. وعندما أفاقت كان الجوع هو سيد موقفها ودنت في حركة عفوية من أول جرادة عبرت علها تحظى منها بطبقٍ مما يتداولون، فتلقت لطمة مفاجئة صاعقة مصحوبة بصيحة ارتجت لها مكبرات الساحة..
ـ أخرجي من هنا أيتها الشحاذة الجرداء القذرة.
انطلقت جريرة إلى أعلى بالدفع الميكانيكي بسرعة هائلة فاقدة للوعي من هذه الضربة الجراند ثم هوت مثل قذيفة وارتطمت بروث البقر في أطراف القصبة. وظلت هناك بلا حراك لجاغات وجاغات وحين أفاقت لم تعد تذكر إلا تلك الصيحة الأخيرة
ـ شحاذة قذرة أخرجي !
وفتحت
جريرة فمها لتصرخ لكن هاء السكت دهمتها فجأةً فسكتت.

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:26 AM

جرير
باتت جريرة شتوياً فنحن لا ننام لكننا نبيت وشتاؤنا ثمانون جاغة أي إثنتان وخمسون ساعة بحساب البشر. كانت جريرة في خلوتها مع غصة هاء السكت حين دهمتها أحلام الجراد. وأحلامنا بخلاف أضغاث البشر تتحقق بعد جردات أحلامنا كالسيمفونيات تبدأ بجرادة فريدة تغني صولو ثم جرادتان في دويتو ثم ينطلق شجو الكورال السرب ثم أوركسترا الأسراب الكونية المصفاة الراقية. حيث صيغة منتهى الخضرة . كل جرادة تغني بواحد من الألف من التون بموسيقى لم يحلم بها موتسارت. و ما يلبث الحلم الحقيقي أن يدخل في غرضه ثم يبدأ الإنسحاب التدريجي في الحلم من الخضرة المتناهية إلي الخضرة أي كلام البشرية فالى الأزرق البرزخ فالصفرة ثم الصحو باللون الذي يكيل به البشر دائماً حماد.
رأت جريرة أولاً جريراً يخاطبها مغمغماَ. هو يتكلم ببطء شديد وهي لا تكاد تفهم شيئاً بدا لها جرير غريباً في الحلم حتى أنها كادت تبكي وفتحت فمها لكي يبدأ النشيج لكن هاء السكت دهمتها فجأة. جريرة لم تسكت هذه المرة بل ملأت بالدهشة جوفها واستغرقت في ضحك كتوم حين أدركت أن هذا يتم أثناء الحلم. ضحكت جريرة في سرها وضحكت ثم ضحكت وضحكت حتى قادها شلال الضحك إلى صحوة مفاجئة لا تشبه تلك الصحوات البشرية غير البريئة.. ثم تذكرت أنها جائعة حد التصاق جنبي بطنها الرشيقة. ذلك ثم ما لبث أن سمعت حركة تدب بالقرب منها فالتفتت لترى عتابةً نشطة. كانت من قبيلة الجبورة. طارت جريرة نحوها كالسائرة دون أن تفرد جناحيها كأنها طائر متردد لم يتخذ قراراً بعد بالطيران ولا بالسير. طارت سائرةً نحو العتابة لتسأل
_ قولي لي يا شابة ألا توجد دوحة بالناحية ؟
هزت العتابة رأسها بالنفي لكنها قالت مستدركة
ـ لا .اللهم إلا طندبة التطبيب.
ونظرت الجبورة الى بطن جريرة الملتصقة ففزعت ثم تب تب عتبت قافزة نحو النهر وبعد ربع جاغة عادت تنوء بأحمالها من الجرجير والقت به أمام جريرة .طارت جريرة من الفرحة ثم جرت اليها جرجيرة وجرجيرة وجرجيرتين وعشر حتى استردت عافية سنين ورمقت الجبورة بامتنان وقالت مداعبة
ـ هل اسم قبيلتكم جبورة أم قبورة ؟
فردت العتابة الكريمة
• جبورة والغريبة جراد الشمال يسمينا قبورة فهل هذا مهم؟
ومدت جريرة يدها وقالت بمودة:
ــ جريرة
وسرعان ما تلقت رداً:
ــ عتبة
فهتفت بفرح
• يا ألف مرحب.
وهكذا تعارفتا خلال شائق الإبتسام.
بين العتاب والجراد علاقة تاريخية ورفقة ممتدة الجذور. أصلاً العتاب جراد لكن يبدو كما لو أنه انتقصت منه حركة واحدة فلم تكتمل صورته إن كان الطيران يعني الكمال. ولذا يتحرك العتاب مثل حركة الممثلين من أيام شارلي شابلن. ويسخر فلاسفة الجرا د العتاب من ارتباط الكمال بالطيران ويستدلون بالبشر الذي لا يطير إلا مستعيناً بالحديد الهدار الذي يدمر الأكوان سعياَ وراء محاكاة الجراد. الرفقة بين العتاب والجراد أكثر من حميمة. العتاب يخدم الجراد بأفضل مما تخدم البشر الكلاب. البشر يستغلون الكلاب لكن الجراد يرد على خدمة العتاب في المسائل الاستراتيجية كالتنبيه بخطر القنبلة المبيدة أو شباك أكلة الجراد من الإنس المتوحشين والوحوش وغير ذلك وبما أن التاريخ الحميم مكتوب في جيناتنا فلا اتفاقيات ولا شروط كل يؤدي دوره في خدمة المجموع. ولولا تدخل البشر لما حصل مثل هذا الإنفلات الجديد في عالم الجراد فهنالك فصائل جرادية قطنت مؤخراً جوار حي بني طفيل البشري تشربت أفكار أولئك البشر. الوحوش. وهذه الفصائل الجرادية الجديدة أصبحت تحكم الآن سائر أسراب الجراد بالحيلة أو الزندية. المشكلة أن بقاء جريرة قرب إنقاية واصل نومك جعلها جرادة ساذجة. مسكينة فهي لا تعلم ما حل بحبيبها جرير .لكن يبدو أنها ولحسن الحظ وقعت في طريق فيه مخرج لها من أزماتها فهذه العتابة عتبة لها معارف من الجراد المثقف أمثال الشاعر جرداق وجابودي وجراري وجارد الحازم وغيرهم.
أكلت جريرة الجرجير بمتعة كأنه موليتةخريفية من واصل نومك. ولمعت في خاطرها أثناء الازدراد صورة ريحانة آسرة العطر فتذكرت أيام مجدهما الغابر هي وجرير قبل شتات القنبلة المبيدة الأخير التي ذهبت بريح كتلة سربهم الأخاذ الملون قبل جردات طويلة سابقة لنكوص جريرة لجرداء قرب واصل ببطن الجزيرة. تذكرت جريرة كل ذلك في جانيات معدودات ثم طفقت تغني باللوعة كلها وانطلق الحنين
ــ تك. تكم. تك تك تكم. تك تكم. تكا تك تكم
ثم أفردت جناحيها ودارت راقصة في فضاء القصبة وجارودي رغم غموض الأحداث. وشاق عتبة رقص جريرة البديع وأخذتها حركتها الرشيقة هناك في الأعالي فأيقنت أن ضيفتها عاشقة وسألتها وجريرة لا زالت تدور في بداية التسخينـ إلى أين ونحن لم نتعارف بما فيه الكفاية؟
ومن علٍ سمعت صوت العاشقة يقول
ـ هو مشوار ضروري. سأعود ونفتح المغاليق. شكراً لحزمة الوجبة الدسمة.
وردت عليها عتبة
ـ طيب تجدينني هناك ــوأشارت لأكمةــ عند طندبة التطبيب. وهذا الحي اسمه جرورة تذكري. لكن جريرة كانت قد طارت ولمع في مفاعل التسريع الدماغي لديها خاطرة خافتة من البعيد البعيد عن مذاق حسوة بشرية تذوقتها صدفة وثملت بها. وفي سرها قالت هذه الجرادة الحريرية الشاعرة العاشقة
ـ آه وآه ثم آه من غموض الأكوان.
ولو كانت جريرة نشأ ت في صحبة بعض بنات حي جرورة المتفتح لآمنت بال ري انكارنيشن وهذا أيضاً من أسرار الكون.
طارت جريرة وطارت طارت وحلقت فوق سماء القصبة وهالها الحجم الهائل للحجارة والحركة شبه الجرادية للحديد الهدار الأرضي بأكثر من الجوي وللبشر غادين رائحين. كان الوقت أول الليل. دارت جريرة دورة كاملة حول المدينة متجهة نحو جارودي. واعجبها من علٍ السيف المجوهر بالنجوم ولأنها مبرمجة بحب جرير وحده فما كان في خلدها سوى الانطلاقة من جديد نحو بستان الخضرة الرهيب . طارت جريرة لكنها فقدت بوصلتها الى الساحة فرأت أنه من الأفضل المجيء اليها من ناحية الجزيرة وهكذا طارت فوق صوتياً الى هناك. وبعد جانيتين أو ثلاث لمحت جرادة أخرى تطير مسرعة رغم وزنها الزائد. كانت تبدو مع الضوء الخافت مثل خياراية. شيئاً فشبئاً اقتربت جريرة من الجسم الجرادي فتعرفت من خلال ابتسامتها على جرة بنت ناحيتها في انقاية جرداء. جريرة لا تقاطع جرة مثل الكثيرين في واصل. فقط تعتقد أن جرة أخطأت التقدير مثل الكثيرين بعد الهجوم النووي الأخير. وخلال تبادل النظرات صاحت جرة كالمندهشة
ـ هاي جريرة. لسة ما وصلتي؟
تعجب جريرة الشاعرة من لغة الشابات الطالعات. متقنة في بيان أغراضها لكنها شالو وغير شاعرية. تتيقن جريرة أنها لغة ليست جينوين. ردت جريرة كما لو أن الأمر فزورة
ــ وصلت ولم أصل. لم أقابل جريراً بعد.
وغمغمت جرة في سرها ماذا لو حكيت لها عن تحرشات جرير بي أول ما وصلت للبستان؟ لكن جرة عدلت عن فكرتها وقالت من تحت فمها متأوهة
ــ أوه شابكانا جرير .. جرير.
ثم توكلت وقالت
ـ سأكلمك الآن بصدق. جرير يرافق ثلاث بعدك ببستان النعيم.
ـ ها ..

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:27 AM

زفرت جريرة رفضها للخبر ثم ما لبث أن ملأ الغضب جوفها العامر بالمحبة وانقطع الحديث بينهما فطارت صامتة لا تدري ما تفعله تجاه تصريحات هذه الجريدة الحاقدة. لكن جرة واصلت حديثها فقالت
ــ أعلم أن الجميع يعتقد أنني منزلقة. لكن هيلاه وهيلاه ما انزلقت ولم أورد خبراً واحداً عن جراد الجزيرة لأتباع جبادة. أنا اجيء لهذه الجنة لأن العيشة فيها سهلة وما خصني كان الرجال بيجوا عشان حورها أو ما يجوا ما خصاني وتعالي ياجريرة النسألك واصل ديك شن فيها بلا السجم؟
استمرت جرة تثرثر وتثرثر ناسجة خيوط مرافعتها أمام قضاة سرب جراد وهمي لكن جريرة كانت في شبه غيبوبة تطير لأن هناك هواء رحيم يدفع بها آلياً مثل طائرة معطوبة. وفي سرها قالت جريرة
ـ هيلاه. يا جرير.. جرير هل ترى ما تقوله هذه الجرة وهل ما رأيته في الحلم صحيح؟ أين أنت الآن يا حبي. يا جرجاري في عالم مليىء بالأسمال . يا حصن الأوزان والقوافي والحلم بسربنا الأبدي.
صدحت جريرة بذلك ثم دهمتها سنة من نعاس حتى كادت أن تهوي فالهواء الشفوق يدفعها نعم لكن من شروطه الوعي. وصاحت جرة مرة أخرى من أمامها:
ـ اسمعي يا جريرة أن أتفهم أنك لا تصدقينني. لكن سأستعين بذكائك الذي يتحدث به الجميع في واصل وقدراتك التي أثنى عليها المعلم أبو الحصين كثيراً، لأشرح لك ما جرى فبعد أقل من نصف جاغة نصل إلى البستان وستتحققين بنفسك من صحة ما أقول. البستان يحكمه جبادة وكما تعلمين فهو يحكم سائر الجراد من جابودي إلى كافة النواحي والإنقايات. جبادة يحكم حتى مناطق لم يرها ولم يسمع بها.
سكتت جرة ثم واصلت إزاء صمت جريرة الذي كان يوحي بأنها تصغي
ـ مش تقولي واصل القريبة دي. جبادة يحكم الجراد من قرب جامينا وجراد جنينة وجبل الجراد وجراد جابرة وجوبا والجبيلية وجبيت وجيلي وجبل أم علي وجابرية إلى عند جبلاية الجقر وجراد جـ....
وهنا قاطعتها جريرة المبرمجة
ـ هل ما قلته عن جرير صحيح يا جرة؟
فردت جرة. هو لم ينس عشرتك. يذكرك دائماً. لكن يبدو أنه مشغول. لقد عينوه حامياً للصوتيات التي ترسل اشاراتها لسائر الجراد في جابودي وعواملها مما ذكرت. يرافق جرير ثلاث أخريات هن جغمة وجافلة والثالثة نسيت إسمها.
صمتت جرة . وطارت جريرة حانقة موازية لها بالدفع الآلي حائرة فلا تسمع من طيرانها إلا خفق الأجنحة. طارتا وطارتا وفي كل هذه المدة كانت كلمة واحدة مثبتة في دماغ جريرة شبه المعطل. كانت الكلمة تقول: جرير
وبدأ هسيس شعر جريرة الصافي يغني حيرتها نيابة عنها
تك تككم. تك تككم. تك تككم تككم تككم.
وشيئاً فشيئاً دخلت الجرادتين في اللون الأصفر ثم الأزرق وفيه صاحت جرة
ـ هيلاه.
اقتربنا أخيراً من النعيم
ثم لاح البستان الغريب. الخضرة التي في الأحلام. تلك الخضرة التامة التي كادت أن تنسي جريرة برمجتها الجريرية. قالت جريرة في سرها حين أحكي لجرير عن كذب هذه الجرة فما ترى سيصنع بها ؟
حلقت الجرادتان الجزيريتان وحلقتا معجبتان كل واحدة لأهدافها بالخضرة ونسيت جريرة غصة اللطمة التي تلقتها سابقاً حين زارت البستان لأول مرة. وطفقت تتخيل ما سيحل بعد جوان حين يشرق جرير الفتى الوسيم الرشيق رفيق الصبا والشباب. وقادتها جرة لمسكن جرير وصاحت جرة ما أن اقتربتا من الفيلا
ــ جرير.. جرير أنظر من قادمة اليك؟
وخرجت جرادة من الفيلا. هي رفيقة جرير اليافعة الأخيرة فيما يبدو. ثم ما لبث أن غامت الدنيا حين خرج فتىً جرادياً ضخم الجسد والبنيان لا تكاد تعرف أوراكه من أوداجه. ولأن جرة تعرفه صاحت به
ـ يا جرير أنظر فوقك. ألا ترى؟ هذه جريرة.
ـ جرير؟ قالت جريرة قافزة هلعة. وعاودت النظر تحتها نحو جرير فأرعبها ترهله وتخمته غير المتناسقة مثل حكام الجراد الريفيين. ولم تجد فيه غير كائن يشبه الجرذ.
وصاح جرير بلا انفعال
ـ أهلاً جريرة. كنت سأعود قبل جردتين وأحكي لك بالتفصيل سر غيابي ولكن ع أت كم ته
تلعثم جرير.
وما كان لائقاً من الجرادة اليافعة أن تضع جناحها فوق كتف جرير المترهل لكي تؤكد حيازتها له. كانت تلك حركة زائدة منها فهي لا تعرف جريرة. أما جريرة فقد أجرت عملية حاسوبية كونية في جوانٍ فأدركت كل شيء. وتيقنت أن جريرها إنما أصبح في الذاكرة وقد ذهبت به السنون الغوابر. أما هذا الذي أمامها فهو ليس إلا كتلة لحم توجهت نحو الخضرة المعدلة وراثياً ترتع فيها وترتع كأن ليس هناك معذبون في واصل نومك وضواحيها التي هي ضواحي الضواحي. ترتع كتل اللحم القميئة هنا كلها ولا شك وتأكل مما يزرع الجراد العتاب دون حساب. أقبل جرير نحوها رافعاً قوادمه وهو يقول بصوت خال من التعبير
ـ أهلاً
لكنه فوجىء بصرخة جريرة الموجوعة الداوية
ـ شييييل إيدك يا جرذ!
ذلك ثم دارت جريرة دورة سريعة فارتفعت فوق أحزانها وفجيعتها إلى أعلى مثل عامودبة بشرية وحلقت معها غضبتها فلم تسمع رجاءات جرة التوفيقية المتوسلة. غابت الخضرة في سيكلوجيا الغضب وهكذا حين نظرت جريرة خلفها بغضب أيصرت البستان حقلاً من النيران ونبست لها نفسها فقالت
ـ يا لها من جنة جهنمية.
ذلك ثم طارت جريرة وطارت طارت وطارت إلى أن لاحت لها شجرة دليب وهناك حطت أحزانها وتأوهت علها ترتاح وكان يلفها طنين الكون. كان الوقت ليلاً لا زال، غابت عنه جمرة الجراد القمراء فاشتبكت ظلمته بالظلمة التي حلت بروحها .وحلت بحلقها غصة فظنت أنها ستبكي لأول مرة في حياتها فجريرة لا تعرف الأنين لكن تلك الغصة كانت هاء السكت التي حلت بها وهي بين براثن الفاجعة فسكتت.

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:30 AM

جرداق
فتحت جريرة فوانيسها المحورية لتضيء الظلمة من حولها. ظلمة العالم وظلمة روحها. لم تكن تعرف في أي جاغة هي وكم باتت مع غصة هاء السكت في جوف هذه الدليبة لكنها أحست بأنها اختصرت شتاءها ولم تكن تدري أن ذلك تم بالفعل ولأربعين جاغة. لم تكن تهتم بنداء البطن وعندما استعادت وعيها شيئاً فشيئاً استبد بها إحباط ماله من قرار. فبعد كل هذه الجردات الجريرية وكل ذلك الرهق وعناء البحث المطرد شرقاً وجنوباً ها هو الجبل يتمخض فيلد جرذاً بديناً تسبق بدانته القبيحة حركة شفتيه. فقدت جريرة بوصلتها الفكرية وأوشكت على البكاء لكن صوتها لم يساعدها فأفردت أشرعتها واستعدت لما تفعله الرياح. قالت أطير أنى توجهني اللحظة كانت قد مكثت ستاً وعشرين ساعة بحساب البشر وهكذا عندما شرعت في الطيران كاد الخيط الأبيض أن يبين لفوانيسها. طارت إلى أعلى بقوتها كلها لكن جسمها خذلها وهي في إرتفاعها الشاهق الذي بلغته دون هدف. انهارت قواها فجأةً فأقبلت نحو الأرض كغواصة تخلت عنها تقانتها وهي في لجة المحيط فأقبلت نحو الأعماق لا تلوي على شيء. وعندما أوشكت جريرة على الإرتطام وسماع صوتها الآخر على المنحدر تذكرت أمها وأبيها في الجرداء قرب واصل نومك فاندفعت فجأة إلى أعلى مثل طائرة تتفادى مطباً جوياً ثم تذكرت أخواتها وأخيها الغائب وأصحابها وأبنائها من التجريدتين الذين ذهبوا في الشتات العظيم. ومع أن خواءها الروحي كان عظيماً وكانت العناصر الهدامة لديها تعمل بأقصى طاقاتها إذ كانت تحفزها وتقول لها
• نعم هيا يا جريرة هيا ارتطمي فما فائدة الحياة
إلا أن نداءً غامضاً كان يقول لجناحيها
ــ لا بل اخفقي. رفرفي يا أشرعة ..أب..أب..أب
استجابت جريرة للنداء الأخير بفعل الحنين وإرادة البقاء وهكذا دبت الحياة من جديد مع انبلاج الفجر في جسد جريرة . وفي سرها قالت:
ـ لا كمال. ففي كل جنة حب هنالك دائماً لهيب من جهنم.
وتأملت في عباراتها السابقة وأدركت أنها كانت قد سمعت ذلك الكلام عندما انفرط عقد سربهم إثر القنبلة الهائلة ففقدت جل أحبابها دفعة واحدة وأولهم كان جرير. كانت الحكمة وقتها يتناقلها السرب في كتلته المدهشة في مسراها العظيم . كل جرادة تعلم جرادة وتنقل لها المعلومات الحيوية دون منة ذلك حين كان السرب ينقل أسراره لأفراده كفاحاً دون وسيط.
وقالت لها أمها في الخيال
ـ قم يا طرير الجراد
حين التمعت خاطرة عن تلك الأم العظيمة فضحكت جريرة وضحكت وضحكت من المحبة حتى كادت أن تنسى كارثة الجرذ التي حلت بحياتها. وهكذا استعادت جريرة متعة التحليق وهي ملاحة ماهرة لا تطير في الأجواء بل ترقص الباليه الجرادي الشيق في حركات تكاد من براعتها أن تطبع نفسها في الهواء النفاث ورائها وحتى في النسيم. طارت جريرة أولاً كعامودية
..أب..أب..أب
حتى لامست السحاب ومن بعد انهمرت نحو الأرض مستخدمةً رادارها الخاص نحو الطندبة الغريبة التي وصفتها لها عتبة. تلك الجرادة الكريمة.
وعندما اقتربت جريرة من الطندبة حلقت بإيقاع بطيء كأنها طائرة تستكشف مدرجاً للهبوط الإضطراري. ومن أسفل أبصرتها عتبة فشهقت لأصحابها
ـ يالها من راقصة جميلة!
ثم أردفت
ـ أنظر يا جراري لهذا الإيقاع الجديد.
وحدقت فوانيس دوارة كثيرة نحو جريرة التي صارت ترقص فوقهم مباشرةً. كانت جريرة ترقص لأنها مذبوحة من الألم بينما هم يمتدحون سيرها الجوي البديع ويبتسمون. كان مع عتبة في الأسفل جراري وجرداق وجابودي. الأصدقاء الثلاثة منذ جردات وجردات. كانو يتخذون من أيكة التطبيب مجلساً فلسفياً كأنهم تلاميذ سقراط. يغيب عن مجلسهم جارد الحازم .ذلك الفتى الشيخ الذي يطلق عليه جرداق لقب حاسوب الجراد.
صاحت عتبة في جريرة لكي تهبط في المدرج الخالي في هذا الصباح الباكر لكن جريرة كانت مشغولة بأمرين أن تتخلص أولاً من تبعات جرير فالجراد ما قبل الحداثة عندما يعشق كان يختار إسماً مشتركاً. وفي حقيقة الأمر لا يختار العشاق تلك الأسماء بل يتم ذلك بواسطة الكبار. أما شاغل جريرة الثاني فكان البحث عن منطقة ليس بها فضوليين عسى أن تخلع قميص حبها لجرير الذي أصبح يضيق الخناق على ما عندها من جسد نحيل. قالت جريرة
ـ لا بد من أن أخلع قميص الثعبان هذا حتى أشم هواء الحياة. ولعل هذا هو السبب من وراء تحليقها الطويل. كانت جريرة قد قررت أن تبصق ذكرى جرير ثم تهبط بمدرج الطندبة دون إسم ودون حب ودون ذكرى. كانت فكرتها من كل بد طائشة إذ ليس من الممكن أن تتم الأمور بهذه السرعة. وصاحت فيها عتبة
ــ اهبطي يا جريرة
ــ جريرة؟
تساءل جرداق الذي لمح وجه جريرة في عليائها فراقه شكله الوسيم.
وردت عتبة
ـ أيوة . جاءت من جارودي. ذهبت ناحية البستان للبحث عن حبيبها.
ــ آآ؟
صاح كل من جرداق وجراري وجابودي في آن بتنغيم واحد ودهشة واحدة حتى أن الصدى الذي بثه الهواء وصل إلى أسماع جريرة التي كانت قد قد أتمت شوطاً سريعاً على المدرج ثم عادت عن طريق اليوـ تيرن إلى حيث هؤلاء الجالسين الغرياء عليها عدا عتبة قدام طندبة التطبيب. مجلس الفلاسفة. رمقتهم جريرة بنظرة خاطفة ثم قالت بمرح:
ـ دبايوا
فردت عتبة
ـ سنو لاهيا.
وكررها الجميع من خلال الإبتسامات الترحيبية. الجراد يمرح بتحيته لبعضه البعض فلا صرامة ولا قوانين أنت تحيي بأي لغة. فجرة مثلاً كانت قد قالت لجريرة هاي عندما صادفتها في الجو قبل يومين لكن جريرة كانت قد انشغلت عنها ببرمجتها الجريرية.جاءت جريرة صامتة بعد التحية المرحة فأحرزت عتبة أن في الأمر شيئاً ولم تسألها. وقامت بتعريف الجميع ببعضهم البعض. اندهشت جريرة لسماعها هذه الاسماء الفانتازية.. وقال جرداق وقد أعجبه محيا جريرة لكن أخذته الشفقة على إعيائها
ــ لعلك متعبة. اتكئي على ثمرة الجميزة هناك على بال ما أجيب ليك صفقة لوز تاكليها
من الواضح أن جرداق كان يمزح .لكن على ذكر صفقة اللوز ارتعبت جريرة وتذكرت الصفعة أول ما وصلت الى البستان.قالت عتبة
ـ الشباب أصبحوا على علم بسفرتك للبستان.
وقال جابودي بجدية
ـ اسمعي يا غريبة هيلاه أنقذك من تلك الجنة الجهنمية. ألم تسمعي بما يجري فيها؟ ما هذا البيات السياسى؟ هل ذهبت إلى هناك من أجل جرير حقاً أم لتعلفي؟
كان قاسياً مع الضيفة أما جرداق فخفف من الحدة قائلاً

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:31 AM

ـ تعلمين يا شابة ذلك البستان الأخضر ليس فقط مكاناً لترويح جبادة وأعوانه بل هو ممنوع لسائر الجراد الذي يدمغونه بشبهة الإطاحة بالحكم كما يوجد به الثقب الأسود. وتساءلت جريرة
ـ الأسود؟
ثم أردفت:
ـ برية ما سمعت بيه.
قال جراري ـ بالحيل ذا بلاك هول الرهيب
وقال جرداق
ـ هنالك لدينا ضحايا من الجراد ولا نعرف إن كانوا قتلى أم أحياء.
واضاف جارودي
لجة الثقب الأسود ما لها من قرار تحوم بداخلها كائنات شبحية مرعبة يقال إنها تنتمي للجراد العالمي الجامبو وقد جاء بها جبادة لتخويف الجراد المشاكس.
شهقت جريرة هلعة فقد شاهدت الجامبو في البستان .وقال لها جرداق متسائلاً
- من الواضح أهم كانوا متسامحين تجاهك. هذه هي طبيعة الجراد الدموي. دائماً تجدينه متقلب المزاج. هل سألوك عما جاء بك إلى هناك؟
و قالت جريرة
ـ لا. في المرة الأولى تلقيت لطمة كأنها من شاكوش أما في الثانية فكنت أنا سيدة الموقف.
وقال لها جرداق
ـ لا تكوني ساذجة فلا أحد غيرهم هناك يتسيد الموقف هم كانوا على علم بقدومك من كل بد.
ولمع في دماغ جريرة خاطر من الشكوك من جديد حول جرة.
وقالت عتبة
ـ اختفى ربع سربكم هناك أما الربع الآخر فذهبت به الدياسبورا.
قال جرداق
ـ بهذه الإحصائية لن يستقيم الحساب . لكن السرب هلك أو تبدد وعلينا نظمه من جديد حتى يعود مثل زهر الغابات في كثرته وألوانه الفاتنة. السرب قوة وعندما يصبح الجراد كتلة ينبثق ضوء الكون.
وقال جابودي
ــ هيلاه يا شاعر هيلاه.
قال جراري
ـ سنخرج أنا وجابودي لنجلب لهذه السيدة شيئاً تأكله.
لكن عتب أعترضت
ـ لا هذه ضيفتي. وخطت نحو جريرة وقبلتها ثم..تب..تب.. تقافزت بمرح نحو الشاطىء لكن جابودي خرج في إثرها يساعدها كما يساعد في التقريب بين سلالة جراد القبوط والجراد الذي ينتمي هو إليه. مكث جابودي وعتبة بعض الوقت قرب الشاطيء وهنالك أحس مرة أخرى أن القربى من آل قبوط ممكنة. لا تحبذ عتبة كلمة قبوط بالتشديد رمزاً لسلالتهم فهي جبورة وفي أسوأ الفروض قبورة كما يحب أن يطلق البشر الإسم.
وسألت عتبة جابودي بكل جرأة وقد أدركت مراميه الخفية
ـ حسناً .هب أنا وافقت فماذا ستفعل بعقيدة الجيم. أنتم معشر الجراد اللوكست دوغمائيون
وصاح فيها جابودي ممازحاً
• لا عاجبني انتو يا جراسهوبرس .تتقافزون من اسم لأسم ومن فكرة لفكرة. وعندما أحس جابودي بأن مزحته ثقيلة أقبل على عتبة يلاطفها قائلاً
ـ لك العتبى يا عتبة.
وحين عادا بالجرجير عاد جابودي بمشاعر جديدة وكذلك عتبة رغم غرابة الحالة ولم بلحظ أحد من الجالسين في انتظارهما شيئاً لكن عتبة لاحظت ضوءاً ياهراً في عيني جرداق ولم تدرك كنهه هي أيضاً. وعندما مرت بقربه ابتسمت فارتبك جرداق. في حقيقة الأمر أخذه حديث جريرة العذب واكتشف أنها شاعرة مثله لكنه لم يفلح في استنطاقها بالقصيد. كان منزعجاً لظروف جريرة وفي سره حدث نفسه قائلاً:
ـ كيف يتسنى لهذا الجسد الفاتن والعقل الشاعر اللماح أن يحط بجرداء خالية من العلم والمعرفة والعافية بينما لحم البان يأكله التراب؟
قهقه جراري حين أبصر جرداق واجماً وحينما بدأت جريرة تأكل سلسلة الجرجيرات جرجيرة فجرجيرة فجرجيرة وتزم شفتيها إثر كل فاصلة منغمة من الأكل كان ثلاثتهم ينظرون ويتعجبون كيف استطاعت هذه الفاتنة أن تأكل هكذا بأرستقراطية وهي القادمة من إنقاية جرداء يرويها المطربمزاجه هي الإنقاية المطرية قرب واصل نومك؟
وفجاة قال جراري
ـ تعال يا جرداق نختتم هذه الجلسة لنحتفي بهذه الضيفة العزيزة بقصيدة الضوء. نعم قرأتها لنا أمس في زنقة جارد الحازم لكن الجمع كان غفيراً لم يتح لنا فرصة التأمل.
وقالت عتبة
ـ أيوة هيلاه عليك. أنا لم أسمعها.
واستجاب جرداق فسن حنجرته بمبرد الريق العذب وانطلق يغني شاملاً الضيفة بعنايته القصوى خلال تنغيمه
ــ تكاكم تك. تك تكاكم. تك تك تكاكم.
الدهشة الجمت جريرة فهي لم تسمع من قبل بمثل هذه الأوزان الأخاذه. مالت من الطرب وسمعت جرداق يتكتك قصيدته بصوت كأنه طالع من فوق الشجر.
ـ تكاكم تك. تك تكا تكاكم تك تكا.
وصاح جابودي فرحاً
ـ هيلاه يا جرداق.. يا أسراب يا كتلة الجراد. يا جدود جابودي هيلاه.
وتحرك الركب وجرداق يصدح يصوت من رحيقٍ صافٍ منقى حتى إذا ما أشرفوا على الرجوبة التي هي قبالة حي جرورة غشيت جريرة غصة هاء السكت من فرط الطرب فسكتت.
واندهش الجميع لما حل يجريرة واحتاروا فيه. وبما أنني وإياكم نعلم فدعوني كراوية جرادة ذات استطرادات أن أحاول ترجمة ما لا يترجم من شعر الجراد بلغة البشر
ـ قال جرداق:
تكاكم تك
ومعناها بلغة البشر:
أيها الضوء أنت جيوش فنقل حشودك وافتك بها جنبات الظلام. تنقَل حتى يصبح أعتم ما في الديار الشفق. رأيت سيوف أشعتك الليزرية فاقطع بها شبحاً لا نراه قابعاً في ذراه. شعاعك يا ضوء علمنا الحسم يمشي سريعاَ من الشمس للعين .فقم ما سمعنا بضوءٍ تمشَى فتاه. وهذا الظلام طعامك. فالتهم الآن هذي الدجنَة وفي الصبح يقتات فجرك من كتلة مدلهمة. طعامك يا ضوء هذا الظلام. وشربك منه المدام. فقم وارفع النخب ثم انبثق. وكل مكان تبيت به ناره تأتلق. فيا ضوء يا ضوء أنت حذق. ونهرك يدلق منه الجمال بدنيا الجراد فألوانها طاويات الغسق. وثق. بأنك أسرع منا جميعاً فقم وانطلق. لينفتح الحسن غب الأفق. يغني الجراد فيٌشجي الجماد ويصبح أظلم ما في الوجود الشفق.
استدعت كلمات جرداق هذه الوقفة لما بين ذكاء الكائنات.

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:33 AM

العودة إلى واصل
كان القمر مسروراً لرؤية شاعرتين من ذكر وأنثى في سريان موسيقي . لذا أذاب من فضته في اكتماله البديع في تبر الثنائي الجديد جرداق وجريرة وهما يسبحان في فضاء الجزيرة بعد جاغات من خروجهما في السفر إلى واصل في هذه الليلة القمراء صافية القمر. كنت لا تسمع إلا خفق أجنحتهما في تناغم شد من أزره الشعر فهما شاعرتان .لا يفرق هذا مع جرداق ولا يحس به فالجراد لا يفرق بين الجنسين وحتى تاء الثأنيث جلبها للجراد جالب من لغة ذكورية متنطعة.
قال جرداق وقد تملكه جيشان داخلي ناتج من حب قبل أوانه يكتمه ويخشى أن يشقق جلده
ـ يا جريرة؟ منذ متى وأنت تصابين بهذه الإغماءات المفاجئة؟
فردت جريرة
ـ هي ليست إغماءات. إذ ان قلبي يظل يقظاناً لكن صحيح أن دماغي يصيبه بلاك آوت .يظلم فجأة فلا أدري ماذا أفعل.
ورد جرداق ساخراً
ـ وهل تفكرين بقلبك يا جمرة؟
فردت جريرة بإشراقة من خلال الإبتسام وقد سمعت لقبها الجديد
ـ لا يا جردقة. فهذا القلب الذي أعني موجود في الدماغ أيضاً . قال جرداق وقد تذكر جدل البشر العقيم حول القلب والفؤاد والعقل والدماغ والمخ والروح والمهجة والنفس
ـ لا ادري. لا ادري يا جمرة روحي لكن ما يصيبك يبدو أنه مرض عضوي. عندما نعود إلى جرورة سأذهب بك إلى طندبة التطبيب.
قالت جريرة متسائلة كأنها تكايده
ـ عضوي أم نفسى
فرد جرداق
ـ أظنه عضوي
سكت الشاعران طويلاً فلا تسمع إلا خفق الأجنحة أب أب ثم داون داون في تناغم ينم عن شىء قادم.. حلق جرداق ثم سبح أمام هدف أشواقه الجديدة بإيقاع منتظم فو فو فو ثم بدأ الإرزام فالقصيد
ـ تك تكا كم تك تككم
وعندما ألقى نظرة من فانوسه الدوار على جريرة وجدها تحلق في رقصة جديدة عليه ذات إيقاع كأنها يمامة ويحس من يراها بوقع أجنحتها غير المسموع والداوي مع ذلك في الهواء داو دو دو
طافا هو يرزم وهي ترقص ثم انطلقا ستريت فور ورد تجاه واصل متخذين من الشعر نسبية جرادية جديدة للتوسط بين الزمن والمسافة قال جرداق
ـ تكا كيكم تكا كم تك
فردت جريرة
ـ تكالم تك تكالمنا
كانت الجزيرة تحتهما اشبه بقصيدة تلمع مياه الترع وتبرق فوقها اليراعات ووتعكس الجداول وابو عشارين والتقانت والسراب المروية جميعاً فضتها المجلوبة من مصادر شتى أولها وقبل ضوء القمر هذا الحب وهذا الشعر. كان الجو محايداً مع ميل خفيف نحو البرودة زاد من الشعور بها لدى الشاعرين جريرة وجرداق المشاعر الجديدة النابتة بقلبيهما كالباتات البرية. قال جرداق في سره ـ المشاعر الجديدة النابتة هي أصلاً في الكائنات من أجل تطور الشعر
وقالت جريرة في سرها
ـ هل ترى البشر يعرفون شيئاً اسمه الحب
واردفت كالمتأكدة تقول
ـ لا أظن في ظل هذه القنابل المبيدة للأسراب.
سبحا تجاه واصل نومك كما لو أن مسارهما خيط. كانا قد اقلعا من حي جرورة بعد الندوة التي تحدث فيها جارد الحازم حضرها معهم شباب لا حصر له من بينهم تعرف جريرة فقط جراري وجابودي وعتبة وجرداق طبعاً. خرجت جريرة من الندوة بلقيات عديدة وبهاء السكت التي دهمتها عند الخروج فقد اتكأت فجاة على كتف جراري وسط الجمع والتفت العديدون نحوها كأنهم يرقبون جسارة هذه الضيفة الغريبة الجميلة حتى كاد الما عارف يقول عدس
بعد اليقظة مباشرة بدأت جريرة تستعد للعودة إلى واصل نومك. واصر جرداق على مرافقتها للإطمئنان على صحتها وطبعاً لم يخف السبب على جاردوي وجراري وعتبة فقد شافوه وشافوه من خلال الإبتسام المحبب الذي ينم عن محبة صافية.
دارت جريرة مثل حمامة رشيقة في الفضاء دورتين حين تذكرت الحديث المرتب الموزون الدقيق الذي أتحفهم به جارد الحازم. وقالت تخاطب جرداق
ـ يا شاعر إنت جارد دا منو وايه اصله وفصله؟
فرد جرداق
ـ بالنسبة لي جارد عالم لا سياسي ولا مثقف ولا شا. هو ملم بتاريخ الأسراب منذ أن خرج الجراد من بطن المجرة.
وتساءلت جريرة محتارة
ـ وهل خرجنا من بطن المجرة ؟
فقال جرداق
ـ الظاهر ياجريرة واصل نومك كانت مبيتاك ً. فنحن والبشر وكافة الموجودات الحية واوول ذيس ستوف من كلوروفيل وموسيقانا التي انبثقت منه خرجنا من الثقب الأسود الكبير في مركز المجرة. وفي الحقيقة خرج الجراد بالبلايين. نحن أسياد المجرة لا البشر.
وغمغمت جريرة
ـأسيادها
فخطف جرداق الكلام
ـ طبعاً ألا تلاحظين الإسم مجرة.. جراد.. جر ال..
ـ هل تريد أن تقول جر الجراد؟
ـ لا لا
رد جرداق من خلال ضحكة تنم عن سعادته بالرفقة وواصل
الثقب الأسود الكبير الذي هو أكبر من جمرة الجراد شمس البشر هو التفسير الوحيد المعقول لوحدة الوجود. ولو أن الإنسان اقتنع بأن الارض تسعنا جميعاً لما اخترع قنبلة المبيدات لينتفع وحده بالخضرة التي أصبح يستنبتها ويحرم منها سائر الكائنات إلا الحيوانات المغفلة التي أنساقت وراء مشروعه الضاري كالحمر والبغال. ها هي تنهق وراء شعاراته الحمقاء نزرع نزرع. وما أن خرق الإنسان قوانين وحدة الوجود حتى إنقسم هو نفسه الى فئات ألم تلاحظي جرذان بني طفيل. الجرذنة انطلقت من هناك فأصابت الثيران الفريزيان والخنازير التي تعلف بلا حدود وكلاب الزينة والقطط المتواطئة والحيوانات البرية الحبيسة وجراد جارودي.
كان جرداق يحكي بتدفق ويحكي حتى أنه لم يلاحظ أن جريرة صمتت. لم تنم فالنوم في الهواء ممنوع طبعاً ولكنها حزنت لأنها أضاعت سنوات عزيزة من عمرها في السهو والسرحان والفرص المهدرة
قالت جريرة تشكو حسرتها لجرداق.
ـ لقد فاتني الكثير يا شاعر
فرد جرداق ـ لا لا. الجرود ياجريرة ـوحتى لا تصمينني باللاجرادويةـ الجرادة يا جريرة بنت ظروفها. لكن من الضروري معرفة ما نريد
فقالت جريدة بحماسة وصوت عذب
ـ التوحد في سرب الجراد العظيم من جديد
فقال جرداق
ـ بالضبط. فهذا كما تعلمين هو جوهر كلام جارد. الفكرة بسيطة فالسرب عقل جمعي جرادي جبار لا حظي أن هذه المفردة ملكنا أيضاً ـ جمعي ـ كل جرادة تطير داخل السرب تهتم بالجرادة الأخرى ويكون وجود هذه من وجود تلك. قال جدي الذي شارك في سرب من أربعين جليون جرود وجرادة أن كتلهم كانت من القوة بحيث يمكنها أن ترمي بناية بشرية جبارة بخفقان الأجنحة إن أرادت لكن قادة تلك الكتلة كانوا بلا أحقاد وكانوا منشغلون عن كل مثل تلك الترهات بالخضرة موسيقانا وحبنا العظيم.
سكت جرداق حين رأى جريرة صامتة وخشي أن تكون قد دهمتها الإغماءة العجيبة لكن جريرة كان قد دهمها رحيق صافي هو أول بوادر حب جديد ماله من قرار وحاولت أن تفتح فمها لتقول شيئأً فخرج الشعر غزيراً وجديداً هذه المرة.
ـ تكاكينا تكاكم تك تكاكينا
فرد جرداق بتأوه حراق
ـ هيلاه يا جوهرتي الجذابة
كان هذا بوحاً مفاجئاً جفلت من وقعه جريرة فطارت مرفرفة شرقاً فغرباً لمترين هنا ومترين هناك كأنها إنسان لسعته جمرة. أما جرداق فانزوى طائراً في ركن الهواء الغربي ومن هناك رمق جريرة وقد عدلت ساريها والتمع السحر في فوانيسها ثم رقصت في الهواء باليه الحبور كانت تمرق رشيقة بين ثنايا موجات الهواء الذي ما خذلها. طارت وطارت ثم طارت بإيقاع لم يشهد جرداق مثله في طائر. وأسرع جرداق نحوها حتى لاصقها وطبع قبلة خاطفة في فمها فما صدته. كانت تكبر تكبر جزلة من الفرحة حتى ظنت نفسها حديداً بشرياً هداراً. ذلك ثم طارا وطارا كل ينسج قصيدته الداخلية وطارا وطارا حتى لاح غباش واصل نومك التي دخلاها فجراً.
فال جرداق
ـ اين بيتكم يا جريرة
ـ جريرة
ـ جريرة
لم تجب جريرة فقد انحدرت من عل بغتة على ريحانة وهمدت هناك. تأوهت أعطافها وانسكب بعض من عطرها على الريحانة حتى انتفضت تلك واشتمت مقارنة رائحتها غير الذكية التي كانت توهم نفسها بها لأول مرة. وحين وصل جرداق طائراً ومشفقاً وجد أن جريرة كانت قد راحت في سبات هاء السكت فأفرد جناحيه فوق جريرة تماماً ثم هبط فوق جسمها البض وما لبث أن اجتاحه فرح عارم فأصابته هاء السكت لأول مرة وسكت.

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:34 AM

5
فوق سماء واصل
خرج جرداق من فرحته الغامرة المندغمة بالنشوة ورمق بناظريه ارض واصل الجرداء
فارتد بصره مفجوعاً وغمغم لنفسه قائلاً
- يا له من قحط . هذه اول مرة في حياتي أكون مليئاً بالحبور في دواخلى في زمان الصيف والقحط وانقطاع التواصل .
حبور جرداق أسبابه الأولى والاخيرة هذه الجرادة المبدعة في رقصها وشعرها
ومشاعرها، جريرة تجريدة الحب الجديد الدفاق مما انهمر على جرداق بعد أن اوشكت
فلسفته الخاصة أن تصل به الى منطقة القول بانتفاء الحب عن الوجود. ومع إن
جرداق ليس من انصار فلسفة الكمال وبه مرونة إلا ان إحجامه عن التواصل الحميم
جعل لديه رهبنة شبه بشرية لا توجد لدى الجراد. حلق جرداق ودخل بعد حين في
غمامة شعر أعمته عن بؤس واصل فاقبل يحيك من حرير روحه حريرة أكثرها عن جريرة .أما جريرة فقد انبهم حنينها لأهلها وتجريداتها وما خصها ما الذي تقوله حين
يراها الجميع وقد خرجت في طلب جرير فعادت بهذا الجرو الجرادي النحرير .وحين
مرت الخاطرة في دماغها عن جرداق زغردت جريرة في سرها
- جوي جوي جوي _
هكذا يزغرد الجراد بما أدخله بعض البشر في لغاتهم كناية عن الفرح رغماً عن
انتماء الزغرودة فيما هو بائن لعقيدة الجيم. زغردت جريرة ثم تساقط من تمرة
فؤادها دفيق شعرها الجديد
الذي حركه بدواخلها تلامس جرداق معها فقالت كأنها جرادة فرعونية
أنت يامن لمست تمساحة روحي -
تدلى من مشلعيب هذا القلب على المجرة والحق بمساندة من جسدي كله بأول السرب
حيث تجدني هناك أسبقك بالاماني وتسبقني بالفعل.
- تكاكم تك تكاكينا. تككناهم
تكاكم تك. تكم تكا كم .




وخرج العاشقان الحبوران من غمامة الشعر إلى السماء الجرداء التي هي كذلك
بسبب من انعكاس واصل نومك وأنحائها عليها. سماء بال خيال ولا غمامة وارض بلا
عشب ولا شجر يستمطر السماء. أوشكت جريرة ان تعتذر لضيفها عن غياب الأرائك
والسندس والاستبرق وقالت حكمتها المتوارثة
لا عليك يا جردقة ففي كل جنة عشق جمرتان من جهنم -
فرد جرداق
-جهنم كلها بقربك يا جمرة أفضل بما لا يقاس من جنة الجراد-
هبط العاشقان قرب ريحانة متيبسة وسرعان ما سرى الخبر في الإنقاية الجرداء كلها
-جريرة عادت مع جرير
وحين جاءت جمانة والدة جريرة لتتسقط الأخبار عن جرير وجريرة وجدت فتى جديداً
يرمقها بجوهرتين متقدتين بالحيوية والشعر فأصابتها هاء السكت لأول مرة في
عمرها المديد وسكتت. لكن شيخاً عمرانياً خرج من بين قصبتين متيبستين لم يسكت
كان قد لخص الأخبار التي وصلته للتو واستخلص منها حكمته فسأل جرداق قبل جريرة
-هل أنت غائر واللا زائر
فردت جريرة
-هذا شاعر في هذا الزمان الجائر وأوشكت ان تيوح بحبها ه هكذا من أول وهلة لكن
هاء السكت دهمتا فجأة فلم يعد جرداق يسمع غير خفقات قلبها العامر وأقبل جرداق
على الشيخ محيياً
-أنت الشيخ جمان فيما أظن
ورد الشيخ الجرادي
- حبابك
وتشابك الرجلان في سلام جرادي عامر لا تسمع منه سوى الإرزام كان سلاماً جديداً
على واصل نومك للدرجة التي اصابت فيها معظم الشباب من الحضور هاء السكت فسكتوا
واصل نومك في شقها الجرادي عبارة عن إنقاية حبلى بالأمراض والفقر والوعود
الرنانة التي تنطلق من مكبرات الصوت التي ترسل عبر الأثير من جابودي جنة
الجراد
سنرصف شوارع واصل بالذهب ونغسل حماماتكم بماء الورد ونذفئكم من البرد ونملأ
بطونكم بالخضرة الحلال وجيبكم بالمال آل آل. لا توجد حمامات بواصل ولا برد بل
يوجد جرب وجداول لا تجلب الماء وسماء لا تعكس الزرقة وأتربة وأعاصير تثور ما
عن لها وبقايا السرب العظيم يراوحون مكانهم بواصل. تجريدات وتجريدات في
انتظار عودة السرب. الجرود والجرادة في واصل كادت أن تنفصل نوعياً عن أشباهها
في أشباه المدن الجرادية. وهنالك ميدان وحيد في الإنقاية هو ميدان التقاة فيه
ياتي البشر مرة كل موسم بورتابات هي كل محصولهم مما يزرعون ولأن المحاصيل
أصلاً شحيحة فلا يعتب البشر أولئك على الجراد ولا يتهمونه بما لم يفعله من
ألتهام لمحاصيلهم وهذا ربما هو السبب في بقاء جراد واصل نومك في الإنقاية
قربها. ثمة تحالف صامت بين من لا يملك من البشر والبهم والحمر والجراد على
العيش بسلام في زمن القحط ويبدو أن الجميع تقلقه هذه المكبرات ذات الجعجعة
- ازرع ازرع
-زرع ايه يقول جمان في سره ثم يرمق جريرة فلذة كبدة ويعود لهاء السكت من جديد.
في تلك الساعة انتشرت إغماءة هاء السكت في واصل مثل وباء جديد لكن يبدو أنه
وباء محبب طالما جاء به هذان الكائنان الغريبان الشاعران جريرة وجرداق. وعندما
جاء بعض السباب بورتاب ناشف لتقديمه للضيف كان عليهم أن ينفضوا أولاً عن مهجته
تخشيبة هاء السكت.

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:36 AM

سيمفونية الجراد
 
سيمفونية الجراد
وليمة الموليتة

استيقظت جمانة من سباتها وقالت
• لا. الورتاب الناشف للعدو. أجلبوا الموليتة من السما اللحمر يا الحبان للعرسان.
قفزت جريرة من هاء صمتها المحيرة حين سمعت الكلمة الأخيرة لكن قلبها عبر عن فرحته بضربات شاعرية
• تاك تكم. تك تاك تكم.
أما جرداق فلم يسمع جملة جمانة المفرحة فقد كان منشغلاً بمتابعة سلسلة السلالة التي كان يسردها الشيخ الجرود العارف جمان الذي وكما هو بائن مما رواه ملم بسرالسرب العظيم بأحلامه وأهدافه قبل الضربة الاخيرة. عجب جرداق في سره من حكمة الشيخ وأدرك السر من وراء شاعرية جريرة هذه الجمرة الجميلة وفوق هذاايقن جرداق ان واصل نومك ليست إنقاية جرداء قاحلة وأن جمان هو جارد واصل الحازم وربما كان سيبزه لو توفرت له جرائد الجراد المركزية وغيرها مما يتوفر في حي جرورة.
خرج شباب واصل في طلاب الموليتة يقوده جنفاوي وجنبقلي يتبعهم جير وجنفاء وجانح وجلجلة وجرس وغيرهم من الجرود الجديد الواثق. طافوا على الإنقايات الشمالية قرب النهر بنواحي فداسى والقريقريب والعيكورة وعترة ثم رجعوا ناحية الكريبة وبيكة وودابريش والخولاب وسعدالله وودمطر وودرحمة وزنقاحة حتى عادوا عبر النويلة والشبيراب على إنقاية واصل نومك بموليتة وفيرة ما جمعوا مثلها إلا في الإحتفال بنصر جنفاوي على جحمان.كانت موليتة من كل شكل ولون. ولو كانت الموليتة من النباتات التي ينفع فيها التخزين مثل الملوخية التي يصنعون منها ام تكشوا لكفتهم لجوغتين أو ثلاث جوغات ولكن الموليتة هي الموليتة الوجبة الموسيقية الخضراء شانها شأن الجرجير خضراء حين تنبت وخضراء حين تؤكل وخضراء في الأمعاء وهي تفوق الجرجير والخس في موسيقاها الجرادية خضرتها حلوة لأنها مرة أو هي كما تقول عنها جمانة خاطفة طعمين. تعرف جرداق على الشباب فكلهم سلموا عليه بمودة حين قدمتهم جريرة له هذا جنفاوي ياجرداق وهذه جنفاء حبيبته وهذا جير هذه جيرية هذه جنبقلية وذلك جنبقلي مضت جريرة تعرف جرداق بالصف الحيوي من جيل ما بعد الجلجلالة الذي الحق في معركة الربوة بواصل نومك هزيمة نكراء بالشيخ جحمان ذلك الجرود البدين الشحمان الذي أوشك ان يربط كل انتاج جراد واصل ببطنه لولا حادثة قطع السرة التي ابتدعها جنفاوي بيسراه في ضربة زغردت لها كل إنقاية الجراد وسرى الخبر في كافة الإنقايات وفي ديار الجراد البدوي. كان جحمان يصرخ في جنفاوي
_ تعال أنا جاهز جاهز جاهز
فينقض عليه جنفاوي وفي يده جنزير الإصرار. وحين انقطعت السرة تناهت إلى الاسماع من ارجاء الجزيرة كلها زغاريد الجراد
• جوي جوي جوي
وفي تلك الجوغة ظهرت اغنية الجنزير. اختفى جحمان ويقال انه الآن في جارودي يشغل منصباً مهماً نيابة عن جراد واصل رغماً عن خياشيمهم.
كان حي جرورة يستعد لهجمة جديدة من هجماته المتكررة على جنة الجراد رغم تحذيرات جارد الحازم الداعية للتريث. الشباب الجديد لا يطيع أحداً من السبابقيه لكنه جراد جامد جلد جهبذ جريء لا يعرف الخوف رغماً عن كونه يفقد في كل طلعة بعضاً من خيرة أفراده. لم يسمع جابودي ولا جراري ولا عتبة عن جرداق شيئاً منذ خروجه في ذلك المساء وراء جميزة قلبه. غاب جرداق مع جريرة طوال جولتين والجولة هي أسبوع الجراد. قال جراري
• لا يكون جرداق ودر في بلداً جرادها عجمي -
• فرد جارودي
• جرداق هذه الايام يفكر بقلبو
• فردت عتبة
• _ جريرة ما بتديهو عوجة
• حين أصبحت الموليتة جاهزة على المائدة بالبيدر التقاة في طرف الأنقاية جأرت الكلاليق الناشفة بالشكوى من شح المياه في أبدانها. شبع جراد واصل نومك في ذلك المساء من الموليتة ثم نهض جنفاوي ورحب بالضيف وفاجأتهم جريرة حين قالت لهم بأن جرداق أشعر منها وقرأت مقاطع من انتاجه
• قال جرداق تقول جريرة
• تكم وككم تكم وككم وككم وككم
• التمعت الفوانيس الدوارة في رؤؤس الجراد في واصل وغشاهم سحر عظيم فهم في تاريخهم المنظور لم يسمعوا بمثل هذه الإيقاعات الجديدة. في ذلك المساء قرات جريرة شعراً جديداً أيضاً .كانت جمانة تعاين وتخرج ثم تعود وتعاين فرحة لا تجد من تحكي له عن فرحتها أما جمان فجرد أفكاره جردتين ثم أسلم لبه لحكمة الدواخل. وهذا شباب واصل كله الجراد والجرادات قام فحلق فوق اجواء الإنقاية والتمعت أجنحته من حبور به فأضحى كاليراعات داروا ثم داروا ورقصوا تتقدمهم جريرة رقصة الطلاقة القصوى وذلك بان تقلبوا في الفضاء صاعدين هابطين. كانوا جملة جرادية واحدة ممراحة حية بديعة ليس فيها جرذ واحد ولا حائر ولا سجمان. في تلك الساعة أيقن جرداق ومن بعده جريرة أن السرب آت لا ريب فيه.
• وقرب الفجر هطل جراد واصل كله فوق أرض التقاة كأنه محصول جديد لم يكن وهناً لكنه قبع هناك بلا حراك فقد عم داء هاء السكت الجديد على واصل نومك فسكتوا جميعاً إلا الشيخ جمان وجمانته إذ لا بد من أن يكون هناك كائن ما يقظ يرعى السلالة.

صادق محمد عوض 10-07-2010 03:38 AM

جارد الحازم
لم يكن جارد الحازم حازماً كما يوحي االلقب لكن شباب الجراد أطلق عليه الإسم . كان جارد يفوق الجميع بالنظرة الشاملة وقد يفوقه البعض في التفاصيل. وله عينان فانوسيتان وفي نظرته حين يرنو إلتماعة خاصة يتهيبها الشباب الدارح. يقول شباب الجراد جارد صحيح في كل حركته ومواقفه لكن العصر فاته إذ لم تعد الصحة وحدها تكفي إزاء هذا التدفق الحركي الشبابي العارم وهذه الطاقات التي ليس لديها وقت للتأمل. الشباب يقول كل شىء أصبح رهناً للإنطباعات العابرة وليس من وقت للتأكد من الصحة والشفافية وليس من وقت لوضع الإستراتيجيات. ليس هذا يقول جمبلغ وقتاً للمتصوفة من الجراد. ليس وقتاً للحزم. يكفي منه التجرد في أدنى مستوياته. جمبلغ عجول حيث أنه كفتى جرادي نشط يصحو حيث تشرق الشمش ولا ينام إلا حين تكاد تشرق في اليوم التالي كأنه يعيش في الدائزة القطبية. ومن عجلته فإنه لا يعترف بالمطبات الجوية ولا يانف من المشى كأنه عتاب ولا تهمه الترتعة. ينسى جمبلغ أنع يستخدم وقت ثلاثة جرادات بينما يستخدم جارد وقت جرادة واحدة. قال جارد الحازم وهو يرقب حركة الجراد الشبابي العشوائية كثيرة الأخطاء
ـ لا بأس. هذا زمانهم وعلينا فضل التبصرة.
قال جمبلغ في الاجتماع العام الذي عقد قبل ذكرى الشجرة التي مرت على قطعها جقد من الجوغات
ـ نحن في جرن الجراد الثمانين . ولم يعد من وقت للتأني. علينا أن نسن حراب الفتك وحدنا دون عتاب بلا قبور بلا لمة ونهجم على الجنة.
رد جارد من تحت أسنانه
ـ هذا التهور سيودي بأرواح الملايين منكم يا شباب. قال جمبلغ
ـ حياتنا كلها لا قيمة لها إزاء هذه المهانات.
كان جرداق يرمق بناظريه في تأمل حزين صامت. أصبح الشاعر في المنطقة التي بين بين وهو يسمع المناظرة. وفي سره غمغم جراري
ـ اهيلاه بضرك يا جمبلغ كان دير تودينا فداهية.
قال ذلك وقر في دواخله أنه من أنصار الإتجاه الجمبلغي. هكذا كان جابودي وأخيراً جرداق الذي حسم تردده الذي لا يشبه الشعراء.
في اللقاء الاسبق الذي حصرته جريرة خطب جارد الحازم فقال
ـ نحن وهم وكافة الكائنات خرجنا من الثقب الاسود الذي في مركز المجرة وهناك مجرات ومجرات وربما تكون هناك مجرة يسود فيها قانون الموسيقى الأخضر. مشكلتنا ليست البشر بل هذه الجرثومة الفتاكة التي ما عهدها الجراد من قبل. لقد ادت لاقسام السرب وتشتته والجراد اللاحم ماكر وأي إقدام للهجوم على جنة الجراد غير محسوب العواقب سيؤدي إلى كارثة.
قال جمبلغ من تحت لسانه سراً
ـ ها كارثة. وما الذي تبقى لنا منها الآن.
استمر جارد الحازم في خطبته فقال. جراد حي جرورة يجب أن يتصدى للجراد اللاحم. هذه الجرثومة انتقلت للجراد من حي بني طفيل البشري علينا محاصرتها فلا تصيب الميد من حارت الجراد ومدنه.
قال جرداق
ـ لكن الجرثومة انتقلت منذ زمن للريف.

عبدالمنعم 10-07-2010 05:44 AM

عندما تقرع النوبة والطار يظهر الدراويش في الساحة وعندما قرع عوض نوبة الإبداع في أعمال بشرى الفاضل طرب الدراويش ... دراويش الإبداع ... عاطف والصادق فأضافوا سيلاً من الطرب ، ليت كل مايكتب هنا يجد هذا التجاوب و( السك) مؤكد أن الموضوع هو الذي يفرض نفسه أنا شخصياً أحس بفرح طفولي عند مثل هذه المواضيع فأصبح كطفل وجد قطعة حلوى أو لعبة جميلة يطير بها فرحاً

عبدالمنعم 10-07-2010 05:47 AM

http://www.youtube.com/watch?v=NBi58oyjN9s

حلوه عينيك
من قصائد د.بشرى الفاضل

نفسى فى داخلك أعاين
وأروى روحى وأشوف منابعك
الصحرا فى عينيا تتواثب جناين
ماخدة صوتك من جداول
وما خده صورتك من كهارب
مولداً ميدانو حافل
كلما يصبـِّح ... تجيهو الناس جحافلْ
يا سلام
**********
لمـّا تعبرى فى الشوارع
شوفى كيف الناس تصارع
ناس تطفـِّر .. وناس تد فـِّر
فى البشابى على نجومك
وفى البخبْ .. كايس تخومِك
وكل زول من عِنْ سُلافك ..
لا لا .. قال داير لُو كاسْ
********
مرّة طربان .. شلت صوتك شان أغنى
قلت آه ياليل .. وآه
إنتى أول .. وإنتى تانى .. وإنتى تالت
وإنتى رابع
نافرة زى صيد الخلا
وصافية زى نبع المنابع
وقلتى لى غناى .. خلاص
*********
حلوة عينيك زى صحابى
عنيدة كيف ... تشبه شريحتين من شبابى
حلوة عينيك زى صحابى
وزى عِنب .. طوّل معتـّق فى الخوابى
وسمحة زى ما تقول ضيوفاً .. دقـّوا بابى
.. فرحى بيهم سال .. ملا .. حتى الكبابى

عبدالمنعم 10-07-2010 05:53 AM

من ديوان قصائد في الظل

مسري الريح للدار
جرت ريح الي داري
كأن خلاصتي فيها
وتحمل في بشائرها
علي رائحة الليمون
احساسي وافكاري
سرت بالليل صافية
لها حر بها برد
مبرأة من النار
,,,,,,,,,,,,
جرت ريح الي بلدي
فليتي مثلها قبس
جري من غير اثقال
وسودانية التكوين والقسمات
يلثم ثوبها المشبوب بالانسام والقطر
ذري الاوتاد يرويها
تمر علي شجيرات باودية فتشجيها
طيور في مواكبها تراقصن
ومزن في مراقيها تارجحن
انظروا نافورة الالوان
صوت الهمس
رائحة الخريف
وجنة الماء
الطخا يستملح التيها
,,,,,,,,,,,,,,
سرت ريح, فليتي مثلها
كيل من الاشواق لا وزن ولا جسد ولا مقدار
أمد جناحي القمري
فأسري مثل لمع الضوء صوب مدائن الاسرار
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
جرت ريح الي داري
فليتي مثلها نهر من الذكري
جري نبعا فضائيا من الانسام
نايا عن لهات الطين
في سرداب احراش واغوار
إلي داري ,,,,,إلي داري

صادق محمد عوض 10-07-2010 06:36 AM

Nouvelles Fiction قصة
ذيل هاهينا مخزن أحزان

بشرى الفاضل

خرجت الكلبة هاهينا تبحث عن صديقها الكلب هواهي. فمنذ أكثر من سنة وهما في حالة حب ولكنهما حزينان تماماً، حيث أن الأمور لا تسير كما ينبغي، إيجار الأزقة الضيقة أصبح عشر قضمات من قبل عصابات الكلاب المقيمة فيها، بعد أن كان من قبل قضمة واحدة، وليس هنالك مفر من الأزقة الضيقة، لأن الشوارع الرئيسية تعج بالبشر الفضوليين الذين يقاطعون باستمرار المتع الخاصة بمعشر الكلاب.. ها هينا وهواهي ثنائي متميز وسط الجميع. هي جميلة بشكل لا يوصف عيناها حمراوان، أنفها معقوف وفكها مستدير وشفتاها بليلتان، شديدتا اللمعان، القبلة منها تسكر أي كلب. أما هو فمتين البنيان، رمادي اللون، وفي جبينه غرة.. حسن الصوت حين يغني، كثير الإطلاع، لامع العينين، الحركة من ذيله تسكر أي كلبة.

تعرفت هاهينا على صديقها في حلقة نقاش لأفكار الفيلسوف هوكس. كانت الحلقة غاصة بالكلاب.. كلاب خلاء، وأخرى منزلية، كلاب صيد وأخرى بوليسية، كلاب بدينة وكلاب نحيلة، كلاب عمارات، وكلاب مساكن شعبية، كلاب لا بوليسية ولا كلاب. ومن بين هذه أعجبها هواهي لفصاحته وجرأته ووسامته.

كانت هاهينا خارج الصورة في الحلقة، إذ لم تقرأ شيئاً للفيلسوف المذكور، بيد أنها لم تكن أمية، ولعل موانعها تأتي بالدرجة الأولى من مشاغلها الكثيرة.

دحض هواهي تخرصات الجميع في الحلقة، وحين انفض سامر المجتمعين خرج منتشياً، تبعته هاهينا مصدرة صوتاً خجولاً، ولكنه مع ذلك جاذب للانتباه، نهاية الأمر تعارفا. وبعد شهور تحابا. قال لها هواهي:
ـ تعرفين يا هاهينا، هوكس العظيم يقول:
(تبا للبشر، لا تثقوا فيهم، عطفهم عليكم دافعه حرصهم على ممتلكاتهم فحسب) هوكس هو المكتشف الأول لسر قتل الكلاب. سألت هاهينا بدورها:
ـ قل لي يا هواهي وهل اكتشف هوكس أسرار عذابات أصدقائنا في الحياة؟ لملم هواهي أطراف وجهه دقيق الملامح وبلع ريقه وأجاب: نعم.. نعم له كتاب (سر الاختفاء الفجائي للخراف والبقر والدواجن). وكتاب (عبودية الخيول والحمر والبغال) وكتاب (القطط الوسيطة) وفيما يخصنا نحن، ألَّف هوكس كتاب (العظام عبر التاريخ) و (طريق الخلاص) ومقالة (بشرى للكلاب) ومسرحية (اختطاف) ومسرحية (لقمة السيد). وآخر كتبه المطبوعة كان (قصة الكلب البوليسي) ويعكف هذه الأيام في تحليل سيكولوجية كلاب العمارات.. سكتت هاهينا أعجبها جداً فرط ثقافة هواهي. نظرت إليه فاحتقن وجهها بفرح ملون وشغف كقوس قزح. فيما بعد حكت هاهينا الوقائع التالية:
- خرجنا أنا وهواهي نبحث عن العظام في دوائر الطعام الموجودة في أركان الأحياء. نبشنا ردحاً وعدنا (بخفي بوبي). وفي الطريق صاح هواهي: تعرفين يا هاهينا العظام نادرة هذه الأيام. كلاب العمارات أصابتها عدوى أسيادها فأصبحت تجمعها وتخزنها لتبيعها لنا فيما بعد. كنتُ أصغي باهتمام حين مد هواهي يده وتحسس وجهي فشعرت بلذة خاطفة. دنا مني وقبلني فانتشيت، قال لي: البشر يخجلون وأنت جاسرة؟ قلت له: جاسرة، جاسرة، خذ قبلة مرة أخرى. فمط فمه حتى سال لعابه وقبلني حتى غابت السماء بنجومها عن ناظري. حين عدت لوعيي كان هواهي يقول:
تعرفين يا هاهينا كلاب العمارت أصبحت تستورد طعامنا من الخارج لحم طازج وسمين وسهل النهش ماركة الفك، علبته بخمسين قضمة. هل ترغبين في فتة من هذا النوع؟ نظرت في ذيل هواهي المرح وقالت: (بَري يايمة) ضحك هواهي وجرى جانبا ثم قال: الآن أفخر بك يا هاهينا أنت في الصورة تماما، يا لك من كلبة رائعة!! ثم أكمل جريته لا كرجل أحمق يلحق حافلة تضاهي سرعتنا ولكن كما تجري الريح لتنبئ بلدا أصابه المحل بفأل المطر. جرى هواهي وغنى:
- هو هو هاهينا
فردت عليه:
ـ هو هو هو هواهي
ثم حرك ذيله وفكه ففهمته وتبعته فرحة راضية، حين فرغنا كان الوقت مساء، اقترحت عليه أن نتفرج في التلفاز.. وكان هواهي يكره الفرجة.. كان يقول: برامج تافهة وفكر ضيق الأفق. ولكني أجبرته فرضخ لرغبتي فالأنثى هي الأصل. وفي فترة الأخبار، أطل كلب بارز عظام الفكين كث الحواجب ونبح حتى كاد أن يهشم الشاشة البلورية:
- هو هو هو هاو.. أحييكم بخير التحايا هاو.. ثم أردف: إن جماهير الكلاب خالية من السعر – هذا – وصرح مصدر مسئول من قبل الأسياد بأن الكلاب لن تقتل بعد اليوم. في الحق، فرحت ونظرت لهواهي فألفيته يقطب جبينه ويغمغم. في الصباح كنت نائمة مع هواهي في حفرته حين سمعت الصوت الهائل:
- طاااخ
صحوت مذعورة. كان هواهي غارقاً في دمائه وقبل أن أفتح فمي بالنحيب المر صرخ في وجهي بحزم:
- اهربي يا هياهينا وانجي بجلدك. فجعت لم أكن ساعتها أفكر في نفسي. دنوت من هواهي وقبلته. بدأت عيناه تذبلان. كان تعيساً وحزين بهت البريق في عينيه سيّما حين ألقى علىَّ نظرة أخرى وتلاشى كالغريق وهوى. تجمعت لدي إذ سمعت طرقعة البندقية شجاعة صدمت المناسبة، فقفزت السور العالي وجريت كما لم أعرف قبل، كانت الريح تعوي: آ آوووو... كان لساني ثقيلاً ومع ذلك طفقتُ أنشد:
- آه أيها الكلب الجميل هواهي يا حبيبي أيها اللا إنسان، اللا بوليسي، الخالي من السَّعر، قتلوك؟ هوْ هو يا هواهي يا هواي.
وجرى دمعي لا كما يجري دمع امرأة كاذبة في مأتم مفتعل ولكن كدمع التماسيح المفترى عليها.
هرولت خمسة أيام بلياليها. حتى وصلت غابة هوكس، فاستقبلوني بفرح عظيم وحكيت لهم الحكاية من صوت نفيرها حتى أدق حذافيرها عزوني وطايبوني وتجمعوا حولى.


في المساء ناولني أحدهم كتاب هوكس (العظام عبر التاريخ) مسحت دموعي وفتحت الصفحات الأولى لأقرأ:
"جُبل الإنسان على الفتك، الرجل مخلوق من فتك التماسيح، والمرأة من فتك الثعابين. أنت إنسان إذن أنت قاتل. أنت إنسان إذن أنت مريق دماء. كان الإنسان فيما مضى صديقاً للكلب. كانا يخرجان سوياً لصيد الحيوانات الشريرة، ولكن كان الإنسان يغدر بنا حين يستأثر باللحم ويترك لنا العظم ولو كان يدري أن العظم يقوي حاسة الشم ويهبنا القوة والجمال، لأخرجنا من المولد بلا حمص. ولو كان يدري أن اللحم يورثه المرض خاصة مرض السعر الذي ألصقه فينا زوراً وبهتانا، لأخرجنا من الحمص بلا مولد".
وفي الصفحة العاشرة قرأت:
"أول من اكتشف النار كان كلباً ولكن الإنسان يزيف التاريخ، كان جدنا مكتشف وأسمه بوبي، يحفر بيتاً قرب كهف لإنسان حقير، صادف الجد بوبي أثناء حفره حجراً أملس فأعمل فيه مخالبه فلم تجد فتيلاً. فأعمل فيه مخالبه بسرعة أكبر فتطاير الشرر ثم اندلعت النار. رأى الإنسان الذي بداخل الكهف المشهد. حمل هراوته الحجرية وطرد بها بوبي عاد بوبي لقبيلته بخفيه تحت إبطيه هذا هو أصل المثل عاد بخفي بوبي). عجبت غاية العجب ثم قرأت في صفحة مائة ما يلي:
"أول من ابتدأ الضحك كان كلباً واسمه لاف، رأى إنساناً يضرب أخاه بفأس، الأول يضرب ويضرب، والثاني يجري ويجري فيلحق به الأول ويلطمه فضحك لاف حتى برزت نواجذه ثم ضحك هو هو. فتلقفها الإنسان وحرّفها بحيث أصبحت ها ها ها. ووضع قانوناً أسماه الإعلال والإبدال. قال كلب هو هو، فصاغ الإنسان الضمائر: هو، هي، هما، هن، هم. انفرجت أساريري وأصبحت سعيدة أثر قراءتي.
أفردت صفحة أخرى فقرأت:
"ألا لا يأكلن كلبٌ قوت كلب،
ألا لا يقتلن كلبٌ كلبا،
ألا لا يمنع كلبٌ كلباً من طلب العلم،
ألا لا يحرم كلبٌ كلباً من المتعة والفرح."


توغلت في البهجة وطال سرحاني، فأغلقت الكتاب، وعلى الغلاف الخلفي قرأت:
"ستعود مدينة الكلاب، وكما سبحت الكلبة لايكا في الفضاء سنعمر نحن هذا الجو."
ولا غناء إلا هو
ولا ضحك إلا هو
ولا كلام إلا هو
ولا إله إلا هو.
شعرت بسعادة غامرة عقب هذا الكلام حلو الجرس والديباجة.. وأدركت أني من قبيل سام المتفوق بحق وحقيق.
تصرّمت خمس دقائق، وأنا على حالي هذي، أتأمل وأتأمل الأفكار البديعة للسيد هوكس حتى جاءني جرو شاب بهي الطلعة كث الشعر على طريقة الجيل الجديد.. صفر لحناً جديداً على مسامعي ثم ناداني أن أتبعيني فتبعته، خرج بي حيث الامتدادات السكنية الجديدة المخصصة لحضرتك أيتها الأرملة الجليلة. قال هذا ثم أكمل بقية لحنه وعربد بذيله يمنة ويسرة تعبيراً عن كونه ارتاح لأداء واجب جميل كُلف به، ثم انصرف.

وبينما هو في منتصف الطريق صاح بي: أيتها الأرملة الجليلة إن كنت ترغبين في العمل بائعة في أكشاك بصل الكلاب زوريني غدا في مكتبي: (شارع لايكا عمارة 300، الطابق الأرضي، الحفرة الخامسة).

تمطيت وتحسست الجروات العزيزات بنات هواهي في بطني قلت في نفسي، يالهن من جروات سعيدات إذ يخرجن بعد أيام وربما بعد ساعات، لا أدري، للنور في هذا البيت الجميل، في هذه الغابة الجميلة، سأعلمهن وسينتقمن لأبيهن ويثأرن.
هوكس يقول (رفض البشر المساواة وسنرغمهم على قبولها). دخلت في فراشي ولم أنم. ولمع في لحظة خاطفة خاطر عن هواهي النبيل وتناهت لمسامعي أصداء خافتة لصوت حزين غامض: أووو – أووو.

ولا بد أنني كنت في البرزخ ما بين النوم واليقظة حين قلت: غدا سنخرج جميعا أجداداً وآباء وبنين وحفدة.. نخرج كالجمع الغفير بقضنا وقضيضنا، صعلوكنا ووقورنا، الكلبة الوالد والعاقر والعقور من الغابات والخلاء والجبال والأنهار، من ظلال الأشجار والآبار المهجورة والحقول والأدغال والشُعب والأمكنة والبطاح وسنلوّث أفواهنا الطاهرة بداء السعر من إنسان مصاب، وسنهجم على المدينة ونعمل أنيابنا فيها، ونعملها ونعملها، لا يحد الوباء مصل أو سلاح، سنعض أولاً التجار، فموظفي المكاتب، ثم المطربين الهابطين، وأصحاب المواصلات والأفران، والصحفيين وعمال الكبانيات والباعة المتجولين والكسالى والمرتشين، والأصدقاء والأعداء، المقامرين والمغامرين، أصحاب الكروش الضخمة والنحيلين، الراكبين، الراجلين، النائمين، اليقظين، التافهين، العظماء، الصم، البكم، اليتامى، وأبناء السبيل حتى إذا انقضت أربعة أيام حسوما ظهرت طلائع السعر على الجيوش إياها، وسيقضم التجار رقاب الزبائن، وأصحاب الأفران، والكمائن سيقضمون المرائن، وأصحاب المقاهي سيقضمون آذان الرواد، يقضم الحديد البرَّاد، ونظار المدارس أصابع التلاميذ، والعشاق شفاه عشيقاتهم، والأطفال حلمات أثداء أمهاتهم، والأزواج سيقضمون نهود زوجاتهم بحالها، ولن تروي لهم غليلاًًً.
سيجدع الرجل أنفه
وتجدع المرأة لسانها
والطفل خياله
والكلاب أذيالها
يجدع الأسياد عقولهم، والخائفون قلوبهم، والشجعان حماقاتهم، والحاقدون أسنانهم المصطكة. والعطشى يجدعون حبهم للماء، (يذبح الخروف مسعود ومسعود يذبح الخروف، ويصيح الدود في العود: هو هو هو) تأكل المدينة أحياءها العشوائية، وتأكل الكلاب كرش المدينة وتقف المدينة عامودية على الشح، وتجيء أطراف المجاعة، وفي الصباح يكف الديك عن الصياح ويصرخ: آوووووو، والناس والحمر والبهم والخيل والليل والبيداء جميعها تصيح:
أ آ وووووو
ولا غناء إلا هو.
لا كلام إلا هو. طفح الكيل وبلغ السيل مواطن الوجع.
تنهدتُ ولا أدري كم مكثت على حالي تلك ولكنني صحوت بعد أن ظننت أنني سأموت. كانت بجانبي خمس جروات لا أدري كيف هبطن ومن أين. وكانت علىّ آثار المخاض. غنّت الجروات..
- هيو هيو أيايا أيايا، فنبست لي نفسي
- ويح قلبي جائعات!
كانت السماء شديدة الصفاء، نجمة الكلاب المضيئة نفّضتْ عينيها فتطاير منها شعاع أصفر غمر الكون كله. وشهدت بأم عيني العشب ينمو، والنمل يجمع قوته، والطيور تصدح، وغمرني فرح فجائي حتى انحدرت دمعة في عيني اليسرى وما صددتها، ثم في اليمنى وما صددتها، وصرت شديداً جداً أبكي: أبكي ثم أبكي ملء الفم والحنجرة والذاكرة، في ذلك الصباح المشرق.

صادق محمد عوض 10-07-2010 06:39 AM

د. بشرى الفاضل
 
كاتب . ولد عام 1952 بقرية ارقي بشمال السودان لكنه تلقى تعليمه بالجزيرة حيث ظلت تعيش أسرته حتى الآن بقرية ود البر. تخصص في اللغة الروسية، وعمل محاضراً بقسم اللغة الروسية، جامعة الخرطوم.
صدرت له مجموعتان قصصيتان هما حكاية البنت التي طارت عصافيرها وأزرق اليمامة له قصة للأطفال بعنوان الحصان الطائر ضاعت من الناشر (دار جامعة الخرطوم للنشر). وله مخطوطة من الأشعار بعنوان قصائد في الظل.

عوض خضر 10-07-2010 08:54 AM

معروف طبعا ليس لدي اي اعتراض لتغيير عنوان البوست

بالعكس الاسم الجديد الذي اخترته يفي بالغرض تماما

ثانيا شكرا علي حكاية البنت التي طارت عصافيرها

رغم اني بدات قراتها في البدايه بشرود ثم اسقطت كل الضغوطات حولي وحاولت الغوص قليلا فيها

ثم ارتفعت مؤشرات تركيزي قليلا بعد الحديث عن الحافله الكرش

ورغم اني لم استطيع منذ الامس وحتي الان اكمالها بشكل يرضيني

الا انني مبهور تماما

اخونا اسخليوس جعلني الهث وراءه لاستوعب

وقد اسهب واطنب (وكرَب ) مداخلته النقديه الرائعه

اعتقد ان بشري دائما ينزع لخلق عالم موازي لكنه عالما اكثر رحابه

وعند افراد مساحة العالم الموازي هذه

يمكن للادوات ان تكون طيعه لينه تسمو فوق القوالب المالوفه

كأنه يجعل ابطال قصصه يخرجون من كوه بذواتهم لعالم اخر موازي كما قدمت

وهنا يمكن تدشين الانفلات الكبير

هنا يمكن جعل الشخوص اكثر مرونه يمكن للاحباط ان ياخذ شكل لا متناهي

هنا تجاوز لانماط المحدوديه وانسداد الانسياب الممنهج

هنا يكمن جبروت بشري الفاضل

نقوشه الكاركتوريه تجعل شخوصه اكبر من الاطار

النزوع للعالم الموازي حرفه تحتاج للكثير من الدقه

ومع ان بشري احيانا يحسسك بان الفوضي تضرب اطنابها في بعض اقاصيصه

الا انه داخل هذا التشتت الذي يراه نمطا لحياتنا

يجعل حبل سري يغذي فكره اساسيه تنامت حولها الاقصوصه

بطريقه بديعه

البنت التي طارت عصافيرها عندما قراتها سابقا

اعادت الي دونيتي التي توارت خلف بعض المفاهيم

ولكن الرابط الرئيسي هنا يكمن في هذا التشتت وفي تطاير مفاهيم صغيره امام ناظريك لتتراكم محولة استيعابك في نهاية القصه الي جسم نابض

الاحباط انتقل حتي لمقارنة الاشكال

هناك اصرار خفي علي جعل الرابط يطفو فوق التشتت

بشري يسرد بشكل سريالي احيانا لكنه لايتقمص الحكيم الذي يهشنا كالاغنام

وانما يستفزنا ويسخر وعينا لمفهوم يبدو لم تكتمل خيوطه بعد

ولكنه يسحرنا ويقتادنا الي ذاتنا الي مكمن تفتتها وانحرافها عن المسار القسري

الذي اوجده الاحباط اوفلنقل كما قدم اخونا اسخليوس الاحساس بالدونيه

الختام ادهشني كأن الشخص الرئيس في الحكايه لم يستوعب ما يدور حوله

او كأن الاخرين لم يستوعبوا جيدا ماجري

اوحي الينا ان لديه معرفه بما يدور لاتخص الاخرين

لذلك كان حكمهم عليه بان اخرجوه من دائرة الوعي

معروف فتحت مجالا واسعا للمقارنه اتمني ان نجتهد جميعا في اقتناص نقاط التماس بينه وبين العملاق الطيب صالح رحمة الله عليه

عوض خضر 10-07-2010 09:02 AM

معروف لم استطيع ملاحقة اسخليوس

ولكني ساعود يوم السبت في محاوله جديده لمتابعة هذا الطوفان الذي اطلقه اسخليوس

تخريمه اول مره اعرف ان هذه القصيده التي لحنها المرحوم مصطفي من تاليف بشري الفاضل

عوض خضر 10-09-2010 07:20 AM

المسحوق الرئيس في حكاية البنت التي طارت عصافيرها

يشبه كل المسحوقين في زمن ما بالفاقه والحاجه والجوع واجترار احلام اليقظه

وحتي الاماكن التي يرتادها بالضروره تكون اماكن للمسحوقين ماعدا بعض النشاز من الجلابه الذين جاء علي ذكرهم لماما

وصف ماساتنا في هذا المسحوق . كل ماينتابنا من فرح وكل مايسربلنا من شقاء

ولكنه احتفظ لهذا المسحوق بسعاده خاصه اين مصدرها لم يتضح تماما

ولكن يبدو انه صاحب قدره فائقه علي توليد الفرح ذاتيا

وقد تكون تلك السعاده التي يحتفظ بها واثقا ان احدا ما لن يستطيع سلبه اياها

هي قناعاته او فلنقل قدرته علي التفاعل مع التغيير

المهم في الامر انها قدره ذاتيه علي الهبوط من الم الانحطاط

والتحليق في اماكن خاصه بالمهمشين

ومع أن ذلك المسحوق في الحكايه واحد منا يشبهنا ملامحه تتقارب والسواد الاعظم من الشعب السوداني

ملامح حلمه وكده وشقاءه وتطلعه للغد ألا أن

المسحوق كما حدد حيثياته بشري هنا شخص قادر علي التشظي دون ان تتطاير اجزاءه

شخص مغلوب علي امره لكنه يمكن ان يمارس الطفو فوق الاحداث في اي لحظه

هل يريد ان يقول لنا ان حلم ثم نفق حلمه

ورغم ان بشري الفاضل اوجد هذا المسحوق في بعد بين التفاصيل الواقعيه والعالم الموازي

الا أنه جعلنا نحسه نتعاطف مع تمزقه لقد هش فينا التعاطف ومن ثم جعل المقارنه ممكنه

معروف لم ادنو بعد من طوفان اسخليوس مازلت ماخوذا بعد القراءه الثالثه بالجزء الاول من حكاية البنت التي طارت عصافيرها

عوض خضر 10-09-2010 10:13 AM

تطلع

د. بشرى الفاضل


كانت هنالك بلحة وجدت نفسها ضمن أخريات في سبيطة بهامة نخلة، كانت البلحاية أجمل صويحباتها. منسقة وهي تعرف، ولونها زاه وهي تعرف، وطعمها حلو.

كانت تلك البلحة بنت السبيطة في علاها ترقب حركة أبناء القرية البطيئة الكسولة وملابسهم الرثة وتعجب وتقول لنفسها:

- أنا أجمل ثمرة في هذه البلاد؛ فكيف يقطفني هؤلاء؟

وتردد في سرها:

- لا.

وتتمني نفسها أن تلتحف السلوفان وأن تنام في محكم العلب وأن تهاجر لبلدان ما وراء البحار.
وانقضى جل الموسم والبلحاية تتأبى على الصبية المتسلقين وتمني نفسها بما تمنت كل يوم.
حتى جاء يوم هبت فيه ريح غبارية هوت بالبلحة وسط روث البهائم.

وهناك أصابتها هاء السكت، فسكتت

عوض خضر 10-10-2010 07:12 AM

الخيط الرئيسي الاخر في حكاية البنت التي طارت عصافيرها

هو هذا الحلم او النزوع الي استنباط نموذج اخر نموذج لاينتمي لهذا الزمن المغبر

كانه من الزمن الاتي. احيانا تحس فيه تطلع للبرجوازيه واحيانا يحسسك بانه كان لابد من الخروج قليلا

من الوقائع المؤلمه لمعادلتها

الوصف الدقيق مع اسراف في التشبث بالشكل

الملامح التي لاتنتمي للشخوص الذين يزحمون الحكايه

الرجل البصلي وسائق الحافله والاخرين

الممارسه اليوميه العاديه بعفويتها وانفلاتها احيانا وتجمدها عند بعض المواقف

تشكل دبابيس صغيره تثبت جسم الحكايه في مخيلتنا التي انهكتها

التنقلات والتفلت

اهم مافي وصف الحلم انه يشكل معادل مطلوب يشتت الانتباه قليلا عن

الاحباط

كانها طوف نجاة من امواج الاحباط

ورغم تنقل بشري الفاضل بين التفاصيل التي نعايشها

والعالم الموازي في سرعه وتميز وفي مناطق احيانا تتسم بالحده

الا انه يظل قادرا علي الأمساك بزمام الامور وموازنتها

وجعلها تطفو وتسير في اتجاه محدد سلفا

الحكايه سرد كثيف لليومي الذي يبدو مقرفا احيانا

لكنها تجعله في بعض الاحيان نضرا

كاننا نعيد نظرتنا اليه من خارجنا من مكان ما اخذنا اليه بشري الفاضل

فنعيد التقييم ونحبس الامتعاض

ونناجز الاستسلام في محاوله تبدو خضراء للقفز خارج نطاق التراجع

علي كل حال بشري استطاع ان ينشف ريق التقهقهر في الكتابه

بأن شق لنفسه اسلوبا ذا ترف واتساع

عوض خضر 10-11-2010 07:22 AM

خاتمة حكاية البنت التي طارت عصافيرها هي الجزء الذي تجلي ابداع بشري الفاضل به

فالخاتمه جزئيه تصلح للفك والتركيب من عدة اوجه

او بمعني ادق خاتمه لوحه ذات ازدواجيه يمكن ان تقرأ بعدة اوجه

فالمتابع للسرد الذي لايبدو ياخذ منحي نمطي

يبدأ في تحسس بعض الخشونه في المسار وتبدأ بعض المعالم في التوارد كعلامات الطريق

الخاتمه يمكن ان تقرأ كان الحلم قد نفق وخلق فجوه بين واقع المسحوق والاخرين

ويمكن ان تقرأ بانها يقظه ضروريه كان لابد منها

وهنا يتداني مفهوم اليقظه مع تعبير الجنون

التساءل هنا هل هذا تنسيب والجنون يقظه في مرحله ما يتادنيان حتي تضيع ملامحهما

اليس الامر يبدو وكان الكاتب ينبه لان تفاصيل مايدور حولنا

غيبوبه

الامر سيان فبشري اوصلنا الي مرفأ متفجر كما قدمت مرفأ لايحسسنا بالامان

فالأمان خديعه عند البعض الركون الي التوقف عن اللهاث تجميد للمفاهيم

لقد تركنا عند مرحله جديده من الوعي مرحله تزلزل الكيان

لكنها بالتاكيد ستؤدي الي فهم جديد

اهم ما ميز الاقصوصه هو احساسنا انها تشبهنا ترسم معاناتنا بحذق

تترصد انفلاتنا واستسلامنا وتضجرنا واندفاعنا

واحيانا ترددنا في التعامل بوعي

اهم مافي الخاتمه انها وضعت حدا للتلاقح بين المسحوق والاخرين


وجعلت الهوه تبدو واسعه بين من يعلم ويدري انه يعلم وبين من لايعلم ولايدري انه لايعلم

عوض خضر 10-12-2010 06:41 AM

حملة عبدالقيوم الانتقاميه

تبدو وكأنها تنفيث لغضب عارم

تبدو وكأنها غضب سال وعم الطرقات


والغضب المسال هنا ياخذ مناحي شتي

في الدمار من هصر الاجساد الي هدم البيوت

لم ينج احد من فوران تلك الثوره التي كانت مكتومه فتره طويله

حسب اشارة الكاتب الي أن الجمجه لم تخرج الا بعد ان تغيرت حتي حركة السير

عبدالقيوم نموذج اخر للمسحوقين

بشري الفاضل استخدم طريقته المعهوده

حيث لافواصل او موانع بين العالم الواقعي والعالم الموازي

استخدم نفس البراعه وتنقل بينهما

حيث المتاح في المنطقه الواقعه بين العالمين يبدو فسيحا بحجم ذاك الغيظ

لكنه انه لم يوغل كثيرا

وانما ابتعد داخل تلك المساحه مسافه لقطع نفس قيود الواقع

ومن ثم عاد متابطا مرونه تتيح له شد اوتار غضبه الي ابعد الحدود

وكذلك استخدم معرفته العميقه

بسلوكنا اليومي العادي

واستقدم الشخوص المتوقع تواجدهم في الحيز المزمع تزيينه

فاحسسنا بالالفه تجاه الكل

الاذان ذو اللكنه المصريه

والمتحدثين الاخرين كل منهم حسب التراكمي الذي يحمله علي عاتقه

نقش الصوره الكاريكاتوريه القاتمه المعهوده

ونصبها امام اعيننا

واستفزنا وجعل غضب عبدالقيوم ينخر في وعينا

استخدم توابله ايضا في العالم الموازي

حيث جعل سخرية الاسماك

علي الجمجمه التي تبحث عن السكينه عينه من سلوكنا

المتوقع في العالم العادي

ولكنه برع في جعل النيل مستودع ضخم للسكينه والطمأنينه

وجعله خاتمة مطاف الغضب المتحرر

كأن حملة عبدالقيوم ثوره اوشكت علي النفاذ الي رحابة المعقول

مره اخري استطاع بشري

ان يستوقفنا برهه كي نلتقط اشياءنا التي تساقطت منا عنوة

ويتركنا في حيره ستفرز الكثير من الأسئله

عوض خضر 10-13-2010 09:08 AM

في سيمفونية الجراد

انتقل بشري بكامل ادواته الي العالم الموازي

استقر هناك حاملا اشيائنا العاديه ليضيف رونقا لتلك العوالم

لكنه فأجانا برحيله الكامل

هنا لم يستقر في المنطقه الفاصله وانما انتقل كلية

وتجاوز الخيوط التي تشده الي اوتاد بعينها

ورفض التودد للوقائع التي تبدو حبيسة الالتزام بانماط معينه

كانه تجرد من تباينه وسعي للغوص بعيدا

لقد كان تجريدا رائع

يحتاج للكثير من اللهاث خلفه لسبر اغواره

عوض خضر 10-17-2010 06:45 AM

عصامى

د. بشرى الفاضل


عاش في قديم الزمان وسالف الأنظمة والأزمان. عصامىّ همام. تعلم الأبجدية فعصمه حبه لها عن اللهو الزائد. وتعلم القرآن والحديث فعصمه هذان عن اللفظ المشين. ثم تعلم الإنجليزية فعصمته هذه عن جهل المناطق المقفولة. ثم سلك في طريق المعرفة فعصمته هذه عن الذلل دهراً.
ولكن الوظيفة، بفعل اللا شهادات ظلت عنه محجوبة وذات بريق، حتى حل بالمدينة غزاة .فعينوه جابياً للضرائب فرضى وانتشى ثم رحل الغزاة وحل مكانهم بعض من بني جلدتهم فعينوه كاتباً عاماً يكتب عن الكبدة وأبى دمام وأبي تمام وأبي دلامة وأبي فرار وأبي الحصين وأبي نافورة وعن دواء الشقيقة، ومصر الشقيقة، وعن أصل الكون وترفع المثقفين، وهكذا ظل العصامى يكتب ويهرطق حتى دهمه السيل فاصابته هاء السكت، فسكت.

عوض خضر 10-21-2010 06:00 AM

قصاصات لذيذه

يلقيها بشري الفاضل قصاصات صغيره لكنا مؤثره

في هذه القصاصه كانه استنجد باسلوب الف ليله وليله

ليجرد لنا نموذجا اخر

علي كل حال تبدا القضاصه الاقصوصه متماسكه

والقفل عليها هاء السكت

عوض خضر 10-31-2010 06:27 AM

محارب.

د.بشرى الفاضل


كان هناك محارب في زمن السلم. ارتقى أعلى المناصب في زمن السلم.
وبنى أعلى الأبراج والمكاتب في زمن السلم. وسكن أجمل المساكن في زمن
السكون. وعندما نشبت الحرب وجد طريقه إلى المستشفيات فلزم سريرا
بإحداها. وهناك أصابته هاء السكت ، فسكت..

عبدالمنعم 11-01-2010 05:43 AM


هضلبيم
شعر بشرى الفاضل
(هضلبيم) كلمة لا معنى لها. يرجى من القارئ العطوف إشباعها بمعنى إيجابي
أو بما يروقّ له من المعاني حسب مشاعره وهو يقرأ هذا الشعر .

هكذا أبصرُ نفسي
هكذا أبصرُ نفسي
عاثر الخطوِ عيياً وخجولا
كتب الوالدُ في دفتر يومياته:
( يُرتجى منه ولكنْ
ليس في كلِ الأماكنْ)
هل خبرتم ثم شخصٍ
ناضرٌ في قلبه والعود ساكنْ ؟
1972
هذه أقدم قصيدة يحتويها هذا الديوان.
علقتها على باب غرفتنا بداخلية (السوباط) بالبركس
حينما كنت أدرس بالسنة الثانية بكلية الآداب، جامعة الخرطوم.
كلمة(عيياً)اقترحها الصديق عبدالله بولا بدلاً عن كلمة لا أذكرها
من نفس الوزن حين قرأت عليه القصيدة فيما بعد في منتصف السبعينات.

قصائد الأنهار

النهر الأول
يسعى إلى حتفه
(1)
كان صيفاً ورعباً
ويقترب النهر في فزع
نحو ذاك المصب اللعين
تقول العذوبة ـ وهي تخلخل جيناتها
تتذكر ما فعلت أمهات لها
حين عادت مع الريح تحكي
تصيح العذوبة:
ـ ما أفظع الملح
ثم تمور بأحزانها وهي تبكي
وتجري كما موجة عنفتها الرياح
ويقطب منها الجبين
هو النهر
يسعى إلى حتفه بيديه
وإما بدا الساحل الأبيض
جرى النهر شرقاً وغربا
فأصبح خمسين نهراً
ويضحك بحر السكون الرهيب يقول:
إلى أين يا ولدي هارب من مآلك أين؟-
هو الملح يفصح عن شره للمياه صريح
يقول بصوت فقيه
وجبته من ثياب الوغى:
البدار البدار-
ويا نهر مهما جرى دمعك العذب
لا تنجون من الانحدار.
تقول الشواطئ ـ خمسون نهراً مئات الشواطئ ـ
يا سيدي فلنعد للمنابع.
تصيح المويجات
ـ يا والدي ..عتمة فسكون حذار!
يا نهر (غنى إلى نفسه النهر )
يا نهر
لا عاصم اليوم ينجيك
أو قل يخفف عنك النزيفا.
فلو كنت تملك ذهناً جديداً
لكنت بنيت السدودا
ولو كنت تملك مجرى بديلاً
يعود إلى الأم
كنت أمرت به أن يعودا
ويا نهر هذا هو البحر
مفترس الماء
فاهنأ به سبة
وتمتع بأملاحه
مأتماً وقعودا.
***
على رسله
أهدر النهر فضته الحيوية
في لجة
سعدت بامتصاص الحياة
التي تستغيث من الأقدار
بآهاتها كل عام
على رسله دخل المعمعان
وأظهر أحزانه زبداً في المكان

النهر الثاني
(2)

بكى ثم بكى وهو يضحك

وقفت على شاطئ مقفر
من بهاء التواصل
بين مياه السماء
وبين الشجر
فلا العندليب كان هناك
ولا العشًّ
أين الغصون؟
وحل مكان الغناء عواءٌ حزينْ
ومكان الشراعات حل الحريق
ومكان الفراشات قبّرة لا تفيقْ .
ونهرٌ تردت مكانته
فغدا جدولاً
فرّ منه الصليل
كشعر غريب
تنكر منه الخليل
ولولا المياه الكسيحة
ـ جادت بها السحب الأجنبية ـ
تمشي الهوينى
تلوت معهْ
لأصبح غوراً يبوساً
بوادٍ من الصمت والحزن
يسري فراغا مهيباً
ولكن بعضاً من الماء أسعفه من مؤامرة
للرمال
التي تصنع الموج فيها الرياح
فلم تطمرهْ
إذن كان يسدر في غيها
خاوياً حاملاً موجه الوهمي
بلا رقرقات
إلى أن يحين الموات
***
وسبّح لله بعض الطخا
ثمّ اقبل من كل فجٍ
ومن ثمّ أقبلت المزن
فالسحب الداكنة
وهبّت رياح من الحب والجاذبية
فجادت بماء تطوّف بالمنبعِ
كأن جيوشاً من الخير
أمست ترابض في الموقع
***
وذات صباح صحا الحبُّ
والزلزلةْ
فراقص ماءٌ وفيرٌ تباعيضَه
وهو يرفل في حلة الموج
في صفحة النهر
يمتح حسن النماءِ إلى العشب
والشجرِ
بكى النهرُ ثم بكى وهو يضحكُ
من محنة الأمس
في الناس
والرمل
والجدولٍ

النهر الثالث
(3)
لا تشربوه

أنا النهر
أملاً نفسي حبورا وماءً
وأهرع في كل يوم شمالاً شمالا
سعيداً
و منتشياً بأماني المصب
فلا تشربوني
عسى أن يكون المصبُّ
مفاجأةً لا تشابه أمعاءكم
وانشروني
على كل بيداء
حتى يكون مصبي
عريضاً بحجم الأماني
تحذرني موجة سبقت نحو شلال روحي
بألا اصب ببحرٍ
بلاغاية فيه
سوف أجُنْ
وفي السر اعلم أني سوف أكون
سدى
عدمياً
كمولدكم موتكم
حين أنبع ثم أصبْ
إذا لم أمد يدي مثلكم للمعاني
أصدّ بها قبح ما تفعل الميكانيكا

جدة
فجر الجمعة 1 نوفمبر 2002
الساعة الخامسة إلا الثلث
مباشرة بعد محادثة هاتفية لطيفة جاد بها الشاعر محمد مدني من الرياض
بشرى الفاضل


عوض خضر 11-06-2010 10:06 AM

تكنوقراطي

د.بشرى الفاضل


في زمن المجاعة استدعى الوالي تكنوقراطياً لمجلسه وقال له:
- يا تكنوقراطي يا همام أريدك لمهمة. تنحنح التكنوقراطي وقال بأدب جم:
- يا مولاي نخدمك وأنت رئيس.
فصاح الوالي العالي:
- يا تكنوقراطي أجمع لي زكاة تكسوانة قاطبة.
فقال التكنوقراطي:
- أمرك مطاع يا مولاي.

ثم انحنى بأدب خارجي تعلمه وخرج.وفي بيته فكر التكنوقراطي ثم فكر.
" تكسوانة " كلها جائعة، الزكاة والحال هذه لن يرضى عنها الوالي إن جمعناها خبط عشواء. لا بد من التخطيط. وفي الصباح اليوم التالي أذاع التكنوقراطي بياناً أنشأ على أساسه شعبة لجباية الزكاة ثم أسعفه في المساء ببيان لإنشاء شعبة للبحث عن الولاة المتفقهين الباحثين عن الجباة الباحثين عن الزكاة.
وفي صباح اليوم الذي يليه كون مكتباً للباحثين عن البحاثة الباحثين عن الولاة الباحثين عن الجباة الباحثين عن الزكاة.
ثم كون بعد أسبوع وزارة للباحثين عن البحاثة الباحثين عن الفقهاء الباحثين عن الجباة الباحثين عن الزكاة.. ولم يكتف التكنوقراطي بهذا بل امتدت يده الطولى إلى مجوهرات الوالي لدعم مشاريعه الاستثماروضريبية التنموية- الأخلاقية الهائلة. الطالعة مثل السلعلع الجهمني العائرة السوط. وشعر الوالي بالحركة تحت عرشه بحثاً عن المجوهرات فمد يد بطشه ببنية في فلك التكنوقراطي. لم يصدق الأخير لكن توالت ضربات الوالي مع الركل والسحل حتى جرى التكنوقراطي المسكين وصاح كمعكوس أرشميدس:
- لم أجدها.. لم أجدها.
أوقفوه وقد عرفوه فسألوه:
- لم تجد ماذا؟
ولكن التكنوقراطي كان قد أصابته هاء السكت، فسكت.

عوض خضر 11-13-2010 07:55 AM

فاتنة

د. بشرى الفاضل

كانت هنالك فاطمة. وهي كانت فاطمية مفطومة، فطنة وفاتنة.
فطعمها أهلها عن المدرسة باكراً فذبلت نصف ذبول. ثم فطمها أبوها عن الطفولة فزوجها – وهو المعز لدنيا البريق الفاطمي – زوجها لمهاجر وضمها الأخير لأملاكه. ثم تركها وسط غليظين فساموها سوط القهر. عاشت سنة من التعاسة وسنة من التبلد وسنة ثالثة كبيسة. أنجبت – هذا الصيف- توأمين فكان المخاض بحراً من الغبن والدماء. طالبت زوجها بالطلاق فقوبل طلبها بالزجر والضرب. وطالبت أبوها بالطلاق فقابل طلبها بالتهديد والضرب. ثم
طالبت أمها بالطلاق فقابلتها أمها بشتائم نكوصية ترتد على الأم وتمزق وجدان فاطمة المفعم بالخوف والحب. طالبت فاطمة طوب الأرض ومناشير الدجالين وحارات الموتى، وتاريخ الغلب، فما جاءها إلا الصدى. قبل أن يمضي الصيف انتحرت فاطمة.

وأصابت أمها هاء السكت ،فسكتت.

عوض خضر 12-05-2010 07:19 AM

أغلبية

د.بشرى الفاضل

كان هنالك حقل من البصل )أخضار!( وخضرة البصل تسر الناظر. عاش لعدة شهور في ألفة ورواء ومنعة، إلى أن جاء يوم ظهرت فيه أعراض المرض على بصلة في منتصف الحقل. واجتمع البصل الذي حولها وقرر أن يقتلعها حتى لا تنتقل العدوى لكل الحقل. وبينما كان البصل السوي يتشاور مع جماعاته العديدة، ظهرت أعراض المرض على جارات البصلة، فقررت جموع البصل اقتلاع البصلة المريضة وجاراتها. واحتجت الجارات البصليات، ودخلن
في مشادات مع كبار البصل ومع المسمس على السواء. واستمرت المعارك الكلامية لأسبوع كامل انتقلت خلاله العدوى إلى دوائر بصلية جديدة.
وهكذا ظل البصل يتناقل فيروس المرض ويتحاور يومياً ويباصر إلى أن أصبح الحقل
كله موبوءاً بمرض البصارة، عدا بصلة واحدة في طرف الحقل. وفاحت في أجواء الحقل روائح نتنة من سائر البصل عدا بصلة واحدة كانت في ركن الحقل، رائحتهاكالمسك.. وقررت البصلة السوية، التي أصبح صوتها جهورياً، والحقل يهمس، أن تنفي البصل التالف حتى لا يعديها. ولكن ذلك البصل كان أكثرية في الحقل. لذا صاح في بصلة العافية بصوت واحد:

- تقلعينا؟

وأردف متهكما:

- بالله؟!

وفي حركة خاطفة حدث النقيض. إذا هجم البصل التالف الغاضب على البصلة السوية المتطاولة فاقتلعها ورمى بها بعيداً وهو يزفر حنقا ويشهق غيظاً ومع ذلك فإن البصل الذي أصبح سيدا للحقل كان قد أدرك أن غلبته بلا طائل فهي غلبة خائبة، لذا فقد أصابته هاء السكت فسكت.


All times are GMT. The time now is 07:58 PM.

Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com